الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

القناة 12 العبرية 28/11/2025

كاتس ليس ضروريًا، ويمكن لنتنياهو وضع حدٍّ لذلك

بقلم: اللواء احتياط / اسرائيل زيف

 يُمثل هجوم كاتس الأخير على رئيس الأركان انحدارًا غير مسبوق لوزير دفاع غير مؤهل لمنصبه، وقد أعلن الحرب على الجيش. أعرب كاتس صراحةً عن عدم ثقته بتحقيقات الجيش الاسرائيلي، وعن عدم ثقته برئيس الأركان الذي عيّن الفريق واستخلص استنتاجاته بجرأة بناءً عليها، بينما اختار بدلاً من ذلك تعيين مسؤول غير كفؤ وغير مؤهل، يفتقر إلى الأدوات اللازمة وثقة الجمهور لفحص التحقيقات من فوق رأس الجيش.

إن خطوة رئيس الوزراء للوساطة، في وقت لا تزال فيه نتائج الحرب غير واضحة، ولا جبهة مستقرة، ووزير الدفاع لا يهتم إلا بغروره، وهو الأهم، هي بمثابة دفن رأسه في الرمال وتعريض أمن إسرائيل للخطر.

وزير الدفاع الفعلي لدولة إسرائيل هو رئيس الوزراء. رئيس الوزراء هو من يتخذ جميع القرارات الرئيسية، وليس وزير الدفاع الذي تُعيّنه الحكومة ويُشرف عليها. على مرّ فترات عديدة، ظلّ منصب وزير الدفاع شاغرًا، بما في ذلك في عهد نتنياهو، على سبيل المثال بعد استقالة ليبرمان في تشرين الثاني 2018، وفي عهد أولمرت عام 2007، وإيهود براك عام 1999.

سلطة وزير الدفاع في الموافقات التشغيلية محدودة للغاية. فرئيس الوزراء هو من يملك صلاحية الموافقة، والوزير ليس سوى محطة في الطريق. لذا، تعتمد أهمية أداء وزير الدفاع بشكل كبير على العلاقة السليمة بينه وبين رئيس الأركان، ودرجة الثقة والتعاون بينهما. ورغم وجود توتر متأصل، يدرك كلا الجانبين أنه لا يجب أن يتدخل أحدهما في شؤون الآخر. وقد تولى عدد من وزراء الدفاع منصب رئيس أركان أعلى، ولكن من السهل على رئيس الأركان أن يقطع أرجل وزير الدفاع، على سبيل المثال من خلال عرض آراء معارضة على رئيس الوزراء، أو من خلال اتخاذ إجراءات مراوغة دون مراعاة وزير الدفاع. وزير الدفاع الحكيم يتصرف بالتنسيق مع رئيس الأركان، الذي، على الرغم من أنه معين من الحكومة الا انه في المقام الأول شخصية دولة، وليس شخصية سياسية، وهنا تكمن قوته.

خلال الحرب، يمكن لوزير الدفاع أن يبادر ويتجاوز رئيس الأركان في توجيهات العمل، ويمكنه وضع خطة سياسية مثل “اليوم التالي”. كما تقع عليه مسؤولية ضمان عمل منظومة وزارة الدفاع، وشراء الذخيرة والمعدات وإمدادات الطوارئ التي تدعم الجيش في جميع احتياجاته اللوجستية. في حالة عدم وجود حرب، يتمثل دوره الرئيسي في تمثيل الجيش لدى الحكومة في الحصول على ميزانية الدفاع، والحفاظ على مكانة الجيش، وإدارة قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية، ورعاية ضحايا الجيش الاسرائيلي. معظم هذه الأمور يتولاها مدير عام كفؤ. مرة أخرى، على الرغم من أن رئيس الأركان لا يحتاج إليه في معظم الأحيان، إلا أن التعاون مفيد.

يحاول كاتس تصدّر عناوين الصحف بقوة لأنه يعلم أنه غير ذي صلة. لكن هذا ليس حال كاتس. فرغم رغبة زمير الشديدة في أن يكون رجل دولة ويحترم وزير الدفاع، إلا أن الأخير، بفهمه المحدود للأمن، يبذل قصارى جهده لإظهار سلطته على ظهر رئيس الأركان.

جميع التحركات الحربية الأخيرة كانت بمبادرة من رئيس الأركان، ووافق عليها رئيس الوزراء، الذي أملى بدوره السياسة المتبعة. لم يؤثر كاتس على مفاوضات الأسرى، ولم يؤثر على المفاوضات السياسية التي أدارها رون ديرمر، ولم يُعِد أي خطة لما بعد “اليوم التالي”، الذي تُمثل نتيجته اليوم في غزة فوضى عارمة بلا أي توجيه. لا يبدو أن نتنياهو يطلب رأيه حقًا في المسائل الجوهرية، وقد اختفى تمامًا في قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية – وهو أهم ما يُهم الجيش الاسرائيلي اليوم في ظل حاجته الماسة إلى الناس. لا يُدافع عن الجيش الاسرائيلي في أي قضية جوهرية، بما في ذلك اقتحامات قواعده، والتشهير بآلة التشهير ضد الضباط، وفي قضية الضابطة المؤسفة، سارع إلى محاكمتها ميدانيًا. جميع التحركات الحربية الأخيرة بادر بها رئيس الأركان، ووافق عليها رئيس الوزراء، الذي أملى بدوره السياسة المتبعة. . إنه لا يفعل شيئًا لوقف التآكل الحاد الذي يُعاني منه الجيش الاسرائيلي؛ بل على العكس، إنه يدفع لاستنزافه. إنه لا يتصرف في وجه هروب العديد من الضباط والمعارضين من الخدمة، ولا يُناضل من أجل الزيادة الجوهرية في الميزانية. إنه يعارض إجراء تحقيق جدي في الحرب، ويحاول إبعاد الحكومة عن المسؤولية، ويسعى إلى ممارسة المزيد من السياسة الشخصية على حساب ضباط إضافيين.

يبدو أنه لا ينخرط إلا في السياسة الشخصية، محاولاً منافسة رئيس الوزراء على التعليمات – “أمرتُ”، “أمرتُ”، “أمرتُ” الجيش الاسرائيلي، على تعليمات رئيس الوزراء. وبصغر حجمه، يسعى جاهداً لاستعراض قوته على الجيش بدلاً من مساعدته.

تعيين كاتس هو خطيئة سياسية تهدف إلى إقصاء يوآف غالانت، الذي طالب بقانون تجنيد إجباري حقيقي، وهرتسي هاليفي، الذي تحمّل أيضاً مسؤولية فشل الحكومة في أكتوبر. يمنع كاتس رئيس الأركان من أداء دوره، ويحرجه في كل فرصة بإساءة استخدام سلطته عندما لا يوافق على تعيينات جوهرية تضر بالجيش في عمله وبرئيس الأركان. أسمع من العديد من الضباط أنهم سئموا من التسييس الذي يُدخله في الجيش، والذي لا يُؤدي إلا إلى إضعاف وإحراج الجيش.

——————————————-

هآرتس 28/11/2025

مخاطر استمرار السيطرة على الفلسطينيين اكثر من إقامة دولة فلسطينية

بقلم: مئير كراوس

إقامة دولة فلسطينية هي مصلحة امنية وسياسية وهوياتية واضحة لدولة إسرائيل. حل الدولتان لشعبين هي الطريقة الوحيدة لحل النزاع وسفك الدماء ومنح الامن لإسرائيل. هذه أيضا الطريقة الوحيدة للحفاظ على الطابع اليهودي والديمقراطي لدولة إسرائيل وتطبيق قيمها الأخلاقية والحفاظ على مكانتها في أسرة الشعوب.

في المقال الذي نشره هنا آفي غارفنكل قبل شهر (“هآرتس”، 28/10) طلب من الكتاب مواجهة مخاوف الجمهور الواسع من إمكانية ان تشكل الدولة الفلسطينية التي ستقام خطر وجودي على إسرائيل. وحسب قوله فان المؤيدين للدولة الفلسطينية ينظرون الى مواقفهم كاساس ايماني ليس بحاجة الى اثبات. أنا اريد مناقشة التحدي الذي وضعه غارفنكل امام كل من يريد انهاء النزاع بيننا وبين الفلسطينيين.

التحدي الذي يقف امامنا هو وبحق ضمان وجود دولة إسرائيل، على افتراض انه ستقام الى جانبها دولة فلسطينية. هذا يحتاج الى نقاش موضوعي وعقلاني يتعلق بكل مجالات الامن الوطني بجوانبه العسكرية والسياسية والاقتصادية والقيمية. ورفض تام لامكانية وجود امن لإسرائيل الى جانب دولة فلسطينية يصل هو أيضا الى درجة أساس ايماني.

للفلسطينيين، مثلما لليهود، يوجد حق لتقرير المصير في هذه البلاد، وهذا الحق يستحقونه بدون صلة بنا. الفلسطينيون هم أبناء البلاد منذ أجيال طويلة. ولديهم هوية وطنية مميزة وهم يريدون تجسيد حقهم هذا. القرار 181 للأمم المتحدة الصادر في العام 1947 بشان تقسيم البلاد الى دولتين – دولة يهودية ودولة عربية – يرتكز على حق الشعبين في تقرير المصير.

ان رفض الفلسطينيين في حينه كان خطأ تاريخي فظيع، الذي بسببه دفعوا ويدفعون ثمنا باهظا وكذلك نحن أيضا. ولكن هذا الرفض لا ينفي الحق الذي يستحقونه، خاصة بعد ان اعترفوا في 1988 في اعلان استقلالهم بدولة إسرائيل ووافقوا على قرار التقسيم وقرارات الأمم المتحدة 242 و338، التي تعني موافقة على دولة في حدود 1967. ان اعتراضنا على حق الفلسطينيين في تقرير المصير يجر خلفه اعتراض على حقنا نحن. هذا ليس خطرا مستقبليا، بل خطرا آنيا. امام انظارنا يعترضون على حق وجود دولة إسرائيل، وهذا سيزداد كلما تباطأنا في حل النزاع.

