المسار : يستقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض اليوم الإثنين، نظيره السوري أحمد الشرع، الذي استقبل اللقاء بالتأكيد على أن العقوبات الدولية المفروضة على بلاده «تقترب من مراحلها الأخيرة» مشددا على ضرورة استثمار الزخم الدبلوماسي الراهن لدعم جهود إعادة الإعمار وتعزيز حضور الجالية السورية في الولايات المتحدة، كما دعا منظمات سورية في واشنطن إلى استثمار «الفرصة النادرة».
«لقاء مثمر»
وكان الشرع قد وصل إلى الولايات المتحدة السبت في زيارة رسمية، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية السورية «سانا» بعد يوم من إزالة واشنطن اسمه من «قوائم الإرهاب». ومن المرجح أن توقّع دمشق خلال هذه الزيارة اتفاقاً للانضمام إلى «التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي تقوده واشنطن، كما كان قد أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس برّاك.
وحسب وكالة الأنباء الرسمية الأحد، فقد التقى الشرع في واشنطن، ممثلي المنظمات السورية الأمريكية، في «لقاء حواري مثمر لمتابعة أوضاع السوريين في المهجر وتعزيز التواصل معهم».
وناقش مع الحضور «واقع العمل الإنساني والاجتماعي الذي تقوم به المنظمات الحاضرة، وأكد أهمية دورها في دعم السوريين داخل الولايات المتحدة وخارجها».
وأثنى على «جهودهم المتواصلة» مؤكداً «تقديره العالي لعطائهم الإنساني ودورهم في نقل الصورة الحقيقية عن السوريين في الخارج».
ولفت إلى «الأثر الدبلوماسي الذي حققته هذه الجهود في تعزيز حضور الصوت السوري في المحافل الأمريكية، ودعم القضايا الوطنية العادلة، كما أشاد بمساهمات الجالية السورية وممثلي المنظمات السورية الأمريكية في تعزيز الوعي بالقضايا السورية، وتعزيز الانتماء وتعميق الروابط مع الوطن الأم». رئيس الشؤون السياسية في المجلس السوري الأمريكي، محمد علاء غانم من واشنطن، قال إن الرئيس الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني استهلا زيارتهما إلى واشنطن باجتماعٍ مصغّر عُقد مع عددٍ من قادةِ منظّمات الجالية السورية الأمريكية.
وقد تناولَ الاجتماعُ نقاشَ محاور عدّة كان منها دورُ الجالية السورية الأمريكية في المراحل المقبلة، والسياسة الخارجية عموماً، لا سيّما الزيارة المرتقبة إلى البيت الأبيض واللقاء المزمع عقده اليوم الإثنين مع الرئيس ترامب.
كما تطرّق النقاش إلى الوضع الداخلي في سوريا بمختلف أبعاده السياسية والاجتماعية والمعيشية والتعليمية، إضافةً إلى ملفّ العدالة الانتقالية.
وكشف أن اليوم الإثنين، سيشهدُ عقدَ اجتماعٍ موسّع مع عددٍ كبير من أبناء وبنات الجالية السورية الأمريكية من مختلف الولايات.
محطة بالغة الأهمية
وحول أهمية هذه الزيارة، وماذا تريد إدارة الرئيس ترامب من القيادة السورية، وما الذي تأمل الإدارة السورية الجديدة تحقيقه من هذه الزيارة التاريخية؟ قال الكاتب والسياسي السوري طلال عبد جاسم لـ «القدس العربي» إن زيارة الشرع إلى البيت الأبيض تشكل «محطة سياسية بالغة الأهمية، ليس فقط لأنها الزيارة الأولى لرئيس سوري إلى الولايات المتحدة، بل لأنها تأتي في توقيتٍ إقليمي ودولي دقيق، وتحديات كبرى أمام الإدارة السورية داخليه وخارجيه، وبعيدا عن التكهنات التي لا تستند إلى معلومات موثوقة التي تصدر بتمويل هذا الطرف أو ذاك».
