الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

إسرائيل اليوم 30/10/2025

هكذا علقت إسرائيل في مرحلة ما بعد الحرب: هل يبادر ترامب بـ”صيغة تعايش”؟

بقلم: أرئيل كهانا

المعركة التي بعد الحرب – هذه هي النقطة التي تقف فيها إسرائيل الآن، وهي معقدة ومتحدية وتكلف حياة الإنسان، وتتشكل من عدة جبهات تلف إحداهما الأخرى.

أولاً، ينبغي أن نفهم بأنه لن تستأنف أي حرب عسكرية إسرائيلية على نطاق كامل ضد حماس. فوقف الحرب هو أحد إنجازات ترامب الأكبر، دولياً وأمريكياً داخلياً.

غير أن حماس تخرق وقف النار بمنهاجية. قتلتها يمسّون بجنودنا، ولا يعيدون الجثامين، ويوثقون السيطرة غربي غزة ويرممون البنى التحتية للإرهاب.

كل عمل من هذه الأعمال هو خرق فظ لخطة الـ 21 نقطة؛ غير أن أيادي إسرائيل مكبلة، بمعنى أن ترامب، كما رأينا جميعنا، لا يوافق على استئناف الحرب. هذه جبهة واحدة.

لكن يجب أن تقال الحقيقة، وهي الجزء الآخر من التحدي، الذي هو ليس ترامب فقط؛ فكل إنسان عاقل يجب أن يسأل نفسه ما الذي يمكن للجيش الإسرائيلي أن يفعله أكثر كي يقوض حماس ولم يفعله في السنتين الأخيرتين؟ فالمنظمة لا تزال حية ترزق، وليس بسبب الـ 25 في المئة التي لم يدخل إليها الجيش الإسرائيلي.

عملياً، ليس لطيفاً أن نقول إن هذه ليست رفح، التي دمرتها إسرائيل تماماً، ومع ذلك قتل في محيطها ثلاثة جنود في الأسبوعين الأخيرين. بمعنى أن الإبادة العسكرية وحدها لا تكفي. أيديولوجيا الموت التي تتبناها المنظمة مغروسة في قلوب الغزيين، وهناك المشكلة.

إذا كان كذلك، فما العمل؟

هنا، حسب خطة ترامب، يفترض أن تدخل “قوة استقرار دولية” (ISF) إلى العمل.

يقود الأمريكيون الحدث، لكنهم غير مستعدين لأن “يطأوا الأرض”، بحيث يبقى المارينز في الخارج. كان الأتراك مستعدين لإرسال الجنود، لكن إسرائيل لم توافق على أن يحرس “القط اردوغان” قشدة حماس التي يرعاها في البيت. كما أن جنوداً قطريين، إذا ما تواجدوا، استبعدتهم إسرائيل للسبب ذاته.

مع من بقينا؟ البريطانيون يقولون إنهم سيرسلون جنوداً إلى داخل غزة تماماً – لنعش ونرى. إندونيسيا الوحيدة هي من بقيت في الصورة. غير أنه -حسب قانون جاكرتا، قرار من مجلس الأمن وحده سيسمح لرئيس الدولة برابوو سوبيانتو أن يرسل 20 ألف جندي للمهمة. وكان أعلن عن استعداده لعمل ذلك في الأمم المتحدة الشهر الماضي.

الأمم المتحدة باتت كياناً بحد ذاته، وهذا هو القسم الرابع من المعركة. لا توجد في القدس أي شهية لقرار مجلس أمن تجاه غزة، والأسباب معروفة. المشكلة أن قرارات كهذه هي مسمار بلا رأس مغروس في الرأس.

بمعنى، أن إدارة ترامب قد تضع صيغة يمكن لإسرائيل أن تتعايش معها. لكن سرعان ما تحرص كل النفوس الطيبة من فرنسا وبريطانيا ومن الدول العربية، على أن تضيف عناصر مثل “الاعتراف بالتطلعات الفلسطينية”، أو كل لغم آخر.

——————————————

Ynet- يديعوت أحرونوت 30/10/2025

إسرائيل في سؤال “نقطة التوقف”: ألا يكفيكم قول كوشنر “كأنها تعرضت لحرب نووية”؟

بقلم: إيتان بن إلياهو

بدلاً من مناقشة الأمور الجوهرية، انتقل النظام السياسي والمجتمع في إسرائيل إلى سؤال “ما هو النصر؟”، مما أدى إلى انقسامنا إلى حدّ الشرخ العميق. في هذه الأثناء، يستمر القتال الحالي منذ عامين.

بعد أن نشر زئيف جابوتنسكي مقاله “عن الجدار الحديدي”، طلب من بن غوريون – ليس كمثقف بل كقائد عسكري – صياغة استراتيجية أمنية عملية. ارتكز جوهر إيمانه على إدراك عدم المساواة: “عدد العرب يفوق عددنا أضعافًا مضاعفة، والموارد المتاحة لهم تفوق مواردنا”. من هنا انطلقت توقعات جولات الحرب. ووفقًا لهذه الرؤية، يجب إنهاء كل جولة بنصر. آمن كل من جابوتنسكي وبن غوريون بأن سلسلة من النجاحات ستقود العرب، بمن فيهم الفلسطينيون، إلى إدراك أن وجودنا هنا حقيقة ثابتة، وعندها يمكن التوصل إلى تسوية.

بافتراض أن هذه دورة جولات، يبقى السؤال مطروحًا: ما هي نقطة النهاية الصحيحة لكل جولة؟ في غياب إجابة واضحة، حوّل النظام السياسي والمجتمع في إسرائيل ح السؤال إلى “ما هو النصر؟”، مما أوقعنا في شرخ عميق. في هذه الأثناء، يستمر القتال الحالي منذ عامين.

بعد السابع من أكتوبر، انتهجت الحكومة الإسرائيلية سياسة “الأهداف المطلقة”: تدمير كامل لبنية لحماس التحتية، والقضاء التام على الإرهابيين وعلى نظام حماس، ونزع السلاح الكامل من قطاع غزة – أي حل عسكري مباشر يمهد الطريق لإنهاء الصراع بشكل كامل وشامل. لا يوجد نقاش معمق حول التوقيت المناسب للتوقف. مع ذلك، طُرحت عدة مقترحات: وفقًا لإيلياهو يوسيان، يُعتبر مقتل 50 ألف شخص في غزة نصرًا كاملاً، وستُحل المشكلة. وكان هناك مقترح آخر يقضي بإعادة الرهائن والتوقف. كما فشلت محاولة الضغط على الحكومة لإيجاد جهة ما لتحل محل نظام حماس.

