المسار : الأمم المتحدة – عن “القدس العربي”: قدّمت الدكتورة تلالينغ موفوكينغ، المقررة الأممية المعنية بالحق في الصحة، إحاطة صحافية تناولت خلالها الوضع الصحي في قطاع غزة والضفة الغربية، مع التركيز على الانتهاكات الممنهجة ضد العاملين الصحيين والمدنيين، والدمار الذي طال البنية التحتية الصحية، والآثار الإنسانية الناجمة عن العنف المستمر، بما في ذلك فقدان الأرواح وتأثيره على الأطفال والحوامل والمصابين بأمراض مزمنة.
وخلال الجلسة، سألت “القدس العربي” عن مقتل 1722 من العاملين الصحيين في غزة، مطالبة بتوضيح المسؤول عن هذه الانتهاكات. وأوضحت المقررة الأممية أنها تمثل ضحايا هؤلاء العاملين وتعمل على تأكيد إنسانيتهم، مشيرةً إلى أنها تختار عادةً عدم تكرار ذكر من قتلهم أو الإشارة المستمرة للاحتلال، لأنها تريد التركيز على الضحايا الفلسطينيين كأشخاص، مع التأكيد على أن الاحتلال غير قانوني، وأن هذا النهج لتسليط الضوء على الضحايا يأتي بالإضافة إلى الأرقام الرسمية التي قدمتها، كجزء من منهجيتها لتوثيق الانتهاكات وتقديمها بطريقة تضع الإنسان الفلسطيني في مركزها.
كما تناولت المقررة الأممية الانتهاكات الخطيرة التي طالت المستشفيات والعيادات، بما في ذلك تدمير 60 سيارة إسعاف خلال الهجمات الأولى، وانعدام القدرة على تقديم الرعاية الطبية للأطفال والحوامل والمصابين بأمراض مزمنة، إضافة إلى حرمان أولياء الأمور من مرافقة أبنائهم للعلاج، ما يزيد من المعاناة النفسية والجسدية. وأكدت أن جميع هذه المعلومات تدخل ضمن اختصاصها وفق الحق في الصحة، وهي موثقة بالكامل في تقاريرها الرسمية المقدمة لمجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة.
وردًا على سؤال ثانٍ من “القدس العربي” حول نشاط المقررين الأمميين في غزة خلال العامين الماضيين، قالت المقررة الأممية إنها كانت أول من وصف ما يحدث في غزة بالإبادة الجماعية في عام 2023، مؤكدة تمسكها الكامل بهذا التوصيف واعتباره دقيقًا وموثقًا، على الرغم من الانتقادات والاعتراضات التي واجهتها.
وأضافت أنها كررت هذا التوصيف مجددًا في مارس وأبريل 2024 في جنيف، مشددةً على أن وصف الأحداث بالإبادة الجماعية يعكس حجم العنف الواقع على السكان المدنيين ويجعل الحاجة للمساءلة الدولية أكثر إلحاحًا.
كما أوضحت المقررة الأممية أن مراقبتها تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث تصاعد عنف المستوطنين، مع مصادرة الأراضي الزراعية وتهجير السكان، وهو ما يشكل استمرارًا للانتهاكات التي تحدث في غزة. وأشارت أيضًا إلى الانتهاكات السابقة في لبنان، مؤكدة أهمية متابعة جميع مناطق النزاع لحماية المدنيين الفلسطينيين.
وحول الحالات الفردية للعاملين الصحيين المحتجزين، تطرقت المقررة الأممية إلى قضية الدكتور حسام أبو صفيّة، ووصفت احتجازه بأنه اختطاف مقصود يهدف إلى إلحاق الضرر النفسي والمعنوي، موضحة أن مثل هذه الانتهاكات تُحدث أضرارًا نفسية بالغة ليس فقط للمختطف، بل أيضًا لزملائه وعائلاته والمجتمع الصحي بأكمله. وأضافت أن مكتبها يتابع حالات أخرى، بما فيها الدكتورة آيات النجّار التي فقدت تسعة من أطفالها وزوجها، مؤكدة استمرار مناصرتها للإفراج عن جميع العاملين الصحيين، والمطالبة بتحقيق العدالة لهم ووقف أي أعمال عنف موجهة ضدهم.
وفيما يتعلق بالتحديات الشخصية والأمنية المرتبطة بعملها، أكدت المقررة الأممية أن عملها يتطلب مواجهة ضغوط جسدية ونفسية كبيرة، بما في ذلك تهديدات مباشرة، ومضايقات في أماكن عملها وفنادقها، ومحاولات للتأثير عبر الهيئات المهنية والطرود البريدية المشينة، وأضافت أن مثل هذه التجارب تعكس الطبيعة الصعبة والمعقدة لعمل المقررين الأمميين، وأنها تتطلب دعمًا أكبر من الأمم المتحدة لضمان السلامة الشخصية والمهنية.
وأشارت المقررة الأممية إلى أن الإجلاءات الطبية المحدودة التي تسمح لبعض المرضى بالحصول على العلاج كانت مستمرة قبل أكتوبر 2023، وأن القيود المفروضة على الوصول إلى المرافق الصحية تزيد من حجم الكارثة الإنسانية. وأكدت أن بعض الدول قدمت الدعم الطبي للأطفال الفلسطينيين الذين فقدوا أطرافهم، بما في ذلك العلاج الطبيعي والجراحة، بالرغم من القيود التي تفرضها إسرائيل كقوة محتلة، والتي تمنع وصول المساعدات الإنسانية وتهاجم حتى القوافل الطبية.
كما شددت المقررة الأممية على أن عملها متواصل منذ ما قبل 2023، لكن تصاعد العنف خلال العام الماضي زاد من أهمية المراقبة والتوثيق، مشيرة إلى أن الظروف السابقة كانت بالفعل مهيأة لحدوث انتهاكات واسعة النطاق يمكن وصفها بالإبادة الجماعية، وهو ما يعكس مسؤولية المجتمع الدولي في التحرك لوقف هذه الانتهاكات وحماية المدنيين ومحاسبة المنتهكين.
وأكدت المقررة الأممية للحق في الصحة أن تقارير هذا العام ركّزت بشكل خاص على العاملين الصحيين كمدافعين عن حقوق الإنسان، وأن جميع الهجمات والانتقام والترهيب الذي تعرضوا له قد وثق بدقة، داعيةً المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لحمايتهم واعتبار الدفاع عنهم جزءًا من الالتزام بحق الصحة كحق أساسي من حقوق الإنسان.

