في البحث عن لوبي فلسطيني لم يولد

نزار السهلي : كاتب فلسطيني

بإمكان المرء أن يجد مئات بل آلاف من حالات النجاح الفلسطيني في الشتات، وعلى مساحة القارات الخمس، ومن الصعب العثور على حالة نجاح جماعي مؤثر لجالية فلسطينية في الشتات الأوروبي التي تعيش فيه جاليات ولاجئون فلسطينيون منذ عقود النكبة الأولى 1948، إلى اللجوء الأخير لآلاف منهم لدول أوروبية مختلفة، خصوصاً بعد حملة تدمير مخيماتهم في سوريا، يحمل اللاجئون الفلسطينيون في شتاتهم، الكثير من أثقال الماضي المتصل بآليات تفكير وعمل مصاب بأمراضٍ عديدة، توجها الانقسام الفلسطيني على الساحة الفلسطينية ثم إندلاع الثورات في العالم العربي، وكان للشتات نصيبه وحصته من هذا المُصاب.

المشتغل في الشأن العام الفلسطيني، من نخبٍ ومن بعض بقايا العمل الفلسطيني الفصائلي والحزبي، يعتقد بأن أبناء جلدته من اللاجئين لدول غربية، بإمكانهم هضم خطاب يرمى من أبراجٍ لم تعد عاجية، ولا ذهبية، وعلى الطريقة الموسمية لحشد «الجماهير» لمناسبة وذكرى وطنية، في حين تختفي البصمة المؤثرة في مجتمعات غربية للوبي فلسطيني وعربي، ويستمر بتجاهل مجتمعات جديدة وقديمة للاجئين، ولمجتمع منجب لكفاءات وطنية وعلمية وسياسية، ينحصر حضورها على نطاق ضيق في دول اللجوء في حديث وخطاب موجه لأقرانهم، وقد أصابتهم خديعة كُبرى في استعمالاتهم السابقة لنفس الغرض، يغيب الحضور الفلسطيني الفاعل بمعناه المؤثر في خلق حالة من تعاطفٍ مع فلسطين مبني على طرحٍ منطقي سليم، بمنهج علمي وسياسي لمواجهة بروباغندا صهيونية سبقت لجوء أصحاب الأرض الأصليين لمنافيهم الجديدة، ليجدوا أنفسهم أمام دعاية روجت لها لوبيات صهيونية عميقة الجذور في الغرب ساهمت بطول لجوئه لـ75عاماً

من كثرة الدراسات الفلسطينية والعربية، التي تناولت تمدد وعمق هذه اللوبيات، إن كان في الولايات المتحدة أو في أوروبا وروسيا، وتناولت نفوذها العميق في قطاع المال والإعلام إلى الأمن والسياسة، خُيل إلينا منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وإلى اليوم، أنه من الممكن خلق نفوذ موازٍ من لوبي فلسطيني أو عربي بإمكانه أن يدافع عن نفسه أولاً، ثم عن قضيته ثانياً، مع قضايا أخرى مضاف إليها خطاب شعبوي عن « الإسلاموفوبيا» في الغرب وربط الجاليات بتهم «الإرهاب» وغيرها، وإذا ما تم حصر نشاط الجاليات العربية والمسلمة اليوم في الغرب فلا نجد سوى ردود الأفعال الغاضبة على حوادث الإساءة للرموز الدينية على سبيل المثال وغياب كلي عن التفاعل والتأثير في الإعلام والجامعات وغيرها من المؤسسات إن كان الأمر يتعلق بفلسطين والإسلاموفوبيا والإرهاب، ولأسباب تجاهل وعزل أي تأثير من هذه الجاليات يغيب أي دعم عربي لهذه الجاليات وغيرها المتهمة من سلطات بلادها بتهم مأخوذة من قاموس اللوبي الصهيوني نفسه.

من المؤكد فلسطينياً وعربياً، أن خلق لوبي فلسطيني وعربي يتطلب قدراً كبيراً من العمل والجهد، والشجاعة التي تُقرر فيها الجهات السياسية الفاعلة لتبني رؤية للصراع مع المستعمر لها تحديات أساسية

يفضل بعض السياسيين في الغرب والولايات المتحدة، الابتعاد عن تناول هذا الموضوع الحساس للوبي الصهيوني لارتباطه بفكرة «القوة الغامضة» أو المظلمة ولما لها من دلالة عرقية عن «اليهود» الذين يشهرون سيف معاداة السامية في أي انتقاد لسياسة إسرائيل وإدانة جرائمها بحق أبناء فلسطين أصحاب الأرض الأصليين.

في نسخة اللوبي الصهيوني، وعمله المعتمد على حشد تعاطف عرقي ومذهبي وديني مبني على أساطير تلمودية وتوراتية لحماية جريمة النكبة، يفخر زعماء اللوبي بتقديم التحاليل عن المنطقة العربية وعن الفلسطينيين وتزويد المسؤولين في الولايات المتحدة ودول الغرب، بمعلومات «فعالة» بغض النظر عن فحواها ومصداقيتها، لتخدم التطرف المتزايد للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضد الشعب الفلسطيني.

من المؤكد فلسطينياً وعربياً، أن خلق لوبي فلسطيني وعربي يتطلب قدراً كبيراً من العمل والجهد، والشجاعة التي تُقرر فيها الجهات السياسية الفاعلة لتبني رؤية للصراع مع المستعمر لها تحديات أساسية، أولها وآخرها الإيمان بعدالة القضية ومنبع هذا الايمان فقط في الشارع الفلسطيني والعربي مع شتاته في المهاجر، وفي البحث عن لوبي فلسطيني وعربي مختلف عن اللوبي الصهيوني في أدواته المزيفة لكل شيء، يمكن أن نعثر على بارقة أمل في تغيير نمطية الصورة الملتصقة بالفلسطيني والعربي، لأن مهمة اللوبي ليست فقط مواجهة حملة التشويه للقضية الفلسطينية وحشد التأييد لها، بقدر حاجة عربية ملحة لنزع الابتزاز المستمر لصورة العربي والمسلم المؤطرة في الإسلاموفوبيا والإرهاب ومعاداة السامية.

لكن المؤسف عربياً وفلسطينياً اليوم، ان نشهد صحوة لبعض «اللوبيات» على نطاق واسع من العالم العربي، تخوض صراعاً لتمجيد طغاة ومستبدين عرب، لوبيات فنية وثقافية وسياسية وفكرية، وبعض من لوبيات الصهينة العربية المتخندقة مع المستعمر ضد أبناء جلدتها والتي تتجلى بأصوات منادية بالتطبيع مع إسرائيل والطغاة بنفس الوقت، هذا المشهد يُعقد أساساً من مهام كثيرة لا تزال معطلة بشكل قاطع فيما يتصل بالقضية الفلسطينية وصراع الشعب الفلسطيني مع المستعمر الصهيوني، تعقيد أضاف شرعية على نهج آخر للصراع في النقاش السياسي والفكري على الساحة الفلسطينية والعربية في أن المأساة يمكن أن تستمر على الأرض في فلسطين وفي تشرذم شتاتها العربي والغربي في البحث لوبي لم يولد بعد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس وجهة نظر المسار الإخباري