الاحتلال يُمهّد لتهجير جديد في القدس: أوامر بإخلاء 87 منزلاً في سلوان

في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، يتبدّل المشهد من دفء الجدران إلى صدمة التهجير، وعائلات تُنتزع من منازلها تحت التهديد، وتُترك في العراء، بينما يسكن أماكنها مستوطنون غرباء، وهو ما حدث مع عائلات مقدسية، أمس الأحد، إذ دُفِعت العائلات لترك منازلها قسراً لتصبح بلا مأوى.
أفاقت عائلتا الشويكي وعودة في حيّ بطن الهوى بالحارة الوسطى من بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، على واقعٍ جديد قاسٍ، بعدما كانوا في منازلهم، وباتوا مشرّدين بلا مأوى، فقد استولت جماعات المستوطنين، أمس الأحد، على ثلاثة منازل تعود للعائلتين، وأجبرت السكّان الأصليين على الإخلاء تحت تهديد السلاح، فيما حلّ مكانهم مستوطنون غرباء عن منازل فلسطينية تتربع في القدس منذ أكثر من سبعين عاماً.

وبينما كانت المقدسية الثمانينية أسمهان الشويكي “أم زهري”، تجلس وحيدة في منزلها، وقد انشغل أبناؤها وأحفادها بأعمالهم اليومية، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي، تطوّق المنزل من الخارج، تمهيداً لاقتحام عنيف، ولم تمضِ لحظات حتى أُجبرت الحاجة أسمهان على إخلاء منزلها قسراً، ما أدى إلى فقدانها الوعي ونقلها على وجه السرعة إلى مستشفى “هداسا”. يروي نجلها هاني الشويكي في حديث مع “العربي الجديد”، أنّه فور سماعهم باقتحام المنزل حاولوا الوصول إليه مسرعين، لكنهم فوجئوا بعشرات المستوطنين يحيطون بالمكان تحت حماية قوات الاحتلال التي كانت قد أخلت المنزل من جميع محتوياته، ومنعتهم من دخوله، ويقول الشويكي: “حين وصلنا، كانت الشرطة تطوّق المنزل، والمستوطنون يخرجون أغراضنا إلى الشارع (…) لم يسمحوا لنا بالاقتراب، واعتدوا علينا بالضرب أنا وإخوتي والجيران الذين حاولوا مساعدتنا”.

في حي بطن الهوى نحو 87 منزلاً، جميعها باتت مهدّدة بالإخلاء منذ الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

يضيف الشويكي: “كان من المقرّر إخلاء منزلنا في التاسع عشر من الشهر الجاري، بعد نحو خمس سنوات من النزاع القضائي بيننا وبين الجماعات الاستيطانية، لقد حاولنا بكل الطرق القانونية، واستعنّا بمحامين، وأنفقنا كل ما نملك من مال، وكانت القضية تتأجل في المحاكم باستمرار”، ويتابع الشويكي: “أسكن في المنزل أنا وعائلتي ووالدتي، وعددنا تسعة أشخاص، لكن الإخلاء جرى قسراً دون سابق إنذار”، وفور إخلاء المنزل، سكنه المستوطنون ووضعوا فيه مقتنياتهم، يقول الشويكي بصوت حائر: “لا ندري أين نذهب الآن”.

الاحتلال يقتحم منزلين في بلدة سلوان

وفي وقت سابق عرضت الجماعات الاستيطانية على أصحاب المنزل مبالغ مالية كبيرة ومنازل بديلة، لكنّهم رفضوا، وكان ردّهم: “لن نخرج من المنزل إلّا على دمنا، عشنا هنا وسنموت هنا”، وتملك عائلة الشويكي أوراقاً بملكيّتهم المنزل منذ عشرات السنين، يروي هاني قائلاً: “أبلغ من العمر خمسةً وأربعين عاماً، وُلدت فيه، وكذلك إخوتي جميعاً، ومنهم شقيقاي الشهيدان زهري الذي ارتقى عام 1996 في سلوان برصاص الاحتلال، ونزار الذي استشهد عام 2000 في باحات المسجد الأقصى”، كما أنّ والدهم ارتقى في المنزل عام 1998 بعد أن اقتحمه الاحتلال وأطلق فيه قنابل الغاز المسيّل للدموع، إذ كان يعاني من ضيق في التنفس. “لقد رحل من هم أغلى من الدار نفسها، فلا شيء أثمن منهم (…) ما كتبه الله علينا، نرضى به”، يؤكد الشويكي. ويضيف: “العائلة بأكملها مستهدفة، وليس المنزل كعقار فحسب، بل مَن يسكنه أيضاً، فقد قضيت نحو ثماني سنوات في سجون الاحتلال بشكل متقطع”.