لضمان وجود دولة إسرائيل الى جانب دولة فلسطينية، لا بد من ترتيبات توفر استجابة ملموسة للتحديات الأمنية، بما في ذلك: نزع سلاح الدولة الفلسطينية؛ أسس تضمن استقرارها وتمنع اضعافها على يد جهات معادية؛ قدرة إسرائيل على التدخل لمنع الاخطار وضمانات دولية. وستشمل هذه الترتيبات تفعيل حق العودة الى الدولة الفلسطينية، وتحدد التزام أي قيادة فلسطينية بالسلام وانهاء كل المطالبات بين الطرفين.

هذا الواقع سيكون مختلف في أساسه عن الواقع الذي كان قائما عند الانسحاب من لبنان أو الانفصال عن غزة – الانسحابات التي نفذت من جانب واحد بدون اتفاقات وبدون نقل المسؤولية عن الأراضي الى جهة معينة، وبالطبع بدون انهاء الصراع. ان قيادة دولة فلسطينية من شانه ان يلبي التطلعات الوطنية الفلسطينية ويشجع الفلسطينيين الذين يسعون الى السلام – يوجد بعضهم – وسيعزز مكانتهم في المجتمع، ويتيح لهم الازدهار والتركيز على بناء دولتهم. بالتالي، هناك فرصة حقيقية لان يرسخ قيام دولة فلسطينية رغبة فلسطينية واضحة في السلام مع إسرائيل، الامر الذي يقلل بشكل كبير من دوافع النضال العنيف ضدنا.

ما دمنا نسيطر على الفلسطينيين فهم سيستمرون في قتالنا ونحن سنستمر في قتلهم وتعريضهم للقتل. ان استمرار السيطرة على الشعب الفلسطيني يعني صراع مستمر، في دورات تصعيد دموية متزايدة، الامر الذي يقتضي تخصيص قوات وموارد ضخمة. ما دمنا ندير الصراع ستلجأ القوى الجهادية وغيرها من القوى التخريبية الى العنف لتقويته بهدف اضعاف إسرائيل. البديل للتنازل عن الأرض هو “ان نبقى على حد السيف الى الابد” – حرب مستمرة تكلفنا الدماء والارواح والموارد. لقد اختبرنا هذا مرارا، وخلافا لمحاولات إعادة كتابة التاريخ يجدر بنا ان نتذكر بان كارثة 7 أكتوبر وقعت اثناء إدارة الصراع، وليس اثناء محاولة حله. ان الفرصة الوحيدة لتحقيق السلام والامن لإسرائيل هي من خلال تقسيم البلاد وإقامة دولة فلسطينية.

ان استمرار النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني منذ قرن تقريبا، واستمرار وضع الاحتلال هذا لستين سنة تقريبا، اضر بمكانة إسرائيل الدولية بشكل كبير. فقد اعترفت اكثر من 150 دولة بالدولة الفلسطينية. وفي نفس الوقت تعيد دول كثيرة تقييم علاقاتها مع إسرائيل وتفحص اتخاذ خطوات – علنية وسرية – لتقليص العلاقات والضغط على إسرائيل للمضي قدما في التسوية. وقد تكثفت هذه الخطوات مع حرب غزة، ويمكن ان تلحق ضرر كبير بامن إسرائيل واقتصادها. ان انهاء الاحتلال والمضي قدما في انهاء الصراع وإقامة دولة فلسطينية سيحدث تغييرا جذريا في مكانة إسرائيل في العالم وسيعيد الثقة بها.

دولة فلسطينية ستخلق عنوان سياسي مسؤول يلتزم بالاتفاقات ومعايير المجتمع الدولي، عنوان نفتقده جدا في الواقع الحالي. ان اقامتها ستمكن من تطوير علاقات مع دول كثيرة، عربية وإسلامية، وستفتح الباب امام اندماج إسرائيل في المنطقة، الذي سيشمل تحالفات اقتصادية، امنية وسياسية، مع دول المنطقة، التي ستضمن مستقبل إسرائيل وازدهارها.

ان استمرار الوضع القائم وعدم الانفصال عن الفلسطينيين سيؤدي بإسرائيل آجلا أم عاجلا الى واقع الدولة الواحدة. الشعب اليهودي يريد دولة يهودية تعكس هويته، ولا يرغب في دولة ثنائية القومية. كما يريد شعب إسرائيل دولة ديمقراطية تقوم على “أسس الحرية والعدالة والسلام في ضوء رؤيا انبياء إسرائيل”. هذه كانت وما زالت الرسالة التي اخذتها الحركة الصهيونية على عاتقها. ان واقع الدولة الواحدة يعني دولة ثنائية القومية وليس دولة يهودية، أو دولة فصل عنصري غير ديمقراطية.

ان استمرار السيطرة على الفلسطينيين، وما يتوقع ان يعقب ذلك من دورات عنف، سيظل يشكل تحديا للقيم الأخلاقية لدولة إسرائيل. ان الحاجة الى الحفاظ على الامن في ظل هذه الظروف ستؤدي بنا حتما الى انتهاك قيمنا الأخلاقية. التجربة علمتنا انه لا وجود لـ “احتلال مستنير”، ولا سبيل للسيطرة على الفلسطينيين مع الحفاظ على قيم أخلاقية في نفس الوقت. ان التكاليف الداخلية لفقدان هذه القيم الأخلاقية باهظة، وتصل الى درجة اثارة تساؤلات عميقة حول الهوية. وقد تجلت العواقب الخارجية لهذه الخسارة بشكل حاد في حرب غزة، حيث فقدنا ثقة الكثير من الدول – بعضهما من أصدقائنا القدامى – في إمكانية التمسك بحقنا في الدفاع عن النفس مع احترام قوانين الحرب والقيم الأخلاقية.

ان سيطرتنا على الفلسطينيين لسنوات طويلة جدا هي في جوهرها قضية غير محلولة للصهيونية. قضية تقوض ايماننا بعدالة الطريق وتقوض الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة. ان إقامة دولة فلسطينية هي تصحيح ضروري أيضا من اجلنا.

ان استمرار الصراع سيدفع إسرائيل الى تخصيص معظم مواردها للامن بدلا من استثمارها في التنمية الثقافية والروحية، وفي تطوير رأس المال البشري والازدهار الاقتصادي. ان قيام دولة فلسطينية هي امر أساسي لضمان هوية إسرائيل وامنها ومكانتها الدولية وازدهارها. وكلما اسرعنا في فهم هذا الامر والعمل على تحقيقه فان ذلك افضل. وكلما تاخرنا في إقامة دولة فلسطينية، تأخر وصول الشعبين الى لحظة المفاوضات بينهما، هذا اذا وصلت أصلا، مع خيارات اقل وصدمات اكبر.

الاخطار الأمنية، السياسية والقيمية، النابعة من بديل استمرار السيطرة على الفلسطينيين، وعدم إقامة دولة فلسطينية، هي اكثر خطرا من الاخطار الكامنة في اقامتها. في 1948 ارتكب الفلسطينيون خطأ حياتهم ورفضوا خطة التقسيم. الثمن الذي دفعوه ويدفعونه حتى الان بسبب رفضهم هو باهظ جدا. يجب علينا عدم السير في طريقهم وان نرتكب نفس الخطأ.

——————————————

يديعوت 28/11/2025

نتنياهو يستهدف القائمة الموحدة والجمهور العربي بحجة محاربة الاخوان المسلمين

بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين 

في العام الماضي، برزت ظاهرة غريبة في عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية في إسرائيل. فبعد إعلان ترامب عن خطوات معينة، انضمت إسرائيل إلى الموجة، مُبالغةً أحيانًا في التوجهات، لكنها سرعان ما تكتشف أنها تُركت وشأنها بعد أن فقد الرئيس الأمريكي اهتمامه بها. كان هذا هو الحال مع رؤية ترامب لإقامة ريفييرا متوسطية في قطاع غزة أثناء إجلاء الغزيين من المنطقة، وهي فكرة تخلى عنها هو نفسه بعد فترة، لكنها لا تزال حية في إسرائيل وتتجسد في الإدارة الغريبة التي شُكّلت لهذا الغرض في وزارة الدفاع.

هذا الأسبوع، عادت الظاهرة بعد توقيع ترامب أمرًا رئاسيًا يقضي بدراسة تعريف فروع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ومصر ولبنان كمنظمات إرهابية، استنادًا، من بين أمور أخرى، إلى الدعم الذي تقدمه لحماس والتعاطف الذي أظهرته تجاه مذبحة 7 أكتوبر. كانت هذه الخطوة قيد الدراسة في الإدارة الأمريكية منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، وقد تعامل ترامب نفسه معها خلال ولايته السابقة.

يتأثر التوقيت الحالي بقرار مماثل اتخذه حاكم ولاية تكساس جريج أبوت الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى ضغوط من دول عربية معادية للإخوان المسلمين للترويج لهذه الخطوة، وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن. سلّط ​​الأمر الضوء على تجاهل أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في الدول التي تربطها بواشنطن علاقات وثيقة، وعلى رأسها تركيا (حيث تُعتبر فعليًا الحزب الحاكم)، وقطر التي تستضيف قادة الحركة وتتماهى مع رسالتها.

