الحوثيون في حالة استنفار بعد اتفاق غزة وسط مخاوف من تطورات مفاجئة

المسار : يعيش الحوثيون في صنعاء حالة طوارئ غير معلنة، وتشن الجماعة حملات اعتقال ودهم واسعة، في ظل حالة شغور في المؤسسات الحكومية التي قضى وزراؤها بغارات إسرائيلية، ويكتنف غموض استراتيجية الجماعة في ظل استمرار الصراع مع الأطراف اليمنية وحالة اللاحرب واللاسلم المستمرة منذ أربعة أعوام. وبعد نحو ثلاثة أسابيع من اتفاق إنهاء حرب غزة، تعيش الجماعة حالة من الإرباك وعدم الثقة وتؤكد أنها تترقب تصعيداً عسكرياً، في الوقت الذي يأمل فيه اليمنيون العودة إلى الاستقرار وإنعاش الوضع المعيشي المتدهور. ووفق تصنيف برنامج الغذاء العالمي، فإنّ أكثر من 18 مليون يمني، أي أكثر من نصف السكان، سيعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد حتى فبراير/ شباط 2026.

احتفاء بوقف إطلاق النار في غزة

واحتفى اليمنيون باتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيث كانوا خلال عامين ضحايا أيضاً بالغارات التي شنت على اليمن. وقال هشام محمد، وهو أحد سكان صنعاء، لـ”العربي الجديد”: “نحن أيضاً كنا ننتظر وقف إطلاق النار من أجل أن تتوقف التهديدات بالهجمات على اليمن، رغم ذلك لا يعرف العالم أننا نعيش أزمة إنسانية من دون أي أفق للحل، ونحن نحلم بأن نخرج من حالة الحرب”. وعما إذا كانت هناك بوادر لإعادة إعمار ما تضرر من الغارات وتعويض المواطنين عن الضرر الذي لحق بهم، قال محمد: “نحن نعيش عدم استقرار منذ حوالي 12 عاماً وما زال هناك متضررون من الحرب الداخلية لم يعودوا إلى منازلهم التي هي مناطق تماس عسكرية، في الواقع لا توجد لدينا دولة، هناك أطراف مسلحة تتصارع وتتحدث باسم الشعب”.

عدنان الجبرني: الاعتقالات الحوثية هي بالأساس انعكاس لحالة الهلع

وشنّ الحوثيون خلال العامين الماضيين هجمات على الأراضي المحتلة تحت مبرر مساندة غزة، لكن انتهاء الحرب خلق لديها توجساً ومخاوف أكبر. في هذا السياق، قال رئيس الهيئة الإعلامية للحوثيين نصر الدين عامر: “نحن في حالة من الاستعداد، والسيد (زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي) تحدث عن التصعيد القادم لأن الأميركي والإسرائيلي لن يتركانا بسهولة”. وتساءل في فيدو نشره على منصة إكس: “هل هناك تصعيد في المنطقة خلال الأيام المقبلة أم سلام دائم؟”. وقال ملخصاً وضع الجماعة “نحن في مرحلة الاستعداد للتصعيد والهدوء الذي يسبق العاصفة وهذا هو التوصيف الدقيق الذي نقرأه حالياً”. كما نقلت وكالة “سبأ” النسخة التي يديرها الحوثيون في صنعاء عن مصادر أمنية تابعة للحوثيين، حديثها عن وجود ضباط أميركيين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً لتقييم جاهزية قواتهم. وقالت المصادر “إن ذلك مؤشر إلى وجود نوايا لشن عدوان جديد على اليمن”.