مرّ الوقت – لم يتحقق وقف إطلاق النار بمبادرة من الحكومة الإسرائيلية، وأمر رئيس الولايات المتحدة، لأسبابه الخاصة، بإعادة جميع الرهائن ووقف القتال. لا تزال المرحلة الأولى من الاتفاق متعثرة، والانتقال إلى المرحلة الثانية متعثر. هذا ليس استثناءً، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، حيث ينطوي الانتقال من التوقيع إلى التنفيذ الفعلي لاتفاقية متواصلة ومعقدة على حوادث إطلاق نار. إنها مرحلة تراجع من العنف إلى واقع جديد.

ومع ذلك، لا يزال المسؤولون الحكوميون والرسميون يدّعون حتى اليوم أن الإنجازات غير كافية، وأنه يجب توسيع نطاق تدمير البنية التحتية لحماس والأضرار التي لحقت بشعبها. ولتوضيح مدى الضرر الذي ألحقناه بالفعل بغزة، يجدر الانتباه إلى تصريح جاريد كوشنر، بعد زيارته غزة، بأن المكان بدا كما لو أنه تعرض لقصف نووي – وهو تصريح كافٍ لتأكيد أنها نقطة النهاية للجولة الحالية.

القول بأن جولة قتال واحدة لا تحسم الصراع تمامًا يتطلب إجابة واضحة على سؤال: ما هي نقطة التوقف الصحيحة؟ هل سنبدأها بأنفسنا أم سنُجبر على الانصياع لعامل خارجي؟ هذه المرة، كان الرئيس الأمريكي هو من أمر بإعادة الرهائن وإنهاء الحرب. من الآن فصاعدًا، لكيلا يُنظر إلينا بضعف، علينا أن نتوقف بحزم، وأن نُصرّ على إتمام الخطوة وفقًا لخطة ترامب، وأن نُضيف بُعدًا جديدًا من التفكير إلى الردع التراكمي الذي سيُفضي في نهاية المطاف إلى حل النزاع.

إنّ إخفاقنا هذه المرة في إدراك المغزى وتركنا القرار بيد الرئيس ترامب يُضعف صورتنا ويتركنا في وطننا في خلاف حادّ تحوّل إلى شرخ عميق سيُلازمنا لسنوات طويلة قادمة. الدرس واضح: علينا مساعدة الحكومة الأمريكية على إتمام الاتفاق، وأن نكون مستعدين جيدًا لأي طارئ، وأن نبدأ الجولة التالية عند الحاجة.

——————————————-

هآرتس 30/10/2025

مشروع خطير وتوقيت أخطر.. ما معنى سحب صلاحيات ميارا من مواصلة محاكمة نتنياهو؟

بقلم: أسرة التحرير

إن مشروع القانون الذي أقره الكنيست أمس في قراءة تمهيدية، والقاضي بفصل منصب المستشار القانوني للحكومة، ليس خطوة إدارية أو تنظيمية أو مهنية. كما أنه لا يهدف إلى إصلاح أي شيء، بل على العكس: إنه حلقة أخرى في جهود الحكومة لتدمير مؤسسات سيادة القانون وإنقاذ زعيمها من محاكمته الجنائية.

منذ بداية الانقلاب الذي قاده وزير العدل يريف ليفين، بتشجيع من نتنياهو، انطلقت حملة تهدف إلى تفكيك آليات الرقابة والإنفاذ المصممة لكبح سلطة الحكومة. تُقدم كل مرحلة من مراحل الهجوم على أنها تعديل ضروري يسعى إلى استعادة الحوكمة، لكن هدفها الحقيقي هو إزالة أي عائق قانوني أو مؤسسي أو أخلاقي عن الحكومة. توقيت الترويج لهذا الفصل خطير للغاية. رئيس الوزراء متهم بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ويهدف مشروع القانون إلى حرمان المستشارة، غالي بهرب ميارا، المسؤولة عن الإجراءات الجنائية في قضيته، من صلاحية البت في استمرار محاكمته.

إن المبادرات التي يروج لها ليفين وسيمحا روتمان وشركاؤهما تُعزز التسييس الكامل للنيابة العامة. فالمدعي العام المُعيّن من الحكومة سيعرف جيدًا لمن يدين بمنصبه، ومن يتوقع منه “إعادة النظر” في لائحة اتهام نتنياهو. وهذا سيُكمل سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء، ويُلغي مبدأ فصل السلطات.

إن مبررات مشروع القانون لا أساس لها من الصحة: ​​إذ يدّعون أنه من الصعب على المستشار القانوني تقديم المشورة للحكومة ومقاضاة شخص ما في الوقت نفسه. ومع ذلك، فقد أثبت جميع المستشارين على مر السنين أنهم لا يترددون في استنفاد إجراءات إنفاذ القانون الجنائي في القضايا التي تبرر ذلك، وقدموا لوائح اتهام ضد الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء وغيرهم، ومع ذلك قدموا المشورة للحكومة بتفان واحترافية.

يهدف هذا الانقسام إلى إضعاف سيادة القانون والحد من إمكانية مقاضاة الشخصيات العامة جنائيًا. هذه خطوة أخرى في سلسلة مقترحات “الإصلاح”، وهي في الواقع خطة هدم للضوابط والتوازنات: إزالة مبرر المعقولية، وإضعاف المحاكم، وملاحقة الإعلام والأوساط الأكاديمية.

إن ما يُسمى “فصل دور المستشار القانوني” هو في الواقع فصل الديمقراطية الإسرائيلية. فبمجرد أن تسيطر الحكومة على كل من المشورة القانونية والنيابة العامة، لن يبقى أحد لحماية المصلحة العامة منها. لا تحتاج دولة إسرائيل إلى فصل منصب المستشار القانوني، بل إلى الحفاظ عليه. المستشار القانوني المستقل ليس عدوًا للحكومة، بل ضمانةٌ لقانونية إجراءاتها وعدم إساءة استخدام سلطتها. إن مبادرات الفصل تقوض استقلالية النظام القضائي، وتُفكك سيادة القانون، وتُخلّ بالمساواة أمام القانون. ومن يؤيد فصل منصب المستشار القانوني يؤيد إلغاء مؤسسة المستشار القانوني.

