إسرائيلياتمقالات

معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب : دعم الإسرائيليين للحرب على غزة كبير لكنه في حالة تآكل

يحذّر معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب من تراجع دعم الإسرئيليين للحرب على غزة نتيجة اجتماع عدة عوامل منها ما يرتبط بتجدد السجالات الداخلية خاصة بعد الكشف عن «الكمين» الذي نصبه عدد من وزراء اليمين الصهيوني المتشدد لقائد جيش الاحتلال ليلة الخميس. وحسب «المعهد» تم صوغ وعرض أهداف الحرب التي تشنها إسرائيل ضد «حماس» علناً، عبر مجموعة من الصيغ، وهي تجتمع على القضاء على «حماس» وإبادة قدراتها العسكرية والسلطوية، وعلى التهديد «الإرهابي» لإسرائيل من قطاع غزة، وبذل الجهد الأقصى لإطلاق سراح المخطوفين.

ويقول إنه من شأن منسوب الإسناد الشعبي لأهداف الحرب التي أعلنتها حكومة الاحتلال، أن يمثل مقياساً مهماً لمنسوب التضامن في أوساط الجمهور الإسرائيلي. وقد جرى فحص هذه القضية في إطار سلسلة مستمرة من الاستطلاعات التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي، منذ بداية الحرب. في الاستطلاعات الثلاثة الأخيرة، التي أُجريت خلال شهر كانون الأول/ديسمبر2023 كان واضحاً الدعم القوي لأهداف الحرب من الجمهور اليهودي، في مجمله، بنسبة بلغت نحو 84 في المئة في 3/12/2023 ثم 76 في المئة في 17/12 ثم 78 في المئة في 24/12. ويبدو أن الأمر يشير إلى حاجة المستطلعة آراؤهم إلى التعبير عن مشاعر التضامن مع الجهد الحربي، ومع الجيش، وخصوصاً على خلفية «الفظائع» المرتكبة في هجوم «حماس» في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ويوضح «المعهد» أن الجمهور الذي يعرّف نفسه بأنه يميني، أو يميني معتدل، يُظهر دعماً قوياً على وجه الخصوص لأهداف الحرب، بلغ نحو 85 في المئة في استطلاع 24/12 مقارنةً بـ 76 في المئة ممن يعرّفون أنفسهم بأنهم أنصار لتيار الوسط، في حين كان دعم اليساريين للحرب أقل، إذ بلغت نسبة تأييد الحرب في اليسار المعتدل 53 في المئة واليسار 43 في المئة. ومن ضمن مَن يتماهون مع اليسار الذين يمثلون 10 في المئة فقط من العينة المستطلعة، تم تسجيل منسوب عالٍ واستثنائي بلغ 38 في المئة من الذين امتنعوا من إبداء آرائهم.

ما بين العلمانيين والمتدينين

حسب استطلاع 24/12 أظهر تقسيم المستطلعة آراؤهم بين علماني ومتدين صورة مثيرة للاهتمام: ففي مقابل معدل عام بلغ 78 في المئة من الذين يعبّرون عن دعمهم لأهداف الحرب، فإن منسوب العلمانيين الداعمين لأهداف الحرب بلغ 74 في المئة، مقارنةً بمن يعرّفون أنفسهم، إمّا كمتدينين، وإمّا كمحافظين، الذين كانت نسبة دعمهم لأهداف الحرب تبلغ 79 في المئة و81 في المئة على التوالي، أمّا قطاع الحريديم (الأرثوذكس) فقد مثل الدعم الأعلى، بنسبة 91 في المئة.

حسب التوزيع العمري، يبدو أن نسبة التأييد الأعلى في الحرب هي من الفئة العمرية التي تتراوح ما بين 45 و54 عاماً، بـ 84 في المئة تأييد، ثم يأتي الشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18و 24 عاماً، بنسبة تأييد بلغت 80 في المئة، أمّا الأكبر سناً، ممن تبلغ أعمارهم 75 عاماً فما فوق، فهم يعكسون الدعم الأقل، بنسبة بلغت 66 في المئة. يشار إلى أن نسبة هؤلاء تقلّ عن 5 في المئة من المستطلعة آراؤهم. وحسب هذه الاستطلاعات المزعومة هناك 30 و34 في المئة، على التوالي، من أبناء المجتمع العربي يؤيدون أهداف الحرب في القضاء على «حماس». هذه النسبة عالية بحد ذاتها، في ظل الظروف. فضلاً عن أن نحو ثلث الذين شملهم الاستطلاع، أجابوا بأنهم «لا يعرفون». يمكن الافتراض أن بعض هؤلاء يميل بصورة متوقعة ومفهومة إلى الامتناع من التعبير عن رأيه في تأييد أهداف الحرب، بسبب حساسية الموضوع وبافتراض أن هذه هي الحال، فربما يبدو أن نسبة أكبر من العرب تؤيد أهداف الحرب. يشار هنا أن استطلاعات الرأي الهاتفية في هذه الفترة المتميزة بالملاحقات هي محطة ريبة وشك ولذا من شبه المؤكد أنها لا تعكس حقيقة موقف فلسطينيي الداخل الذين يعارضون الحرب على غزة ويتعرضون منذ شنها لملاحقات غير مسبوقة.