ينبغي تركيز الجهود بشكل أساسي على الهيئات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين العاملة في الغرب والتي تدعم حماس، لا سيما من خلال التمويل، وكذلك على فروع الإخوان المسلمين التي تعمل عسكريًا ضد إسرائيل، وعلى رأسها تنظيم الجماعة الإسلامية في لبنان، المتورط في إطلاق الصواريخ وله علاقات وثيقة مع حزب الله وحماس”، كما يوضح الباحثان ماثيو ليفيت ومايكل جاكوبسون من معهد واشنطن. “ستُسهم مثل هذه الخطوات في إضعاف حماس وردع فروع أخرى من جماعة الإخوان المسلمين عن التواصل معها”.

في إسرائيل – كما جرت العادة – تم توظيف قرار ترامب فورًا لتلبية احتياجات سياسية داخلية، كما يتضح من إعلان نتنياهو هذا الأسبوع: “لقد حظرنا بالفعل بعض فصائل الإخوان المسلمين، ونعمل على إتمام العملية قريبًا”. منذ حظر الفرع الشمالي للحركة الإسلامية عام 2015، وسجن زعيمها الشيخ رائد صلاح لفترة طويلة، لم يكن من الصعب فهم أن نتنياهو كان يستهدف الفرع الجنوبي للحركة، الذي تعمل نيابةً عنه حركة الموحدة بقيادة منصور عباس على المستوى السياسي الرسمي. يكاد يكون هذا تضليلاً إعلامياً، لكنه يثير جدلاً حاداً، لا سيما في المجتمع العربي.

يحاول نتنياهو سرقة الانتخابات وإلغاء شرعية الموحدة لمنعها من الترشح، سعياً منه لضمان فوزه. هذه خطوة تمس بحقوق المواطنين العرب وتُهدد النظام الديمقراطي في البلاد. هذا هو نتنياهو نفسه الذي أكد سابقاً إمكانية تشكيل حكومة مع “القائمة العربية الموحدة”، كما أعلن عباس هذا الأسبوع، مُلمّحاً إلى الاتصالات التي أجراها نتنياهو معه قبل تشكيل حكومة التغيير عام 2021، والتي أفشلها سموتريتش في النهاية. وزعم عباس أيضاً أن نتنياهو يتبنى تدريجياً نهج بن غفير الذي يسعى إلى تقويض شرعية “القائمة المشتركة”، ويتصرف انطلاقاً من فهم مفاده أن الحزب – كما في الماضي – من المتوقع أن يعمل كعامل توازن “يكمل النصاب” لتشكيل ائتلاف جديد ويضمن استبدال حكومته.

أوضح عباس في حديثٍ له قبل أيام: “يتحرك نتنياهو وفق خطة من ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى، سيعمل على حظر الجمعيات العامة العربية، وفي الثانية، سيدفع باتجاه خطوة مماثلة ضد الفصيل الجنوبي، وفي الثالثة، سيعمل على منع الموحدة من الترشح للانتخابات، مما سيضرّ بشدة بتمثيل المجتمع العربي في الكنيست. يجب على السلطات القضائية أن تتحرك بحزم للحفاظ على النظام في الحكومة ومنع نشوء وضعٍ تؤدي فيه الاعتبارات السياسية إلى إقصاء المواطنين العرب. لقد بدأنا نحن في الموحدة بالفعل في التحرك لإحباط هذا التهديد أمام كبار المسؤولين في الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، الذين تربطنا بهم علاقات جيدة. يدرك العديد من هؤلاء القادة اليهود الأمريكيين الضرر الذي ستلحقه هذه الإجراءات السياسية الإقصائية بصورة إسرائيل الدولية، ويتعاطفون مع فكرة دمج حزب عربي في ائتلاف حاكم”.

 حقق عباس إنجازًا جديدًا عندما ضمّ، ولأول مرة في التاريخ، حزبًا عربيًا (وحزبًا ذا طابع ديني) إلى ائتلاف حكومي في إسرائيل، وبرز بخطواته غير التقليدية العديدة التي أكسبته أعداءً كثرًا في المجتمع العربي، بل وواجه انتقادات أحيانًا من داخل الموحدة والفصيل الجنوبي. على سبيل المثال، عندما أعلن ضرورة الاعتراف بيهودية إسرائيل؛ وعندما دعا المجتمع العربي باستمرار إلى تحمّل مسؤوليته عن آفة الجريمة والعنف، لا مجرد إلقاء اللوم على الدولة؛ وعندما شجع على إشراك الشاباك في الصراع، مدعيًا أن “على العرب أن يقرروا: أكل العنب أم قتل الحارس؟”، أي القضاء على الجريمة والعنف أم التمسك بالشعارات. يُدلي عباس بهذه التصريحات باللغتين العربية والعبرية، ورسائله ليست مصقولة ومُصفّاة وفقًا لهوية الجمهور.

نجح عباس أيضًا في إثارة غضب الفلسطينيين خارج الخط الأخضر، وخاصةً يحيى السنوار، الذي زعم في خطاب لاذع ألقاه في نيسان 2022 أن وجود “الموحدة” في الائتلاف يُعدّ للهجوم على الحرم القدسي، ووصف عباس بأنه “أبو جهل العصر الحالي”. في الحرب، برز عباس بإدانته الواضحة لمجزرة 7 أكتوبر، وهاجم بشدة من يحاولون إنكارها.

يبدو أن التلميحات التي أطلقها نتنياهو هذا الأسبوع تستهدف “جمعية إغاثة 48” التابعة للفصيل الجنوبي (اسمها الكامل: الجمعية الإسلامية للأيتام والمحتاجين)، والتي اتُهمت في السنوات الأخيرة بالتواصل مع عناصر إرهابية، وقد تُحظر في نهاية المطاف. في تموز الماضي، أوصى مسجل الجمعيات بحلها على خلفية مخالفات ودعم الإرهاب، وخاصةً تحويل الأموال إلى جمعيات خيرية تابعة لحماس. صاغ مسجل الجمعيات توصية، لكن لم تُتخذ أي خطوة عملية، “لقد قدمنا ​​نحن من جانبنا جميع الوثائق اللازمة إلى الجهات القانونية، بما فيها جهاز الأمن العام (الشاباك)، ولم يُثر رأيه ورأي المستشارة القانونية أي إشكاليات، كما يوضح عباس. “أثبتنا أن الجمعيات الخيرية التي كنا على اتصال بها تخضع منذ سنوات لسيطرة السلطة الفلسطينية، وليس حماس، وخاصة في الخليل. على أي حال، منذ 7 أكتوبر، لم يكن هناك أي نشاط إغاثي مدني من قبل الفصيل الجنوبي في الضفة الغربية، وبالتأكيد ليس في غزة”.

 لا “تقية”.

 يحاول عباس وقيادات بارزة في الفصيل الجنوبي أيضًا دحض الحجة السائدة في اليمين القائلة بأن الموحدة والفصيل فرعان من جماعة الإخوان المسلمين. وأوضح في حديث هذا الأسبوع مع رئيس الفصيل الجنوبي، الشيخ صفوت فريج، من كفر قاسم، عاصمة الفصيل: “نحن ملتزمون بأحكام الشريعة الإسلامية من جهة، وبالقانون من جهة أخرى. هذا مبدأ أساسي راسخ أرساه الشيخ عبد الله نمر درويش، مؤسس الحركة الإسلامية في إسرائيل، وهو متجسد أيضًا في دستورها”. لقد أكدنا مرارًا وتكرارًا وبشكل لا لبس فيه أننا لا ننتمي إلى حركة الإخوان المسلمين، لا تنظيميًا ولا سياسيًا. استقلاليتنا ليست شعارًا، بل هي أساس عملي وأيديولوجي أرساه الشيخ درويش ومن بعده من القادة. نعمل في ضوء واقعنا الخاص في إسرائيل، وليس وفقًا لفتاوى جهات خارجية. نتنياهو يحاول الهروب من الفشل السياسي ومحاكمته، ولذلك يخلق عدوًا وهميًا ويسعى جاهدًا لصرف انتباه الرأي العام.

 ويضيف عباس: “لو كنا جماعة الإخوان المسلمين، لما كنا جالسين في الكنيست. نحن حركة إسلامية محلية وجزء من المجتمع الإسرائيلي، ونركز على مشاكل مجتمعنا، لا على التطلع إلى إقامة خلافة إسلامية. هذه حركة واسعة النطاق ذات تنوع هائل ومتناقض في التفسيرات. نتشارك أفكارًا أساسية حول مراعاة الوصايا والأخلاق وأسلوب الحياة، لكننا منفصلون تمامًا عن البعد السياسي للإخوان المسلمين، الذي يؤكد على ضرورة محاربة إسرائيل. ولزيادة الشكوك والعداء تجاهنا، يزعمون أننا نستخدم “التقية” والتمويه والخداع فيما يتعلق بأهدافنا الحقيقية التي تبدو خبيثة. يُظهر الخطاب الحالي بأكمله صعوبة إجراء نقاش معقد في إسرائيل اليوم، في مواجهة جدار من الشعارات والوصمات والتعميمات”.

يوضح الشيخ فريج: “وضعنا فريد ومعقد، وليس هناك أي أمل في أن يفهمه أعضاء الإخوان المسلمين الأجانب. مجرد كوننا نصلي خمس مرات يوميًا لا يعني أننا أعضاء في نفس التنظيم أو نتشارك نفس الأجندة السياسية”. يستند تصورنا إلى نظرية الدوائر الخمس التي صاغها الشيخ درويش، والتي نتنقل بينها نحن المسلمين في إسرائيل باستمرار. بصفتنا بشرًا، مواطنين إسرائيليين، جزءًا من الأمة الإسلامية، عربًا وفلسطينيين. هذه مصادر متطابقة تتكامل فينا، وحسب الظروف المتغيرة، يبرز أحدها أو يتعزز. عندنا، كل شيء مفتوح، لا “تقية”.

