الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقرلطية

 الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 27/10/2024

الاستيطان في غزة.. فكرة عبثية تحمل رسائل سياسية داخلياً وخارجياً

بقلم: أمير أورن

من السهل أن ننهي الحديث عن إعادة الاستيطان في غزة، باعتباره نزوة سياسية داخل التيار اليميني. يتنافس كلٌّ من بن غفير، وسموتريتش، ونتنياهو، ومَن بعدهم ممن يسعون لخلافة نتنياهو في قيادة حزب “الليكود”، من الذين يتنافسون على الظهور بمظهر الأكثر تطرفاً وتعصباً وميلاً نحو النزعة المسيانية. فمن يفوز بقيادة الحزب سيكون هو مَن يطلق أسخف الأوهام غير القابلة للتحقق، وأكثرها استفزازاً.

من الواضح أن بناء المستوطنات في غزة لن يحدث، حتى لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض. فترامب، في خطته التي أطلقها في سنة 2020، وهي الخطة التي أشاد بها كلّ من رآها (نتنياهو وغانتس)، لا يوجد أيّ ذِكر لوجود إسرائيلي في غزة. بل إن هذه الخطة تشمل تنازلاً عن أراضٍ في النقب الغربي للفلسطينيين، تعويضاً عن ضمّ المستوطنات في الضفة الغربية.

أمّا إذا فازت هاريس، فستستمر الإدارة الديمقراطية في التمسك بنهج بايدن – بلينكن الذي يرفض أيّ استيلاء إسرائيلي على أراضي غزة. لن تقدّم أيّ دولة قوات للمشاركة في إطار دولي، أو عربي، لتأمين غزة، بعد سقوط حُكم “حماس”. ولن تساهم أيّ دولة، أو دولة متبرعة، بدولار واحد لإعادة الإعمار المدني. وإذا جرى إنتاج الحلقة التالية من هذه السلسلة الخيالية المتمثلة في الاستيطان في غزة، فإن عدداً كبيراً من الجنود، وخصوصاً جنود الاحتياط، سيرفض تقديم الحراسة لهذه الاستفزازات السخيفة.

ليس الأمر سوى استمرار طبيعي لظاهرة غير طبيعية: تخلّي الدولة عن ريادتها، وعن احتكارها مجالَي الأمن والسيادة الخارجية الحسّاسَين. ومثل هذا الموقف لا يمكن أن يحدث إلّا في دولة يقف على رأس سلطتها التنفيذية شخص على وشك أن يُدان بتهم الفساد، في محاكمة مستمرة منذ أربعة أعوام ونصف العام، منها سنة حرب.

وعلى الرغم من القاسم المشترك الذي لم يكن وليد صدفة في بداية الأمر بين نهج الدولة الرسمي وبين الحركة الاستيطانية، فإن المستوطنات ليست سوى نقيض لنهج “ناحال”[1]، فلقد تفتت جهاز “ناحال”، الجهاز الرسمي، وحلّت محله مبادرات مناهضة لعمل الجهاز الرسمي نفسه. لقد قفز نهج الخصخصة، في هذه الحالة، من الاقتصاد، ليتحول إلى نسق جهود مجموعات الضغط في فرض السياسات على الحكومة.

لم تكن نقاط “ناحال” سوى وحدات عسكرية. يمكن نقلها بأمر عسكري، أو توجيهها إلى مهمة أُخرى في مكان آخر. لكن المستوطنة، في المقابل، هي نقطة مدنية، حتى لو كانت تقع في أرض محتلة، وتخضع لسلطة الحاكم العسكري نظرياً. وفي الواقع، باتت القوى السياسية (اليمينية) توجّه الحكومة التي تقود الجيش لوضع المستوطنات فوق قيادة المنطقة، وليس تحت حكمها.

لم يعد هناك “ناحال” منذ سنوات، على الرغم من أن شعار المنجل والسيف لا يزال محفوظاً لـ”ناحال”، وهو لواء المشاة النظامي الذي يحمل الاسم نفسه. إن فكرة بن غوريون المزدوجة، في نهاية “حرب الاستقلال”، والمتمثلة في التدريب القتالي والزراعي، تلك الفكرة التي كان من المفترض أن تغذي الجنود المتقاعدين عبر الاستيطان بعد الخدمة الإلزامية، واندثرت بمرور الزمن.

في سنة 1980، قدّم موشيه نيتسر، وهو أحد أبرز قادة “ناحال”، ظروف تأسيس هذه الطريقة في أواخر الأربعينيات. لقد كان نيتسر، عضو كيبوتس “رمات يوحنان”، من أوائل أعضاء “بلماح” ومن الموالين لحزب “مباي” في القيادة العليا. في قائمة مرشحي الحزب للدورة البرلمانية الأولى في الكنيست.

اقتبس نيتسر في محاضرته من موشيه دايان الذي رأى في “ناحال” هدفاً (الاستيطان) ووسيلة (التجنيد العسكري). وقال: “تم تدريب أنوية (ناحال) في الجيش كجنود مقاتلين، ليس فقط بهدف دمجهم في الدفاع المحلي عند وضعهم في المستوطنات، بل لأن دورهم كبير في تعزيز الأمن. بالإضافة إلى ذلك، تم تكليف (ناحال) إنشاء مستوطنات مستقلة على الحدود، وفي مناطق نائية وحساسة”.

حتى حزيران 1967، كانت الحدود عبارة عن خطوط هدنة، باستثناء فترة وجيزة بين عملية “قادش” والانسحاب الأول من سيناء. وخلال تلك الأشهر الأربعة سارع الجيش الإسرائيلي إلى إنشاء مستوطنتَين صغيرتين، اضطر لاحقاً إلى تفكيكهما، هما، “ناحال ترشيش” (في شرم الشيخ) و”ناحال رفح”.

كان ذلك تجسيداً واضحاً لطبيعة “ناحال” كوحدة عسكرية لا تختلف عن كتيبة مدفعية، أو ورشة عمل تابعة لسلاح الصيانة: يمكن تحريكها وفقاً للأوامر، إمّا للدخول، وإمّا للخروج. وهذا ما جرى تطبيقه في الشمال والوسط، وفي النقب والعربة.

جرى إنشاء مستوطنات “ناحال” في المنطقة المقابلة لغزة، قبل حرب 1956، والتي أصبحت لاحقاً الكيبوتسات “ناحال عوز”، و”كفار عزة”، و”نير عوز”، و”كيرم شالوم” و”تسيئليم”. كان بين هذه المستوطنات نقاط استيطانية أُنشئت على يد جنود أفراد، بخلاف نواة “ناحال” التي أكملت العامين الأولين من الخدمة الإلزامية. هؤلاء الجنود، وفقا لينتسر “كان من المفترض أن ينتقلوا إلى وحدات أُخرى في الجيش، لكننا أردنا الاستفادة من خبرتهم ووجهناهم لتأسيس مستوطنات عسكرية في مواقع أمنية مهمة. وقمنا بتوجيه مجموعات من هؤلاء الجنود إلى “جونين” (على الحدود السورية) و”ناحال عوز”. وبعد عام، عندما جاءت نواة حركية لاستبدالهم، رفض عدد كبير منهم مغادرة المكان”.

بعد حرب الأيام الستة، بدأ التدهور على مقلبين: مقلب إنشاء نقاط استيطانية في الأراضي المحتلة التي أصبحت مستوطنات، ومقلب استسلام الحكومات، بالتدريج، لتحركات “غوش إيمونيم”[2].

قال نيتسر في محاضرته أيضاً: “لقد تم إنشاء مستوطنات (ناحاليام)، و(ناحال سيناي)، و(ناحال ديكلا) في منطقة رفح، لأسباب أمنية أساساً، لكن مردّ الأمر كان نابعاً من رؤية سياسية طويلة الأمد”.

هنا على المرء أن يتساءل: رؤية سياسية؟ وطويلة الأمد؟

إلى أيّ مدى يمكن أن تكون تلك الرؤية طويلة الأمد، بعد أن عرفنا مآلات حرب “يوم الغفران”، ومبادرة السلام التي طرحها السادات، وما نتج منها من إخلاء للمستوطنات، بما فيها مستوطنة “ناحال سيناي” التي نُقلت من منطقة العريش شمالاً إلى مستوطنة “نؤوت سيناي” (والتي تم إخلاؤها، بدورها، بعد فترة قصيرة)؟

لقد اصطدمت أوهام “فرض الحقائق على الأرض” بفرض حقائق جديدة من الجانب الآخر: لن يكون هناك قبول للحقائق التي تم فرضها. والمستوطنات لم تخلق ردعاً في نفس الطرف الآخر، بل إنها لم تفعل شيئاً سوى استفزازه.

قال نيتسر أيضاً: “جرى إنشاء مزيد من المستوطنات العسكرية في قطاع غزة. عندما صدر القرار بشأن الاستيطان في (نيتساريم)، و(موراغ)، و(غوش قطيف)، كانت أسباب ذلك القرار أمنية في أساسها. لقد قرر وزير الزراعة حاييم غفتي إنشاء مستوطنات عسكرية في تلك المنطقة، من دون تحديد الهدف الاستيطاني النهائي مسبقاً”. ومن دون وحدات “ناحال”، لم يكن تجمّع “غوش قطيف” الاستيطاني ليظهر إلى الوجود (ثم يتم إخلاؤه لاحقاً).

من الممكن أن يفهم المرء إحباط رابين عندما كان رئيساً للوزراء في السبعينيات، ومرة أُخرى في التسعينيات، عندما رأى أن الحكومة لا تسيطر على مكان، أو توقيت إنشاء المستوطنات في الضفة الغربية؛ في حين كان المستوطنون يحظون بدعم غليلي وألون (في حكومتَي ليفي إشكول وغولدا مئير)، وبيريس، ورئيس الأركان غور. لقد شكلت تلك الفترة مرحلة انتهاء احتكار مؤسسات الدولة للقرارات وتنفيذها فيما يتعلق بالأمن والسياسة.

من الناحيتين السياسية والأمنية، لا تُعد سيطرة 5% من سكان إسرائيل على مصير الـ 95% الآخرين مشكلة “طويلة الأمد” فحسب، بل تشكل مدخلاً إلى كارثة مستمرة. لقد كان إخلاء غزة من المستوطنات خطوة صحيحة، على الرغم من أن المستوطنين دانوا ذلك كيلا يكون مقدمة لِما قد يحدث في الضفة. أمّا الجدل الأمني بشأن الإخلاء، فقد ركّز على الثمن العسكري لانسحاب الجيش الإسرائيلي، سواء الثابت أو المتنقل، من غزة، من بعض النقاط من محور “فيلادلفيا” إلى “الشريط الشمالي” المتاخم لكلٍّ من “إيريز” و”نتيف هعسراه”. كانت المستوطنات، بعكس دعاية المستوطنين، عبئاً على الدولة، وليست أصولاً ينبغي حمايتها.

بناءً على كل ما ذُكر أعلاه، لا يمكننا سوى أن نستسخف بتلك الفكرة العبثية المنادية بإعادة الاستيطان المدني في غزة. لن يحدث هذا الأمر فعلاً، لكن مجرد النقاش السياسي بشأن هذه الفكرة الباطلة يُظهر للجميع، في الداخل والخارج، مَن هم أصحاب القرار الفعلي هنا. هذه هي الغاية التي يسعى لها مروّجو هذا الوهم، وقد نجحوا في تحقيقها.

