تحقيق: إسرائيل تنظر للصحافيين في غزة أنهم “أهداف مشروعة للقتل”

مهمة توثيق الحرب على الأرض انتقلت للصحافيين الفلسطينيين في القطاع، بعدما منعت إسرائيل وسائل الإعلام الأجنبية من دخول غزة، ولجنة حماية الصحافيين تقول إن عدد الصحافيين الشهداء 103، لكن تقارير أخرى تؤكد أن عددهم أعلى

تحقيق: إسرائيل تنظر للصحافيين في غزة أنهم

مصورون صحافيون يوثقون وصول شهداء وجرحى لمستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، 8 الشهر الجاري

تعتبر الحرب الحالية على غزة الأكثر دموية، أيضا من حيث عدد الصحافيين الفلسطينيين الذين استشهدوا خلالها. وتشير معطيات لجنة حماية الصحفيين، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، إلى استشهاد ما لا يقل عن 103 صحافيين وعاملين في وسائل الإعلام الفلسطينية في الحرب على غزة. وتشير قوائم أخرى إلى أن العدد أعلى من ذلك.

وبما أن إسرائيل تمنع وسائل الإعلام الأجنبية من دخول غزة، فقد انتقلت مهمة توثيق الحرب على الأرض إلى الصحافيين الفلسطينيين في القطاع، الذين واصل العديد منهم العمل على الرغم من المخاطر الجسيمة التي تهدد سلامتهم.

ودلّ تحقيق أجرته صحيفة “الغارديان” ونشرته اليوم، الثلاثاء، على أن الجيش الإسرائيلي يعتبر الصحافيين في غزة لصالح وسائل إعلام تابعة لحركة حماس أو مرتبطة بها أنها “أهدافا عسكرية مشروعة”.

ويعد هذا التحقيق جزءًا من “مشروع غزة”، وهو مشروع تعاوني تقوده منظمة “فوربيدن ستوريز” غير الربحية التي تتخذ من باريس مقراً لها، والتي قامت بتحليل مقتل الصحافيين في غزة منذ أن بدأت إسرائيل حربها، في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وقد أثار مقتل أو إصابة أو اعتقال العديد من الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام الفلسطينية – الذين يعملون لصالح مجموعة واسعة من المنصات الإعلامية المحلية والدولية – على يد القوات الإسرائيلية مخاوف بين منظمات حرية الصحافة من أن إسرائيل تسعى عمداً إلى إسكات التقارير التي توثق الحرب.

ومن بين أولئك الذين أدرجتهم لجنة حماية الصحفيين على أنهم استشهدوا في غزة منذ السابع من أكتوبر، كان حوالي 30% منهم يعملون في مؤسسات إعلامية تابعة لحماس أو وثيقة الصلة بها.

بالتعاون مع منظمة “مراسلون عرب من أجل صحافة استقصائية” (أريج)، وهي منظمة غير ربحية مقرها الأردن، حددت صحيفة “الغارديان” ما لا يقل عن 23 شخصاً قُتلوا منذ بداية الحرب وكانوا يعملون في أكبر مؤسسة إعلامية تديرها حماس في غزة، وهي شبكة الأقصى الإعلامية.

وعندما سئل متحدث كبير باسم الجيش الإسرائيلي عن ضحايا شبكة الأقصى، قال للصحفيين في اتحاد “مشروع غزة” إنه “لا يوجد فرق” بين العمل لصالح المؤسسة الإعلامية والانتماء إلى الجناح المسلح لحركة حماس، وهو تصريح شامل وصفه خبراء قانونيون بأنه مثير للقلق.

وقال عادل حق، أستاذ القانون بجامعة روتجرز في الولايات المتحدة، “إنه تصريح صادم”، ووصف الموقف بأنه “يظهر سوء فهم كاملاً أو مجرد تجاهل متعمد للقانون الدولي”.

وتزعم الإدارة الأميركية أن القناة هي “ذراع دعائي لحماس وتشكل منصة مركزية لتوزيع الرسائل التحريضية من قبل المنظمة الإرهابية”. كما تخضع قناة الأقصى لعقوبات أميركية منذ عام 2010. لكن خبراء قانون قالوا إن مثل هذا الوصف لا يشكل “شيكا على بياض يسمح للجيش الإسرائيلي بقتل موظفيها”.

ولفتت جانينا ديل، الأستاذة بجامعة أكسفورد والخبيرة في قوانين الحرب، إلى أن “نقل الأخبار لا يشكل مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية. حتى لو نقلوا الأخبار بطريقة متحيزة، وحتى لو قاموا بالدعاية لحماس، وحتى لو كانت إسرائيل تختلف جوهريًا مع طريقة نقلهم للأخبار. هذا ليس كافيًا”، وفق ما نقلت عنها الصحيفة.

وقال للصحيفة مصدر مطلع على المشورة القانونية المقدمة لقادة الجيش الإسرائيلي إن الصحافيين الذين يعملون لصالح وسائل الإعلام التابعة لحماس كانوا موجودين داخل “منطقة قتال”، وكان هناك وجهة نظر “إشكالية” بين البعض في الجيش مفادها أنه “كلما كان هناك شخص يحصل على راتب في نهاية المطاف من حماس كان يعتبر هدفا مشروعا”.

وفي مقابلة مع إذاعة فرنسا، أحد شركاء صحيفة الغارديان في “مشروع غزة”، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أوليفييه رافوفيتش، إنه “لا يوجد فرق بين الجناح السياسي والجناح العسكري لحماس”.

وقال العديد من الخبراء القانونيين إن هذا الموقف مثير للقلق. ورغم أن هناك أفراداً بعينهم ربما شاركوا في أنشطة صحفية وقتالية، فإن القول بأن كل من يعمل في مؤسسة إعلامية هو من المتشددين لا يميز بين المقاتلين والمدنيين.

وقال حق “إن هذه هي الفكرة الأكثر جوهرية في القانون الإنساني الدولي. ومن المروع أن نسمع أن أحد أفراد الجيش الإسرائيلي يكشف علناً عن جهله أو تجاهله لهذا المبدأ الأساسي”.

وأضاف حق: “إذا لم يكن الصحافي جزءًا من الجناح العسكري لحماس، وإذا لم يكن مقاتلاً من حيث الدور أو الوظيفة، فهو مدني ما لم يشارك بشكل مباشر في الأعمال العدائية”.

وقالت إيرين خان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، لـ”مشروع غزة” إن إسرائيل “نشرت معلومات مضللة حول ارتباط الصحفيين بالمسلحين” وفشلت في تلبية “عبء الإثبات” لتقديم مثل هذه الادعاءات.

وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة أريج للصحافة الاستقصائية شمل أكثر من مائتي صحافي في غزة، فإن جميع الصحافيين تقريباً قالوا إنهم نزحوا بسبب الهجوم الإسرائيلي، وقال نصفهم إنهم يعيشون في خيام. وقال ستة وثمانون في المائة منهم إن منازلهم دمرت جزئياً أو كلياً.

وقال محمد عابد، مصور وكالة فرانس برس المقيم في غزة إن “الوضع النفسي صعب للغاية. فقد مات العديد من الصحافيين وهم نائمون مع عائلاتهم. وعندما أجرينا مقابلات مع الناجين، قالوا لنا إنهم كانوا في منازلهم. تناولنا العشاء وتحدثنا مع الجيران. وعندما ذهبنا إلى النوم قصفونا”.