تُعمّق تلميحات نتنياهو عزلة العرب عن الحكومة والمجتمع اليهودي، والتي ازدادت خلال الحرب. الجريمة والعنف متفشّيان (235 قتيلًا منذ بداية العام) ويتدفقان بثبات إلى الحيز اليهودي، وغالبية الجمهور العربي مقتنعة بأن بن غفير يتجنب عمدًا معالجة جذور المشكلة لإضعاف العرب، مُركّزًا فقط على هدم البناء غير القانوني (خاصةً في النقب)، وكذلك على الجهود – بالتعاون مع مايا جولان – لتحويل الأموال المخصصة للتعليم والرعاية الاجتماعية في المجتمع العربي إلى الشاباك بحجة استخدامها لمعالجة الجريمة.

يتجلى هذا التأرجح بين اليأس الشديد وضعف الأمل في استطلاع رأي نُشر قبل بضعة أشهر من قِبل برنامج كونراد أديناور للتعاون اليهودي العربي في مركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب: يشعر 75 في المئة من المواطنين العرب أن الحرب تؤثر سلبًا على علاقاتهم مع اليهود، ويشعر 35في المئة  أن صلتهم بالدولة قد ضعفت، ولكن في المقابل، لا يزال 73في المئة يؤيدون انضمام حزب عربي إلى الحكومة مستقبلًا. وأظهرت توقعات الانتخابات فوز تحالف الجبهة/لعربية للتغيير بـ 4.8 مقاعد، وتحالف “الموحدة” بـ 4.3، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي بـ 3 مقاعد (دون تجاوز العتبة الانتخابية)، وسيحصل حزب الديمقراطيين بقيادة يئير جولان على تفويض من المجتمع العربي.

 ويتفاقم هذا الشعور باليأس بسبب مواقف أحزاب الوسط – الشركاء السياسيين في حكومة التغيير – التي تتردد حاليًا في التحالف مع حزب عربي، ويبدو أنها تأمل في “عرب مدجنين”، في ظل الأوهام المنتشرة مؤخرًا حول خلق عوامل مواتية لإسرائيل، مثل الميليشيات في غزة. قطاع غزة، أو عشائر الخليل، أو تحالف مع الأقليات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. يؤكد صفوت فريج: “إذا كانت أحزاب الوسط تطمح إلى تغيير الحكومة الحالية واستبدالها، فعليها أن تتعلم من التاريخ وتُحلل الواقع السياسي بوعي: لا يمكن تحقيق هذه الأهداف دون التعاون مع الجمهور العربي”. ويوضح الدكتور أريك رودنيتزكي، مدير مشروع برنامج أديناور، في حديث له: “إن اقتراح حظر الحركة الإسلامية، وربما منع الموحدة من الترشح في الانتخابات، قد يُلحق ضررًا بالغًا بجزء كبير من الجمهور العربي الذي يدعم نهج عباس البراغماتي في السعي إلى تعزيز التعاون مع الأحزاب اليهودية دون الاصطدام بالمؤسسة في القضايا المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني”. ويؤكد: “مثل هذه الخطوة ستُحبط اتجاه دمج المواطنين العرب في البلاد الذي لم يتوقف رغم الحرب الصعبة”.

حتى لو لم يُنفذ نتنياهو في نهاية المطاف حظر حركة “الموحدة”، فإن تلميحاته، إلى جانب رسائل أحزاب الوسط وصعوبة إعادة تشكيل القائمة المشتركة، ستُضعف من فرص نجاحها. قد تُرسّخ القائمة العربية الموحدة (راعم) لدى الجمهور العربي قناعة بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات. سيتطلب هذا من الموحدة بذل جهد أكبر من ذي قبل لإثبات أن التجربة لم تفشل، أي أنه من الممكن دمجها وزيادة تأثيرها في صنع القرار، ولتحقيق ذلك، لا بد من المشاركة في التصويت (وهو ما اعتبره نتنياهو تهديدًا، حيث حذّر في انتخابات 2015 من أن “الناخبين العرب يتوافدون إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة”). في الوقت الذي يتزايد فيه احتمال تجديد حملة انتخابية واسعة في لبنان، وتزداد الحاجة إلى جولة أخرى مع إيران، وهناك علامة استفهام جدية حول استقرار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وهناك خوف دائم من التصعيد في الضفة الغربية، تُروّج الحكومة لتحركات قد تُشعل جبهة أخرى، هذه المرة من الداخل. إن محاولة حجب شخصية سياسية تُمثل شريحة كبيرة من المواطنين العرب وتُمثّل اختراقًا في طموحات الاندماج لدى الكثيرين منهم ستُعمّق الاغتراب والإحباط، وقد تُسبب انفجارًا واسع النطاق في المجتمع العربي، وهو ما كان يأمل السنوار أن يحدث في 7 أكتوبر- كما حصل في عملية “حارس الأسوار” في  أيار 2021، لكنها لم تتحقق.

من منظور أكثر تفاؤلاً، يُؤمل أن يستوعب صانعو القرار تطلعات اندماج العديد من المواطنين العرب، وأن تُترجم إلى مشاريع عملية وشراكات مُعززة، وأن تُشجع في الوقت نفسه على صياغة مُفصلة ومُحدثة للعلاقة بين الدولة والجمهور العربي – وهي قضية ظلت دون حل. حُكم عليها منذ عام 1948 وحتى اليوم.

 ——————————————

يديعوت أحرونوت 28/11/2025

مطلوب زعامة شجاعة تغير الواقع

بقلم: أمير أتينغر وآخرين

تحدث وزير الدفاع إسرائيل كاتس، أول من أمس، في الهيئة العامة للكنيست، وتناول الإشاعات عن أنه سيقال أو سينتقل من منصبه أو سيحال على خلفية المواجهات المتواترة مع رئيس الأركان الفريق ايال زمير، فقال: “متوقع أن أكون وزير الدفاع حتى الانتخابات” على الأقل. بالتوازي، في أثناء الذكرى لمؤسس الدولة دافيد بن غوريون، ساند رئيس الدولة إسحق هرتسوغ زمير على خلفية الجدال العلني.

 قال كاتس: “بالنسبة لرئيس الأركان -عملنا، نعمل وسنعمل معا. في كل ما يتعلق بالساحات العملياتية- نعمل جانبا مع رئيس الوزراء”.

في احتفال الذكرى لرئيس الوزراء الأول دافيد بن غوريون في سديه بوكر، قال هرتسوغ: “ليس صدفة أن تكون ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي عالية بهذا القدر، وبالتأكيد بالنسبة لكل مؤسسة أخرى في إسرائيل. لأن الجيش الإسرائيلي هو نحن. هو بناتنا وأبناؤنا. هو “مني سترون وهكذا تفعلون””.

أما رئيس الأركان فألقى كلمة في الاحتفال، وقال فيها: “واضح لنا اليوم بما لا يرتقي إليه الشك -مطلوب زعامة شجاعة، غائية ومغيرة للواقع. زعامة تعترف أيضا بالفشل وتتجرأ على قيادة التغيير في الوقت نفسه. مسؤولية قيادية- هي إعادة البناء. هذا هو الجوهر المركزي للزعامة”.

في اللقاءات مع كاتس وزمير التي عقدت على انفراد رغم النية الأصلية بعقد لقاء ثلاثي، طلب نتنياهو من الرجلين التوقف عن الخطاب العلني في البيانات للإعلام. كاتس وزمير يفترض أن يلتقيا اليوم في بحث أمني، ونتنياهو يضغط عليهما للوصول إلى تفاهمات وتوحيد موجة البث.

——————————————-

هآرتس 28/11/2025

بعد اغتيال رئيس اركان حزب الله بات واضحا ان ميزان القوة في الشمال قد تغير

بقلم: عاموس هرئيلِ 

الصورة التي ظهرت على الصفحات الأولى في الصحف الإسرائيلية، وفي عدد لا بأس به من وسائل الاعلام الدولية، في صباح يوم الاثنين، ليست صورة علي طبطبائي، الذي وصف بانه رئيس اركان حزب الله وقتل في عملية الاغتيال في بيروت قبل يوم من ذلك. في الصورة ظهر مقاتل من هذا التنظيم اللبناني بزي مرقط وطاقية حمراء. الصورة ماخوذة من احتفال لوحدة النخبة في حزب الله، قوة الرضوان، قبل بضع سنوات.

لكن الشخص الذي ظهر في الصورة هو شخص طويل نسبيا. طبطبائي المتوفى كان قصير القامة كما تدل على ذلك صورة قديمة في الأرشيف، التقطت له مع احد رؤساء الأركان السابقين في حزب الله، عماد مغنية، الذي هو نفسه لم يكن شخص طويل بشكل خاص، ومع ذلك ظهر أطول منه (مغنية قتل في عملية اغتيال إسرائيلية في 2008 في دمشق).

إسرائيل لم تخطيء في تشخيص هدف الاغتيال، ويبدو انها الآن لم تخطيء في تحليل الرد المتوقع من قبل حزب الله وايران. مثل يوم أمس قبل سنة وقع اتفاق وقف اطلاق النار بين لبنان وإسرائيل بعد 14 شهر تقريبا من القتال بين إسرائيل وحزب الله، شهد آخرها توجيه الجيش الإسرائيلي والموساد ضربات صعبة لحزب الله. ورغم بروز جهود حزب الله للتعافي مؤخرا الا ان ميزان القوة بين الطرفين بات واضحا تماما حاليا. في صيف 2023، عشية الحرب، خشيت إسرائيل من إزالة خيمة نصبها عناصر حزب الله داخل المنطقة التي تسيطر عليها في مزارع شبعا. والان قتل رئيس اركان آخر لحزب الله، وامتنع حزب الله عن الرد حتى الآن. هذا تغيير جوهري نابع من نتائج الحرب. بعد الفشل الذريع في 7 أكتوبر في غزة، لا تسمح إسرائيل للاخطار بالنمو. وبالنظر الى ردود افعالها في ساحات أخرى يبدو ان خصومها حذرين اكثر.

