المسار : أبراج غزة، حرب تضاف إلى حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. أجمل ما في غزة بحرها المعانق لكورنيشها وأبراجها؛ هذه الأبراج رمز حضاري في المدينة، تضم آلاف الأسر فهي بمثابة أحياء قائمة على الأرض، والعيش في بيت بعد العودة من الخيمة حياة لا يرغب أهالي مدينة غزة في مفارقتها، وهو ما يدركه جيش الاحتلال ويسعى لتدميره ليفقدهم الأمان ويدفعهم إلى النزوح من جديد.
وبالفعل، كل يوم تستفيق مدينة غزة على خبر إخلاء أحد الأبراج، تارة يكون بالقرب من ميناء المدينة، وتارة في حي تل الهوى، وأخرى في أطراف حي النصر. هذا التتابع في الاستهدافات والإخلاءات جعل جميع سكان الأبراج ومحيطها يعيشون حالة من القلق المستمر.
يقول وسام أبو كلوب (35 عامًا) لـ«القدس العربي»: «عدت من جنوب القطاع حيث كنت أعيش نازحًا في خيمة، على أمل أن أنقل خيمتي إلى مخيم جباليا، لكنني فوجئت أن المخيم قد مُسح ولم يعد هناك مكان لوضع خيمة. كل ما تراه هناك هو الركام، فاضطررت للعيش في حي تل الهوى في أحد المخيمات التي أقيمت للعائدين».
وأضاف: «خيمتي منصوبة في أرض وسط عدد من الأبراج. عشت رعبًا كبيرًا يوم تهديد برج الرؤية السكني. خشيت أن يصيب ابنتي مكروه، فهي تعاني من مشكلة في عضلة القلب وكنت أخشى ألا تتحمل قوة اندفاع الهواء والصوت المرتفع. وبعد طول انتظار تم استهداف البرج وتخطينا الخطر من دون أن تتطاير علينا أجزاء الركام وتدمر خيمتنا. وفي اليوم التالي تم تهديد برج الرؤيا التجاري، وعشنا الخوف من جديد».
وأوضح أنه يعيش هذا القلق بشكل دائم، محاصرًا بالأبراج، وإن نجا من ضربة فقد يتضرر أو يُصاب أحد أفراد عائلته من استهداف برج آخر. ومع ذلك، لا يرى أن النزوح حل، إذ يعتبره تمهيدًا لجيش الاحتلال لتدمير مدينة غزة واحتلالها.
ثلاث سيدات وحدهن
هذه الاستهدافات شردت مئات الأسر، ومن بينها السيدة عزيزة (70 عامًا) التي فارقت بيتها في حي الزيتون لتنشئ خيمة صغيرة رفقة ابنتيها قرب برج الرؤيا التجاري المقابل لجامعة الأزهر غربي مدينة غزة. تعيش السيدات الثلاث وحدهن؛ فالأم فقدت أبناءها، وإحدى الابنتين فقدت زوجها، والأخرى فقدت زوجها وأبناءها. وكن يعتبرن أن هذه الخيمة كافية للعيش في «ستر الله لحين العودة إلى البيت».
وتقول: «إثر استهداف البرج تم تدمير خيمتي. هذه الليلة سأبقى في الشارع. لا أعلم أين أذهب أو ماذا أفعل. كل ما أملكه كان هذه الخيمة التي أنشأتها لأعيش بها وها أنا قد فقدتها. وعندما جاء التحذير لم أتمكن من أخذ أي شيء من الخيمة، وفقدت كل ما فيها، ولا أملك المال لبناء خيمة جديدة».
لم يعد من مكان حتى لخيمة
أما كرم حمدونة (33 عامًا) الذي يعيش مع أسرته في بقايا شقة في برج النصر في حي النصر غربي مدينة غزة، فيقول: «بيت أهلي استُهدف في الأسبوع الأول من الحرب. خاطرت بنفسي وبأسرتي وأزلت الركام وأسكن الآن في شقة في الطابق العاشر دون مصعد. أنقل المياه يوميًا وألبي احتياجات البيت وأتحمل خطر بقاء أطفالي في بيت جدرانه متصدعة ومعرضة للسقوط، فقط من أجل أن يكون لدينا سقف يؤوينا. وفجأة، يريد جيش الاحتلال تشريد آلاف الأسر التي تعيش في الأبراج».
«أين نذهب؟»
ويضيف: «أين نذهب؟ من سيمول نزوحنا ويوفر لنا خيامًا؟ من سيعوضنا عن كل الإصلاحات التي أجريتها في الشقة لأعيش بخصوصية؟ من سيعيد بناء هذه الأبراج؟ هل يعتقد جيش الاحتلال أن من يحاربونه يقفون على أسطح الأبراج بانتظاره؟».
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد نشر بيانًا في 5 أيلول/سبتمبر قال فيه: «في إطار العمليات العسكرية المستمرة ضد البنية التحتية لـ»حركة حماس» في قطاع غزة، استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية برج المشتهى في مدينة غزة. البرج كان يُستخدم من قبل حماس كمركز عمليات، بما في ذلك تنفيذ هجمات ضد القوات الإسرائيلية. تأتي هذه العملية في إطار الجهود المستمرة لتدمير البنية التحتية العسكرية لحماس في القطاع».
ويُذكر أن هذا الهجوم جزء من حملة عسكرية موسعة شنها الجيش الإسرائيلي على الأبراج السكنية في مدينة غزة، حيث استهدف عدة أبراج أخرى ما أدى إلى تدميرها بالكامل. وكان أفيخاي أدرعي قد نشر خريطة مموهة تُظهر نقاطًا حمراء على عدد كبير من أبراج مدينة غزة المنوي استهدافها.
أما «المكتب الإعلامي الحكومي» فقد نشر بيانًا أدان فيه استهداف الأبراج السكنية في مدينة غزة، واصفًا ذلك بـ»جريمة حرب وتهجير قسري». وأشار البيان إلى أن مدينة غزة تضم 51,544 مبنى وبرجًا سكنيًا، تُستخدم جميعها للسكن المدني ولا تحتوي على أي نشاط عسكري. وأكد أن المزاعم الإسرائيلية بشأن وجود بنية تحتية عسكرية داخل هذه الأبراج «أكاذيب» تهدف إلى تبرير استهداف المدنيين ودفعهم للنزوح القسري. كما شدد البيان على أن هذه الهجمات تأتي ضمن سياسة ممنهجة للتهجير القسري واستهداف المدنيين.