_____________

[1] اعتمدت الدولة الإسرائيلية في بداياتها على نموذج مستوطنات “ناحال” (الاختصار العبري لعبارة: الشباب الطليعي المقاتل) كأداة لفرض الأمن وتوسيع السيطرة على المناطق الحدودية. كانت هذه المستوطنات تتميز بكونها تجمعات زراعية وعسكرية في آن واحد، حيث تم إرسال مجموعات من الجنود الشباب إلى المناطق الحدودية والمناطق الاستراتيجية لإنشاء نقاط استيطانية تعمل كحواجز أمنية ضد التهديدات الخارجية. إلى جانب تدريبهم العسكري، كان هؤلاء الجنود يمارسون الزراعة، وهو ما عزز وجودهم الدائم في هذه المناطق، وجعلهم قوة دفاعية فعالة. الهدف الأساسي من هذه المستوطنات كان تعزيز السيطرة على الأراضي وتوفير وجود أمني دائم في مناطق حساسة، بالإضافة إلى إرساء حضور مدني في المناطق النائية، وهو ما ساعد في ترسيخ السيادة الإسرائيلية في المناطق الحدودية. ولاحقاً، كان يتم تسليم هذه المستوطنات العسكرية لقوى مدنية، أي للمستوطنين.

[2] غوش إيمونيم: حركة استيطانية صهيونية دينية تأسست في أوائل السبعينيات في إسرائيل، بعد حرب 1967. كانت تهدف إلى تعزيز الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان، باعتبار هذه المناطق جزءاً من “أرض إسرائيل التاريخية”. استمدت الحركة قوامها الأيديولوجي من المفاهيم الدينية والقومية، ورأت في التوسع الاستيطاني تحقيقاً للرؤية الصهيونية وتجسيداً لمشروع استعادة الأرض. لعبت الحركة دوراً رئيسياً في إنشاء العديد من المستوطنات في الضفة الغربية، وكان لها تأثيرات سياسية واجتماعية قوية في السياسات الإسرائيلية المتعلقة بالمستوطنات، يعدّ تيار وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش الوريث الشرعي لهذه الحركة في السياسة الإسرائيلية.

——————————————–

هآرتس 27/10/2024

اسرائيل يمكنها احتواء الرد الايراني على الهجوم، والتركيز على الاهداف في لبنان وغزة

بقلم: يوسي ميلمان

المتحدثون الرسميون ووسائل الاعلام في ايران اعلنت بأنه باستثناء اضرار صغيرة اصابت عدة اماكن، فان قواتها نجحت في صد الهجوم الاسرائيلي. هذا البيان، الذي يميز نظام ديكتاتوري وفاسد ويقوم باخفاء الحقيقة، يمكن أن يشكل للنظام في ايران سلم للنزول عن شجرة جولات اللكمات مع اسرائيل. ولكن مشكوك فيه أن تضع ايران حد لتبادل اللكمات في ظل الاجواء الغاضبة والمسمومة التي تشوبها الكبرياء الوطنية ولعبة الكرامة والمفاهيم المغلوطة حول الردع المتبادل. 

الهجوم الاسرائيلي ليلة الأمس كان من خلال ثلاث موجات استمرت لثلاث ساعات تقريبا، بمشاركة عشرات الطائرات الحربية، وطائرات التزويد بالوقود واجهزة استخبارية محمولة جوا. حسب تقارير في ايران فانه شاركت في هذا الهجوم مسيرات اسرائيلية ايضا. الهجوم توجد له اهمية تاريخية. يمكن التقدير بأنه في السابق طائرات سلاح الجو والمسيرات حلقت فوق ايران بهدف جمع المعلومات، لكن اسرائيل لم تعترف بذلك في أي يوم.

هذه هي المرة الاولى التي تهاجم فيها اسرائيل من الجو اهداف في ايران في عدة اماكن، بما في ذلك قرب العاصمة طهران (ينسب لاسرائيل رد محدود على هجوم الصواريخ الاول لايران في شهر نيسان، الذي اصاب رادار لبطارية اس 300 قرب مدينة اصفهان). 

الهجوم أزال القرد الذي يجلس منذ سنوات على كتف اسرائيل. الخوف الذي تم رسمه في السيناريوهات القاسية التي كانت ترافقها غرفة عمليات بأن هجوم جوي اسرائيلي يمكن أن ينتهي باسقاط طائرات وسقوطها في الأسر، وحتى موت طيارين. هذا لم يحدث واسرائيل اثبتت مرة اخرى، هذه المرة بدون أي شك، تفوقها الجوي والاستخباري.

الهجوم استهدف تحقيق عدة اهداف، البعض منها عسكري والبعض نفسي. في المجال النفسي اسرائيل اثبتت مرة اخرى لزعماء ايران وقادتها العسكريين بأن اجهزة استخباراتها تعرف الكثير عن معظم القواعد والقيادات ومنظومات الدفاع الجوية ومخازن الصواريخ، وايضا تعرف عن مراكز القيادة والسيطرة في ايران. زعماء ايران رغم تبجحهم يعرفون الحقيقة بالنسبة لقدراتهم، وايضا جزء واسع من الشعب في ايران. هم يعيشون في دولة مخترقة عسكريا واستخباريا، وهي تقريبا مثل كتاب مفتوح امام الاستخبارات الاسرائيلية وايضا أمام المخابرات الامريكية، التي تتعاون منذ سنوات بشأن الجمهورية الاسلامية.

الاهداف التي تم اختيارها لم تكن مفاجئة. فقد كان من الواضح أن اسرائيل ستهاجم في الموجة الاولى منظومات الدفاع الجوية في ايران لتقليص خطر المس بطائرات الموجة الثانية. توجد في ايران منذ سنوات منظومة الدفاع الجوية من نوع اس 300 من انتاج روسيا، المعروفة جيدا لسلاح الجو الاسرائيلي، التي دمر عدد منها في سوريا. ايران تريد منذ عشر سنوات تقريبا الحصول من روسيا ايضا على البطارية الاكثر تقدم، اس 400، لكن هذا الطلب تم رفضه.

مؤخرا، في اعقاب زيادة التعاون الاستراتيجي بين الدولتين على خلفية الحرب في اوكرانيا، نشر أن روسيا وافقت على تزويد ايران بالبطارية الاكثر تقدما. وحتى أنه نشر قبل بضعة اسابيع بأن الارسالية الاولى للبطارية وصلت في طائرة نقل مدنية روسية الى طهران. ولكن لا يوجد أي تأكيد لذلك من قبل أي مصدر رسمي. في كل الحالات حتى لو تم ارسال بطارية واحدة فان هذا الامر سيستغرق وقت الى حين أن تنشرها طهران، وطواقمها يتم تدريبها على تشغيلها.

اهداف اخرى في موجة الهجوم الثانية وموجة الهجوم الثالثة كانت مصانع للانتاج ومخازن وتحصينات تحت الارض، التي تم تخزين الصواريخ البالستية بعيدة المدى والمسيرات فيها. المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي قال إن الضربات كانت دقيقة. ويمكن التقدير بأن هذه الوسائل تم تدميرها أو تضررت بشكل كبير. هكذا فقد تقلص أكثر مخزون السلاح، وقدرة ايران على الحاق الضرر اذا قررت الرد ستكون ضئيلة.

حتى الآن يجب الذكر بأن هذا كان هجوم محدود لعشرين هدف. اسرائيل لم تهاجم منشآت النفط أو المنشآت النووية، ولا حتى البنى التحتية الاقتصادية الاخرى أو رموز النظام. هكذا، هي في الحقيقة استجابت لطلب الولايات المتحدة التي تخشى من اندلاع الحرب الاقليمية، التي ستتدهور ايضا الى ضرب ايرانية لجيرانها، السعودية ودول الخليج.

هذا الامر يعلمنا بأنه رغم تعاظم ثقته بنفسه وميوله المسيحانية، وبين حين وآخر ايضا تصريحاته الاستفزازية لواشنطن التي تتم ادارتها من قبل ادارة مؤيدة جدا لاسرائيل، فان رئيس الحكومة نتنياهو يعرف جيدا قيود قوة اسرائيل واعتمادها على الولايات المتحدة وأهمية أخذها في الحسبان.

الجمهور في اسرائيل ينتقل مرة اخرى الى موقف الانتظار من اجل رؤية اذا كانت ايران سترد. السوابق الماضية في السنة الاخيرة تشير الى أن ايران لن تمر مر الكرام على ما حدث ليلة الأمس. السؤال الكبير هو هل ستكتفي باطلاق بضع عشرات من الصواريخ مرة اخرى نحو اهداف عسكرية. اذا حدث ذلك فيمكن الافتراض بأن معظمها سيتم اعتراضه بفضل الدفاع الجوي الممتاز لبطارية الحيتس ومقلاع داود وطائرات سلاح الجو، الى جانب بطاريات “ثاد” التي تم نشرها في اسرائيل ودعم سلاح الجو الامريكي.

في هذه الحالة، حسب رأيي، اسرائيل يمكنها السماح لنفسها بضبط النفس وعدم الرد بجولة ثالثة من تبادل اللكمات. كدولة قوية، تعرف قدراتها، يمكنها الاعلان بأنه في هذه المرة ستقوم بضبط النفس، ليس من خلال الضعف، بل بسبب قوتها، والاعلان بأنها تفضل التركيز على اهداف الحرب في لبنان وفي غزة، من خلال الرغبة الصادقة في التوصل الى انهاء الحرب التي جبت ثمنا دمويا باهظا، وتضر باقتصادها وتشوش نمط الحياة فيها.

ولكن اذا ردت ايران بقوة – قائد حرس الثورة هدد قبل بضعة ايام بأن أي هجوم اسرائيلي على بلاده سيؤدي الى اطلاق آلاف الصواريخ – مرة اخرى ستجد اسرائيل نفسها في دائرة الرد على الرد على الرد، الى درجة تحقق خطر الحرب الشاملة مع ايران، والخشية هي أن تقرر الاخيرة في اعقاب الضربات المدوية ضدها تركيب سلاح نووي خاص بها.

——————————————–

هآرتس 27/10/2024

ايران تبني طوقا دبلوماسيا ولا تسارع للدخول الى حرب شاملة

بقلم: تسفي برئيل

“الهجوم الدقيق ضد اهداف عسكرية في ايران” الذي نفذته اسرائيل، حسب الصياغة المحسوبة للمتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي، دانييل هجاري، ليس هو الهجوم المباشر الاول بين الدولتين. في الحقيقة حجم الهجوم كان متسع ومدمر اكثر، لكن ما زال يمكن اعتباره “تقليص للقدرات”. هذا ليس الضربة التي يمكنها تغيير خارطة التهديدات الاستراتيجية التي تضعها ايران امام المنطقة وامام اسرائيل، وهذه بالتأكيد ليست “الحرب الشاملة” التي رافقنا ظلها وسيرافق أي مواجهة كهذه. يبدو أنه، حسب الردود العلنية في ايران، بذلك انتهت جولة “الثأر” التي انتظرت اكثر من ثلاثة اسابيع من اجل انضاجها.

المتحدثة بلسان الحكومة في طهران، فاطمة مهاجرني، لخصت باختصار موقف النظام بالقول إن “الشعب في ايران يتفاخر بقوات الدفاع في الدولة، والجميع يثق بها”. وسائل الاعلام الرسمية في ايران هي ايضا عملت على تقليص حجم الاضرار، والمتحدثون بلسان النظام سارعوا الى الاعلان عن “العودة الى روتين الحياة”. 