هناك، كما كتب هنا في يوم الجمعة الماضي قبل عملية الاغتيال، اعتبارات أخرى: هذه المرة من الواضح ان إسرائيل هي التي تصعد التوتر على طول الحدود، والاحتفاظ بالجبهات المفتوحة مريح لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. النار الأمنية المشتعلة تحرف الانتباه عن إخفاقات حكومته في الجبهة الداخلية وتوفر ذريعة ثابتة للتخلص من الاحراج الذي يواجهه يوميا تقريبا اثناء التحقيق المضاد في محاكمته الجنائية.

الدكتور شمعون شبيرا، مؤلف كتاب “حزب الله بين ايران ولبنان” قال للصحيفة بان عملية الاغتيال اعتبرت في حزب الله خطوة استراتيجية استثنائية لإسرائيل، سواء بسبب المكانة الرفيعة لطبطبائي أو بسبب قرار العودة وقصف الضاحية، الحي الشيعي في جنوب بيروت. “بالنسبة لهم”، قال. “هذه محاولة لجرهم للرد، من اجل اعداد ذريعة لهجوم أوسع الذي سيدمر كل ما لم نتمكن من تدميره لهم قبل سنة”.

وحسب شبيرا فانه منذ اغتيال حسن نصر الله تضررت هرمية صنع القرار في التنظيم، وهناك الان خلاف في اعلى الهرم حول طبيعة الرد المطلوب. “البعض يطالبون برد شديد، انتقاما للاهانة التي لحقت بحزب الله. وهناك معسكر آخر، بقيادة الأمين العام الحالي الشيخ نعيم قاسم، يقول بانه يجب الانتظار بصبر وعدم إعطاء إسرائيل أي ذريعة. فهم يخشون من اندلاع حرب أخرى، وان الجيش الإسرائيلي سيلحق اضرار جسيمة وقتل مرة أخرى، وان اللبنانيين الاخرين سيلومونهم بما يحدث. الاعتقاد السائد هنا هو انه في وقت الازمة يجب على المرء ان يحني راسه وينتظر الفرصة لاحقا. هذه هي الأصوات التي تتغلب الآن”.

في جهاز الامن هناك خيبة امل معينة من ابطاء وتيرة نزع سلاح حزب الله وتقييد نشاطاته العسكرية في جنوب نهر الليطاني مقارنة مع الأشهر الأولى بعد وقف اطلاق النار. الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني، الذين في البداية اتخذوا خط متشدد اكثر تجاه حزب الله، يحذرون الان اكثر مما كان من قبل، في حين ان الإدارة الامريكية يبدو انها فقدت الاهتمام بما يحدث.

مع ذلك فان معدل تسلح حزب الله بعيد كل البعد عما كنا نعرفه قبل الحرب. ويقدر كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي انه خلال “المعركة بين الحربين” التي في حينه بنيت حولها اكوام من النظريات الحماسية، تمكنت إسرائيل فيها من احباط ما مجموعة 10 في المئة من تهريب السلاح الى لبنان. اما الان فان الظروف مختلفة. فشبكة التهريب التي تقودها ايران لا تستطيع كمية كبيرة من السلاح عبر سوريا، بسبب تغير النظام هناك وعداء الحكومة الجديدة للمحور الشيعي. أيضا النقل عبر الموانيء والمطارات في لبنان يخضع لرقابة أمريكية ورقابة الحكومة في بيروت. ومن المرجح ان معظم السلاح الذي يصل تمت سرقته من مخازن جيش الأسد المنتشرة في ارجاء سوريا. ولكن حتى الان هذا سلاح قديم وكميته قليلة (إسرائيل هاجمت ودمرت جزء كبير من المخازن عند انهيار النظام السابق في دمشق في كانون الأول من السنة الماضية).

شمعون شبيرا يقول بانه يوجد قلق في حزب الله من اندلاع حرب أخرى، وان يتم تحميله المسؤولية عن الدمار من قبل اللبنانيين. صورة الوضع الجديدة ما زالت لا تستبعد إمكانية انتقام حزب الله بالتنسيق مع ايران. لقد قدم طبطبائي المشورة للمتمردين الحوثيين في اليمن لسنوات وساعدهم على بناء منظومة الصواريخ والطائرات المسيرة. وقد يطلب منهم الرد على قتله مثلما هي الحال مع حزب الله، لكن لا يمكن استبعاد احتمالية شن هجوم على اهداف إسرائيلية في الخارج.

——————————————-

معاريف 28/11/2025

منتظراً ملل ترامب.. نتنياهو: سأوقف “الساعة الغزية” على الخط الأصفر بتوقيت “وضع اضطراري راهن”

بقلم: آنا برسكي

من خلف ستار دخان كثيف ينثر في الآونة الأخيرة من ديوان رئيس الوزراء إلى كل صوب – قصص منسقة جيداً عن مواجهات بين وزير الدفاع ورئيس الأركان، وأحابيل إعلامية عن لجنة تحقيق واحدة واجبة وأخرى مرفوضة حتى في مرحلة المسودة – تتكثف قصة أكبر بكثير: الفجوة المتسعة بين الخطط الكبرى التي وضعت لنا على الورق بأحرف من ذهب وتتكرر في صفحات رسائل من محيط نتنياهو، وبين ما يصر الواقع على الأرض أن يضعه أمامنا.

تفتح هذه الفجوة جبهتين عُرضتا منذ وقت غير بعيد كأوراق مظفرة لنتنياهو: خطة ترامب في غزة، أساساً الانتقال إلى المرحلة الثانية، واحتمال اتفاق تطبيع مع السعودية. عُرضتا كخطط لامعة، مستقرة، تكاد تكون محتمة – وكلتاهما تحطمتا على أرض الواقع في الأشهر الأخيرة. ليس كفشل رسمي – فلا يوجد حسم بعد – بل كتعلق عميق متواصل يهدد بابتلاع إمكانية تحقيق ما كتب بهذا القدر من الجمال في الوثائق وفي الخطابات. ومثل كل قصة جيدة، نبدأ في المكان الذي تعتمل فيه الأرضية.

على الورق تبدو خطة ترامب في غزة كنتاج فريق استراتيجي أمريكي فائق: نظام واضح، تقسيم إلى مراحل، خريطة طريق لإعمار القطاع الذي دمر مادياً ومؤسساتياً. المرحلة الأولى – وقف نار تدريجي، ضربة لحماس وخلق شروط بداية. المرحلة الثانية – قلب الخطة: قوة متعددة الجنسيات تدخل إلى القطاع، تنزع سلاح حماس، وتقيم جهازاً إدارياً فلسطينياً “نقياً من الإرهاب”، يستقر الأمن ويبدأ إعمار مرتب بإشراف واسع من دول عربية وغربية.

هذا على الورق. أما على الأرض فالقصة مختلفة تماما. الخطة لم تفشل، ليس بعد، لكنها عالقة. عالقة عميقا. عالقة في تداخل نادر من مشاكل بنيوية، ونزاعات إقليمية، ومصالح أجنبية وأساساً انعدام الشروط الأساسية التي تسمح بالانتقال إلى المرحلة الثانية. هذا التعلق يصبح عائقاً أكثر من يوم إلى يوم، لدرجة يصعب معها تخيل كيف يبدو التنفيذ للمرحلة الثانية في الظروف القائمة.

حماس، التي كان يفترض أن تكون ضعفت حتى انعدام الأداء، لم تختف، لم تنكر بل العكس: لقد نجحت في الانتعاش في أجزاء هامة من القطاع قلص فيها الجيش الإسرائيلي وجوده. بل إنها استعادت لنفسها وظائف الحكم – حيثما تستطيع وكيفما تستطيع، لكنها تحاول، ولا تتنازل ولا تبدي علائم استسلام. من بحث عن “فراغ سلطوي” يضع أرضاً نقية لقوة متعددة الجنسيات يجد بأن هذا الفراغ تملأه جهة كان يفترض أن تختفي.

عالقون في الجمود

بالتوازي، فإن الدول التي جرى الحديث عن أنها ستدخل قوات إلى غزة في المرحلة الثانية – مصر، السعودية، قطر وتركيا – تجد صعوبة في الاتفاق حتى على هوية المشاركين، فضلاً عن نوع التفويض، والتمويل، وفترة الانتشار ومبنى القيادة. مصر غير مستعدة لتحمل المسؤولية المباشرة عن الأمن الداخلي في غزة؛ والسعودية لا تسارع إلى دفع ثمن سياسي إقليمي على الدخول إلى أرض لا تزال حماس هي المسيطرة فيها؛ وتركيا تطالب بأن تشارك، وإسرائيل ترى في هذا الطلب خطراً مباشراً؛ أما قطر، التي بوسعها أن تمول، فهي غير مستعدة لبعث بقوة تتآكل أمام ألواح الإسمنت في غزة.

كما أن اللجنة الفلسطينية التكنوقراطية موجودة في الملفات التي ترسل بين الدوائر في وزارة الخارجية الأمريكية. فلأجل إدارة شيء ما في غزة، هناك حاجة لشرعية على الأرض. والشرعية على الأرض تمر، خيراً وشراً، عبر حماس والعشائر. بدون هذا، سيجد كل مدير فلسطيني جديد نفسه يدير عشيرة واحدة ونصف في طرف شارع واحد ونصف، في أقصى الأحوال.

