إسقاط أحكام التقادم.. محاولة إسرائيلية لشرعنة الاستيلاء على أراضي القدس

المسار : تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ ثلاثة أيام تسليم إخطارات جديدة لأصحاب الأراضي في قرية قلنديا شمال القدس وسط الضفة الغربية، تشمل مساحات واسعة من المزارع والبنايات السكنية الواقعة على جانبي الجدار الفاصل، شرقًا وغربًا. وتُعد هذه الأراضي ضمن الحدود الإدارية لمدينة القدس، ما يمنحها أهمية استراتيجية في المخطط الإسرائيلي الهادف إلى توسيع مستوطنة “عطروت” الصناعية المقامة على أراضي الفلسطينيين شمال مدينة القدس.

وتقع مستوطنة عطروت شمال القدس على أراضي قلنديا ومحيط مطار القدس؛ الذي أغلقته سلطات الاحتلال منذ عام 2000، وتعمل حاليًا على تحويله إلى مشروع استيطاني ضخم يضم آلاف الوحدات السكنية والمناطق الصناعية والتجارية. ويهدف هذا المشروع إلى عزل القدس عن امتدادها الفلسطيني شمالًا، ومنع أي إمكانية لربطها بمناطق أخرى في الضفة الغربية؛ في إطار مخطط لتوسيع السيطرة الإسرائيلية الكاملة على محافظة القدس.

ويقول شريف عوض الله، وهو أحد أصحاب الأراضي المخطرة، خلال حديث مع “العربي الجديد”، إن الإخطارات وصلت إليهم صباح اليوم “مفاجئة وغير مسبوقة”، موضحًا أن المساحات التي شملتها الإخطارات خلال اليومين الماضيين تتجاوز 350 دونمًا، بينها أراضٍ مزروعة بالزيتون والعنب، وأخرى مبني عليها منازل ومنشآت يستخدمها السكان منذ عقود.

 ويشير عوض الله إلى أن الاحتلال يعتبر كل بناء أو أرض مزروعة أو منشأة في المنطقة “تعديًا على أملاك الدولة”، رغم امتلاك الأهالي وثائق “طابو” رسمية تعود للعهدين البريطاني والأردني. ويلفت إلى أن سلطات الاحتلال سلّمت هذه الإخطارات من خلال ما تُسمى “الوحدة القُطرية للرقابة على البناء”، التابعة لسلطة أراضي “إسرائيل”، وتنصّ على قرارات إخلاء فورية بدعوى أن الأرض مستملكة لدولة الاحتلال.

ويؤكد صاحب الأرض أن هذه الإخطارات تأتي بعد نحو خمسين عامًا من إصدار أوامر مصادرة صدرت في أوائل سبعينيات القرن الماضي لتوسيع مستوطنة “عطروت”، التي كانت تُعرف آنذاك باسم “مستعمرة قلنديا”، قبل أن تُعاد تسميتها “عطروت” نسبةً إلى خربة عطارة الواقعة بين قلنديا وكفر عقب، التي يزعم الاحتلال أنّ لها جذورًا توراتية. ووفق عوض الله، فإن السكان “لم يغادروا أراضيهم يومًا رغم قرارات المصادرة القديمة”، بل حافظوا عليها وزرعوها وبنوا فيها منازل وبنايات، معتقدين أن تلك القرارات سقطت بالتقادم لعدم تنفيذها منذ عام 1974.

ويصف المصدر ذاته أسلوب الاحتلال بأنه “زاحف”، إذ يجري تسليم الإخطارات تدريجيًا منذ ثلاثة أيام، بدءًا من غرب الجدار نحو شرقه، حيث “توسعت من الأراضي الزراعية إلى الأراضي التي تستغلّ من أصحابها لتكون مواقف للبنايات، ثم إلى الأراضي المقامة عليها منازل”. ويشير إلى أن هذه الإخطارات “تطاول عشرات البنايات التي يقطنها مئات المواطنين من أصل نحو ألفي نسمة يعيشون في قلنديا”، في ظلّ مخاوف من زحف الإخطارات التي تطاول جميع الأراضي التي يسعى الاحتلال للسيطرة الكاملة عليها ضمن مشاريع تهجير الفلسطينيين، وإحلال المشاريع الاستيطانية.

“انتقائية واضحة”

من جانبه، يؤكد المستشار القانوني لمحافظة القدس، مدحت ديبة، خلال حديث مع “العربي الجديد”، أن مبدأ التقادم يُعدّ من القواعد القانونية الراسخة، إذ يسقط الحق الذي لم تُقدَّم بشأنه مطالبة خلال المدة المحددة قانونًا، وذلك ينطبق على الأراضي المخطرة في قلنديا. غير أن القضاء الإسرائيلي، كما يقول ديبة، “بات يتعامل بانتقائية واضحة مع هذا المبدأ، من خلال إيجاد تخريجات قانونية تتيح استثناء بعض القضايا من أحكام التقادم، ولا سيما تلك المتعلقة بالأراضي التي تصنفها إسرائيل على أنها أراضي دولة أو تدّعي أنها ملكيات يهودية قديمة”.

ويشير ديبة إلى أن هذه السياسة تحاكي بوضوح ما يجري في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، وخصوصًا في حيّ بطن الهوى، حيث إن “بعض المنازل المخطرة التي يسعى الاحتلال لاستثناء أحكام التقادم فيها، يسكنها أصحابها منذ ثمانين عامًا، أي إنها سقطت قانونيًا بالتقادم منذ زمن بعيد لأن المهلة المحدّدة للتقادم 15 عامًا، لكن القضاء الإسرائيلي منح دولة الاحتلال مبررًا بالقول إن العقارات التي تُخول للتقييم العام تُعتبر أملاكًا عامة لا يسري عليها قانون التقادم، وهو ما يسمح بضمها إلى ما يُسمّى أملاك الدولة”.

ويؤكد المستشار القانوني أن الغرابة تكمن في أن “الاحتلال بدأ يطبق هذه المبررات حتى على أراضٍ لا تخضع أصلًا للسيادة الإسرائيلية، كما في قرية قلنديا الواقعة شرق جدار الفصل العنصري، التي يفترض أن تكون خارج نطاق السيطرة القانونية للاحتلال، غير أن إسرائيل تتعامل معها باعتبارها جزءًا من أراضيها، في خطوة تعكس تمدد السيادة الإسرائيلية الفعلية إلى عمق الضفة الغربية، في مخالفة صريحة للقانون الدولي”.

المصدر : العربي الجديد

Share This Article