الزعيم الروحي الاعلى علي خامنئي حتى الآن لم يرد، وايضا هكذا قادة الجيش الايراني وحرس الثورة. هذا ازاء التصريحات العنيفة التي اسمعتها جهات رفيعة في ايران في المرات السابقة، مثلما حدث بعد تصفية قائد قوة القدس في سوريا ولبنان، الجنرال رضا زاهدي أو تصفية اسماعيل هنية. ايضا خامنئي تحدث بهذا الشكل. هذه المرة السلطات ابقت تصريحات التهديد في يد المحللين الايرانيين، الذين هم ايضا تبنوا لغة متشككة ومنضبطة. 

رد اسرائيل اثبت القدرة على مهاجمة عشرات الاهداف في عمق ايران، على مساحة جغرافية كبيرة وفي انتشار واسع. وقد نقل الرد رسالة، التي هي اهم من حجم الاضرار الفورية التي لحقت بالاهداف المهاجمة، بأنه توجد لاسرائيل قدرة تكتيك وقدرة عسكرية وعملياتية واستخبارية لمهاجمة اهداف استراتيجية في ايران، وعند الحاجة ايضا مهاجمة المنشآت النووية.

لكن في نفس الوقت من الحيوي القول بأنه ليست القدرة العسكرية وحدها هي التي حددت ابعاد الهجوم واهدافه، بل ايضا التخطيط والرؤية السياسية والاستراتيجية، التي تمت ملاءمتها، الاكثر دقة املاءها بالاساس من قبل الولايات المتحدة، وتم توجيهها بالاعتبارات السياسية مثل الانتخابات في الولايات المتحدة، والاعتبارات الاقليمية مثل التداعيات المحتملة للهجوم على دول المنطقة، لا سيما دول الخليج. نتنياهو تعود في الحقيقة على نثر الوعود المتغطرسة، التي بحسبها اسرائيل ستعمل وحدها ضد ايران عند الحاجة. ولكن في الحقيقة اسرائيل تحتاج جدا الى غطاء الدفاع والدعم الامريكي، الذي ليس فقط سيمكن من تنفيذ الهجوم، بل بالاساس حماية الجبهة الداخلية. هذا الغطاء يوجد له ثمن سياسي، يلزم اسرائيل بأن تأخذ في الحسبان ليس فقط مصالح واشنطن، بل ايضا مصالح دول المنطقة.

هذه المصالح الاقليمية معروفة جيدا لايران، التي استغلتها من اجل تقييد حجم الضربة الموجهة اليها. وقد استخدم الرئيس الايراني، مسعود بزشكيان، ووزير الخارجية الايراني، عباس عراقجي، في الفترة الاخيرة آلية دبلوماسية كثيفة، شملت محادثات متواترة مع زعماء دول اوروبية ومع الرئيس الروسي فلادمير بوتين. عراقجي أجرى ايضا عدة زيارات في دول الخليج، خلالها نقل رسائل لواشنطن، التي اجرت هي نفسها حوار غير مباشر مع القيادة في ايران بهدف تنسيق خطة رد اسرائيل بشكل لا يجر كل المنطقة الى الحرب.

اذا كان هناك أي تجديد استراتيجي على الطريقة التي تعمل فيها ايران في الشرق الاوسط فهو يكمن في التطورات السياسية الهامة في السنوات الاخيرة، التي تشمل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين ايران ودولة اتحاد الامارات في العام 2022، والسعودية في آذار 2023، ومؤخرا تدفئة العلاقات بين طهران والقاهرة. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الايراني قاما بعقد لقاء ودي في مؤتمر دول البريكس، الذي عقد في يوم الاربعاء الماضي في مدينة كازان في روسيا. وقد اعلنا عن نية الاستمرار في توطيد العلاقات بين الدولتين. 

الشكوك وعدم الثقة بين الدول العربية وايران لم تتلاشى، ولكن هذه الخطوات تفسح المجال للمصالح المشتركة، التي تعتبر نوع من “طوق الدفاع” السياسي حول ايران، بدلا من “حلقة النار” التي اوجدتها ايران بواسطة وكلائها في العراق وفي لبنان وفي اليمن، التي لا تستطيع أن تساعدها أو أنها غير كافية.

بعد أن تكبدت المليشيات برعايتها، لا سيما حزب الله في لبنان وحماس في غزة ضربات شديدة، والتي بسببها جُرت الى مواجهة مباشرة مع اسرائيل، فانها لا تنجح في أن تستمر كونها “مانعة صواعق” تحيد خطر المس بايران نفسها، ويوجد لحزام الدفاع السياسي الآن اهمية كبيرة بالنسبة لايران بشكل خاص. 

خطواتها السياسية أدت الى أن دول الخليج ومصر والاردن لم تنضم حتى الآن الى التحالف العسكري برئاسة الولايات المتحدة في البحر الاحمر لمحاربة الحوثيين. في الفترة الاخيرة اوضحت هذه الدول بشكل علني أنها لن تسمح باستخدام مجالها الجوي أو البري كقواعد انطلاق للهجوم ضد ايران. هذا نجاح سياسي هام حققته ايران، نجاح يضع علامة استفهام واضحة أمام الرؤية الاستراتيجية البسيطة التي تقول بأن الشرق الاوسط منقسم بين دول “سنية” تؤيد امريكا و”المحور الشيعي المناهض لامريكا”.

هذه النظرية، التي تطمح الولايات المتحدة واسرائيل الى تأسيس عليها حلف الدفاع الاقليمي، وجدت نفسها في جمود عميق في اعقاب الحرب في قطاع غزة ورفض اسرائيل لرسم أفق سياسي للقضية الفلسطينية. ولكن “حلف الدفاع” ضد ايران كان يجب أن يتصادم ليس فقط مع سياسة الرفض لاسرائيل، بل دول الخليج نفسها تجد صعوبة في الحصول على التشجيع من دعم امريكا لاسرائيل، والاستنتاج منه الحماية التي ستحصل عليها من واشنطن اذا قامت ايران ووكلاءها بمهاجمتها. 

السعودية تذكر جيدا الرد المخيب للأمل والمهين للرئيس ترامب، الذي جاء بعد مهاجمة منشآت النفط لشركة “عرامكو” في السعودية في 2019. فقد عرض مساعدته على المملكة ولكن مقابل الدفع. في حين أن دولة الامارات ما زالت تنتظر المصادقة على صفقة لشراء طائرات اف 35، التي وعدت بها كجزء من الثمن مقابل التوقيع على اتفاق السلام مع اسرائيل.

دول الخليج لا يمكنها أن تكون واثقة تماما بالحصول على دعم امريكا، الذي ستحصل عليه اذا تسببت مواجهة بين اسرائيل وايران بالمس بالملاحة في مضائق هرمز أو فعلت ايران مبعوثيها في العراق واليمن ضد البنية التحتية للطاقة فيها. في قرار سياسي، يبدو أنه منسق، تبنت دول الخليج استراتيجية لينة، التي ستبقى سارية المفعول حتى لو تشكل تحالف دفاع اقليمي، التي تقول بأن هذه الدول ستواصل اقامة علاقات وثيقة ليس فقط مع ايران، بل ايضا مع روسيا والصين.

هذه الاستراتيجية تشبه الاستراتيجية التي تتبناها ايران. لأن ظهر ايران ايضا غير محمي من قبل القوى التي تعتبر حليفتها. روسيا ما زالت حتى الآن لم توقع على اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع ايران. هذا الاتفاق يمكن أن يمنحها الدعم العسكري والسياسي ويزودها بأفضل الذخيرة والسلاح الروسي (في هذه الاثناء هي التي تبيع لروسيا الصواريخ والمسيرات). بوتين ايضا لم يقم حتى الآن بالوفاء بالتزامه من العام 2022، الاستثمار بمبلغ 40 مليار دولار في ايران، مثلما لم تطبق الصين حتى بداية اتفاق التعاون الاقتصادي الذي يمكنه أن يغرق ايران بمئات مليارات الدولارات في العشرين سنة القادمة.

مصفوفة العلاقات والروافع السياسية التي نسجتها ايران في السنوات الاخيرة، اضافة الى الازمة الاقتصادية الشديدة الغارقة فيها، فانها وجهت خلال معظم فترة الحرب الى سياسة احتواء وضبط للنفس حتى اللحظة التي فيها الضربة التي تسببت بها اسرائيل لمكانتها، تطورت الى ضرر استراتيجي اعتبر تهديد لمكانة النظام في ايران. يبدو في هذه الاثناء أن ايران مستعدة للعودة الى هذه السياسة من اجل الحفاظ على ثرواتها في المنطقة وتعزيز سيطرتها عليها عبر القنوات الدبلوماسية وعدم المخاطرة بحرب تضر بهيبتها.

——————————————–

إسرائيل اليوم 27/10/2024 

لا تنجروا الى حرب استنزاف في لبنان

بقلم: ايال زيسر

في أثناء الشهر الأخير أحدثت إسرائيل انفجارا استراتيجيا كفيل بان يؤدي الى إعادة ترسيم خريطة الشرق الأوسط. فمحاولة ايران احاطة إسرائيل بطوق خانق من النار والصواريخ من الشمال، من الشرق ومن الجنوب انهارت بضجيج عظيم سمعت اصداؤه في كل عواصم المنطقة وكذا في طهران.

 ولئن كانت رمزية هي الخطوة الإسرائيلية للقضاء على حزب الله في لبنان بدأت بتصفية حسن نصرالله، فان الحملة لهزيمة حماس في قطاع غزة تنتهي مع تصفية يحيى السنوار. لقد كان هذان هما الرمز لفكرة الصراع ضد إسرائيل بل وجعلا منظمتي الإرهاب التي ترأساهما جيشا بكل معنى الكلمة، بوسعه، كما اعتقدا ان يهزم إسرائيل ويقوضها.

حماس كفت عن الوجود منذ الان كجيش نظامي، وكل ما تبقى منها هم مخربون افراد او خلايا إرهاب تحاول ضرب قواتنا. لكنها لا تشكل تهديدا على إسرائيل كما كان جيش حماس عشية 7 أكتوبر. اما حزب الله فهو منظمة في ازمة كل قيادته صفيت، وقسم هام من ترسانة صواريخه دمر ومن تبقى من قادته ونشطائه يوجدون في حالة فرار للنجاة بحياتهم او يخوضون معركة انسحاب امام قوات الجيش الإسرائيلي التي تناور في جنوب لبنان. 

صحيح أن نجاحات إسرائيل هذه كانت مسألة حظ، او حتى صدفة – السنوار انكشف وصفي بالصدفة على ايدي قوة من الجيش الإسرائيلي عملت قرب مكان اختبائه، فيما أننا في لبنان تدحرجنا من نجاح الى نجاح، دون أن يكون احد ما خطط مسبقا سلسلة الضربات التي تلقاها حزب الله وادت الى انهياره المفاجيء. لكن مع النجاح والنصر لا احد يجادل، فما بالك ان لهما جذورا عميقة – تفوق استخباري وعملياتي، عظمة القوة لدى القوات البرية وسلاح الجو وكذا حصانة المجتمع الإسرائيلي. 