——————————————

هآرتس 30/10/2025

تسريب “سديه تيمان”.. وراءه اليمين ومآربه.. وجندي شاهد: هناك.. ليس السؤال كيف متّ بل كيف نجوت

بقلم: عاموس هرئيل

التطور المهم في قضية “سديه تيمان” – الشك في شأن تسريب متعمد لمواد تحقيق من النيابة العامة العسكرية وسرعة خروج المدعية العامة العسكرية إلى إجازة، يبدو مثل الفوز بالكأس الذهبية بالنسبة لليمين، بالأساس في الأقسام العسكرية جداً. ليس من الغريب أن قنوات دعاية اليمين والبرامج التي كرست عشرات الساعات لهذه القضية، أعلنت وضع طوارئ احتفالياً بشكل خاص بعد ظهر أمس. الإعلان عن التحقيق الجديد يحقق عدة أهداف لليمين؛ فهو يخلق مساواة مزيفة أمام التحقيق بشأن تسريب مواد سرية، التي يشتبه فيها بعاملين في مكتب رئيس الحكومة، ويوازن ادعاءات بشأن التنكيل بالمعتقلين من جانب حماس رداً على السلوك منفلت العقال ينتهجه وزير الأمن الوطني، ويجدد الانقضاض على الدولة العميقة المزعومة، التي كما يبدو تسيطر على الأمور هنا.

 أسباب احتفال اليمين لا تقتصر على ذلك؛ فما يبدو كتورط للنيابة العسكرية، وربما للجنرال يفعات تومر – يروشالمي نفسها، سينهي كما يبدو تطبيق القانون على مخالفة خطيرة، وهي تنكيل جنود الاحتياط بمعتقل فلسطيني. كما أن أعضاء الكنيست الذين اقتحموا قاعدتي “سديه تيمان” و”بيت ليد” العسكريتين على رأس رعاع هائج، يأملون الآن تجميل وإنساء أخطائهم بواسطة استئناف الحملة ضد المدعية العسكرية العامة.

 القضية التي بعثت للحياة ستمكن الحكومة من حرف انتباه الجمهور، أو على الأقل مشاهدي القناة 14، عن الواقع غير السار في قطاع غزة. بعد أكثر من أسبوعين، يتعثر اتفاق إطلاق وقف النار، وتبدو الظروف بعيدة جداً عما وعد به نتنياهو. حماس لم تهزم كلياً، وهي تستأنف سيطرتها العسكرية والمدنية على نصف القطاع الذي هو بيدها، ولا تظهر أي علامات على نيتها إخلاء المنطقة للقوة متعددة الجنسيات، التي لم يتم تشكيلها حتى الآن.

الهستيريا التي يتم إذكاؤها الآن حول الاتهامات الموجهة للنيابة العسكرية هي الطريقة الأمثل لحرف النقاش الإعلامي وتوجيهه إلى أماكن أخرى، في حين أن وقف إطلاق النار يسمح للحكومة ومؤيديها باستئناف هجوم الانقلاب النظامي على طول الجبهة. نشرت الاتهامات ضد النيابة العسكرية خلال 48 ساعة، وبدأ العمل على تشريع سلب وظيفة المستشار القانوني للحكومة، وتسريع عملية إغلاق “صوت الجيش” عقب تقرير تم طلبه مسبقاً يخدم أهداف سياسية لليكود.

 هؤلاء ليسوا فقط أعضاء كنيست متطرفين أو مذيعين غير منضبطين، الذين يتطاولون على المدعية العسكرية العامة ورجالها؛ فوزير الدفاع يسرائيل كاتس، وجد صعوبة أمس في إخفاء سروره، فأصدر مكتبه خلال ساعتين ليس أقل من ثلاث بيانات تفاخر فيها بدوره في كشف الاتهامات، وتطاول على المدعية العسكرية العامة، وعني بتوضيح أنها لن تعود إلى منصبها حتى انتهاء فحص كامل للوقائع. التلميحات التي بين السطور واضحة: ليس لكاتس نية للسماح لها بالعودة إلى العمل. ومشكوك فيه أن تكون هي الوحيدة في النيابة العامة التي ستدفع الثمن.

 في ثلاث قضايا مركزية يظهر لامبالاة واضحة تجاه جميع المجالات الأخرى التي هي تحت مسؤوليته، بما في ذلك التخلي كلياً عن السيطرة على ما يحدث في الضفة الغربية لصالح الوزير الإضافي في مكتبه، سموتريتش، وتجاهل كامل للضرر الذي تسببت به الحرب لقيم الجيش الإسرائيلي. كاتس مخلص لتعليمات نتنياهو بالترويج لقانون التهرب من الخدمة العسكرية كجزء من التفاهمات مع الشركاء الحريديم، وينشغل مراراً بتسويق نفسه من خلال صور سن البلوغ مع المقاتلين على الخطوط الأمامية والتهديدات الطنانة ضد أعداء إسرائيل، من القطاع إلى إيران، ومن لبنان إلى اليمن، ويظهر انشغالاً غير عادي بتعيينات في الجيش الإسرائيلي، حتى على المستوى التكتيكي برتبة مقدم، كطريقة للسيطرة على هيئة الأركان العامة. الآن، يبدو أن لديه فرصة أخرى للتأثير بسرعة على تعيين حاسم، كجزء من حرب الاستنزاف اليومية التي يشنها ضد رئيس الأركان إيال زامير.

 للمفارقة، قد تنهي تومر يروشالمي مسيرتها العسكرية بسبب القضية شبه الفريدة التي تجرأ فيها الادعاء على أداء دوره خلال الحرب. محامو الدفاع عن المتهمين يمتلكون حججاً قوية، ظاهرياً، فيما يتعلق بتسريب الفيديو واحتمالية إعداده بطريقة متحيزة. وثمة اشتباه في أن الادعاء العسكري قد ضلل محكمة العدل العليا في تقاريره حول التحقيق في التسريب. مع ذلك، تفاصيل التنكيل بالمعتقل الفلسطيني ترسم صورة مقرفة – لم يتم دحض الاتهامات حتى الآن. إضافة إلى ذلك، تم اختلاق الكثير من الافتراءات والمبالغة في هذه القضية: لم يكن المعتقل الفلسطيني عضواً في قوة “النخبة”، وهي الوحدة المختارة لإرهابيي حماس كما يزعمون – بل كان شرطياً محلياً، والمتهمون ليسوا مقاتلين بالضبط كما صورهم أعضاء الكنيست والمراسلون بكل حماسة، بل هم حراس وأعضاء في القوة العسكرية رقم 100، ومهمتهم حراسة المعتقلين أثناء الحرب.