وخلال عامين شن الحوثيون هجمات على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وأخرى استهدفت إسرائيل. وقال الحوثيون إنهم نفذوا 785 هجوماً بـ1835 قطعة صواريخ بالستية ومجنحة وفرط صوتية وطائرات مسيرة وزوارق حربية، واستهدفوا 228 سفينة، وتم إسقاط 22 طائرة استطلاع أميركية إم كيو-9، منذ بدء هجماتهم في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. ورداً على تلك العمليات بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا في مطلع عام 2024 شن عملية عسكرية، قالتا إنها لتأمين الملاحة الدولية واستهداف قدرات الحوثيين العسكرية. كما أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب عملية عسكرية باسم “الفارس الخشن” استمرت بين 15 مارس/ آذار والسادس من مايو/ أيار الماضيين، قبل أن تتوقف بوساطة عمانية مقابل توقف الحوثيين عن استهداف السفن الأميركية. ووفق مركز “أكليد” (ACLED) المختص بتتبع بيانات النزاعات المسلحة “شنت الولايات المتحدة 774 غارة جوية أسفرت عن مقتل 550 شخصاً، وذلك خلال الفترة من 12 يناير/ كانون الثاني 2024 حتى السادس من مايو 2025”.

كما نفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي نحو 15 موجة من الغارات في اليمن، استهدفت الموانئ الحيوية في الحديدة، ومصانع ومحطات كهرباء ومطار صنعاء الدولي، ودمرت نصف أسطول الطائرات المدنية اليمني، كما استهدفت مباني ومقرات في الأحياء السكنية في وسط العاصمة، واستهدفت أيضاً حكومة الحوثيين وقادة عسكريين في الجماعة. وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي أعلنت جماعة الحوثي مقتل رئيس هيئة الأركان محمد الغماري مع ابنه وبعض مرافقيه إثر غارات أميركية إسرائيلية على اليمن خلال معارك إسناد غزة، ولم تكشف أي تفاصيل زمنية محددة. وقال الحوثيون في بيان النعي: “لمدة عامين من الإسناد ارتقى عددٌ كبيرٌ من الشهداء مدنيين وعسكريين من القوات البحرية والبرية والقوات الصاروخية ورئيس الوزراء ورفاقه الوزراء”.

كما يشنّ الحوثيون حملات اعتقال مكثفة على مستويات مختلفة منذ أسابيع، تشمل مسؤولين في الأجهزة الإدارية للمؤسسات الرسمية يعملون مع الجماعة، بالإضافة إلى موظفي الأمم المتحدة وأيضاً ناشطين وشخصيات اجتماعية وتربويين في عدة محافظات، وتبرز تهمة “التجسس” أو “العمل لصالح الأعداء” باعتبارها مبرراً من قبل الحوثيين لهذه الاعتقالات. ويعتقل الحوثيون 59 موظفاً تابعين للأمم المتحدة، وفي أكتوبر الحالي اعتقلوا خمسة موظفين، بينهم امرأتان، وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن “عناصر الحوثي صادروا معدات تقنية وأجهزة اتصالات وأصولاً أخرى مملوكة للمنظمة الدولية”. وبعض الموظفين تم اعتقالهم في العام 2021 قبل أن يبدأ الحوثيون حملة واسعة ضد المنظمات في مايو 2024.

وخلال الأسابيع الماضية بلغت ذروة الاعتقالات لموظفي الأمم المتحدة، بعدما اتّهم زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي موظفيها بالمشاركة في “الدور التجسسي العدواني”، وقال إن بعضهم كان له دور “في الاستهداف الإسرائيلي لاجتماع الحكومة”، حيث قتل رئيس الحكومة أحمد غالب الرهوي إلى جانب عدد من الوزراء والمسؤولين بغارات إسرائيلية خلال اجتماع في 28 أغسطس/ آب الماضي. ورغم مقتل عدد من الوزراء، لم يعلن الحوثيون عن تعيين وزراء للحكومة، واكتفوا بإعلان نائب رئيس الوزراء محمد مفتاح قائماً بأعمال الحكومة. وفي ظل حالة الشغور في المؤسسات الحكومية بمناطق سيطرة الحوثيين، أعلن يوم الثلاثاء الماضي تعيين سليم المغلس أمين سر للمجلس السياسي الأعلى (مجلس حكم الجماعة)، بعد تداول أنباء عن اعتقال المسؤول السابق ياسر الحوري بتهمة التجسس.

