كتب بلال ضاهر
إسرائيل نفسها تعرقل عملية البحث عن جثث أسراها، وترامب لا يمارس ضغطا على نتنياهو كي يوقف الهجمات على القطاع بشكل كامل * نتنياهو سلّم الحكم في الضفة الغربية إلى المستوطنين * قانون تجنيد جديد أكثر تساهلًا مع الحريديين.
المسار : أحد الاستنتاجات من الحرب التي تشنها إسرائيل، منذ أكثر من سنتين، هو أنها بواسطة جيشها تحترف القتل. ليس قتل عناصر تحاربها، مثل حماس والجهاد الإسلامي، وإنما قتل المدنيين الذين ليسوا جزءًا من القتال، وخاصة الأطفال وحتى الرضّع، أو المواليد في عمر أيام، من خلال قصف عشوائي يستهدف بشكل متعمد تجمعات المدنيين. وهذه جريمة حرب بموجب القوانين الدولية.
المجزرة الأخيرة في قطاع غزّة، الثلاثاء، ارتكبتها إسرائيل بشكل متعمد ومع سبق إصرار. وسبقها بساعات قليلة مداولات أمنية عقدها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي “أوعز خلالها للمستوى العسكري بتنفيذ هجمات بقوة شديدة في قطاع غزّة بشكل فوري”، بحسب بيان صادر عن مكتبه، ولوّح مكتب نتنياهو بأنه خلال المداولات تعالت فكرة توسيع “الخط الأصفر” الذي يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي.
في هذه الهجمات على قطاع غزّة، قُتل 104 فلسطينيين، بينهم 46 طفلًا و20 امرأة، وأُصيب 253. وبرّرت إسرائيل هذه الهجمات بأنها جاءت ردًّا على مقتل أحد جنودها بإطلاق نيران قناصة وقذائف مضادة للمدرعات على قوة للجيش الإسرائيلي كانت تنفذ أعمالًا هندسية في منطقة رفح.
لكن مقتل الجندي لم يكن السبب الوحيد للمجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في القطاع، الثلاثاء. ونتنياهو، الذي أُرغم على الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بموجب خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان ينتظر فرصة لاستئناف الحرب. وبعد إفراج حماس عن الأسرى الإسرائيليين الأحياء وعدد من جثث الأسرى، أعلنت حماس أنها تواجه مصاعب في العثور على جثث أخرى لإسرائيليين، بسبب الدمار الهائل في القطاع بسبب القصف الإسرائيلي.
رغم ذلك، كرر نتنياهو وجوقته السياسية والعسكرية والإعلامية أن بإمكان حماس العثور على الجثث وتسليمها، لكن هذا الأسبوع انضم ترامب إلى جوقة نتنياهو هذه، وطالب حماس، السبت الماضي، بتسليم جثث الإسرائيليين حتى يوم الإثنين، وادّعى أن “حماس يمكنها أن تعيد جزءًا منها فورًا”، رغم أن فرق البحث عن هذه الجثث، وبينها فرق مصرية وأخرى تابعة للصليب الأحمر بمرافقة عناصر من حماس، لم تسجل في تلك الأيام نجاحًا كبيرًا في العثور على جثث، بينما أعلنت حماس عن عزمها تسليم جثث معدودة، وتبيّن أن إحداها كانت أشلاء جثة أسير استعادتها إسرائيل قبل سنتين بعملية عسكرية. لكن إسرائيل اعتبرت ذلك خدعة من حماس، وهددت بهجمات شديدة في القطاع.
لكن إسرائيل نفسها تعرقل عملية البحث عن جثث أسراها، بعد رفضها مشاركة طواقم خبراء أتراك في عمليات البحث عن الجثث ومنعهم من الدخول إلى قطاع غزّة، رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ينص على وجوب مشاركة هؤلاء الخبراء في عمليات البحث عن الجثث، إلى جانب أن إدارة ترامب تمتنع عن تحديد فترة للعثور على جميع جثث الإسرائيليين لعلمها بصعوبة هذه المهمة.