 المشكلة الرئيسية التي تحظى بتجاهل كامل في النقاشات حول القضية، أنه باستثناء الحادثة المحددة، حرصت النيابة العسكرية في معظم الحالات على ألا تدس أنفها في تحقيقات الحرب. الظروف القاسية بعد فظائع المذبحة التي نفذتها حماس في الغلاف في 7 أكتوبر والمناخ العام في البلاد لم تسمح مسبقاً بالنزول إلى تفاصيل القضايا كما حدث أحياناً في عمليات أصغر في القطاع من قبل. حتى الآن، بعد سنتين من الحرب، لم نسمع عن تقديم للمحاكمة وتطبيق للقانون في أحداث كانت تتعلق بقتل جماعي لمدنيين، وأوامر متساهلة بفتح النار بشكل خاص (أو تجاوزها)، وإطلاق النار على المستشفيات، وإطلاق النار المتعمد على الطواقم الطبية ورجال إعلام.

أما بخصوص السجناء، فقد أجريت تحقيقات محدودة حول ظروف الاعتقال الصعبة في منشآت الجيش الإسرائيلي وسجون مصلحة السجون منذ بداية الحرب، ولم يتم نشر النتائج بتوسع، ولم تُتخذ خطوات انضباطية أو جنائية ضد المتورطين. هذا رغم شهادات قاسية لمعتقلين وتقارير شديدة لمنظمات دولية ضد إسرائيل. حسب أقوال الفلسطينيين، فقد توفي 80 معتقلاً وسجيناً في منشآت السجون في إسرائيل منذ بداية الحرب (معظمهم في الأشهر الأولى) في ظروف تثير الاشتباه على الأقل.

 لكن لا يجب الاعتماد فقط على الأجانب أو الفلسطينيين. هاكم ما كتبه جندي احتياط خدم في “سديه تيمان” بصحيفة “هآرتس” في أيار الماضي: “سديه تيمان، كما يعرف كل الذين كانوا هناك، هو معسكر تعذيب سادي. دخل إليه المعتقلون أحياء وغادروه في أكياس”، وأضاف. “التحقيق مع جنود الاحتياط يجري كما لو أن الجحيم الذي خلقناه هناك يتلخص في مسألة ما إذا كان قد تم إدخال جسم في مؤخرة سجين أم لا. لكني شاهدت هذا الجحيم… شاهدت أشخاصاً يدخلون إلى هذه المنشأة وهم مصابون بإصابة حرب، ثم يتم تجويعهم لأسابيع وبدون تقديم أي علاج لهم. شاهدتهم وهم يتبولون على أنفسهم، لأنه لم يسمح لهم بدخول الحمام. كثيرون منهم لم يكونوا من النخبة، بل مجرد غزيين تم احتجازهم من أجل التحقيق معهم، وتم إطلاق سراحهم إلى بيوتهم بعد تعرضهم لانتهاكات شديدة، عندما تبين أنهم أبرياء. ليس غريباً أن يموت الناس هناك، الغريب أن تمكن بعضهم من النجاة”.

 الموضوع الإعلامي في إسرائيل يركز الآن بطبيعته على الفظائع التي مرت على المخطوفين في أسر حماس. ولكن إسرائيل تستمر في تجاهل الأمور التي حدثت هنا، وتتجاهل الشهادات التي لبعضها على الأقل صلة قوية بالواقع. إذا حيكت فرية ضد جنود احتياط، كما يقولون، فهو أمر يحتاج إلى فحص وتطبيق القانون، لكن هذا لن يسرق الانتباه عن خطورة الأمور التي مارسوها في منشآت الاعتقال أثناء الحرب.

——————————————

معاريف 29/10/2025  

فلنأخذ المبادرة الى أيدينا

بقلم: افي اشكنازي

الحدث امس في حي الجنينة خطير للغاية. فقد وقع في المنطقة إياها وفي المسار إياه الذي وقعت فيه الحادثة السابقة قبل عشرة أيام وقتل فيها الرقيب اول ينيف كولا والعريف أول ايتي يعبتس. 

مثلما في حينه، أمس أيضا، اعلن الجيش الإسرائيلي بواسطة فرقة غزة 143 في الجانب الشرقي من الخط الأصفر في رفح كي يعالج مسارات نفق استراتيجي لحماس. في هذا النفق، حسب تقدير الجيش، يوجد مخربون، اغلب الظن بضع عشرات قلائل وهم مسلحون بصواريخ مضادة للدروع، بنادق وقنابل يدوية.

تعمل قوات الهندسة القتالية لفرقة غزة على كشف تفرعات النقب في المنطقة بهدف تدميرها. ويرافق قوات الهندسة مقاتلو لواء الناحل. بالضبط كما حصل قبل عشرة أيام، خرج المخربون على ما يبدو من عدة فوهات بالتوازي ونفذوا بداية نار مضادة للدروع نحو آليات هندسية عملت على تنفيذ حفريات للعثور على مسارات النفق. بعد ذلك اطلقوا نار قناصة نحو قوة الحراسة. رد الجيش الإسرائيلي بضربة نارية.

لاحقا، حسب ادعاء المستوى السياسي نفذ الجيش هجمات قوية ضد حماس. في الجيش قالوا ان الهجمات كانت مقنونة ووجهت نحو بضعة مباني. 

لم تسارع إسرائيل الى تحطيم القواعد رغم أنه كانت لها أسباب وجيهة لذلك. في إسرائيل يعضون على الشفاه. والبطن تتقلب في ضوء السلوك المشين لحماس. لكن بيننا، ما الذي يمكن الان ان نتوقعه من خلقات البشر أولئك. فهم يتصرفون حسب رمزهم غير الأخلاقي. لا يمكن أن نتوقع من منظمة الإرهاب أي شيء آخر لا في المستوى الأخلاقي وبالتـأكيد لا عندما يدور الحديث عن الالتزام بالاتفاقات. 

وعليه، فينبغي التصرف بحكمة واستخلاص الحد الأقصى من الخطوة. وحتى لو استغرق هذا زمنا، وحتى لو تطلب العض على الشفاه، حتى لو تطلب البكاء غضبا واحباطا امام سلوك العدو، امام الصور القاسية للتنكيل بجثة اوفير تسرفاتي. 

فليكن واضحا: الجيش الإسرائيلي يوجد في نقطة بداية وبوسعه صباح غد أن ينظم نفسه وفي غضون أيام معدودة أن يخلي مرة أخرى السكان من المدينة، ينفذ توغلات ويضرب حماس نهائيا. الجيش الإسرائيلي يوجد في كل نقاط السيطرة على مدينة غزة، على خانيونس وعلى ما تبقى من رفح. لكنه أيضا يوجد على مسافة انقضاض سريع من مخيمات الوسط. ما يوقف الجيش في هذه اللحظة هم المراقبون الامريكيون الذين يوجدون في كريات جات. هم الذين يقررون في هذه اللحظة الخطوات في غزة. في هذه اللحظة، الكابنت السياسي الأمني هو مجرد مستوى توصية. الصلاحيات توجد في يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خيرا وشرا. هذا يعرفونه في حماس، في قطر وفي انقرة. وهم يلعبون في هذه اللحظة اللعبة حيال الأمريكيين. 

