المسار : تصرّ إسرائيل في هذا الوقت على عدم الانتقال إلى مرحلة بدء التفاوض أو الحديث عن “المرحلة الثانية” من اتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع فصائل المقاومة الفلسطينية، قبل انتهاء عملية تسليم جثامين الأسرى الإسرائيليين الموجودين في قطاع غزة، بخلاف بنود الاتفاق. ومن غير المتوقع حتى اللحظة أن تحقق اللقاءات التي تُعقد في تل أبيب والقاهرة أي اختراق حقيقي في هذا الملف، بسبب التعنت الإسرائيلي.
وأكد مصدر فلسطيني مطلع أن الحكومة الإسرائيلية حتى الآن لم تُعطِ أي إشارة على إمكانية بدء مفاوضات المرحلة الثانية، وأن حديثها مع الوسطاء خلال الأيام التي تلت بدء تطبيق الاتفاق اقتصر على تنفيذ المرحلة الأولى، وتحديدًا إنجاز عملية تسليم جثامين القتلى الإسرائيليين في غزة، إلى جانب عمليات إدخال البضائع والمساعدات إلى القطاع.
وحسب المصدر، فإن هناك صعوبات تواجه بدء مفاوضات هذه المرحلة، في ظل العراقيل التي تضعها الحكومة الإسرائيلية أمام تنفيذ المرحلة الأولى، مشيرًا إلى أن إسرائيل، وخلال اتصالات استكشافية أجراها الوسطاء مطلع هذا الأسبوع، اشترطت تسلّمها كامل رفات قتلاها في غزة أولًا قبل الموافقة على الانتقال إلى مناقشة المرحلة الثانية.
وأشار إلى أن هذا الموقف قوبل بتذمّر من الفصائل الفلسطينية نُقل إلى الوسطاء، حيث طالبت الفصائل بأن تطلب الإدارة الأمريكية من إسرائيل الإيفاء بالتزاماتها وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
وتنص المرحلة الثانية، وفق اتفاقية وقف إطلاق النار التي وُقعت في مدينة شرم الشيخ المصرية، على أن تبدأ مفاوضات هذه المرحلة في هذا الوقت لبحث مستقبل قطاع غزة، والجهة التي ستتولى إدارة الحكم فيه، وكذلك بحث ملف سلاح المقاومة في القطاع.
وجاء ذلك بالتزامن مع بداية لقاءات وفد حركة “حماس” القيادي برئاسة خليل الحية في القاهرة مع الوسطاء المصريين، في الوقت الذي بدأ فيه مبعوثا الإدارة الأمريكية ستيف يوتكوف وجاريد كوشنر عقد لقاءات في تل أبيب حول الملف ذاته مع مسؤولي الحكومة الإسرائيلية.
مطالب “حماس”
ووفقًا للمعلومات المتوفرة، سيعرض وفد “حماس” على المسؤولين المصريين شرحًا مفصلًا لكل الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار منذ لحظة تنفيذه يوم الجمعة قبل الماضية، وسيطلب من الوسطاء دورًا أكثر فاعلية في مراقبة تنفيذ الاتفاق ومنع إسرائيل من ارتكاب مزيد من التجاوزات.
كما سيطلب الوفد تنفيذ باقي بنود المرحلة الأولى من الاتفاق، المتعلقة بإطلاق سراح دفعة من الأسرى الأطفال والأسيرات، إضافة إلى الإفراج عن طبيبين من قطاع غزة جرى اعتقالهما بعد السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023، إذ كانت هناك تفاهمات على إطلاق سراحهما مع بدء عمليات تسليم رفات القتلى الإسرائيليين.
وسيركز وفد “حماس”، ، على ضرورة تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق كاملة، بما يشمل توسيع عمليات إدخال المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية والوقود، وإدخال معدات ثقيلة للمساعدة في فتح الطرقات وإزالة الركام، ومواد بناء لترميم شبكات البنية التحتية وإصلاح خطوط المياه، بالإضافة إلى إدخال خيام لإيواء النازحين الذين تدمرت منازلهم مؤخرًا.