لكن بعد كل هذا مطلوب كلمة تحذير. حرب لبنان الثانية أيضا، في حزيران 2006، بدأت بنجاح عسكري: بهجوم جوي امتد 34 دقيقة في الليلة الأولى من الحرب، دمر سلاح الجو جزءاً كبيرا من منظومة الصواريخ بعيدة المدى لحزب الله (صواريخ فجر). ولهذا فقد حظيت هذه الليلة باسم “ليل الفجر” – بخلاف، بالمناسبة مع البيجر، التي تفجرها في ارجاء لبنان شكل خطوة أولى في سلسلة الضربات التي تلقاها حزب الله في الحرب الحالية. غير أنه عندها كانت بانتظارنا مفاجأة، وتبين ان حزب الله يواصل اطلاق مئات الصواريخ كل يوم الى شمال البلاد على اطراف حيفا، دون أن تتمكن إسرائيل من وقف النار. اضطررنا لانهاء الحرب في نوع من “التعادل الحامض”. والاكتفاء بقرار 1701، قرار مليء بالثقوب كان واضحا مسبقا ان حزب الله لا يعتزم الالتزام به. 

الان من واجب إسرائيل أن تتأكد من أن قصة حرب لبنان الثانية لن تتكرر في حرب لبنان الثالثة. 

صحيح أن حزب الله ضُرب والتهديد الاستراتيجي الذي شكله لإسرائيل ازيل، لكنه يواصل اطلاق مئات الصوارخ والمُسيرات الفتاكة كل يوم نحو شمالي البلاد بل ووسطها، ويصطدم بقوات الجيش الإسرائيلي المناورة على طول خط الحدود. هذا، بهدف استنزاف إسرائيل على أمل أن تتراجع أولا، مثلما فعلت في صيف 2006.

وفي هذه الاثناء، يعلن حزب الله عن استعداده لوقف نار يسمح له بترميم قوته، لكن من الصعب الافتراض بانه سيرفع علما ابيض ويوافق على تقييد تسلحه وانتشار قواته جنوبي الليطاني. وعليه من المهم أن نفهم بان المعركة في لبنان لا تزال امامنا وان عمليات الجيش الإسرائيلي الحالية في الجو وفي البحر ليس فيها ما يكفي لانهائها بشروط تكون مقبولة على إسرائيل. وعليه فيجب التشديد بشكل كبير الضغط على حزب الله وعلى الدولة اللبنانية أيضا بحيث يثور في لبنان التخوف من أن حرب استنزاف طويلة ستعمل في طالحهم، وكفيلة بان تنتهي بان يتحول لبنان كله – وبالتأكيد جنوب الدولة – الى غزة ثانية. 

والمهم بقدر لا يقل هو ان نحاول بالتوازي ترجمة الإنجازات العسكرية الى إنجازات سياسية مع شركائنا في العالم العربي وباقي دول العالم كي نُرسم معا من جديد خريطة الشرق الأوسط. والا، فسنجد انفسنا نواصل المراوحة في غزة وفي لبنان لسنوات طويلة أخرى.

——————————————–

هآرتس 27/10/2024

بعد مرور سنة على الحرب، اسرائيل قدمت لحظة نادرة من العقلانية وضبط النفس

بقلم: جدعون ليفي

هاكم الأنباء الجيدة، من اجل التغيير: اسرائيل تصرفت أمس بعقلانية وبضبط نفس يستحق الثناء. قرار الاكتفاء بهجوم محسوب في ايران، قليل الضحايا وفارغ من الغطرسة، هو القرار العقلاني الاول لاسرائيل خلال السنة الماضية. يجب الثناء على متخذي هذا القرار في الحكومة وفي الجيش، ايضا هذا أمر نادر جدا. عندما سينتهي السبت، هذه الاقوال كتبت قبل ذلك، سيخرج اليمين المتطرف بغضب شديد ضد القرار. الامنيون فعلوا ذلك أمس في الاستوديوهات، تعطشهم للدماء لم يجد له متنفس كامل، هذا دليل آخر على حكمة القرار. 

اذا كان أحد ما زال يحتاج الى دليل على أن الحكمة اللحظية نزلت على اسرائيل فيمكن كالعادة الاعتماد على رئيس المعارضة، يئير لبيد. فقد سارع الى الوقوف بشكل غبي ضد القرار. هو أراد المزيد من الدماء. “قرار عدم مهاجمة اهداف استراتيجية واقتصادية في ايران كان قرارا خاطئا”، قال رجل الاستراتيجية وهو يتجاوز ليس للمرة الاولى بنيامين نتنياهو من اليمين. عندما يصل الامر الى تأجيج الحرب، مرة اخرى اثبت لبيد أنه لا يوجد أي فرق بينه وبين اليمين المتطرف، وأنه لا توجد أي معارضة للحرب في اسرائيل. لذلك، لا توجد حاجة اليه، لأنه يوجد لدينا ايتمار بن غفير.

اذا لم تقم اسرائيل بتخريب هذا القرار، واذا اظهرت ايران ضبط نفس مشابه، نكون وفرنا أمس على انفسنا كارثة اخرى، ربما اصعب من أي كارثة سابقة. حرب بين اسرائيل وايران لم تندلع. حتى الادارة الامريكية العاجزة نجحت، للمرة الاولى منذ اندلاع الحرب، في التأثير على مجرى الحرب. بعد مرور سنة وفرت فيها الولايات المتحدة كل رغبات واحتياجات اسرائيل دون ربط ذلك بأي شيء؛ سنة لم تستجب فيها اسرائيل حتى لأي واحدة من نصائح وتحذيرات وتوسل الدولة العظمى. 

خلافا لجميع الاحتمالات والسابقات فان نتنياهو استمع للرئيس الامريكي. جو بايدن كان يفضل عدم مهاجمة اسرائيل على الاطلاق، بالتأكيد ليس عشية الانتخابات. ولكن هجوم محدود الادارة الامريكية يمكنها التعايش معه، وربما ايضا بفضله تم منع كارثة.

كل ذلك يبدو جيد جدا الى درجة يصعب تصديقها. ربما أنه الى أن ترى هذه السطور النور ستنقلب الصورة. أنا أتذكر حادثة واحدة فيها نتنياهو كان جديرا بالثناء لأنه وافق بحكمة على خطة الامم المتحدة لحل مشكلة طالبي اللجوء – عندما جاء الصباح انقلب القرار بضغط من العنصريين وكارثي الاجانب في معسكره. يجب الأمل بأنه في هذه المرة سيتمسك بالانضباط رغم الانتقادات.

يمكن التساؤل حول هدف الهجوم أمس، باستثناء التوق الى ارضاء، لو بشكل جزئي، طالبي الثأر بسبب هجوم ايران. كان يمكن العيش بسهولة ايضا بدون الهجوم، لكن عندما يكون الضرر الذي لحق باسرائيل صغير جدا فمن الافضل عدم سؤال ذلك. اسرائيل اظهرت لايران ما عرفته ايران منذ فترة طويلة، وهو أنه لاسرائيل تفوق عسكري مطلق في المنطقة، وأن الكرة الآن في ملعب ايران. اذا انتصر هناك ايضا صوت المنطق فعندها سنكون قد نجونا من الكارثة، على الاقل حتى الآن.

هناك أمر لم يتم حله أمس. الحرب في غزة وفي لبنان تستمر بكامل القوة، بدون أي دليل على خفوتها. ايران ما زالت حتى الآن عدو صعب، ووكلاءها ايضا. الحل لذلك لن يكون في أي يوم عسكريا. الدماء يستمر سفكها في كل الاطراف بدون أي جدوى، ومعه المعاناة والرعب الذي لا يوصف للمخطوفين وابناء عائلاتهم، والمخلين في اسرائيل ومعهم 3 ملايين شخص في غزة وفي لبنان، الذين يتيهون هنا وهناك بدون حاضر أو مستقبل. نهاية المعاناة في غزة حتى لا تلوح في الأفق. لا يوجد فيها أي يوم بدون عشرات القتلى وجرائم حرب ترتكبها اسرائيل، والمزيد من الاطفال القتلى والمعاقين والايتام والمذعورين. 

لكن من بين كل هذا اليأس ظهرت أمس ومضة ضئيلة من الأمل. اسرائيل تصرفت بمنطقية وبضبط للنفس. صحيح أنه يمكن الثقة بأنها ستعود الى سابق عهدها، لكن في هذه الايام حتى بصيص ضئيل من الأمل هو حدث مهم تقريبا.

——————————————–

إسرائيل اليوم 27/10/2024

خمسة أسباب تجعل إسرائيل راضية عن نجاح هجومها الأخير في ايران

بقلم: يوآف ليمور

في إسرائيل يجملون الهجوم كنجاح عملياتي مع إمكانية كامنة هامة لتغيير استراتيجي في المعركة بين الدولتين. لقد كانت اهداف الهجوم محدودة منذ البداية، فقد اختارت إسرائيل الا تضرب مواقع النووي او أهدافا للبنى التحتية بل مجرد اهداف عسكرية كي تبقي على معادلة واضحة حيال ايران، واساسا كي تقلص دافعها للرد. وعليه، فقد نفذ الهجوم في الليل في ظل الامتناع عن الإصابة بالمواطنين.

من منشورات في وسائل الإعلام الدولية يتبين أن اهداف الهجوم كانت من نوعين: أولا – بطاريات الدفاع الجوي الأكثر تطورا لدى ايران، من طراز اس 300. والثاني – مصانع لانتاج صواريخ ارض ارض – من الطراز الذي اطلق لإسرائيل في 1 أكتوبر وفي 14 نيسان. والسبب للتركيز على هذين الهدفين واضحا: بدون بطاريات الدفع الجوي (التي أصيبت احداها في هجمة الرد من سلاح الجو في نيسان والباقي في ليل السبت) بقيت ايران مكشوفة، وإسرائيل يمكنها عمليا ان تهاجمها مرة أخرى متى تقرر، بعد أن قلصت التهديد الأساس على سلاح الجو؛ اما الضربة لمنظومات انتاج الصواريخ فستجعل من الصعب على ايران الإبقاء على وتيرة عالية من التسلح وستلزمها بتقنين الذخيرة في المعركة في الهجوم القريب. 

في إسرائيل استعدوا لرد إيراني فوري على الهجوم ومنظومات الدفاع الجوي دخلت في حالة تأهب قصوى. لكن كلما مرت الساعات تبين أن طهران لا ترد من البطن، وتأخذ الوقت كي تقرر اذا ما وكيف سترد. البيانات التي صدرت عن طهران في أنه تم اعتراض معظم الهجوم وان طائرات سلاح الجو لن تتسلل الى المجال الجوي الإيراني استهدفت خلق مجال للنفي يسمح لإيران الا ترد او أن ترد بشكل محدود. 

من المتوقع أن تبقى حالة التأهب على حالها حتى في الأيام القادمة الى أن تتبين نوايا ايران. من خلف الكواليس، تمارس الولايات المتحدة ودول أخرى ضغطا شديدا على طهران للامتناع عن الرد لاجل عدم الانجرار الى تصعيد إقليمي. في واشنطن يخشون من اشتعال عشية الانتخابات للرئاسة، واساسا – من ارتفاع في أسعار النفط في حالة التصعيد. 