وأعلنت إسرائيل، الأربعاء، أنها استأنفت وقف إطلاق النار وجمّدت فكرة توسيع “الخط الأصفر”. لكن هذا لا يعني أن إسرائيل ستتوقف عن ارتكاب المجازر في القطاع. فمن جهة، ترامب لا يمارس ضغطًا على نتنياهو كي يوقف الهجمات على القطاع بشكل كامل، ويدرك أن مصلحة نتنياهو في استمرار تنفيذ هجمات كهذه من أجل الحفاظ على حكومته.
من الجهة الأخرى، يرفض نتنياهو وقف الحرب في ظل دعم أغلبية جمهوره وقاعدته الانتخابية لاستمرار الحرب، إثر عدم تحقيق هدف الحرب المتمثل بالقضاء على حماس. لكن نتنياهو يريد أيضًا أن يظهر كمن وافق على وقف إطلاق النار، بسبب الضرر اللاحق بمكانة إسرائيل في العالم ومطالبته بوقف الحرب، ولذلك مريح بالنسبة له أن يظهر كمن أوقف الحرب، ولكن أن يواصل الهجمات في القطاع التي تؤدي إلى مجازر، بين حين وآخر.
هذا الوضع مريح لنتنياهو، خاصة إذا تقلّصت تكلفة الحرب، من خلال تسريح قوات الاحتياط التي يتلقى عناصرها راتبًا مقابل أيام خدمتهم العسكرية، وتقليص حجم القوات النظامية ونقلها من القطاع إلى مناطق أخرى، بينها الضفة الغربية والحدود اللبنانية، وتقليص تكلفة الذخيرة من خلال عدم استخدام كميات كبيرة منها يوميًا مثلما كان الوضع في السنتين الماضيتين.
في إسرائيل، لا توجد أغلبية بين مواطنيها تعارض قتل الفلسطينيين في غزّة، ولا توجد احتجاجات ضد هذا القتل الواسع أو ضد استمراره. هناك عرائض تظهر بين حين وآخر يوقّعها بضع مئات من مثقفين وأدباء وأساتذة جامعات وفنانين، وهي قليلة وشبه نادرة أيضًا. وموقف الجمهور الإسرائيلي عمومًا لا يعارض قتل الفلسطينيين منذ النكبة، ولا يرى في حرب الإبادة في غزّة، في السنتين الأخيرتين، أنها جريمة، وحتى إنه يرفض وصفها بالإبادة، وإنما يشعر الإسرائيليون بأنها انتقام من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر قبل سنتين، ويظهر أن هذه الإبادة، بالنسبة لجمهور واسع في إسرائيل، لم تشفِ غليلهم.
نتنياهو سلّم حكم الضفة للمستوطنين
بعد تشكيل حكومته الحالية، سلّم نتنياهو الحكم في الضفة الغربية إلى المستوطنين. وهذا لا يعني بالطبع أن الحكومات الإسرائيلية السابقة لم تكن هي التي أسست للاستيطان، مثلما أسست الاحتلال والتنكيل والعنصرية ضد الفلسطينيين، ولنظام الأبارتهايد في الضفة.
وحكم المستوطنين يُنفذ بطريقتين. الأولى بواسطة وزراء، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ووزراء من حزب الليكود، الذين يبادرون إلى قوانين وقرارات لتوسيع الاستيطان ومصادرة الأراضي والتضييق على الفلسطينيين في جميع المجالات. والطريقة الثانية هي السماح لمستوطنين بالاعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم، الذي يُسمى “الإرهاب اليهودي”، بهدف طرد فلسطينيين، وخاصة في التجمعات البدوية، من أراضيهم والاستيلاء عليها وإقامة بؤر استيطانية تتحوّل لاحقًا إلى مستوطنات مع مخططات لتوسيعها، بموجب قرارات الحكومة.
بموجب ذلك، يتولى سموتريتش، إلى جانب منصبه كوزير للمالية، منصب وزير في وزارة الأمن، ومسؤول عن الاستيطان والمستوطنين، وفي هذا الإطار يضع مخططات الضم. وبسبب المعارضة الدولية الواسعة لمخطط الضم، وبضمنها معارضة أميركية، فإن سموتريتش سعى خلال ولايته كوزير في وزارة الأمن إلى توسيع المستوطنات وإقامة أخرى جديدة، ليصل إجمالي الوحدات السكنية التي بُنيت أو تمت المصادقة على بنائها، في السنوات الثلاث الأخيرة، إلى حوالي 50 ألف وحدة سكنية.