وقالت مصادر لـ”العربي الجديد”، إن “هناك اعتقالات واسعة شملت موظفين في كثير من المؤسسات الحكومية المختلفة وعلى مستوى الجماعة وسط تكتم شديد، حيث ترى الأجهزة الأمنية الحوثية أن هناك تسريباً للمعلومات بشأن الاغتيالات التي طاولت مسؤولين في الجماعة”. وقال الصحافي المتخصص في جماعة الحوثيين عدنان الجبرني: “هناك قيادات قتلت خلال الأشهر الماضية سواء بالعملية الأميركية أو الإسرائيلية، ولكن الجماعة تتكتم وتواصل الغموض، ولولا انكشاف مقتل الغماري لما اضطرت الجماعة للإعلان عن ذلك، وكل من تعتقد الجماعة أن مقتله سيظل سراً لا تعلن عنه”.

مصادر: هناك اعتقالات واسعة شملت موظفين في مؤسسات حكومية عدة

وأضاف الجبرني في حديثٍ لـ”العربي الجديد”: “لا أتوقع أن هناك شغوراً على مستوى القيادة، ولا تزال صفوف الجماعة العليا محمية ولم تتعرض لضربات كثيرة، ولذلك فهي في المرحلة الحالية ما زالت قادرة على التعويض”. وأوضح الجبرني أن “الاعتقالات الحوثية هي بالأساس انعكاس لحالة الهلع والخوف الأمني الذي يتلبس الجماعة ويتزايد مع مرور الوقت نظراً لبنيتها الأمنية منذ نشأتها، والحملات الأخيرة تستند إلى دافعين رئيسيين”. وتابع: “الأول مرتبط بإرادة الحوثيين في إخضاع جميع فئات المجتمع في مناطق سيطرتها وإحكام الإغلاق الأمني خشية الانكشاف، لذلك نراها تتجه نحو موظفي الأمم المتحدة وكوادر المجتمع والوجهاء لاستكمال إخضاع من يتوقع أنه في مأمن، والثاني متعلق بمعلومات متضاربة ووشايات نظراً لنقص كفاءة أجهزتها الأمنية المتعددة وتداخل مهامها”.

الحوثيون أمام استحقاقات داخلية

ويواجه الحوثيون حالياً استحقاقات داخلية بوصفهم سلطة أمر واقع وتتصاعد الأصوات المطالبة بأن تتحمل الجماعة مسؤوليتها التي تهرب منها بمبرر أنها في حالة حرب وتمارس القمع لأي انتقاد باعتقالات واسعة، وخلال الأيام الماضية تصاعد خطاب الجماعة الموجه للسعودية في محاولة للعودة إلى آخر مسارات التفاوض التي كانت جارية في أواخر عام 2023 بإعلان خريطة الطريق لحل الأزمة اليمنية. وأعلن رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام، أول من أمس الأربعاء، أنه بحث مع المبعوث الأممي هانس غروندبرغ مسار السلام المتمثل بخريطة الطريق المسلّمة للأمم المتحدة والمتفق عليها مع الجانب السعودي برعاية سلطنة عمان. وأضاف على منصة إكس: “تم لفت النظر إلى ضرورة استئناف العمل على تنفيذ ما تضمنته الخريطة، وفي مقدمتها الاستحقاقات الإنسانية وأنه لا يوجد أي مبرر للاستمرار في المماطلة”.

وتضمنت خريطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث الأممي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، خمسة بنود رئيسة، هي: وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء اليمن، دفع رواتب موظفي القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز ومناطق أخرى، وتخفيف القيود المفروضة على الموانئ والمطارات، والتحضير لعملية سياسية جامعة تشمل جميع الأطراف اليمنية. في المقابل، أطلقت قيادات حوثية تهديدات ضد السعودية، وقال عضو المكتب السياسي للجماعة عبد الله النعمي على “إكس”: “نواجه ضغوطاً شعبية لإرغام السعودية بالسلم أو بالحرب على تنفيذ خريطة الطريق التي وقعت عليها بتسليم مرتبات الموظفين… وإعادة الإعمار وفك الحصار ومعالجة ملفات الحرب في أسرع وقت ممكن”.

Share This Article