يمكن أن نكون راضين

رغم أنه من السابق لاوانه اجمال جولة الضربات هذه، يمكن لإسرائيل أن تتشجع منها حتى الان، لخمسة أسباب: الأول لان سلاح الجو نجح في ان ينفذ احدى العمليات الأكثر نجاحا في تاريخه، والذي ضم نحو 140 طائرة من أنواع مختلفة (للهجوم، للاستطلاعات، للاخطار وللانقاذ). اما الهجوم نفسه فاستهدف 20 موقعا، وحسب التقارير يبدو أن بعضها ضرب من بعيد وبعضها الاخر من مسافة قريبة، أي، بخلاف الزعم الإيراني، اثبتت الطائرات الإسرائيلية تفوقا جويا مطلقا في سماء ايران بينما طائرات سلاح الجو الإيراني أبقت على مسافة آمنة وامتنعت عن الدخول الى معارك جوية.

السبب الثاني هو الضربة العميقة والناجحة لمنظومات الدفاع الجوي الإيرانية، التي لم تمكن من إعادة بناء البطاريات المصابة او تلقي جديدة غيرها لان روسيا تبقي الان كل بطاريات الـ اس 300 لنفسها كي تدافع عن نفسها ضد أوكرانيا. وهذا يبقي الإيرانيين مع منظومة دفاع جوي محدودة، من المعقول أن قسما منها أيضا دمر الان. 

السبب الثالث هو التعاون المكثف والناجح مع الجيش الأمريكي. في الجانب الهجومي، كان سلاح الجو مطالبا بان يمر عبر سماء “أمريكية” (في العراق أساسا) كان مطلوبا تنسيق عملياتي بين الطرفين منعا للخلل. تجربة الماضي تفيد بان مثل هذا التنسيق تضمن أيضا اشكالا أخرى من التعاون في مجالات الاستعلامات والإنقاذ دون صلة بنشر بطاريات الدفاع الجوي ضد الصواريخ من طراز فاد في إسرائيل. 

السبب الرابع هو الاسناد الدولي الواسع الذي اعطي لإسرائيل للهجوم. فالتنديدات الحادة التي سمعت في العواصم العربية كانت من الشفة الى الخارج. معقول انهم في جميعها صفقوا لإسرائيل واملوا بنجاحها. يمكن لإسرائيل أن تجير هذا الدعم لخطوات أوسع ضد ايران، اذا ما هاجمتها هذه مرة أخرى.

السبب الخامس هو أن الهجوم خلق ظاهرا الظروف لقطع العلاقة المباشرة بين ايران والقتال في لبنان وفي غزة. فقد كان هذا هو احد الأهداف الأساس التي وضعتها إسرائيل لنفسها: ان تضرب ايران وتردعها دون الانجرار الى حرب شاملة وواسعة ضدها. اذا امتنعت ايران بالفعل عن الرد او ردت بشكل محدود يمكن لإسرائيل أن تجمل هذا كانجاز. اما منشآت النووي فستكون مطالبة بان تعالجها بشكل منفرد في المستقبل، بشكل مباشر وبالتنسيق مع الإدارة الجديدة التي ستنتخب في واشنطن.

——————————————–

هآرتس 27/10/2024

إسرائيل تطلق تلميحا شديدا لإيران، اما التهديد فبقي على حاله

بقلم: عاموس هرئيلِ

الهجوم الجوي الاسرائيلي على ايران فجر يوم السبت استهدف تحقيق امرين: اظهار وابراز القدرات . اسرائيل ارادت الرد، وفي الواقع اغلاق حساب على هجوم الصواريخ البالستية الايرانية عليها في 1 تشرين الاول، على أمل أن تختار ايران عدم مواصلة الآن تبادل اللكمات. في نفس الوقت هي تستعد لما سيأتي فيما بعد، الذي من شأنه أن يأتي. سلاح الجو اثبت قدرته الهجومية في المدى البعيد، التي في المستقبل يمكن أن تهدد ايضا الذخر الثمين للنظام في طهران، المشروع النووي. وقد اصاب ايضا بشكل كبير قدرات الدفاع الجوية الايرانية كاستعداد للهجوم القادم اذا كانت أي حاجة اليه.

ايران لم ترد على الفور، بتصريحات ملزمة أو بالافعال، على الهجوم الاسرائيلي. ولأن الامر يتعلق بنظام شمولي فانه لا توجد لديه أي مشكلة في طمس حجم الهجوم والبيع لمواطنيه الاكاذيب عن درجة الضرر. الهجمات الجوية السابقة، في نيسان وفي الاول من تشرين الاول، جاءت كرد متأخر على خطوات لاسرائيل، وسبقها فترة تردد في القيادة العليا في النظام. عملية اسرائيل الاخيرة تم تنسيقها بحرص مع الولايات المتحدة بكل تفاصيلها. اسرائيل لم تعول على أن ايران لن ترد على الاطلاق على الهجوم. هي أرادت (ونجحت) منع الايرانيين من توجيه رد تلقائي. ربما هذا الرد سيأتي فيما بعد، ومن المرجح أن يكون محدود على خلفية الظروف الحالية التي ترتبط ايضا بدعم امريكا لاسرائيل. ايران يمكنها محاولة تجنيد حزب الله ايضا في الرد، لكن ايضا قدرات الاطلاق لدى حزب الله تضررت بشكل كبير كما تبين في الفترة الاخيرة رغم مواصلة الاطلاق اليومي له نحو الجبهة الداخلية في اسرائيل.

لكن حتى لو اختارت طهران عدم الرد عسكريا في هذه المرة فانه لا زال من غير المحتمل أن نرى في ذلك بالضرورة نهاية للقضية. اسرائيل وايران غارقتان في حرب اقليمية تجري بين حين وآخر وبقوة مختلفة، ايضا بسبب المسافة البعيدة بينهما. في هذه المعركة يندمج ايضا وكلاء ايران مثل حزب الله وحماس الى جانب تدخل الدول العظمى في الخلفية، وطوال الوقت هناك خطر اكبر في أن يحدث تصادم مباشر مع اسرائيل ويودي بالنظام الى اتخاذ قرار بشكل نهائي بشأن الاندفاع نحو الذرة. أي انتاج القنبلة النووية، بعد تردد استمر اكثر من ثلاثة عقود.

بروفا عامة

خلافا لبعض التقديرات المسبقة في وسائل الاعلام الاجنبية فان اسرائيل لم تهاجم منشآت النفط في ايران، بل اكتفت بالاساس بضرب الاهداف العسكرية. مع ذلك، “نيويورك تايمز” نشرت بأن احد الاهداف التي تم قصفها هو موقع بارتسين، القريب من طهران، الذي في السابق تم ذكره كجزء من المواقع السرية للمشروع النووي الايراني. الضربة التي تم كتب عنها في بارتسين تبث اشارة قوية للايرانيين، ويبدو أنها تستغل النفي المتواتر للنظام وكأن الامر يتعلق بجزء من المشروع النووي. 

في الهجوم الاسرائيلي شاركت عشرات الطائرات من انواع مختلفة. وحسب التقارير فقد وجه ضد عشرين موقع تقريبا التي تمت مهاجمتها في ثلاث موجات منفصلة. وحتى قبل ضرب اراضي ايران نفسها ضرب سلاح الجو بطاريات الدفاع الجوي في سوريا من اجل تمهيد الطريق للطائرات المهاجمة. ايضا جزء كبير من الاهداف التي تمت مهاجمتها في ايران مرتبطة بمنظومات الدفاع الجوية واستمرار ضرب الرادارات من نوع اس 300 قرب اصفهان في شهر نيسان، الذي نسب لاسرائيل.

الجيش الاسرائيلي يريد بث بذلك أنه قادر على المس بكل نقطة في الشرق الاوسط، بدقة عالية، دون صلة بالمسافة، وأن ايران ستجد صعوبة في منعه عن ذلك. منظومة الدفاع الجوي في ايران تعتمد على الشراء من روسيا، هذه منظومات باهظة الثمن وفي هذه الفترة يوجد نقص فيها، ازاء الحرب الطويلة بين روسيا واوكرانيا، حيث أن موسكو ستجد صعوبة في مساعدة طهران بسرعة في شراء جديد. في الجيش الاسرائيلي يقدرون أن أي منظومة صواريخ ارض – جو الاستراتيجية في ايران اصيبت، ومثلها ايضا منظومات الكشف في غرب ايران. 

حتى الآن تصعب ترجمة هذه الاشارات بشكل مباشر على الصعيد النووي. اسرائيل في الحقيقة طورت قدرات هجومية مؤثرة للمدى البعيد، لكن عرض قدراتها يجري في مرحلة متأخرة جدا بشأن المشروع الايراني. يوجد لايران ما يكفي من المواقع البديلة المحمية تحت الارض لتخزين مخزون اليورانيوم المخصب ومركبات اخرى للبرنامج. مستوى المعرفة المهنية الذي تراكم لديهم يبدو أنه عال بما فيه الكفاية من اجل أن لا يتسبب قصف المواقع أو قتل المزيد من علماء الذرة في شل المشروع النووي كليا. 

من المهم للامريكيين استيعاب الهجوم، وبالتأكيد عندما بقيت عشرة ايام حتى موعد الانتخابات للرئاسة في امريكا. في السباق للرئاسة فان الامر الاخير الذي يحتاجه الحزب الديمقراطي الآن هو تصعيد آخر في ازمة الشرق الاوسط التي يمكن أن تتدهور ايضا الى ازمة للطاقة. في الاحلام القديمة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سينجح في جر الامريكيين، بقدراتهم العسكرية الضخمة، لمهاجمة المواقع النووية في ايران بأنفسهم. مع الاخذ في الحسبان طبيعة الهجوم فانه يصعب رؤية هذا يحدث قبل الانتخابات. بعد الانتخابات سيبدأ فصل الشتاء الذي فيه ظروف المناخ ستقيد امكانية الهجوم.

في نفس الوقت ستدخل الادارة الامريكية الحالية الى فترة البطة العرجاء، سواء فازت نائبة الرئيس، كمالا هاريس، في الانتخابات أو فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب. ربما أن هذه الفترة ستتميز باتخاذ خطوات ضد نتنياهو. ومن المحتمل اكثر هو أن عداء الحزب الديمقراطي لنتنياهو سيوجه نحو القناة الفلسطينية. فهناك التوتر بين بايدن ونتنياهو بارزة جدا. وحتى الآن الادارة الامريكية ستكون ملتزمة أقل بدعم اسرائيل مما هي الآن، عشية الانتخابات.

الرئيس جو بايدن قال أمس بأنه يأمل بأن تبادل اللكمات بين اسرائيل وايران انتهى. مصادر في الادارة الامريكية، تحدثت مع المراسلين، عبرت عن الدعم الكامل لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، ووصفت الهجوم بأنه دقيق ومحسوب وناجع – ركز على المواقع العسكرية دون تعريض حياة المدنيين للخطر. هذا حسب قول هذه المصادر، خلافا للهجوم الايراني الاخير الذي في الحقيقة وجه كما يبدو الى مواقع عسكرية، لكنه اختار بشكل متعمد اطلاق صواريخ بالستية نحو مواقع في داخل تل ابيب الكبرى المكتظة بالسكان.

قائد سلاح الجو الجنرال تومر بار قال للطيارين قبل الهجوم بأن السلاح قام باعداد الهجوم بصورة تذكر بعملية الاعداد الدقيق لاهداف “دائرة اولى” في سوريا وفي لبنان. بار لا يمكنه أن يحل لرجاله مشكلة المسافة الطويلة الى ايران، وساعات الطيران التي تنطوي على ذلك. ولكن التجربة الضخمة التي راكمها سلاح الجو ومساعدة الاستخبارات والتنسيق الوثيق مع الامريكيين، كل ذلك مكن من زيادة الدقة والنجاعة للهجوم.