جاسم في لقاء إعلامي : سوريا تتطلع لمساعدة أمريكا في 4 ملفات بينها كبح إسرائيل
وبالنسبة لتطلعات الإدارة السورية الجديدة، قال: «لا شك أن الإدارة السورية الجديدة تحتاج إلى الكثير من إدارة ترامب لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والأمنية، ويمكن تلخيص هذه المتطلبات في أربعة محاور أساسية وعاجلة، وهي رفع العقوبات واستعادة التدفق المالي الخارجي، حيث تسعى دمشق إلى رفع العقوبات الاقتصادية للتمهيد بالسماح بعودة التدفق المالي الخارجي، إذ لا يمكن بناء استقرار حقيقي دون استثمارات كبرى تؤمن الكفاية الاقتصادية. فغياب الاستثمار يجعل الأمن هشًا والاستقرار محفوفًا بالمخاطر. وكان هذا المطلب حاضرا في تصريحات الرئيس السوري ووزير خارجيته في عدة مناسبات دولية وإقليمية.
المطلب الثاني هو «كبح الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، حيث تطالب سوريا بكبح جماح إسرائيل، التي تنفذ اعتداءات متكررة على الأراضي السورية، سواء عبر القصف الجوي أو التوغلات البرية واحتلال الأراضي والاعتداء على المدنيين» وفق المتحدث الذي اعتبر أن «دمشق ترى أن هذه الاعتداءات تمثل العائق الأكبر أمام تحقيق الاستقرار وإعادة توحيد البلاد، لأنها تعرقل المصالحة في الجنوب وجهود ترتيب أوضاع شرق البلاد، وتحرم الدولة من ممارسة سيادتها الكاملة على أراضيها».
أما المطلب الثالث فيتمثل بـ«تحرير الموارد الوطنية وضمان الوصول لها حيث تسعى الحكومة السورية إلى ضمان الوصول إلى مراكز الثروات الوطنية بعد تعثر إتاحة التدفق المالي الخارجي، وهو أمر لم يتحقق بعد، رغم التحولات السياسية والانفتاح على المصالحات الداخلية والخارجية. ورغم تصريحات الرئيس ترامب الداعمة لاستقرار سوريا وتصريحات مبعوثه لسوريا توماس براك إلا أننا لا نرى انعكاسات عملية ملموسة على الأرض حتى الآن».
أما المطلب الرابع والأهم فهو «استعادة السيادة الكاملة على الأرض السورية، إذ تؤكد دمشق مرارًا أن سوريا أصبحت دولة حيادية لا تشكل تهديدًا لجيرانها، ولا تسمح لأي جهة داخل أراضيها بتهديد أي دولة أخرى. وترى أن ممارسة السيادة الكاملة على أراضيها هي حق طبيعي ومقدمة ضرورية للاستقرار الوطني والإقليمي. وتتوقع من الإدارة الامريكية خطوات عملية لتحقيق هذا الهدف».
دوافع واشنطن
في المقابل، تتعدد دوافع واشنطن وأهدافها من إعادة الانخراط مع دمشق، يمكن حصر أبرزها، وفق المتحدث «في ضمان أمن إسرائيل وحدودها، معالجة مخاوفها لا سيما بعد تصاعد التوتر في غزة وتزايد المخاوف الأمنية الإسرائيلية. وكذلك، محاربة الإرهاب بجدية ووضوح، وفق تعريف محدد ومتفق عليه، بما يضمن القضاء على التنظيمات المسلحة خارج سلطة الدولة السورية والتي تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي، إنهاء الوجود المسلح غير الرسمي، تنفيذًا لاتفاق دولي غربي يمنع وجود ميليشيات مسلحة أو مناطق نفوذ خارج سيطرة الحكومات الشرعية في الشرق الأوسط، وإنهاء تجارة الكبتاغون ومنع تهريب السلاح والأموال إلى «حزب الله» وقطع خطوط الإمداد مع الميليشيات العراقية، مع ضمان عدم عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا أو قدرته على التأثير في مستقبلها، وهناك من يشمل تقييد بعض الفصائل الفلسطينية أيضاً».