إسرائيل ملزمة الان بان تقوم بعدة أعمال بالتوازي. أولا، المستوى السياسي ملزم بان يزود الجيش ببنك اهداف. هذا من أجل ان يكون للجيش اذا ما وقع سيناريو نار قاس آخر كما حصل امس وقبل نحو عشرة أيام بنك اهداف للضرب. والضربة التي ستتعرض لها حماس على ذلك ستكون سريعة بحيث أنهم حتى في كريات جات لن يفهموا ما الذي حصل.

ثانيا، الجيش الإسرائيلي ملزم بان يستخدم الى جانب الشباك خلايا تكتيكية تعمل في قلب الجبهة الداخلية لحماس في غزة وتنكل بها دون أن تترك أي بصمات. وكانت إسرائيل عرفت كيف تفعل هذا في طهران، على مسافة 2000 كيلو متر عن حدودها وهي يمكنها أن تفعل ذلك من مسافة 1.2 كيلو متر عن الخط الأصفر في غزة.

إسرائيل ملزمة بان تبدأ بأخذ المبادرة الى ايديها. الوضع الذي يقرر فيه الامريكيون هنا كل شيء نشأ بسبب جمود زعامي إسرائيلي. محظور ان يستمر هذا الوضع لزمن طويل، لان الثمن يدفعه جنود الجيش العاملين في غزة، عائلات الضحايا المخطوفين وعموم الجمهور في إسرائيل.

——————————————

هآرتس 30/10/2025

حتى لا يتكرر فشل تشرين الأول 2023

بقلم: حاييم تومر

عرفنا في الفترة الأخيرة أن رئيس الحكومة ورجاله يعملون بكامل القوة لمنع تشكيل لجنة تحقيق رسمية. إضافة الى ذلك نُشر أن بنيامين نتنياهو قرر عزل رئيس هيئة الأمن القومي، تساحي هنغبي، ضمن امور أخرى، بسبب تأييده لتشكيل لجنة تحقيق رسمية. عرفت إسرائيل في الخمسين سنة الأخيرة إخفاقات صعبة، تسببت في موت آلاف الأشخاص، وأثارت الشك بخصوص قدرة بقائها الوطني.

هذه الإخفاقات في التقدير، لا سيما اخفاق تشرين الأول 2023، تحتاج الى تشكيل لجنة تحقيق رسمية وعلى الفور. يمكن أن تركز هذه اللجنة على أسئلة اساسية وهي كيفية منع- أو على الاقل كيفية تقليص- احتمالية تكرار فشل تقدير وطني آخر، ومن الذي يجدر إلقاء المسؤولية الشاملة عن فحص تقدير الاخطار والتهديدات، على المستوى الوطني، عليه من الآن فصاعداً.

فشل تشرين الأول 2023 هو بالنسبة لكثيرين نوع من استنساخ جيني لفشل التقدير الفظيع الذي شاهدته إسرائيل في تشرين الأول 1973، عند الاندلاع المفاجئ لحرب “يوم الغفران”. في العام 1973 كانت “أمان” هي المقيم الوطني الوحيد، وهكذا أيضاً في 2023، رغم أنه كان لـ “الشاباك” دور في بلورة التقديرات والتحذيرات في كل ما يتعلق بالفلسطينيين.

تحتاج هذه الاخفاقات الى إجراء نقاش مهم في مسألة “المقيّم الوطني” والعلاقة بين هذا اللقب وبين المسؤولية عن تقييم الاستخبارات الوطنية. رغم الحزم الذي أظهرته لجنة اغرانات ودعوتها، ليس للمرة الاولى (سبقتها لجنة يادين – شيرف في 1963)، الى لامركزية صلاحيات التقييم في اسرائيل، استمرت شعبة الاستخبارات العسكرية في ادعاء الافضلية كجهة تقييم وطنية على مر السنين. قال بعض كبار المسؤولين في شعبة الاستخبارات العسكرية إنها هي وحدها القادرة على إجراء “بحث كامل”، لانه لا يتم أجراء ابحاث عسكرية أو سياسية إلا في اطارها (فحص النوايا والقدرات تحت سقف واحد). وقال الكثير من قادة الجيش بان الجيش هو المسؤول عن الدفاع عن الدولة. وبالتالي، من الطبيعي أن تكون هيئات التقييم العسكرية هي المسؤولة عن تقييم الأخطار على أمن الدولة. وقد رسخت كل هذه الادعاءات المكانة المهيمنة لشعبة الاستخبارات العسكرية في مجال التقييم، ليس فقط بعد حرب 1973، بل حتى في العام 2023، سواء داخل اجهزة الاستخبارات، أو امام المستوى السياسي.

عندما سيتم تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في فشل 2023، فانه سيطلب منها طرح افكار جديدة حول توزيع صلاحيات التقييم في اسرائيل. وعندها سيكون من المناسب اتخاذ قرار تاريخي بنقل مسؤولية التقييم الوطني من الاجهزة التشغيلية – الاستخبارات العسكرية، “الموساد” و”الشاباك” – ووضعها مباشرة تحت مسؤولية الحكومة. التقييم الاستخباري الوطني يؤثر بشكل مباشر على أمن مواطني اسرائيل، لذلك فانه من المناسب تحميل مسؤولية صياغته في المقام الاول للحكومة.

ما لا يقل عن ذلك أهمية هو ان ينص القانون على مسؤولية الحكومة ورئيسها عن تقدير التهديدات والأخطار لمنع وضع يستطيع فيه رئيس الحكومة في المستقبل القول بأنه لم يدرك حجم الأخطار، حيث ان “الجهات المهنية” قامت بتضليله أو لم تمسكه من ياقته. تغيير نمط توزيع المسؤولية عن التقييم الوطني سيلزم رئيس الحكومة بإجراء تغييرات تنظيمية تقلص اكثر المسؤولية التي توجد بيد “أمان” والجيش الإسرائيلي، وستحدد ايضا إجراء فيه مستوى مسؤولية الحكومة عن فشل التقدير، اذا حدث، سيتم توضيحه وإبرازه.