عمليات القصف ركزت على نوع آخر من الاهداف وهو منشآت انتاج الصواريخ والمسيرات. بين اسرائيل وايران يجري في الاشهر الاخيرة سباق تسلح. الصناعات الجوية انتقلت الى نمط انتاج متسارع، بهدف اغراق منظومات الاعتراض الاسرائيلية. هذا احد اسباب قرار امريكا تعزيز الدفاع في اسرائيل ببطارية الصواريخ “ثاد”. إن ضرب وسائل الانتاج يمكن أن يبطيء وتيرة عمل ايران والتخفيف قليلا على منظومة الدفاع الاسرائيلية. ايضا هنا يقدرون في الجيش بأن الامر يتعلق بأضرار كبيرة تحتاج من ايران اشهر كثيرة للتغلب عليها. 

الهجمات من المعارضة بذريعة أن الهجوم اصغر واضعف مما تم الوعد به، غير مقنعة. ليس من الحكمة تطويق نتنياهو من اليمين؛ السؤال هو الى أين ستؤدي الخطوات القادمة وهل اسرائيل لن تتورط أكثر من اللزوم في مواجهة مباشرة مع ايران، التي ربما ستكون كبيرة على مقاسها. 

شرك استراتيجي

الهجوم في ايران أبعد عن العناوين الثمن الدموي الفظيع الذي ندفعه بسبب استمرار الحرب، بدون حسم أو اتفاق سياسي في الجبهات الاخرى. في الايام التي سبقت الهجوم قتل في اقل من 48 ساعة 15 اسرائيلي، عشرة من جنود الاحتياط في احداث مختلفة في جنوب لبنان، وثلاثة جنود نظاميين في قطاع غزة، واثنان من المدنيين العرب في اسرائيل بنار الصواريخ نحو القرى في الجليل.

الحكومة، بصورة آخذة في التفاقم في الاسابيع الاخيرة تظهر اللامبالاة شبه المطلقة بهذه التطورات. من بين كل التصريحات التي صدرت مؤخرا برزت اقوال الوزير سموتريتش، الذي في احتفال عيد نزول التوراة في سدروت قرر استغلال المناسبة للاعلان بأنه ينوي في السنة القادمة باجراء جولات في غوش قطيف.  وهو شريك كبير في الائتلاف (حتى لو أنه حسب الاستطلاعات لن يجتاز نسبة الحسم في الانتخابات القادمة) وهذه هي سياسة الحكومة التي يساعد على وضعها.

التهديد القادم من ايران هو تهديد مهم، لكن من المريح لحكومة نتنياهو تركيز الانشغال الآن بما يحدث هناك، من اجل حرف النقاش عن الشرك الاستراتيجي الذي تعلق فيه اسرائيل في لبنان وفي قطاع غزة، رغم الانجازات المثيرة الاخيرة للجيش الاسرائيلي واذرع الامن الاخرى. في هيئة الاركان يعتقدون أن الظروف آخذة في النضوج من اجل عقد صفقة شاملة، تنهي القتال في كل الجبهات، بما في ذلك مع ايران. في هذه الاثناء نتنياهو لا يظهر أي اهتمام بذلك، أو بالدفع قدما بصفقة التبادل رغم أن المفاوضات مع دول الوساطة تم التخطيط لاستئنافها اليوم في قطر. بدون أي عملية سياسية شاملة تشرك الامريكيين وتشمل تقديم تنازل سريع ومطلوب حول اعادة المخطوفين فان الحرب ستستمر لفترة طويلة، ومعها سيرتفع بشكل كبير الثمن.

——————————————–

معاريف 27/10/2024

الجيش الإسرائيلي قشر طبقة أخرى في منظومة الدفاع الإيرانية

بقلم: آفي اشكنازي

في الشهر الأخير أصدرت وسائل الاعلام العربية وكذا الامريكية عشرات وربما مئات من المنشورات المختلفة حول الهجوم الإسرائيلي المرتقب في ايران. لاسفي، هنا أيضا في إسرائيل انجرفوا وراء بعض هذه المنشورات. اما الان فيمكن القول ان وسائل الاعلام العربية وكذا الامريكية لم تتعلم شيئا في السنة الأخيرة. فالجيش الإسرائيلي يعمل في السنة الأخيرة بشكل مرتب. يعمل في مبنى هجوم لنزع القدرات كي يسمح بنزع القدرات في المرحلة التالية أو الهجوم التالي. هكذا فكك حماس في غزة، هكذا نفذ حيال حزب الله في لبنان.

الجيش الإسرائيلي، بقيادة رئيس الأركان الفريق هرتسي هليفي، يعمل من الرأس وليس من البطن. فهو يهاجم ليس لغرض الهجوم، لغرض رفع شارة النصر على الحدث. هو يعمل بشكل محسوب. في كل هجوم ينفذه، فانه في واقع الامر يفتح الطريق لهجوم يمكن أن يأتي بعده وربما حتى لما بعد بعده. 

تعالوا نأخذ لبنان وحزب الله كمثال لفكرة استخدام القوة العسكرية الإسرائيلية. فعلى مدى سنة عمل الجيش الإسرائيلي على تآكل خلايا مضادات الدروع لدى حزب الله. بعد ذلك عمل على ضرب الكتلة الحرجة لـ “الصواريخ الغبية”، تلك الصواريخ التي بمسافة 30 كيلو متر تقريبا والتي كانت العمود الفقري لحزب الله. بعد ذلك، وربما بالتوازي عمل الجيش الإسرائيلي على ضرب أجهزة النقليات والتسلح، في ظل ضرب المخازن، مسارات التسلح والقوة البشرية الخاصة بالجهاز. بالمناسبة، هذا ما فعله أيضا للقوة المقاتلة – وفكك منظومة القيادة، من العليا وحتى القادة الميدانيين في مستوى قادة السرايا وقادة الكتائب. وفقط بعد أن دحر الجيش الإسرائيلي هذه القدرات، انتقل الى المراحل الأكثر تقدما من ضرب الأجهزة في الضاحية في بيروت، القيادة العليا، البنوك وغيرها. 

والان الى ايران. جمعت إسرائيل على مدى اكثر من عقدين معلومات استخبارية نوعية ساعدتها على بناء بنك اهداف، ما سمح لسلاح الجو ولمنظومات أخرى للتدرب على اهداف البنك. لكن عندما تبنى خطة هجومية من الجدير التوقف للحظة والدخول الى رأس الجيش الإسرائيلي تحت قيادة الفريق هليفي. فبعد الهجوم الإيراني في 13 نيسان نفذ هجوم نسب لإسرائيل في ايران. حسب منشورات اجنبية، كان هدف الهجوم هو منظومات مضادات الطائرات المتطورة لدى ايران. 

بنك الأهداف الإيرانية هائل. يدور الحديث عن دولة ضخمة مع قدرات تكنولوجية ومقدرات طبيعية عظيمة. لقد بنت ايران دفاعها في عدة منظومات مركزية لديها، بما فيها منظومات هجوم خارجية، من خلال حزب الله، حماس، الحوثيين في اليمن وميليشيات في كل أنواع الأماكن – من سوريا والعراق وحتى الهند والشرق. في اللحظة التي دمرت إسرائيل فيها معظم هذه المنظومة في السنة الأخيرة، بقيت منظومة الدفاع الجوي الإيرانية كذخر هام، فيما الى جانبه منظومات انتاج الصواريخ والمُسيرات. بعدها توجد منظومات أخرى بعضها تعود لمنظومات الهجوم، بعضها مقدرات استراتيجية وبعضها مقدرات استراتيجية ليوم الدين، مثل المشروع النووي. 

لقد قشر الجيش الإسرائيلي اليوم طبقة أخرى واعد نفسه للهجوم التالي. بمعنى، انه أضر بقدرات الدفاع الجوي الإيرانية – وبالمناسبة ليس فقط على أراضي ايران. فقد ضرب قدرات التسلح لمنظومات الصواريخ والمسيرات وأشار لمن لا يزال لم يتعلم طريقة عمل إسرائيل، ماذا ستكون المقدرات التالية التي سينزعها الجيش الإسرائيلي من ايران اذا ما واصلت العمل ضد إسرائيل. 

ختاما – بدت ايران تفهم بان في ليلة أول أمس تعرضت لضربة لا تقل عن ضربة البيجر التي وقعت على حزب الله، وحددت بداية المرحلة الحاسمة في التفكيك العملياتي للمنظمة. زعماء ايران على أي حال سيجلسون اليوم ليعيدوا احتساب المسار، فيما أن للجيش الإسرائيلي يوجد منذ الان المسار في خطة التوجيه.

——————————————–

يديعوت احرونوت 27/10/2024

فرصة لتغيير المعادلة

بقلم: نداف ايال

في الجمهورية الإسلامية يوجد شعار هام، يقتبسه كثيرا الثوار الشيعة وعلى رأسهم خامينئي. كل يوم هو عاشوراء وكل مكان هو كربلاء. هذان هما الموعد والموقع حيث قتل خليفة محمد على رأيهم، الحسيني بن علي في المعركة مع الخونة القامعين (السُنة). 

بكلمات أخرى: في كل يوم، وفي كل مكان، يضطهد الضحايا المقدسون؛ في كل مكان وزمان يجب الكفاح ضدهم. هذا الشعار يرافق ايران منذ صعود النظام. وهو يشرح جيدا فكرة “تصدير الثورة” – الى لبنان، العراق، اليمن، سوريا ودول الخليج. الاثمان التي دفعتها ايران على هذا المشروع الاصولي كانت عالية لكنها محدودة للغاية. أموال الجمهور الإيراني، الذي يعيش في دولة فقيرة وفاشلة، سلبت في صالح المعركة الشيعية العالمية. لكن ايران نفسها، في أراضيها السيادية لم تدفع اثمانا حقيقية، حربية، على أنها عملت وتعمل على نشر العنف الجماعي في المنطقة. بدأ هذا يتغير، ويرتبط بقرار يحيى السنوار الكارثي بالاجتياح وبتنفيذ قتل جماعي في إسرائيل في 7 أكتوبر. رسالة الهجوم هذه الليلة هي انه اذا كانت ايران تضرب في كل زمان ومكان فانها ستتلقى الضرب في كل زمان ومكان. 

الإيرانيون هم الذين ارتكبوا هذا الخطأ. في السنة الأخيرة، شبكة الوكلاء التي بنتها ايران حول إسرائيل تعرضت لضربات قاسية وطهران هجرت استراتيجيتها الصبورة وهاجمت إسرائيل مباشرة. هكذا فعلت في نيسان، ومرة أخرى في بداية هذا الشهر. وبينما كان الرد الإسرائيلي في نيسان محدودا ودقيقا، كان رد الجيش الإسرائيلي في اليوم الأخير دقيقا لكنه كان هذه المرة أوسع بكثير، مكثفا. نصف قدرات الدفاع الجوي الإيراني الذكية دمرت؛ 4 بطاريات من اصل 9 اس 300 و 400 (حسب مصادر اجنبية). وتلك التي دمرت كانت في الأهداف الاستراتيجية الأهم. قدرات روسيا على إعادة تزويد ايران بهذه المنظومات محدودة، في ضوء الحرب في أوكرانيا. مسيرة انتاج الصواريخ الإيرانية تلقت ضربة متعددة الطبقات. كما أن أجهزة الإنتاج وكذا مرابض وقود حيوية وكذا ضربة ضد عناصر التوجيه.