تلخيص ومغاز

وتشير نتائج الاستطلاعات إلى أهداف الحرب العامة من خلال سؤال واحد، من دون الإشارة إلى المكونات الضمنية للقرار الحكومي والمصاغ بصورة غامضة، عن قصد كما يبدو. إن دراسة العلاقة بين أهداف الحرب وبين الصمود الاجتماعي الإسرائيلي في أثناء الحرب، هي مسألة تتطلب بحثاً معمقاً بعد الحرب، أمّا الدعم الشامل لأهداف الحرب، كما يبدو في الاستطلاعات، فهو مرتفع جداً ومستقر، حتى اللحظة. ويرى «المعهد» أن منسوب الدعم العالي جداً لأهداف الحرب على غزة يعكس شعوراً واضحاً بالمصير المشترك، وينسجم مع الوطنية والتضامن الاجتماعي العالي في إطار الحرب في هذه الأوقات فيما يُعتبر التضامن الاجتماعي أحد أهم مكونات الصمود الاجتماعي. واستناداً إلى هذا، يمكن الاستنتاج أن الجمهور الإسرائيلي، في أغلبية قطاعاته، متجند بصورة واضحة حتى اللحظة، من أجل الدعم الشامل للحرب، التي يُنظر إليها على أنها «حرب دفاعية عادلة» مفروضة على الإسرائيليين. كما يرى أن هذه الحرب، التي تُعتبر غير مسبوقة، تاريخياً ومصيرياً، اندلعت في ظل استقطاب اجتماعي وسياسي عميق، ظهر على مدار شهور طويلة، في صورة شرخ متعدد الأبعاد، وناشط، وخطِر، هدّد وحدة المجتمع الإسرائيلي بشدة. وعلى هذه الخلفية، يمثل دعم أهداف الحرب والجيش تغييراً حاداً وانتقالاً إلى شعور التجند الفوري الواضح للجمهور في الجهد الوطني.

ويشمل الدعم التام لأهداف الحرب فئات سكانية تمثل وجهات نظر سياسية واجتماعية مختلفة ومتعارضة: إن توزيع المعطيات وفق منسوب التدين، على سبيل المثال، يشير إلى وجود فروق معينة في نسبة الدعم (بين الحريديين: 91 في المئة، والمتدينين 79 في المئة، والمحافظين 81 في المئة، والعلمانيين 74 في المئة) إذ إن نِسب تأييد هذه القطاعات جميعها قريبة من المعدل القطري الأعلى، البالغ 78 في المئة لجميع المستطلعة آراؤهم. كما تبرز ظاهرة، مفادها أنه كلما ازداد منسوب تديُّن الخاضعين للاستطلاع، كلما ازداد منسوب التأييد لأهداف الحرب.

ويضيف «المعهد» في قرائته: «ينطبق هذا أيضاً عندما ننظر إلى الانتماء السياسي، إذ يظهر مقدار ما من الاختلاف بين الفئات السياسية: فكلما كان الذين شملهم الاستطلاع يمينيين أكثر، كلما كان دعمهم للحرب أعلى. في حين أن الفارق بين أقصى اليمين واليسار في هذا الشأن يبلغ 42 في المئة، وهو فارق أكبر بكثير من الفارق المتعلق بمستوى التديُّن، البالغ 17 في المئة. يمكن أن نستقي من ذلك أن الاستقطاب على خلفية سياسية هو أكبر بكثير من نظيره الديني.

ويرجح «المعهد» أن الصورة العامة أكثر تعقيداً بكثير: فمن ناحية، يرتبط الدعم الشعبي، كما أظهرت الاستطلاعات، بأحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والصدمة الجماعية المستمرة في أعقاب أحداث ذلك اليوم، واعتبار الحرب «حرباً عادلة» لا مفر منها، فإن سلسلة الاستطلاعات تُظهر، من جهة أُخرى، ثقة عالية جداً ومستقرة بالجيش (تبلغ نحو 90 في المئة) وهي ظاهرة تتسّق بصورة جيدة مع الدعم الواسع لأهداف الحرب، مقارنةً بنسبة منخفضة جداً ممن يعبّرون عن ثقتهم بالحكومة (نحو 28 في المئة فقط).

ويقول إنه يمكن التوقع «أن النتائج المتعلقة بالمتغيرات التي تؤثر في الحصانة الوطنية، ستتغير مع استمرار الحرب، وخصوصاً إذا تعقدت الحرب، واتسعت، واستغرقت عدة أشهر، بأشكال وميادين مختلفة. ويخلص معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب للقول إنه منذ الآن، بات واضحاً وجود شكوك وتساؤلات لدى الجمهور الإسرائيلي بشأن قضايا حساسة، على غرار العقبات التي تعترض استعادة المخطوفين، وما يبدو تراخياً متواصلاً في التحرك العسكري، والحالة على الجبهة الشمالية، ومسألة «اليوم التالي» في قطاع غزة. كما أن الخطاب الشعبي المستقطب والمسموم الذي ساد قبل الحرب، بات يعود إلى مكانه في المقدمة الآن. كل سبب من هذه الأسباب وحده، أو كلها مجتمعةً، يمكن أن يؤدي إلى تراجُع الدعم لأهداف الحرب، والشعور بالتضامن الشعبي الإسرائيلي حيالها».

الكاتب … وديع عواودة