فوق كل هذا عنصر لا يمكن لأي مخطط أمريكي أن يحله: الواقع الأمني. كل مرة تعقد فيها القاهرة لقاء يرمي إلى الدفع قدما بالمرحلة التالية، يأتي تقرير من الجنوب أو الشمال ويعيد الجميع إلى الصفر: نار، هجوم، استئناف نشاط حماس، مقاومة مسلحة لعناصر أخرى. إن خطة تقوم على الاستقرار لن تتقدم بدون استقرار حتى ولا لـ 48 ساعة. وهذه بالضبط النقطة الحاسمة: الخطة في وضع انتقالي مخيب للآمال، مسنودة بقرارات، وصياغات، وإعلانات، لكنها عالقة على الأرض، ما يمنعها من الانتقال من الفكرة إلى الميدان. لأجل التقدم إلى المرحلة الثانية هناك حاجة لواقع آخر. في هذه اللحظة هناك واقع واحد، وهو ليس ذاك الذي خطط له.

الأمريكيون، الذين طوروا في مرحلة مبكرة تفاؤلاً حذراً، يبدون الآن علائم التعب. “هذا سيستغرق وقتاً”، يقولون. “هناك حاجة إلى الصبر”. لكن ترجمة دبلوماسية لذلك هي: الخطة عالقة، لم تهجر، لم تلغ بل تنتظر الظروف التي لا يدري أحد إذا ما ومتى ستنشأ. لا أحد قادر على أن يقول كم من الوقت يمكن الإبقاء على خطة دولية معقدة في حالة انتظار، بينما يتغير الواقع على الأرض كل يوم.

هنا يدخل سؤال مدو إلى الصورة: إلى أين يسير الحال الآن؟ تقويم الوضع الذي يتبلور لدى محافل سياسية وأمنية في إسرائيل وفي العالم يخلق سيناريو محتملاً، يكاد يكون واجباً: الجيش الإسرائيلي سيواصل الوقوف في الخط الأصفر دون تقدم ودون انسحاب. نوع من “وضع اضطراري راهن” يخدم الكل ولا يخدم أحداً. فكرة القوة الدولية آخذة في التبدد، ليس لأنها غير مهمة، بل لعدم وجود دولة تبعث بجنودها إلى ساحة لا تزال حماس فاعلة فيها. حماس بالمقابل، ستواصل التموضع حيثما تجد لها مجالاً، وستزيد نفوذها وتفحص حدود قوتها.

وفي إطار ذلك، تقدر إسرائيل – وربما البعض يأمل – أن يتواصل الوضع لأشهر إلى أن يتعب الرئيس ترامب. ليس للمرة الأولى. في الماضي أيضاً بادر إلى سياقات فاخرة بدأت بضجيج وانتهت بتعب، بخيبة أمل وبإلقاء الملف على الشريك. إذا حصل هذا فربما يقول لإسرائيل: “عالجوا هذا كما تفهمون”. بكلمات بسيطة: الجمود في غزة ليس جغرافياً فحسب، بل سياسي أيضاً. فهو مجمد من كل جانب، بلا رافعة حقيقية قادرة على دفعه إلى الأمام.

استيقظوا من حلم إبراهيم

إذا كان الحديث في غزة يدور عن الجمود، فالحديث في ساحة التطبيع مع السعودية يدور عن صحوة حقيقية. فعلى كل مدى ولاية نتنياهو الحالية، من يومها الأول تقريباً، أنزل نتنياهو على الجمهور رسالة وحيدة: “الإنجاز السياسي الأكبر سيحصل من لحظة إلى لحظة”. هذا تكرر في كل خطاب، في كل تصريح، في كل مقابلة صحافية، كنغمة دائمة في الخلفية.

مياه كثيرة تدفقت منذئذ في الخليج الفارسي، حتى جاء لقاء ترامب – بن سلمان الذي كان يفترض أن يضع صفقة كبرى على الطاولة: أمريكا – السعودية – إسرائيل. عملياً، تجلت صورة معاكسة تماماً: السعودية حصلت على ما تريد دون دفع الثمن الذي رواه لنا نتنياهو. ترامب منح بن سلمان كل شيء تقريباً: تعهدات أمنية، سلاح متطور، المضي بمشروع نووي مدني – وصفر مطالبة علنية بالنسبة لإسرائيل، صفر اشتراط سياسي. ما قيل بالفعل هو الطلب السعودي للتقدم في المسار الفلسطيني. السطر الأخير في الحدث: صفر احتمال لصورة احتفالية مع رئيس وزراء إسرائيل.

الخطة في غزة عالقة في مسيرة لا يمكن لأحد أن يتوقع نهايتها. المسيرة مع السعودية ابتعدت ربما لسنوات. هذا يبقي رئيس الوزراء في واقع بسيط جدا: من الصعب التوجه إلى الانتخابات مع “تقريباً”، مع “بعد لحظة” ومع “منوط بالتطورات”. الجمهور بما في ذلك جمهور مؤيديه، يفهم من أن كلا الوعدين الكبيرين ذاب في سحابة من انعدام اليقين. وائتلافه أصبح أثقالاً. كل حراك سياسي – حتى كلمة حذرة في وثيقة أمريكية عن “أفق سياسي” – كفيلة بأن تفككه. كل حراك أمني هام قد يقوضه.

نتنياهو يعرف هذا، ولهذا يفضل الطريق الذي يعرفه جيداً: تأجيل، تسويف، انتظار. ألا يبكر الانتخابات، ولا يستفز الواقع، بل يحاول مد الوقت على أمل أن يتغير شيء ما. لعل ترامب يغير النبرة، لعل الفسيفساء في غزة تترتب في صالحنا، لعل شيئاً ما، أينما اتفق، يتحرك. لكن في هذه اللحظة لا شيء يحصل. بدلا ًمن هذا نرى وضعاً معروفاً: إسرائيل عالقة بين خطة إقليمية رائعة لا نجاح في الخروج من المحطة، وبين حلم تطبيع ابتعد عن تاريخ الموعد، وفي الوسط – رئيس وزراء يؤمن أكثر بالصدفة مما في الفعل وينتظر لحظة يكيف فيها الواقع أخيراً نفسه مع القصة التي يريد أن يرويها.

غير أن الواقع يصر على أن يروي قصته. غزة عالقة، والسعودية ابتعدت، وسيناريو النصر السياسي الذي رسمه نتنياهو لا يوشك على العودة قريباً. وهذه لم تعد صورة من خلف ستار ينبغي إخفاؤه. بل دخان بلا ستار.

——————————————-

هآرتس 28/11/2025

رئيس البلدية ضد التعايش في حيفا

بقلم: عدي حشموناي

في الايام الاخيرة حدد رئيس بلدية حيفا، يونا ياهف، هدفا جديدا وهو ان المؤتمر من اجل احياء ذكرى مرور عشر سنوات على حركة “نقف معا”. يونا ياهف أمر المستشارة القانونية في البلدية بايجاد ذريعة قانونية لالغاء هذا الحدث، الذي سيعقد اليوم الخميس وغدا في مركز المؤتمرات، الذي هو بملكية البلدية بشكل جزئي. سبب ذلك هو استخدام كلمة “ابادة” في صفحة التسجيل للمؤتمر.

“مجتمعنا يقف امام مفترق طرق تاريخي، يمكن ان يؤدي الى طريقين”، كتب في موقع الحركة. “الطريق الاولى هي استمرار الحرب الابدية والاحتلال والطرد والابادة. وهي الطريق التي تضحي بكل ما هو مهم: التعليم، الصحة، العائلة والمستقبل… الطريق الثانية – بناء دولة… تقوم على سلام عادل ومساواة مدنية وقومية، وبدون احتلال وتمييز”.

“ان مفهوم حرب ابادة يثير ضجة كبيرة”، قال مصدر في البلدية لصحيفة “هآرتس”. “صحيح انه لا يشير الى الجيش، لكن هذا هو القصد بوضوح. هذه مدينة فقدت جنود في الحرب، ولا يمكن المرور على هذا الامر مر الكرام”. حسب هذا المصدر فان البلدية لا تتدخل في معظم الحالات التي تطالب فيها بالغاء الفعاليات ذات الطابع السياسي، بما في ذلك المظاهرات المناهضة للحرب التي تم تنظيمها في المستوطنة الالمانية، التي عارضها رئيس البلدية علنا وقال ان “عناصر اسلامية متطرفة” تقف من ورائها.

لكن من فحص “هآرتس” يتبين ان مفتشي البلدية بالتاكيد تدخلوا في هذه المظاهرات، وزيادة على ذلك هم يتعاونون مع الشرطة لقمع ليس فقط المظاهرات ضد الحرب، بل المظاهرات ضد الانقلاب النظامي ايضا، ويعملون على ابعاد منصات احتجاج علمانية، وحتى لافتات كتبت بالعربية. الاسلوب: تطبيق محدد للقوانين الفرعية البلدية التي تبدو احيانا انتقائية وغير عادلة.

المخالفة: اسماع “ضجة عالية”

المدينة السفلى التي فيها يسكن معظم السكان العرب في حيفا كانت المكان الاول الذي فيه تم المس بحرية التعبير. قبل شهرين امر رئيس البلدية ياهف بزيادة انفاذ قانون فرعي بلدي قديم، الذي يلزم بوضع كتابة بالعبرية على ما لا يقل عن نصف مساحة لافتة أي محل تجاري في المدينة. في اطار هذه العملية اعلنوا في البلدية بانه سيتم تسجيل كل اللافتات في حيفا، و”المعطيات ستستخدم اساسا لمواصلة عملية انفاذ القانون”.     

يامن زعبي، احد سكان المدينة، لم يفاجئه هذا الامر. قبل اسبوعين هو انزل لافتة اساسية عن نادي عربي فتح قبل سنة قرب ميدان باريس في المدينة. ومثل الموسيقى والطعام، ايضا اللافتة كانت بالعربية. “مثلما يوجد محلات طعام مختصة فقط بالطائفة الهنغارية أو الاثيوبية، انا اريد محل عربي خالص”، قال.