في اثناء التخطيط، كان هاما لرئيس الوزراء ان تكون إشارة نووية ما. ومن هنا أيضا الضربة الرمزية في برتشين. الموقع الذي أجريت فيه تجارب على الاستعداد “لمجموعة السلاح” – المسؤولة عن مجرد التركيب لليورانيوم بالصيغة العسكرية وخلق رد متسلسل من التفجير مثلما أيضا وسائل الاطلاق او النقل الى الهدف. وضمت الحملة اكثر من 100 وسيلة جوية، طائرات ومُسيرات في موجات مختلفة، في تنسيق مركب للغاية. غايتها كانت مزدوجة: أولا، ضرب قدرات إيرانية هامة، تصعيب سباق التسلح لديهم بصواريخ باليستية و “اخلاء الطريق” نحو إمكانية هجوم اكثر حدة، ربما ضد منشآت النووي في المستقبل. ثانيا، اطلاق رسالة للايرانيين: لعل دولة ليس لها صواريخ حيتس او قبة حديدية لا ينبغي أن تواصل مهاجمة دولة توجد لها كل هذه وكذا سلاح الجو الأفضل في العالم. 

كانت هذه حملة استثنائية مع تنفيذ كامل، على حد قول مصادر أمريكية وإسرائيلية. بعد قتل نصرالله، السنوار، ضيف، هنية، فؤاد شكر وآخرين، والعمليات الناجحة في لبنان وفي ايران، لا شك ان إسرائيل تجسد بالملموس قوة عسكرية فتاكة وناجعة. لكن يجب إبقاء العيون على الكرة، وها هي الكرة: لم يكن لإسرائيل ما يكفي من الردع تجاه خصومها. لا في 7 أكتوبر ولا في 8، مع هجمات حماس وحزب الله، وكذا في نيسان مع الهجمة الإيرانية وفي أكتوبر أيضا مع الهجمة القاسية بالصواريخ الباليستية. الردع يبنى أخيرا فقط باثر رجعي: في اختبار النتيجة. كل هذه الجهات هاجمت وبشكل مكثف. واليهم انضم الحوثيون، ميليشيات من العراق وكل أنواع الأصوليين. ومثلما يؤكد الأسبوع الرهيب الأخير، هذه الحرب مليئة بالايام والدماء. ترميم الردع يستغرق وقتا. اذا رد الإيرانيون، كما يقدرون في إسرائيل، فالمعنى هو أنهم مستعدون لان يتحملوا هجوما إسرائيليا آخر. ليس لإسرائيل مصلحة في حرب استنزاف متواصلة. لا إقليمية ولا محددة تجاه ايران؛ حدث كهذا يمكن أن يستمر لسنوات. الثمانه ستكون اعلى لدولة متطورة وغربية منها للدول الفاشلة حولها في الشرق الأوسط.

الجيش يجسد إنجازات. لكن هذه لا تكفي وحدها. اختبار الحكومة ورئيس الحكومة نتنياهو هو في خلق وضع إقليمي من النصر لإسرائيل ولحلف المعتدلين. ينبغي أن نكتب المرة تلو الأخرى: نصر مجوهري، بخلاف تصفية زعماء العدو او حتى ضربة عميقة للبنى التحتية العسكرية، هو نصر تكون فيه إسرائيل اكثر امانا في نهاية الحرب لان الواقع تغير الى ما وراء مستوى المعركة والحرب. مثلا: هناك التطبيق الكامل لـ 1701، توسيع يونيفيل، انزال جيش لبنان الى الجنوب وتقليص قوة حزب الله في لبنان. مثلا، نظام آخر في غزة ليس حماس ويحكم بنجاعة في القطاع دون بناء جيش ومخططات لاجتياح إسرائيل. مثلا، نظام إيراني يفهم بانه ملزم بوقف التمويل والاطلاق لوكلائه الإقليميين وتحويل حياة الإسرائيليين الى جحيم. 

مثلما نشرت في هذه الصفحات، في ايران تتزايد الضغوط على الزعيم الأعلى للسماح بتطوير سلاح نووي حقيقي. حتى لو لم تبادر ايران الى مثل هذه الخطوة المتطرفة، في المداولات قبيل الهجوم كان واضحا بان نتنياهو يقدر بان دونالد ترامب هو الرئيس التالي للولايات المتحدة، بقدر عالٍ من اليقين. وعليه فقد شرح بانه ينبغي التجسيد كيف يمكن لإسرائيل ان تفتح النافذة لامكانية هجوم على المنشآت النووية في ايران؛ بنفسها او في الوضع المرغوب فيه اكثر – للقوة الناجعة والمتفوقة للولايات المتحدة. اذا كان هذا هو الوضع فالاحرى أن تكون إسرائيل ملزمة بان تبدأ بجني المكاسب، والتجسيد ليس فقط لقدرة عسكرية بل ولقدرة سياسية أيضا. وبخاصة اذا كانت الاختبارات الكبرى لا تزال امامنا.

——————————————–

إسرائيل اليوم 27/10/2024

الكرة لا تزال في ايدي حماس

بقلم: شيريت افيتان كوهين

يسافر رئيس الموساد دادي برنياع الى الدوحة عاصمة قطر اليوم كي يحرك من جديد المفاوضات لتحرير المخطوفين. وقبل هذه الرحلة التقى برنياع ورئيس الشباك روني بار في مصر مع رئيس المخابرات المصرية الجديد  الذي تحاول إسرائيل معه أيضا دحرجة منحى لاعادة المخطوفين. 

لكن مثلما في المرات السابقة، مع السنوار او بدونه: الكرة لا تزال في ايدي حماس، التي لم تبدي حتى الان استعداد للتقدم الى وقف نار مقابل إعادة المخطوفين. 

في اثناء السبت نشر في “وول ستريت جورنال” بان “إسرائيل عرضت على قادة حماس خروجا آمنا من قطاع غزة مقابل تحرير المخطوفين”.  وجاء في التقرير إياه ان حماس رفضت العرض. عمليا، كما سبق أن نشرنا، في إسرائيل يعرضون على حماس بضعة مناحن محتملة، تتضمن ضمن أمور أخرى منحا مالية مقابل المخطوفين، وكذا تحرير بضعة مخطوفين مقابل وقف نار مؤقت. 

الاقتراحات التي تطرح في قطر

اليوم، يلتقي رئيس السي.اي.ايه وليم بيرنز مع قادة الاستخبارات الإسرائيليين والمصريين وبالتوازي يلتقي مندوبو مصر وقطر مع مندوبي حماس. حسب الاقتراح الذي يبحث مع المصريين، سيكون وقف نار محدود كخطوة أولى لاتفاق أوسع. وحسب الوسطاء العرب يتضمن الاقتراح تحرير خمسة مخطوفين مقابل وقف نار حتى أسبوعين وتحرير محتمل لسجناء فلسطينيين في السجن الإسرائيلي. 

يأتي الجهد الدبلوماسي المتجدد بعد أسبوع من اللقاءات بين وزير الخارجية المصري انطوني بلينكن ومسؤولين إسرائيليين وعرب. في خلفية الرحلة أجريت في الأيام الأخيرة مداولات في الكابنت وفي محافل ضيقة حول صيغ جديدة لصفقة تؤدي الى إعادة مخطوفين. في جلسة الكابنت الأخيرة مثلا بحثت عدة اقتراحات كفيلة بان تطرح في اللقاء في قطر أيضا. 

في لقاءات اجراها بلينكن يوم الثلاثاء في إسرائيل طرحت الرغبة الامريكية لرؤية تقدم سياسي وانهاء الحرب في غزة كموضوع مركزي. وفي لقائه مع رئيس الدولة هرتسوغ اعطى بلينكن الإشارة للتقدم المتوقع الان حين قال: “اؤمن جدا بان موت السنوار يخلق فرصة هامة لاعادة المخطوفين الى الديار، لانهاء الحرب ولضمان أمن إسرائيل – وهذا بالضبط كان أساس محادثاتي مع زملائي في إسرائيل، بما في ذلك تسويات لفترة ما بعد انهاء الحرب. هذا حديث سيواصل خوضه في المنطقة مع شركاء آخرين أيضا. هذه لحظة فرصة للتقدم”.

——————————————–

كيف تضغط منظمة “أيباك” على واشنطن؟

بقلم: أكيلا لايسي

موقع “ذا إنترسبت” يقتفي أثر الأموال الخاصة بمنظمة “أيباك” للكشف عن كيفية تأثير إنفاقها السياسي على توازن القوى في الكونغرس.

لعقود من الزمن، حظيت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية “أيباك” بحضور فعّال ومؤثر في الكابيتول هيل، حيث عملت خلف الكواليس للضغط على السياسيين وموظفيهم لدعم “إسرائيل”. إلا أنه قبيل الانتخابات النصفية لعام 2022، اتخذت “أيباك” قراراً من شأنه أن يغيّر بشكل أساسي غايتها ومعالم السياسة الأميركية. 

وبعد 60 عاماً من الضغط القائم على القضايا، اختارت “أيباك” للمرة الأولى الإنفاق بشكل مباشر على الحملات الانتخابية. ومع تدفّق ملايين الدولارات من المانحين المخلصين، وبينهم أصحاب المليارات من الحزب الجمهوري والمتبرّعون الأسخياء للرئيس السابق دونالد ترامب، تبنّت “أيباك” استراتيجية جديدة. وستستخدم أموالها الطائلة للإطاحة بأعضاء الكونغرس التقدميين الذين انتقدوا انتهاكات “إسرائيل” لحقوق الإنسان وتلقيها مليارات الدولارات الأميركية من التمويل العسكري.

وبعد مرور عامين فقط من بدء ضخ الأموال في الحملات الانتخابية، أصبحت “أيباك” واحدة من أكبر الجهات الخارجية المنفقة في انتخابات الكونغرس. وقد قام موقع “ذا إنترسبت” بتوثيق نفوذ “أيباك” من خلال تغطية السباقات الفردية، إلا أنه لم يسبق من قبل أن تم تحليل التدفّق الهائل لأموال “أيباك” بشكل إجمالي. ويستخدم هذا المشروع سجلات من لجنة الانتخابات الفيدرالية مقدّمة من لجنة العمل السياسي الفيدرالية التابعة لمجموعة الضغط “أيباك”، ومشروع ” United Democracy Project” التابع لها، لإحصاء الأموال التي تمّ إنفاقها باسم “إسرائيل”. فأين توزّع هذه المجموعات أموالها، وما هو تأثير تلك الأموال على ميزان القوى في الكونغرس؟

ولم ترد المنظمة على طلب التعقيب على هذا الموضوع. 

الصورة الشاملة

عندما طرحت “أيباك” استراتيجيتها الجديدة في الدورة الانتخابية لعام 2022، حققت نجاحاً سريعاً. فقد هزمت مجموعة الضغط ومجموعة أخرى مؤيدة لـ”إسرائيل”، الأغلبية الديمقراطية من أجل “إسرائيل”، النائبين أندي ليفين، ديمقراطي من ميشيغان، وماري نيومان، ديمقراطية من إلينوي، اللذين كانا صريحين في انتقادهما للتمويل العسكري الأميركي غير المشروط لـ”إسرائيل”. وكانت الحملة الموجّهة لهزيمة ليفين عبارة عن دفعة كبيرة من جانب “أيباك” لقمع الانتقادات الموجّهة لـ”إسرائيل” حتى من أعضاء الكونغرس اليهود.