إلى جانب ذلك، جرى في هذه الفترة توسيع شوارع وشقّ أخرى جديدة إلى المستوطنات، وبضمنها البؤر الاستيطانية العشوائية التي يتم ربطها بشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات. ويسعى سموتريتش إلى تنفيذ مشروع في المناطق C التي تشمل 60% من مساحة الضفة الغربية، يتم من خلاله إجراء مسح للأراضي تمهيدًا لمصادرتها، وبحيث يتعين على الفلسطينيين إثبات ملكيتهم لهذه الأراضي.
في آب/أغسطس، صادق مجلس التخطيط الأعلى في وحدة “الإدارة المدنية”، التي تخضع لمسؤولية سموتريتش، على مخطط بناء استيطاني في المنطقة E1، الذي يقطع التواصل الجغرافي الفلسطيني بين شمال الضفة وجنوبها. ويحظى سموتريتش بتأييد حكومة نتنياهو كلها لهذه المشاريع الاستيطانية، ويعلن أن هدفها الرئيسي هو منع قيام دولة فلسطينية وضمّ 82% من مساحة الضفة.
فيما يتعلق بإرهاب المستوطنين، يمارس بن غفير سلطته كوزير للأمن الداخلي ومسؤول عن جهاز الشرطة من أجل منع ملاحقة المستوطنين الإرهابيين. والتساهل مع المستوطنين الإرهابيين كان سياسة إسرائيلية منذ عقود، لكن هذا التساهل تفاقم خلال ولاية بن غفير في منصبه الوزاري.
وتدل معطيات اضطرت الشرطة إلى كشفها، هذا الأسبوع، على أن عدد الشكاوى التي قدّمها فلسطينيون ضد اعتداءات المستوطنين ارتفع بشكل كبير، لكن الشرطة الإسرائيلية تمتنع عن التحقيق في غالبيتها العظمى وتمتنع عن تقديم لوائح اتهام ضد منفذيها.
قانون تجنيد الحريديين
يتخوّف نتنياهو من أن يؤدي قانون لتجنيد الحريديين للجيش إلى انسحاب الأحزاب الحريدية من ائتلافه، بعدما انسحبت من الحكومة، احتجاجًا على قانون كهذا، وإسقاط حكومته. ويطالبون بسنّ قانون يعفي الحريديين من التجنيد.
الخطوة الأولى التي نفّذها نتنياهو من أجل إرضاء الحريديين كانت إقالة رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، يولي إدلشتاين، الذي يضع نص قانون تجنيد الحريديين، وقدّم مسودة للقانون عارضها الحريديون، وعيّن مكانه عضو الكنيست بوعاز بيسموت، الذي قدّم مسودة قانون متساهلة أكثر تجاه تجنيد الحريديين.
وكان من المقرر إجراء مداولات حول مسودة بيسموت، أمس، لكن الحريديين طلبوا تأجيلها إلى الإثنين المقبل، وليس في موازاة “المظاهرة المليونية” التي نظّموها أمس احتجاجًا على اعتقال شبّان حريديين رفضوا أوامر تجنيدهم.
وتختلف مسودة بيسموت عن مسودة إدلشتاين بما يتعلق بعدد الحريديين الذين سيتم تجنيدهم، وتراجع عدد الذين يجب تجنيدهم من 5760 إلى 4800. كذلك تخفف مسودة بيسموت العقوبات التي ستُفرض على الحريديين الذين سيرفضون التجنيد، وعدم تنفيذها بشكل فوري، والسماح بتأجيل لمدة سنة لبدء الخدمة العسكرية.
وخلافًا لمسودة إدلشتاين، لا تُلزم مسودة بيسموت بعدد محدد إلزامي للحريديين في وحدات قتالية في الجيش، وأن الخدمة في أجهزة إنقاذ سيُعترف بها كخدمة عسكرية.
وتنصّ مسودة بيسموت على إعادة ميزانيات الييشيفوت (معاهد الحريديين لتدريس التوراة) بشكل فوري، على أن يتم سحب الميزانيات إذا لم يتجند 75% من المرشحين للتجنيد في السنة الأولى أو الثانية بعد سنّ القانون.
وحسب مسودة بيسموت، سيتم إلغاء، بأثر رجعي، جميع أوامر التجنيد التي تم إرسالها إلى الحريديين خلال الحرب على غزّة، وسيُمنحون مهلة من أجل إعادة تسويتها، وبدون عقوبات.


 
			 
			 
                                
                              
		 
		 
		 
		 
		 
		 
		