وإلى جانب اللقاءات مع المسؤولين المصريين، سيلتقي وفد “حماس” بعدد من قادة الفصائل الفلسطينية في القاهرة للتشاور حول التطورات الأخيرة، خاصة بعد أحداث الأحد التي كادت أن تنسف اتفاق التهدئة، مع تأكيد الحركة التزامها ببنود الاتفاق.
وقد أعلنت الحركة بعد أحداث الأحد التزامها الكامل بالاتفاق، وحمّلت إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أي تدهور أو انهيار للتهدئة.
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي على الأهمية البالغة لالتزام طرفي اتفاق شرم الشيخ بنص الاتفاق الخاص بوقف الحرب في غزة، وضرورة النفاذ الكامل للمساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة، مشددًا خلال اتصالات أجراها مع نظرائه في فرنسا والدنمارك على أن احترام الاتفاق يمثل خطوة أساسية نحو تثبيت التهدئة وإنهاء الحرب بشكل دائم، والحد من المعاناة الإنسانية في قطاع غزة.
وكان ضياء رشوان، رئيس “الهيئة العامة للاستعلامات” في مصر، قد قال في تصريحات نقلتها مواقع إخبارية مصرية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لاستغلال قضية تأخير تسليم جثامين الشهداء الفلسطينيين كورقة سياسية يستخدمها لتأجيل المرحلة الثانية من الاتفاق، وهي المرحلة التي تتضمن استحقاقات كبرى تُحرجه أمام الداخل الإسرائيلي.
وأوضح رشوان أن المرحلة الثانية تشمل قضايا معقدة، مثل الانسحاب الكامل من قطاع غزة، وتمكين “السلطة الفلسطينية” من إدارة القطاع، وضمان وجود أمني إقليمي أو دولي لحفظ الاستقرار، وقال: “إنها نقاط يبدو أن نتنياهو يحاول التهرب منها أو تأجيلها قدر المستطاع، في ظل ضغوط سياسية داخلية”.
وفي تصريحاته، أكد رشوان أن ملف سلاح “حماس” يُعد من أكثر القضايا حساسية، إذ تسعى إسرائيل إلى نزعه تمامًا، فيما تصر الحركة على اعتباره حقًا مشروعًا للمقاومة. ولفت إلى وجود اقتراح يتم تداوله يقضي بتجميد سلاح “حماس” خلال هدنة تمتد عشر سنوات بدلاً من نزعه، كحل وسط يحقق التهدئة ويتيح استقرارًا مؤقتًا يمهّد لمرحلة جديدة من التفاوض والبناء السياسي في غزة.
وفي سياق متصل، طالبت “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” القيادة الرسمية الفلسطينية بالإسراع في التوافق على تشكيل وفد فلسطيني موحد يتحمل مسؤولياته باسم الكل الفلسطيني، في مواجهة استحقاقات المرحلة الثانية من “خطة ترامب” بشأن قطاع غزة. ودعت إلى الإسراع في تشكيل هذا الوفد لقطع الطريق على تغييب الشعب الفلسطيني وحقوقه في ترتيبات المرحلة الثانية.
وحذرت “الجبهة الديمقراطية” في بيان، من أن “الأطراف المعنية بالمرحلة الثانية تنشط في رسم تصوراتها وخططها لهذه المرحلة حتى قبل بدء المفاوضات بشأنها، مؤكدة أن تقديراتها تشير إلى أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، المرشح لرئاسة ما يسمى “مجلس السلام”، لم يتوقف عن التحرك ورسم الخرائط والسيناريوهات والآليات المفترضة لرسم مستقبل القطاع، ومن خلفه مستقبل القضية الفلسطينية، بعيدًا عن أي التزام بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني التي تكفلها قرارات الشرعية الدولية”.