لمفتشون لم ينتظروا تصريح رئيس البلدية. قبل ثلاثة اشهر وصلوا الى المكان وازالوا اللافتة وحرروا مخالفة للزعبي. “المضحك هو انه في المكان القريب مني توجد لافتة كلها مكتوبة بالانجليزية، لكنه لم يتم انزالها، بل انزلوا لافتتي”، قال. “انا توجهت الى البلدية ولكن لا احد رد علي. عندها قدمت طلب لمحاكمتي. انا تنازلت عن اللافتة. قبل اسبوعين وضعت مكانها صورة لفيروز”.

“ان جولة في المدينة السفلى وفي المستوطنة الالمانية تكشف بالفعل عن الكثير من اللافتات المكتوبة باللغة الانجليزية”، قالت سالي عابد، وهي عضوة في مجلس المدينة عن كتلة معظم المدينة العربية – اليهودية، والتي حاولت مساعدة زعبي: “معظم اللافتات في حيفا لا تتوافق مع قانون البلدية. لكني لا اعرف أي منشاة اخرى طبقت البلدية هذا القانون عليها. بدلا من القول بان هؤلاء المفتشين كانوا على خطأ وأننا نعطي مساحة استيعاب لكل الثقافات واللغات، فان ياهف قرر شن هجوم شعبوي يضر بالاساس بالمشاريع الصغيرة”.

عابد، التي تمت اقالتها من المجلس البلدي على يد ياهف في حزيران الماضي بذريعة انها اضرت بـ “الحياة المتناغمة” بعد ان اطلقت تصريحات ضد الحرب، تعترف انها تفاجأت من سلوكه هذا. “هذا يفطر القلب”، قالت. “هذا الشخص كان من نشطاء السلام. انا اعتقد انه يعتبر حيفا مدينة مشتركة لجميع القطاعات ومساواتية وتعددية، ولكني اعتقد ان هناك حوله الكثير من الضغوط التي لا ينجح في الصمود امامها”.

حسب اشخاص اجريت معهم مقابلات من قبل “هآرتس”، فان مفتشي البلدية اصبحوا جهة اخرى تعمل ضد المتظاهرين في المدينة. وخلال المظاهرات المناهضة للحرب التي اندلعت في المستوطنة الالمانية في الصيف فقد اعتقلت الشرطة عشرات المتظاهرين من اليهود والعرب. الى جانب الشرطة جاء مفتشو البلدية ايضا لمساعدتهم. غايا دان، الناشطة في منظمة “يسار حيفا” قالت: “في احيان كثيرة في المظاهرات، وليس بالضرورة في المستوطنة الالمانية، تاتي الشرطة بعد دقائق على مرور سيارة تفتيش البلدية. لذلك، من الواضح ان المفتشين هم الذين يقومون بابلاغهم. لقد تعاونوا مع الشرطة في السابق، لكن الشعور السائد هو انه منذ عودة ياهف، بعد تولي الحكومة اليمينية “المطلقة” للسلطة، ازدادت وتيرة هذا التعاون”.

دان كانت من بين العشرات الذين اعتقلوا في تلك المظاهرات. في بداية شهر آب عندما كانت تقف في ساحة وهي تلوح بالعلم الفلسطيني مع متظاهر آخر، مرت سيارة مفتشي البلدية وسيارة شرطة. وحسب اقوالها كان اول من نزل من السيارة هو مفتش البلدية الذي سارع نحوها وانتزع العلم من يدها. الشرطة لحقت به وقامت باعتقالهما للاشتباه بسلوك يمكن ان يخل بالنظام العام. في اليوم التالي طلبت الشرطة تمديد اعتقالهما لخمسة ايام، لكن محكمة الصلح رفضت الطلب، وقالت ان التلويح بالعلم الفلسطيني لا يعتبر سبب للاعتقال أو وقف الاحتجاج.

الاعتقالات الشرطية هي فقط اسلوب واحد لقمع المظاهرات. في الاسابيع الاخيرة قدم نشطاء احتجاج، عرب ويهود، طلب لمحاكمتهم، من اجل الاعتراض على مخالفات سلمت لهم في مظاهرات من قبل مفتشي البلدية. وكما يبدو بسبب مخالفة قوانين بلدية فرعية – بالاساس بسبب احداث ضجة، توسيخ واغلاق جزء من الارصفة. مبلغ كل مخالفة 730 شيكل.

تومر فالح مثلا، حصل على مخالفة في شهر حزيران بسبب رمي النفايات. قال: “كنا نخطط للتظاهر في الحي، لكن المظاهرة الغيت بسبب وجود عدد كبير من رجال الشرطة هناك. أنا وثلاثة متظاهرين آخرين كنا في الحديقة العامة القريبة. احدهم وضع لافتات الاحتجاج قرب سلة القمامة. انا ذهبت لالقاء شيء في سلة القمامة، ثم وصل مفتشو البلدية برفقة رجال الشرطة الى مكان المظاهرة وسلموني مخالفة، انا والفتاة التي وضعت اللافتات.

“المذكور اعلاه قام برمي/ وضع كرتون بريستول خارج حاوية القمامة في حديقة عامة، الامر الذي تسبب في توسيخ الحديقة”، كتب المفتش في التقرير. واضاف بانه حصل على المعلومات الشخصية عن فلاح من الشرطة التي جاءت الى المكان، في حين ان المذكور اعلاه شارك في محاولة التظاهر في المكان”. يتوقع ان يحاكم فلاح بناء على طلبه في كانون الثاني القادم.

المظاهرات في حيفا تجرى في شارع يضج بالحركة، شارع مليء بالمطاعم والمقاهي، التي من كل واحد منها تنطلق الموسيقى، بشكل عام في السابعة مساء، أي انه ليس في ساعات الراحة. ورغم ذلك، المخالفات الاكثر انتشارا التي يحصل عليها المتظاهرون هي بسبب الضجة. من بين “المخالفين” هناك اشخاص اصدروا صوت يشبه طنين الطائرات المسيرة من مكبر صوت، او اشخاص نقروا على الاوعية المنزلية او على اعمدة الاشارات الضوئية. في احد التقارير كتب المفتش ان متظاهر اصدر صوت مرتفع. وفي نفس الوقت الشرطة اعتقلت عدد من الذين تسلموا المخالفات بذريعة الاخلال بالنظام العام أو المشاركة في مظاهرة غير قانونية.

“حيفا هي المدينة الاكثر ليبرالية وتسامح في اسرائيل، وهي نموذج للتعايش بين اليهود والعرب، وستبقى هكذا. رئيس البلدية لن يسمح لجهات مختلفة تحاول بث النزاع وتدمير نسيج الحياة المشتركة بواسطة احداث التحرض المقسمة والمثيرة، لا سيما في الفترة الحالية. مهمة رئيس البلدية هي ادانة ذلك ومحاربته والحفاظ على التعايش في المدينة. هذا ما فعله دائما وهذا ما سيواصل فعله”، هكذا ردوا في البلدية.

 ——————————————

هآرتس 28/11/2025 

نتنياهو وحكومته يعملان ضد مصلحة اسرائيل

بقلم: عاموس شوكن

من بين الكوارث التي حلت بدولة إسرائيل منذ اقامتها، المنافسة على المكان الأول هي بين “غوش ايمونيم” وورثتها – الذين مشروع مستوطناتهم هو معارض لميثاق جنيف الرابع والقانون الدولي وأدى الى خلق نظام ابرتهايد إسرائيلي متوحش – وبين ولاية بنيامين نتنياهو كرئيس للحكومة، الذي الى جانب نشاطات ضارة عديدة أخرى قام بها طوال السنين، يمكن ويدفع قدما بنشاطات المستوطنين. ان التعاون بينهم أدى الى قتل اسحق رابين والى 7 أكتوبر والى زيادة كبيرة في مساحات المقابر في إسرائيل وفي فلسطين.

شخصيات رفيعة سعودية أرسلت في هذا الشهر رسائل تفيد بانه طالما ان نتنياهو هو رئيس الحكومة فانه ليس هناك أساس لتسوية العلاقات بين السعودية وإسرائيل (جاكي خوري، “هآرتس”، 16/11). هذا غير مفاجيء، حيث انه أيضا علاقات نتنياهو مع زعماء الدول العربية التي عقدت مع إسرائيل اتفاقات سلام، مصر والأردن، غير جيدة على اقل تقدير، والسعوديون يريدون مسار واضح لاقامة دولة فلسطينية.

من الصعب فهم المقاربة العملية والأخلاقية لإسرائيل تجاه قضية الدولة الفلسطينية. ما هو المبرر لحرمان ملايين الفلسطينيين من الحق في تحديد من سيدير حياتهم، والحق في تقرير المصير الذي يستحقه كل من يعرف نفسه كشعب؟ من الذي اعطى أعضاء الكنيست والحكومة الإسرائيلية الحق الأخلاقي للقيام بذلك؟ من ناحية عملية إسرائيل تُمنع من ضم الأراضي المحتلة. هذه الأراضي لن تكون جزء من دولة إسرائيل، ومن الواضح ان منع إقامة دولة فلسطينية يهدف الى الاحتفاظ بالأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية وفقا لقرار مجلس الامن الصادر في هذا الشهر (2803)، المطابق لقراره الصادر في كانون الأول 2016 (2334). المساحة المخصصة حاليا لمثل هذه الدولة اصغر بكثير من المساحة المخصصة للدولة العربية في خطة التقسيم الصادرة عن الأمم المتحدة في تشرين الثاني 1947، والتي باركها القادة الإسرائيليون في ذلك الوقت.