وقبل دورة 2024 وفي خضمّ الغضب الشعبي المتزايد بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، أصدرت ” أيباك ” بياناً جريئاً جاء فيه أنها من خلال مشروع ” United Democracy Project” التابع لها ولجنة العمل السياسي التابعة لـ”أيباك”، ستنفق 100 مليون دولار على الانتخابات، أي نحو سدس ما أنفقته المجموعات الخارجية على الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

تجدر الإشارة إلى أنها قليلة هي انتخابات الكونغرس التي لم تشارك فيها “أيباك” هذا العام. ومن بين 469 مقعداً مرشحاً لإعادة انتخابه هذا العام، أنفقت “أيباك” أموالاً على أكثر من 80% منها: 389 سباقاً بالإجمال. وتسعى المنظمة إلى التأثير للحصول على 363 مقعداً في مجلس النواب و26 مقعداً في مجلس الشيوخ.

ومن بين 389 مرشحاً موّلتهم “أيباك”، لم يخض 57 منهم الانتخابات التمهيدية. وفي الانتخابات التمهيدية التي أجريت، لم يكن يواجه نحو 88 مرشحاً أي خصم.

إنّ حجم ميزانية الحملة الخاصة بـ”أيباك” يدل على أنّ بإمكانها انتقاء واختيار السباقات التي من المرجح أن تنجح فيها، ما يعزز صورتها كصانعة ملوك ونفوذها بين المرشحين والأعضاء، ويزيد في الوقت نفسه من تكلفة انتقاد السياسة الأميركية تجاه “إسرائيل”.

تمويل الحزبين

يُعدّ النهج الذي تتبعه “أيباك” في تعاملها مع الإنفاق الانتخابي نهجاً مشتركاً بين كلا الحزبين. فقد قامت المجموعة بتمويل المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين على حد سواء. ودعمت لجنة العمل السياسي التابعة لـ”أيباك” 233 مرشحاً جمهورياً بمبالغ إجمالية تزيد عن 17 مليون دولار، في حين حصل 152 مرشحاً ديمقراطياً على أكثر من 28 مليون دولار. وتقاسم ثلاثة مرشحين مستقلين هم: السيناتور جو مانشين من ولاية فرجينيا الغربية، وكيرستن سينيما من أريزونا، وأنغوس كينغ من ولاية ماين، ما يقارب 300 ألف دولار. ويشمل الإنفاق الذي لم يتضمنه هذا التحليل مساهمات لجنة العمل السياسي التابعة لـ”أيباك” التي تم استردادها في عام 2023 أو 2024 أو تلك التي ذهبت إلى لجان العمل السياسي والمنظمات السياسية الأخرى، مثل لجنة مجلس الشيوخ الجمهوري الوطني أو منصة جمع التبرعات الديمقراطية الوسطية غير الربحية ” Democracy Engine”. 

بالإضافة إلى ذلك، قدّمت لجنة العمل السياسي التابعة لـ”أيباك” أكثر من 3 ملايين دولار للجان الحزبية والمنظمات من كلا الطرفين بما في ذلك اللجنة الوطنية لمجلس الشيوخ الجمهوري، ولجنة الحملة الانتخابية لمجلس الشيوخ الديمقراطي، وصندوق “Jeffries Majority Fund”، ومنصة “Democracy Engine”. 

لقد شاركت “أيباك” هذا العام في السباقات الانتخابية التي جرت في كل الولايات باستثناء ولاية أوهايو (على الرغم من أنّ المجموعة قامت بتمويل عدد من المرشحين في ولاية أوهايو في عام 2023). وكانت نيويورك وكاليفورنيا من بين الأماكن التي أنفقت فيها معظم الأموال، باعتبارهما وجهتين متوقّعتين للأموال الضخمة مع وجود اثنين من أكبر الوفود في الكونغرس. أمّا الولايات الاستثنائية مثل ميسوري وميريلاند، فقد دخلتا السباق في هذه الدورة عندما قام مشروع “United Democracy Project” بتحويل الأموال لدعم مرشحيه المفضّلين.

أما ولاية ميسوري، التي أنفقت فيها “أيباك” ثاني أكبر مبلغ على السباقات في هذه الدورة، فتملك ثمانية مقاعد فقط في الكونغرس، لكنها حصلت على أكثر من 11.7 مليون دولار من الإنفاق على سباق واحد فقط تنافس فيه ويسلي بيل المدعوم من المنظمة ضد النائبة كوري بوش، الديمقراطية عن ولاية ميسوري. وفي ولاية ميريلاند، التي تملك أيضاً ثمانية مقاعد فقط في الكونغرس، حصلت المرشحة المدعومة من ” أيباك”، سارة إلفريث، على مبلغ 4.2 ملايين دولار من أموال المنظمة في هذه الدورة.

حتى الآن، حقّق الإنفاق تأثيره المنشود. إذ تقلّص عدد أعضاء الكونغرس المستعدين لدعم تكييف المساعدات لـ”إسرائيل” أو انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان مع زيادة “أيباك” إنفاقها الانتخابي واستهداف المرشحين والمشرّعين التقدّميين من خلاله. 

السباقات الرئيسة

على الرغم من دعمها للمرشحين الجمهوريين أكثر من الديمقراطيين، أنفقت “أيباك” أكثر على مرشحيها الديمقراطيين المفضلين – وخاصة على بيل وجورج لاتيمير، اللذين دعمتهما المنظمة في الانتخابات التمهيدية ضد التقدميين البارزين وأعضاء الفريق بوش وجمال بومان، ديمقراطي من نيويورك. 

إنّ المرشحين المدعومين من منظمة “أيباك” هم عادة مؤيّدون لـ”إسرائيل”، لكن نفوذهم يختلف عن نفوذ مشرّعين أمثال النائب ريتشي توريس، وهو ديمقراطي من نيويورك وأحد المستفيدين الرئيسيين من “أيباك” وأحد أعلى الأصوات المؤيدة لـ”إسرائيل” في الكونغرس؛ والنائب ريان زينكي، وهو جمهوري من مونت اقترح مشروع قانون “ترحيل” الفلسطينيين من الولايات المتحدة. وعلى المقلب الآخر، هناك مرشحون أقل حدّة مثل إلفريث المدعومة من “أيباك” ومشروع “United Democracy Project” والتي فازت في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في الدائرة الانتخابية الثالثة في ميريلاند، حيث لم يُطرح موضوع “إسرائيل” إلا نادراً في السباق وموقف إلفريث منه. 

ومن خلال إنفاق مبلغ إضافي قدره 41.9 مليون دولار على النفقات المستقلة كالإعلانات وإجراءات التصويت من قبل لجنة العمل السياسي الكبرى، ومشروع “United Democracy Project”، قامت “أيباك” باستثمارات كبيرة في سباقين إضافيين لمجلس النواب. كما أنفق مشروع “United Democracy Project” ما يقارب النصف مليون دولار ضد المرشحة الديمقراطية كينا كولينز في الانتخابات التمهيدية الثالثة لها ضد النائب الحالي الذي حافظ على مقعده لثلاثة عقود داني ديفيس، ديمقراطي من إلينوي. علماً أنّ لجنة العمل السياسي الكبرى لم تنفق أي مبلغ على ديفيس أو أي مرشح آخر في السباق.

علاوة على ذلك، أنفق مشروع “United Democracy Project” نحو 167 ألف دولار ضد النائب توماس ماسي، الجمهوري عن ولاية كنتاكي، ولم يدعم مرشحاً آخر في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. وعلى الرغم من ذلك، فاز ماسي بنسبة 76% من الأصوات وسيخوض الانتخابات من دون منافسة معارضة في تشرين الثاني/نوفمبر. 

ومن ضمن الخسائر التي تكبّدتها “أيباك” في هذه الدورة، مبلغ 5.1 ملايين دولار أنفقته في محاولة لهزيمة المرشح إلى الكونغرس في كاليفورنيا ديف مين في سباق لم تكن فيه “إسرائيل” قضية رئيسة. وبعد فوزه بالسباق، أيّدت لجنة العمل السياسي في مجموعة “الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل” ديف مين في أيلول/سبتمبر.

الاستراتيجية والحلفاء

تتعدّى استراتيجية “أيباك” مجرد الإنفاق لدعم مرشحيها المفضّلين. ويتمثّل جزء كبير من نهجها في إنفاق مبالغ طائلة ضد المرشحين الذين تحول دون دخولهم إلى الكونغرس. فقد أنفقت المنظمة مبلغ 30 مليون دولار للإطاحة بعضوين من المجموعة التقدمية، وهما بومان وبوش؛ وعليه، تُعدّ هاتين الحالتين من أغلى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في التاريخ. 

وقد تزامنت مشاركة “أيباك” للمرة الأولى في الإنفاق السياسي المباشر خلال دورة 2022 مع الإنفاق المؤيد لـ”إسرائيل” من قبل مجموعات مرتبطة بشكل وثيق مع المنظمة. وقامت لجنة العمل السياسي التابعة للتيار الرئيسي في الحزب الديمقراطي، وهي لجنة العمل السياسي الفائقة المدعومة من قبل ريد هوفمان، وهو أحد كبار المانحين الديمقراطيين والمؤسس المشارك لمنصة “لينكد إن”، بزيادة الإنفاق، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الدعم المقدّم من لجنة العمل السياسي التابعة لمجموعة “الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل”.

كما كان لكل من “أيباك” ولجنة العمل السياسي التابعة لمجموعة “الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل” ولجنة العمل السياسي التابعة للتيار الرئيسي في الحزب الديمقراطي دور فعّال في التغلّب على السيناتور الديمقراطية نينا تورنر من أوهايو ومنعها من دخول الكونغرس في تلك الدورة.

ما الخطوة التالية؟

لقد أنفقت “أيباك” مبالغ طائلة في دورة 2024، إلا أنّه كان لديها أيضاً أهداف محددة للغاية، من بينها اجتذاب المرشحين ودعمهم لخوض الانتخابات ضد بوش وبومان. كما حاولت مجموعة الضغط وفشلت في اجتذاب منافس للنائب سمر لي، الديمقراطية عن ولاية بنسلفانيا، حسبما أفاد موقع “ذا إنترسبت”، وفازت بسهولة في انتخاباتها التمهيدية في نيسان/أبريل. 

وأثبتت هجمات “أيباك” على بومان وبوش نجاحها في النهاية، بحيث خسر كل منهما في اثنتين من أغلى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في مجلس النواب في التاريخ أمام المرشحين اللذين حصلا على تمويل يفوق الـ29 مليون دولار من أموال المنظمة.

كذلك أثبتت “أيباك” قدرتها على ضخّ مبالغ طائلة من المال لطرد أعضاء الكونغرس والمرشحين المعارضين، وإبعاد السياسيين من أروقة السلطة ممن ليسوا مجرد منتقدين لسياسة الولايات المتحدة تجاه “إسرائيل”، بل أيضاً مؤيدي السياسات الاقتصادية والعسكرية والصحية وسياسات العمل التي تتعارض مع مصالح المانحين الأثرياء لمجموعات الضغط. وأظهرت “أيباك” أنها تتمتع بالقدرة على الوصول إلى كل مقعد في الكونغرس تقريباً. وعندما تطلق رصاصة، نادراً ما تخطئها. فما الذي ينتظرنا بعد؟

——————انتهت النشرة——————