يمكن الإشارة ايضا الى أنه في الولايات المتحدة وفي بريطانيا فان المسؤولية عن التقدير ليست من نصيب الجهات التشغيلية، بل موجودة في يد أجسام تخضع مباشرة للحكومة، عملها الأساسي هو بلورة تقدير وطني. يجدر بإسرائيل أيضا السير في هذا الاتجاه، سواء عن طريق إقامة هيئة تقدير وطني تعمل تحت رئيس هيئة الأمن القومي، الذي يخضع هو نفسه مباشرة لرئيس الحكومة، و/أو أن تكون تحت مسؤولية وزير الاستخبارات.

إقامة هيئة مسؤولة عن التقدير الوطني ستمكن الحكومة أيضا من ان تضع مباشرة برامج لجمع المعلومات في كل ما يتعلق بالأخطار والتهديدات، وهكذا، تطبيق صلاحياتها كمستوى سياسي وتحديد الى أين ستوجه أنظار منظومة الجمع في الوقت المناسب.

ستواصل الأجهزة التشغيلية انشغالها بجمع المعلومات وبلورة التقديرات من اجل نفسها. تقديراتها سيتم عرضها على “المقيّم الوطني” الجديد، لكن هو فقط الذي سيحدد تقدير الأخطار والتهديدات، وهو الذي يمكنه مطالبة الأجهزة التنفيذية بعرض قرارات الرد العملية وفقا للتقدير الوطني والمصادقة عليها. اذا تحقق هذا التوجه فانه يمكن للمستوى السياسي، للمرة الأولى، ان يكون المسؤول بالفعل عن مستوى أمن مواطني إسرائيل، وربما تقليص احتمالية حدوث إخفاق ثالث في التقدير، على شاكلة ما حدث في 1973 وفي 2023.

——————————————

يديعوت 30/10/2025

“مرونة” سياسية أم “دولة تابعة”؟

بقلم: غادي عزرا

إن اللحظة الأهم في مسار الزواج لا تكون بالضرورة خلال الحفل، بل في صباح اليوم التالي. زال المكياج، وأُرسلت الملابس إلى التنظيف، وانتهت نشوة الرقص لتصطدم بالواقع. قد تندلع الخلافات الأولى منذ ذلك الحين. وقد يكون السبب ملاحظة من الأهل، أو ببساطة، لأننا جميعاً كائنات لها منظومات رغبات خاصة بها. في تلك اللحظات من الإحباط يُقاس الاحترام المتبادل. هناك أيضاً نفهم أن الشراكة هي أن نعرف أين نتنازل عندما يجب، تماماً كما أن نعرف كيف نحب. ليس من الصعب القيام بذلك أمام الضيوف، لكن القدرة على الاحتواء واحترام الحدود يتم اختبارهما في الزمن الحقيقي.

والشراكة السياسية لا تختلف كثيراً؛ قد تكون الرؤية مشتركة، لكن الرغبات الفردية ما زالت موجودة. لذلك، حتى عند توقيع الاتفاقيات وسط المدائح والعناق، يبقى اختبار صباح اليوم التالي قائماً، فلكل طرف دوافعه الخاصة، ومن هنا، فإن التبادل الصحي يتضمن تفاهمات وتنازلات حتى عندما يكون الأمر أقل راحة. هذه هي نقطة الانطلاق على الساحة الدولية، حتى في أقوى التحالفات. والتحالف بين القدس وواشنطن ليس استثناء.

لكن كل مَن يقرأ هذه السطور يعرف أن هذه العلاقة وصلت مرحلة جديدة، إذ بات مقدار الحرية الإسرائيلية في إطارها موضع شك، وحجم الإرادة الحرة ضمنها غير واضح. إن تشخيص عالم في السياسة هنا، بعكس عالم النفس، سيرتكز على الاستقلال السياسي أو السيادة أكثر من العواطف، وإذا احتجنا إلى دليل، فتقدّمه لنا الأحداث في الأشهر الأخيرة.

كان المؤشر الأول الفيديو الذي حمل عنوان “غزة ترامب”، الذي شاركته حسابات البيت الأبيض، وظهرت فيه، ليس فقط أبراج مذهبة، بل أيضاً تساؤلات عن مدى السيطرة الإسرائيلية على القطاع. بعده جاء إلغاء عرض الطائرات خلال حرب “شعب كالأسد”، وفي الأسابيع الأخيرة انتقلت الأمور إلى مسار سريع: مكالمة الاعتذار من قطر، والمكتوبة سلفاً، والتوضيح الرئاسي أن إسرائيل لن تفعل شيئاً في الضفة الغربية، وسلسلة لقاءات بين مسؤولين أميركيين وقيادة الجيش الإسرائيلي، ووجود دول اعترفت بـ”فلسطين” في هيئة الإدارة في كريات غات [مركز القيادة الأميركية المشتركة الذي يضم جنوداً من المارينز وعدداً من الدول مثل كندا وبريطانيا وأستراليا وفرنسا وإسبانيا…]، وتهرُّب وزير الخارجية الأميركي من النفي أن القرارات العسكرية لإسرائيل تُتخذ في واشنطن، وليس في القدس، وختاماً إعلان ترامب أنه هو مَن سيتخذ القرار بشأن البرغوثي، هذا كله ساهم في الشعور بأن العلاقة هنا في صباح ما بعد “حفل الاتفاق”، أقل توازناً ممّا كنا نظن.

قد يقال دائماً: إن هذه الأدلة ظرفية، ففي علاقة كهذه، وفق الادعاء، يتم القيام بأمور قد تبدو غريبة للعين غير الخبيرة، وأحياناً ما يبدو كأنه إكراه هو في الحقيقة اختيار مدروس، مع مكاسب إلى جانبه، وفعلاً تبنّى الجانب الأميركي موقف إسرائيل في سلسلة قضايا: الإصرار على تفكيك “حماس”، وربط إعادة إعمار القطاع بنزع سلاحها، وتعليق مشاركة تركيا في قوة الاستقرار بموافقة إسرائيل، واستبعاد “الأونروا” من غزة، لكن الحقيقة أن هذا الادعاء مخادع، فعندما تكون موازين القوى غير متكافئة أصلاً، يمكن أن يبدو أي إكراه كأنه تنازُل، وكل عملية فرض رأي تسوَّق على أنها تنسيق وثيق.

الخلاصة هي أنه لا يمكن قياس استقلال إسرائيل فقط بما تسمح به للطرف الأميركي، في ظل علاقة غير متكافئة، بل أيضاً بما تمنعه عنه عندما يلزم الأمر. ويمرّ التمييز بين “المرونة” و”الدولة التابعة” عبر القدرة على وضع حدود عند الحاجة. ولحظة لا تكون هذه القدرة متاحة فعلياً يصبح من الصعب الحديث عن “تنسيق”، فالأمر أقل شبهاً بـ”العناق الجيد”، وأكثر شبهاً بـ”عناق الدب”.