وبينما كان المستوطنون يلقون، أمس الأحد، محتويات المنزل في الشارع، من الأثاث والأغطية والملابس إلى الأجهزة الكهربائية، ومستوطن آخر يؤدي صلوات تلمودية في محيط المنزل “وكأنه يبارك عملية الإخلاء”، كانت قوات شرطة الاحتلال تقتحم منزلين آخرين في ذات الحيّ وتخليهم بالقوة من السكّان، بحسب ما يقول رئيس لجنة حيّ بطن الهوى في سلوان، زهير الرجبي، لـ”العربي الجديد”. مشيراً إلى أنّ قوات الاحتلال سلّمت أمر إخلاء جديدٍ لعائلة أخرى من الحيّ يعود لعائلة الرجبي، التي تملك مبنى يضم ثلاث شقق سكنية، وأُمهلتهم حتى الأول من الشهر المقبل لإخلائه.
ويؤكد الرجبي أنّ هذا القرار جاء مباشرة بعد انتهاء عملية طرد عائلة الشويكي، ما يؤكد أن هناك مخططاً متسارعاً للاستيلاء على منازل الحيّ وتسليمها للمستوطنين.
ويبيّن الرجبي أنّ “الحيّ اليوم يعيش تحت تهديد دائم”، فالسكان المجاورون للمنازل المستولى عليها يتعرضون لحملات تخويف واعتقالات واستفزازات متكرّرة، وجميعهم تلقوا أوامر بالإخلاء، في إطار سياسة إسرائيلية ممنهجة لإفراغ الحيّ من سكانه الفلسطينيين. ويوضح الرجبي أنّ حجج الجمعيات الاستيطانية التي تدّعي ملكيتها للأرض واهية وكاذبة، إذ تزعم أن الأرض تعود لليهود منذ عام 1892، بينما يسكن الأهالي في منازلهم الحالية منذ أكثر من ستين عاماً، ولديهم وثائق تثبت ملكيتهم لها.

ويؤكد الرجبي أنّه يقطن في بناية تضمّ 15 شقة سكنية، ولديهم مهلة حتى السادس عشر من الشهر الجاري، للاستئناف أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، لكن التجربة، كما يرى “تثبت أنّ القرارات تصدر دائماً لصالح المستوطنين، وأن الإخلاء مسألة وقت لا أكثر”.

وعن الدعمّ المقدم لهم من الجهات الرسمية والحقوقية، يوضح الرجبي قائلاً: “الدعم المتاح لأهالي الحي محدود للغاية، وقد استنفد السكان كل السبل القانونية في المحاكم الإسرائيلية. ورغم وجود دعم معنوي ومتابعة من مؤسسات دولية ورسمية، فإن تأثيرها محدود أمام سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية”. مشدداً على أنّ “المقدسيين لا يملكون بدائل”، فالوضع السكني في القدس صعب للغاية، ولا توجد منازل متاحة للإيجار، فيما يسعى الاحتلال إلى دفع الفلسطينيين نحو مناطق مقدسية تقع خارج جدار الفصل العنصري مثل قلنديا والعيزرية، ضمن خطة تهدف إلى تهجيرهم قسراً من المدينة.

ويؤكد رئيس لجنة حيّ بطن الهوى أنهم لن يتركوا منازلهم، “لكن إن أُجبرنا على ذلك، فلا نملك مأوى آخر ولا نعلم إلى أين نذهب”، وأشار إلى أنّ معظم المنازل التي تُخلى من سكانها تُسلّم للمستوطنين مباشرة، موضحاً أنّ في حي بطن الهوى نحو 87 منزلاً، جميعها باتت مهدّدة بالإخلاء منذ الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد استولى المستوطنون بالفعل على 10 منازل حتى الآن، بينها منازل عائلتَي الشويكي وعودة التي أُخليت صباح أمس الأحد.

Share This Article