اهود أولمرت وناصر القدوة، ابن شقيقة ياسر عرفات ووزير الخارجية السابق للسلطة الفلسطينية، واصلا المحادثات التي اجراها أولمرت عندما كان رئيس الحكومة مع محمود عباس، وقد تحدثا عن إقامة دولة فلسطينية في المناطق التي احتلتها إسرائيل في 1967، بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة، مع تبادل للأراضي بنسبة 4.4 في المئة بين إسرائيل والدولة التي ستقام. هذا الحل سيقلل بشكل كبير عدد الإسرائيليين الذين سيضطرون الى العودة الى داخل دولة إسرائيل. وربما سيكون بالإمكان الحصول على موافقة من السلطة الفلسطينية على ان يكون في فلسطين أيضا تواجد يهودي شبيها بالبلدات العربية الموجودة في إسرائيل.

لماذا تعارض الحكومة والكنيست قيام دولة فلسطينية؟ هناك كذبة مفادها ان الدولة الفلسطينية ستكون دولة إرهابية (في هذه الاثناء نحن نشهد بأن إسرائيل هي دولة إرهابية في الأراضي المحتلة). لقد كرر نتنياهو هذه الكذبة في مؤتمر “جي.ان.اس” في القدس في 27 نيسان، وجلعاد اردان كتب ذلك في مقال نشره في صحيفة “إسرائيل اليوم” في 29 حزيران. لم يكلف أي واحد منهما نفسه عناء سماع موقف محمود عباس من هذه المسألة. فقد صرح عندما تولى رئاسة السلطة الفلسطينية في 2006 بانه يعارض العنف، وان مساره سيكون دبلوماسيا بحتا. ولهذا السبب تجنب نتنياهو اقتراح الالتقاء مع عباس خلال هذه السنين، مفضلا رعاية حماس التي لم ترغب في التحدث مع إسرائيل اطلاقا.

لكن يبدو ان الرئيس الفرنسي عمانويل ميكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان كانا مهتمين بسماع عباس قبل عقد مؤتمر دولي للدفع قدما بالدولة الفلسطينية. لذلك ارسل لهما عباس رسالة كتب فيها ما يلي (مع الاختصارات الملزمة): “انا اردت مشاركتكما رؤيتنا والتزاماتنا وتوقعاتنا. ونحن نسعى معا لانهاء الاحتلال الإسرائيلي والصراع وتحقيق السلام في منطقتنا… هذا الصراع لن يحل بمزيد من الاحتلال أو بمزيد من العنف والإرهاب… الحل السياسي وحده، القائم على العدالة والقانون الدولي والقبول والاعتراف المتبادل، سيقود الى مستقبل افضل للجميع. الشعب الفلسطيني لم يخلق ليعيش تحت الاحتلال. ونحن والإسرائيليون لم نخلق لنكون في حالة حرب. يمكننا العيش في سلام وأمن جنبا الى جنب في الغد، اذا اتخذنا القرارات الصحيحة اليوم.

“خطة الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي التي عرضتها مصر بالتنسيق الكامل مع دولة فلسطين، وحصلت على دعم واسع من الشركاء الدوليين، يجب ان يتم تطبيقها بدون تأخير. الخطة تسمح بإعادة اعمار غزة بدون اقتلاع شعبنا وتهجيره الى خارج بلاده… دولة فلسطين مستعدة لتولي المسؤولية الحصرية عن الإدارة والجوانب الأمنية في قطاع غزة، بمساعدة عربية ودولية.

“حماس لن تواصل سيطرتها على غزة، ويجب ان تسلم سلاحها، والقدرات العسكرية لقوات الامن الفلسطينية ستشرف على نقله الى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة بمساعدة عربية ودولية… من اجل ان تتحول حماس الى لاعب شرعي في المنظومة السياسية الفلسطينية يجب عليها نزع سلاحها وأن تمتثل لنبذ العنف والإرهاب من قبل م.ت.ف، وأن تتحول الى حزب سياسي يقبل البرنامج السياسي لـ م.ت.ف والتزاماتها الدولية، بما في ذلك تطبيق حل الدولتين وفقا لقرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية.

“دولة فلسطين تبنت برنامج إصلاحي طموح، يتضمن الغاء قانون دفع رواتب عائلات السجناء والشهداء… وتطوير مناهج تعليمية خالية من التحريض وفقا لمعايير اليونسكو… ونؤكد من جديد على ان مطالبتنا بفرض رقابة دولية على التحريض ومظاهر الكراهية في البيانات والمناهج ووسائل الاعلام الرسمية في الطرفين… ومن الضروري أيضا العمل على إزالة القيود الإسرائيلية التي تفكك كيان الدولة الفلسطينية، وتمنع شعبنا من الوصول الى أراضيه وموارده، وتخنق الاقتصاد الفلسطيني. ومن الضروري أيضا إعادة أموال الضرائب المحتجزة لدى إسرائيل بسرعة”.

  حتى هنا انتهت اقوال عباس الذي يمد يده للسلام. في ضوء ذلك اليس من الصواب الموافقة مع العديد من دول العالم على إقامة دولة فلسطينية – وهي خطوة من شانها ان تنهي الصراع المستمر منذ اكثر من قرن، وتجعل إسرائيل مقبولة دوليا، وتنهي مشاكلها الأمنية؟ خلافا لمصالح دولة إسرائيل تجاهل نتنياهو قرار مجلس الامن الصادر في كانون الأول 2016 والذي نص على ان المستوطنات غير قانونية، وانه يجب تفكيك الكثير منها. مع شركائه الحاليين، بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، يتجاهل نتنياهو الالتزام المفروض على قوة الاحتلال بإدارة الحياة اليومية لسكان الأراضي المحتلة، وفي السنوات الثلاثة الأخيرة تكثف الإرهاب اليهودي بشكل كبير، ساعيا الى طرد الفلسطينيين من هناك. الثلاثة يتجاهلون ومعهم الحكومة والكنيست كلام دونالد ترامب – الذي قال بانه لن يكون ضم للأراضي الى إسرائيل – ويعملون من اجل ضمها.

——————————————

 هآرتس 28/11/2025

رئيس بلدية القمع: إن لم يكن الاحتجاج لليمين فهو محظور قانوناً

بقلم: أسرة التحرير

 في آذار 2024، فاز يونا ياهف في الانتخابات المحلية وعاد إلى منصب رئيس بلدية حيفا. بصفته سياسيًا محنكًا، حدد سلسلة من الأنشطة الاحتجاجية ضد الحكومة كهدف له. وكان الطريق إلى القمع: تفعيل منهجي – وانتقائي – لنظام الرقابة في البلدية، الذي يتأثر بأي مظهر من مظاهر النقد. يقدم ياهف ومبعوثوه لمحة عن التآكل المستمر لحرية التعبير والحق في الاحتجاج. ليست حكومة نتنياهو وحدها مسؤولة عن تدهور الديمقراطية في إسرائيل، بل جبناء في الحكم المحلي أيضاً.

إن آخر استهداف لياهف هو مؤتمر حركة “نقف معًا”، في مركز المؤتمرات المملوك جزئيًا للبلدية. وجّه ياهف مستشاريه القانونيين لإيجاد سبب لإلغاء الفعالية، التي استخدم منظموها كلمة “إبادة” في الإعلان المُعلن عنها. فشلت المحاولة، لكنها تعكس استهتارًا بمبادئ حرية التعبير ومحاولة ياهف تولي منصب الرقيب الرئيس. تحت قيادته، أصبحت البلدية جهة لقمع المظاهرات. وعلى عكس ادعاءاته، اتضح أن مفتشي البلدية دأبوا على التدخل في المظاهرات ضد حرب غزة، وأن التعاون الوثيق مع الشرطة بدأ يتسرب أيضاً إلى المظاهرات ضد الانقلاب. إن إسكات ياهف لا حدود له: فقد أُرسل المفتشون لتفكيك منصة احتجاج علمانية وإزالة اللافتات المكتوبة باللغة العربية من المتاجر المملوكة للعرب. خضع ياهف أيضاً لتهديدات اليمين المتطرف، ويدرس مصادرة مبنى تابع لمنظمة نسوية عريقة بدعوى “نشاطها السياسي” (عدي حشموناي، هآرتس، أمس).

بلدية حيفا تنضم إلى حرب الشرطة على حرية الاحتجاج (لليسار فقط) بتوزيعها مخالفات على نطاق واسع، بقيمة 730 شيكل للمخالفة الواحدة، مدعيةً انتهاكها للوائح البلدية. وجاء في تقرير البلدية: “(المتظاهر) ألقى/وضع لوحة بريستول أمام حاويات القمامة الموضوعة في حديقة عامة، مما تسبب في تلويث الحديقة”. ومن “التهم” الأخرى أحداث ضوضاء أثناء المظاهرات التي تُقام في وسط شارع مزدحم وخارج ساعات العمل الرسمية. هكذا وردت بلاغات من متظاهرين أصدروا صوت أزيز يشبه صوت الطائرات المسيرة من مكبر صوت محمول صغير، أو طرقوا على مقالي أو أواني أو لافتات. في إحدى المخالفات، كتب المفتش أن المتظاهر “أصدر صوت جوع”. وفي حالة أخرى، استدعى مفتشو البلدية الشرطة لاعتقال متظاهر كان قد ألصق ملصقات عليها صورة نتنياهو وعبارة: “مذنب، 7.10”. وبتهمة “الإضرار بالمجال العام”، استأنف المتظاهر على المخالفات الـ 14 (التي بلغ مجموعها أكثر من 10000 شيكل)، ومن المتوقع محاكمته قريبًا. هذا ما فعله العديد من نشطاء الاحتجاج، عربًا ويهودًا، في الأسابيع الأخيرة.

 ووفقًا لياهف، فهو متشدد بشأن “الحرية والتعددية والتعايش، إلى جانب الحفاظ الواضح على القانون والنظام”. كلا الجزأين من الجملة غير صحيحين: بلدية حيفا تقمع حرية الاحتجاج، وتفعل ذلك في انتهاك للقانون. يُحظر الصمت حيال هذا الأمر.

————-

Share This Article