هذا الاختبار سيواجهنا قريباً جداً، عند تحديد صلاحيات قوة الاستقرار وترتيبات المرحلة الثانية. إن الحاجة إلى رفض الوجود القطري في المواقع ذات الصلة، وإلى تقييد الانخراط التركي، والإصرار على جدول زمني لتفكيك “حماس”، في موازاة إقامة بديل سياسي لها، والمطالبة بمعايير واضحة لتفكيكها، أمور كلها ستُلزم إسرائيل الثبات على موقفها، حتى لو كان الثمن غضب أهم حليفاتها. فبعد لحظة الاحتفال بالاتفاق، تأتي الحياة الحقيقية. السيادة الإسرائيلية لن تقاس فقط بتشابك الأيدي والابتسامات، بل أيضاً برسم خطوط حمراء.

——————————————

هآرتس 30/10/2025

الليكود أصبح حزبا حريديا

بقلم: اوري مسغاف

على الفور بعد اتفاق وقف إطلاق النار الهش في غزة، وخلال دراما إعادة المخطوفين الأحياء، تم استدعاء وزير الدفاع يسرائيل كاتس بسرعة للتشاور والتهنئة في اسدود. السلطة الأمنية: الحاخام ياشياهو بينتو، أسير محرر. وقد استقبل كاتس بالشال الديني، بالضبط مثلما استقبل هذه السنة في مقره الدائم في منهاتن رئيس الحكومة نتنياهو. وزير الأمن الغذائي، آفي ديختر، زار مؤخرا مولدوفا. هناك نشر من مكتبه أنه يدفع قدما بـ”اتفاق القمح”، وفي الصور من هناك ظهر إلى جانب حاخامات كانوا عبيد.

وزير الاقتصاد نير بركات قطع زيارته في اليابان وأميركا، من أجل نشر صورة له في الشبكات الاجتماعية وهو يرتدي قبعة منسوجة ويمسك بالاصناف الاربعة. وزيرة المواصلات ميري ريغف أعلنت أنها ستعزز خطوط المواصلات العامة لمساعدة الحريديم في “مظاهرة المليون”، التي يخطط لها ضد التجند في الجيش الإسرائيلي. في المظاهرات الكبيرة ضد الانقلاب النظامي، ومن أجل إعادة المخطوفين، رفضت ريغف التصرف هكذا (نحن لسنا شركة نقل). ايضا في يوم السبت في 7 تشرين أول (أكتوبر) لم تر مناسبا، هي والحكومة، تشغيل المواصلات العامة للسماح بنقل الجنود إلى ميدان القتال. السعي إلى الحفاظ على حرمة السبت، يسبق السعي إلى الحفاظ على الأرواح.

الليكود أصبح بالفعل حزبا حريديا. السبب ليس موجة تدين مفاجئة، بل المصالح هي التي تتحدث هنا – المصالح الشخصية والمصالح الوجودية. الحريديون سيطروا على السلطة بحركة كماشة: الذراع الأولى هي الانتخابات التمهيدية. قادة كبار ضموا إلى صفوف الحزب آلاف الحريديم المنضبطين، الذين يخضعون لأمر الحاخامات. بسبب ذلك، فإن الوزراء وـعضاء الكنيست يشاركون في حفلات زفاف الحريديم وحفلات سن البلوغ. لا تحسدونهم. فالحريديم لديهم الكثير من الأبناء والأحفاد وهذه ستكون مهمة صعبة.

الذراع الثانية هي التحالفات. في السابق نبعت قوة الحريديم من الحرص على تشكيل كفة الميزان والانضمام لكل من يدفع أكثر، هذا الأمر أصبح من التاريخ. الحريديم مستعبدون من الحلف البيبي والكهاني، لكن الحديث يدور عن استعباد متبادل. لن يكون لنتنياهو في صناديق الاقتراع في أي يوم تحالف، أو حتى كتلة حاسمة من دونهم. النتيجة بعيدة المدى. الليكود الذي نما من حركة “حيروت” وبعد ذلك من “غاحل”، ودائما اعتبر حزبا “وطنيا” و”شعبيا”، هو اآن بالفعل حزب حريدي يعمل على خدمة أجندات قطاعية، مسيحانية، تتهرب من الخدمة ومناهضة للصهيونية، وهو يغدق عليهم ميزانيات ضخمة.

جزء من هذه الروابط ينشأ في منطقة الشفق، حيث يندمج الدين بعالم الجريمة. بينتو وأمثاله، ورئيس فرع هرتسليا رافي كيدوشيم (سجين تم الإفراج عنه وتائب، ويعتبر العنصر الأقوى في الليكود الآن). ومن أهم العناصر الفاعلة حركة حباد في إسرائيل وفي الخارج. ليس هناك أي طريقة للفوز في الليكود الآن من دون تأييد قائد حباد. هذا هو سبب المسيرة التي لا تتوقف لعائلة نتنياهو ومن يخدمونها، إلى قبر الحاخام لوبا فيتشر في نيويورك. الزيارات تنظمها حجيت لفايف، ابنة الاوليغاركي، صاحبة الحقيبة.

هذا هو أيضا تفسير تدفق الحكومة نحو بودابست. الدافعية ليست جمال نهر الدانوب، وليس حتى الاستضافة الودية لاوربان الفاشي. في المدينة، ببساطة، يعمل فرع حباد القوي والغني في العالم. منذ المذبحة سافر إلى هناك وزراء في الحكومة 17 مرة، وأعضاء كنيست في الائتلاف سافروا إلى هناك عشرات المرات. وزير الخارجية جدعون ساعر مثلا، سيكون هناك الأسبوع، الحالي للمرة الثانية منذ أن زحف وعاد إلى الحكومة.

هذا التدين هو البطن الرخوة لليكودـ التي يجب على المعارضة أن تضربها بلا رحمة حتى موعد الانتخابات. ليس بواسطة التصريحات الغبية وغير الديمقراطية عن ربط التجنيد باللون. بل فقط بخطاب بسيط وقصير حول تفضيل الليكود للمتهربين من الخدمة العسكرية والمتطفلين ومناهضي الصهيونية على الوطنيين الذين يخدمون ويعملون. الأمر سهل جدا، يا الله!.

——————————————

القدس العربي 30/10/2025

الشيء الوحيد القادر على الحفاظ على السلام في غزة هو نشر قوة دولية متعددة الجنسيات

قالت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير نُشر اليوم الخميس، إن غزة شهدت اشتباكات متفرقة أعادت التوتر إلى الواجهة على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل وحماس. هشاشة الهدنة، إلى جانب الحديث عن مقترح أمريكي لتقسيم غزة إلى منطقتين، يدلّ على أن الحديث عن سلام طويل الأمد ما زال سابقًا لأوانه.