وتطرق المتحدث إلى ملفات هامة يمكن طرحها على طاولة المباحثات، أهمها ملف سجون تنظيم «الدولة» إذ «تولي الحكومة السورية مسؤولية ملف سجناء داعش ومحاكمتهم بما يتفق مع القوانين الدولية، تجنباً لأي تبعات قانونية على الولايات المتحدة أو حلفائها، إضافة إلى حلّ قضية عوائل عناصر داعش، الذين يشكلون عبئًا قانونيًا وإنسانيًا يثير قلق المؤسسات الأوروبية والأمريكية، خشية من دعاوى قضائية مستقبلية أمام المحاكم الأمريكية خاصه والغربية عامة».
وأكد ضرورة «إضفاء شرعية دولية على وجود التحالف الدولي في سوريا، وهو وجود يفتقر حاليًا لأي تفويض من الحكومة السورية أو من المؤسسات الدولية، وضمان استخدام الموارد السورية بشكل قانوني ومنظَّم، والحصول على ضمانات بتجنب المساءلة القانونية المستقبلية عن الأضرار التي لحقت بالسوريين وبالبنية التحتية والموارد الوطنية في السنوات الماضية. كما أن مواجهة محتملة مع روسيا أو الصين، أو كليهما، ستكون أكثر صعوبة إذا لم يضمن الأمريكيون استقرار منطقة الشرق الأوسط، التي شكلت أحداثها الأخيرة تهديدًا لاستقرار الاقتصاد العالمي وتعطيلالسلاسل التجارة والطاقة».
انسحاب منظم
وأضاف أن «تحقيق استقرار سوريا يبرز كضرورة اقتصادية استراتيجية أمريكية، إذ إن أي فوضى في سوريا تهدد المشاريع الاستثمارية المشتركة بين واشنطن ودول الخليج، كما تهدد استقرار لبنان والعراق والمنطقة بأسرها».
ولفت إلى «تهيئة الأجواء لانسحاب عسكري منظم من سوريا والعراق، وهو هدف رئيسي لإدارة ترامب التي لا ترغب بتكرار تجربة الانسحاب الكارثي من أفغانستان، وتسعى لطمأنة الكونغرس والبنتاغون قبل تنفيذه، تجنبا لأي عرقلة محتملة لهذا الانسحاب كما حدث في ولاية ترامب الأولى».
وإزاء التحديات أمام السيادة السورية، قال المتحدث: «لا يزال التدخل الدولي في سوريا يشكل أحد أبرز العقبات أمام تحقيق السيادة الوطنية الكاملة، بعدما تحولت الأرض السورية إلى ساحة لتصفية الحسابات والمصالح المتناقضة. وقد أدى هذا الوضع إلى تهميش أصوات السوريين وسلبهم حق تقرير مصيرهم، ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى جهود حثيثة لتقليص حجم هذا التدخل وضبطه تمهيدًا لإنهائه تدريجيًا، وفق مسار يرتبط بالتطورات الإقليمية والدولية المقبلة».
ويتوقع الكثير من المراقبين أن الزيارة «ستحقق الكثير للطرفين ومن الممكن أن تنضم سوريا الى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، ويمكن أن توقع اتفاقية ما مع إسرائيل أو ستمهد الطريق لأن يحصل ذلك قريباً» حسب المتحدث الذي أشار إلى أن «فض الاشتباك التركي الإسرائيلي ضرورة ملحة لإدارة ترامب، كما أن صيغة حسم ملف «قسد» يعتبر أمرا جوهريا وغير قابل للتأجيل. جهود كبيرة تبذل لحل يجنب سوريا والسوريين مزيدا من الدماء والخراب».

