ترامب يقود تحركات لدفع السعودية نحو التطبيع وسط غموض الموقف السوري

المسار : عاد الحديث مجددا عن الاتفاقات الإبراهيمية بعد قمة شرم الشيخ التي بدت وكأنها تعيد فتح ملف التطبيع في المنطقة ضمن رؤية أمريكية لإحياء مسارات السلام الإقليمي. ويرى مراقبون أن انضمام المملكة العربية السعودية إلى هذه الاتفاقيات، في حال تم، قد يشكل نقطة تحول ويفتح الباب أمام دول أخرى للحاق بركب التطبيع.

وفي هذا السياق، تثار تساؤلات حول موقع سوريا من هذه الترتيبات الجديدة، وإمكانية انضمامها إلى هذا المسار، خاصة بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تحدث فيها عن نية إسرائيل إبقاء قواتها في الجنوب السوري وجبل الشيخ.

وقال الخبير في العلاقات السورية الإسرائيلية خالد خليل إن قمة شرم الشيخ تمثل محطة رئيسية في إعادة إحياء معادلات السلام الإقليمي، مشيرا إلى أنها إعلان صريح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بالعودة إلى المسارات التي سبقت عملية السابع من أكتوبر، وحرب الإبادة الجماعية التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة طوال عامين دون أن تحقق أهدافها.

وأشار خليل في حديثه لقدس برس إلى أن إسرائيل خسرت شرعيتها السياسية تكبدت خسائر اقتصادية كبيرة، مؤكدا أن قمة شرم الشيخ جاءت ضمن ما سماه “الهندسة الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط”، والتي تهدف إلى إحياء مشروع السلام على غرار الاتفاقات الإبراهيمية الموقعة عام 2020.

ولفت إلى أن الهدف الأبرز من هذه التحركات هو ضم المملكة العربية السعودية إلى هذا المسار، موضحا أن الرياض كانت قد طرحت في حينها أربعة شروط أساسية: التحالف الدفاعي مع واشنطن، والحصول على أسلحة متطورة من بينها طائرات إف-35، والموافقة على برنامج نووي مدني، وأخيرا إيجاد مسار موثوق لحل عادل للقضية الفلسطينية.

وأضاف خليل أن هذه الشروط تم التوافق على معظمها قبل السابع من أكتوبر، إلا أن المجازر التي ارتكبتها حكومة اليمين المتطرف في غزة دفعت السعودية إلى تشديد موقفها ورفع سقف مطالبها، مشيرا إلى أن مؤتمر “حل الدولتين” الذي أطلقته الرياض مؤخرا يعكس هذا التحول.

وقال إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى إلى إعادة تسويق نفسه كرجل صفقات وسلام من خلال طرح ما يسمى “الدمج الاقتصادي والأمني” بين الدول العربية وإسرائيل بعد انحسار المشروع الإيراني وتراجع القوى الأيديولوجية غير الوطنية في المنطقة.

وأوضح خليل أن من أبرز ملامح هذه الحقبة زوال المشروع الإيراني وتراجع نفوذ حزب الله، إلى جانب بروز اليمين المتطرف في المشهد الإسرائيلي، مبينا أن نتنياهو اختار التصعيد الأيديولوجي وتبني خطاب إسرائيل الكبرى، حتى وصل به الأمر إلى استهداف منظومة الأمن الخليجي.

وحول موقع سوريا من هذه التحركات، أشار خليل إلى أن دمشق بعد سقوط نظام الأسد دخلت مرحلة جديدة من التفاهمات الميدانية مع إسرائيل، لكنها لم تصل إلى اتفاق سياسي، مؤكدا أن أي خطوة في هذا الاتجاه لن تكون تطبيعا منفردا بل ضمن مسار عربي شامل.

وأضاف أن التصريحات الأخيرة للمسؤول الأمريكي توم باراد تشير إلى أن سوريا باتت “الحلقة المفقودة في الفسيفساء الإقليمية”، وأنها تتجه نحو الانسجام والاستقرار بعد سنوات من التوتر.

وقال خليل إن المسارات السابقة شهدت محادثات برعاية أمريكية خلال الأشهر الماضية، تركزت على كبح الاعتداءات الإسرائيلية في الجنوب السوري، مؤكدا أنه إذا مضت المنطقة نحو سلام إقليمي تقوده السعودية، فإن سوريا ستكون جزءا منه بشكل أو بآخر.

من جانبه، قال المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية سامر اليامي إن مبادرة السلام السعودية التي أطلقت عام 2002 وتبنتها قمة بيروت تحولت إلى مبادرة عربية ثم إسلامية، مؤكدا أن القضية لم تعد شأنا سعوديا إسرائيليا فحسب، بل أصبحت التزاما جماعيا.

وأشار اليامي إلى أن المملكة والمنظومتين العربية والإسلامية لا تعارضان مبدأ إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، لكنها تشترط منح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة التي لا يمكن تجاوزها أو ضمان الاستقرار في المنطقة من دونها.

ولفت إلى أن الذهنية الإسرائيلية القائمة على فائض القوة تحاول فرض واقع سياسي بالقوة العسكرية، لكنه أكد أن هذه الهيمنة مرحلية ولن تدوم طويلا، موضحا أن التاريخ أثبت أن ميزان القوة يتغير دائما، وأن الغطرسة الإسرائيلية قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

وأضاف اليامي أن الدعوات العربية والإسلامية، وفي طليعتها السعودية، تدعو إسرائيل إلى قدر من الواقعية والعقلانية والابتعاد عن غرور القوة، مع ضرورة التراجع عن سياسات الاحتلال والاستيطان التي تمزق الجغرافيا الفلسطينية وتقوض فرص السلام.

يرى مراقبون أن قمة شرم الشيخ أعادت ترتيب مشهد العلاقات الإقليمية على نحو يعيد إنتاج مشروع التطبيع بصيغة جديدة، لكن الطريق أمام انضمام سوريا لا يبدو ممهدا في ظل التعقيدات الحدودية والتوازنات الإقليمية. وبينما تتجه واشنطن والرياض نحو مقاربة سلام مشروطة، تبقى دمشق في موقع المراقب، وسط مشهد إقليمي مفتوح على احتمالات متعددة بين الانخراط الحذر أو الاستبعاد المرحلي.

Share This Article