ومع ذلك، لا يزال تحقيق سلام دائم ممكنًا، لكنه يتطلب من إدارة ترامب إطلاق مبادرة دبلوماسية جادة وسريعة. فالزيارات المتقطعة التي يقوم بها نائب الرئيس جاي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، كلٌّ بطريقته وأجندته الخاصة، لا تكفي. ومع تراجع الزخم السياسي، تصبح السرعة عاملًا حاسمًا.

الركيزة الأساسية لأي سلام مستقر ستكون إنشاء قوة دولية، وهو عنصر محوري في خطة السلام الأمريكية التي أعلنها الرئيس ترامب ووافق عليها قادة العالم في مصر مؤخرًا، وكانت الأساس في التوصل إلى الهدنة الحالية. هذه القوة ستعمل على سدّ الفراغ الأمني في غزة، وتمهيد الطريق أمام الحكم الذاتي الفلسطيني، وضمان ألا تشكّل غزة تهديدًا لإسرائيل. وبعد استقرار الأوضاع، يمكن الانتقال إلى القضايا السياسية الكبرى مثل نزع سلاح حماس.

حتى الآن، تفتقر الخطة الأمريكية إلى التفاصيل الأساسية حول كيفية تشكيل القوة الدولية التي يُفترض أن تحل محل القوات الإسرائيلية في غزة، أو من سيتولى إدارة القطاع بعدها. على الرغم من أن وزير الخارجية ماركو روبيو بدأ الحديث عن إعداد مشروع قرار في مجلس الأمن لتأسيس هذه القوة، لكن عليه أن يتحرك بسرعة، لأن التفاوض على مثل هذا القرار والموافقة عليه قد يستغرق أسابيع. ومن دون تفويض رسمي من الأمم المتحدة، سيكون من شبه المستحيل تنفيذ الفكرة على أرض الواقع. لذلك، يجب على السيد روبيو أن يتجاوز مرحلة الكلام إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، بحسب الصحيفة.

خلال إدارة بايدن، وضع وزير الخارجية آنذاك أنتوني بلينكن، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، خطة بشأن إدارة غزة وأمنها والتي يمكن الاستفادة من عناصرها في سدّ الثغرات الحالية. ينبغي للبيت الأبيض أن يُكلف توني بلير بالعمل مع القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) لتحديد الأهداف العسكرية وقواعد الاشتباك للقوة الدولية، التي ستتولى أيضًا حماية الحدود لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة. وستكون مسؤولة كذلك عن تأمين المساعدات الإنسانية وعمليات إعادة الإعمار من الفوضى والسرقة.

لكن، ماذا لو قررت إسرائيل أن أمنها مهدَّد وتدخلت مجددًا في غزة؟ من الصعب أن توافق أي دولة مشاركة في القوة الدولية على أن تُرى كأنها تعمل جنبًا إلى جنب مع الجيش الإسرائيلي. ولهذا تبرز أهمية وجود شخصية دولية مثل توني بلير، القادر على كسب ثقة القادة العرب والإسرائيليين في الوقت نفسه. ويمكنه أيضًا التعامل مع حساسية إسرائيل تجاه الدول المشاركة، إذ سبق أن أعلنت أنها ترفض وجود تركيا ضمن القوة المقترحة.

سيصبح المشروع واقعيًا عندما تُعلن دولة كبرى التزامها بإرسال قوات وتُمنح دور القيادة. والمرشح الأنسب لذلك هو إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، والتي عبّر رئيسها في الأمم المتحدة عن استعداده لإرسال قوات لضمان الأمن. ومن غير المرجح أن تواجه حماس مقاومة مباشرة من قوات إندونيسية أو عربية.

وقد تنضم إلى القوة دول مثل مصر وأذربيجان، لكن تحويل التعهدات السياسية إلى التزامات فعلية سيحتاج إلى ضمانات. فالمشاركون المحتملون يريدون التأكد من أن المهمة قابلة للتنفيذ، وأنهم لن يجدوا أنفسهم جزءًا من أي عملية عسكرية إسرائيلية، كما يريدون ضمان عدم اعتراض حماس على نشر قواتهم. ومن المهم أيضًا أن يكون هناك نائب قائد أمريكي مسؤول عن تنسيق المهام الاستخبارية واللوجستية والنقل.

وتقول الصحيفة إن تمركز عدد من الضباط الأمريكيين مؤخرًا في مركز التنسيق المدني- العسكري داخل إسرائيل، خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن الدول العربية لن تقبل أن يكون مقر القوة في إسرائيل، ويتوقع أن تكون مصر المكان الأنسب لقيادتها.

بوجود خطة واضحة، وتفويض من الأمم المتحدة، ودولة قيادية رئيسية، يمكن حينها استكمال القوة الدولية بعناصر من دول أخرى، إلى جانب تدريب وحدة فلسطينية لتتولى المسؤولية تدريجيًا في المستقبل، كما هو متوقع في خطة ترامب.

أما في حال غياب هذه الخطوات، فسيظل خطر انهيار الوضع في غزة قائمًا، إذ ستسعى حماس إلى إعادة فرض سيطرتها بالقوة، رغم تعهدات الخطة الأمريكية بنزع سلاحها. فالكثير من سكان غزة يتطلعون إلى بديل عن حكم حماس وعن استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتشكيل قوة دولية مستقلة قد يكون الحل الذي يمنح كلا الطرفين ما يريدان: الإسرائيليون يضمنون أمنهم، والفلسطينيون يحصلون على انسحاب إسرائيلي وتحييد حماس.

عندئذ فقط يمكن الانتقال إلى الأسئلة الكبرى:

من سيحكم غزة؟ كيف سيتم نزع سلاح حماس؟ وهل «مجلس السلام» الذي شكّله ترامب قادر فعلًا على تنفيذ واحدة من أعقد عمليات السلام في العصر الحديث، بما يضمن أمن إسرائيل ويخفف معاناة الفلسطينيين؟

حتى الآن، لا يبدو أن إدارة ترامب فكرت بعمق في هذه القضايا. إحراز أي تقدم في الشرق الأوسط يتطلب تركيزًا متواصلًا، وجهدًا عالي المستوى، وخبرة دبلوماسية دقيقة. ومن دون ذلك، ستظل الخطة الأمريكية مجرد إعلان طموح آخر في سجل طويل من المبادرات غير المكتملة.

—————–انتهت النشرة—————–

Share This Article