المسار الاخباري: في الوقت الذي تلتفت فيه الأنظار نحو غزة ولبنان، حيث الإبادة والتهجير والمجازر الجماعية، تشهد الضفة الغربية على مجازر من نوع آخر، ضد الأرض وأصحابها، يحتل التوسع الاستيطاني العنوان الأكبر لها.
بوتيرة غير مسبوقة، يسارع الاحتلال عمليات الضم والمصادرة في الضفة الغربية، لصالح البناء الاستيطاني، غير أن الأبرز هو اختيار مواقع جديدة، تجعل الفلسطينيين في مرمى هجمات المستوطنين المتطرفين.
ويحاول الاحتلال تضييق الخناق على الفلسطينيين، من خلال “شحن” المراهقين، ومن يعرفون بـ “فتيان التلال”، وبناء “مزارع” خاصة بهم، تكون منطلقا للاعتداء والحرق والقتل.
وأوضح تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، أن هؤلاء المراهقين يتم “ضخهم” في المزارع الرعوية، وتعبئتهم بأيديولوجيا الكراهية والعنف والإرهاب، ضد كل ما هو فلسطيني.
ولفت إلى ما حدث في مزرعة “زوهار” في غور الأردن، التي انطلق منها مستوطنون، بعضهم قاصرون، لمهاجمة مدير مدرسة فلسطينية، و”مزرعة همكوك” قرب رام الله، ومزرعة “ينون ليفي” في جنوب الخليل.
وأشار التقرير إلى أن البؤر الأولى الزراعية الاستيطانية، أقيمت في ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي، بينها مزرعة “هار سيناي” جنوب الخليل، ومزرعتان الى الشرق من نابلس.
ونوه التقرير إلى أن عدد تلك المزارع آخذ بالارتفاع مع مرور الوقت، حيث وصل في نهاية عام 2021 وصل إلى نحو 60 مزرعة، أما اليوم فعددها يتجاوز 90 مزرعة، تسيطر على نحو 650 ألف دونم، أي نحو 12 في المئة من مساحة الضفة الغربية.
وكشف تحليل مكاني وعبر صور الأقمار الصناعية، اختيار الاحتلال لمواقع فلسطينية استراتيجية تجعل أهالي الضفة الغربية في مرمى المستوطنين وخاصة الجماعات الاستيطانية المتطرفة وفتيان التلال.
وأفادت مراكز بحثية بأن هناك توسعات استيطانية غير مسبوقة في الضفة الغربية، وتضم 72 بؤرة استيطانية ومزرعة رعوية، تزامنا مع دعوات من وزراء الاحتلال لتكثيف التوسعات الاستيطانية منذ السابع من أكتوبر لعام 2023.
ومستوطنة “إيتمار” واحدة من هذه المشاريع، التي سعى الاحتلال للسيطرة عليها وتوسيعها، نظرا لأنها تقع على تلة مرتفعة تطل على بلدة بيت فوريك الفلسطينية شرق نابلس.
وبحسب ما وثقه تحقيق استقصائي، فإن تغيرات بدأت تظهر في المنطقة منذ أيار/ مايو 2024، وشملت زيادة في أعداد المباني الاستيطانية بوتيرة متسارعة، إضافة إلى شق طرق جديدة داخل المستوطنات.
وشهدت بيت فوريك مؤخرا هجمات مكثفة من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال على الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم، وتزامنت هذه الهجمات مع توسعات وشق طرق شهدتها المستوطنة.
وقال الخبير في شؤون الاستيطان سهيل خليلية، لوكالة سند للأنباء، إن كل ما يجري مخطط له، ومدعوم من أعلى المستويات في دولة الاحتلال.
ولفت إلى أن استغلال البناء الرعوي محاولة للالتفاف على “المماطلة القانونية”، التي قد تؤخر عمليات البناء.
وبين خليلية أن بناء البؤر والمزارع الرعوية، بدأ بدعوة من أريئيل شارون عام 1998، الذي قال في اجتماع لمجالس المستوطنات في حينه، أن الحكومة مقيّدة بالتزامات وقوانين، وقد لا تتعاون في البناء بشكل مباشر.
وأشار أن شارون شجع المستوطنين على مصادرة أي أرض أو بقعة يرون فيها مكانا مناسبا للبناء، خصوصا في محيط المستوطنات، لتسهيل شرعنته لاحقًا.
وأوضح خليلية أن بناء أية مستوطنة، كان يتطلب نحو 17 خطوة قانونية للسماح به وتمويله وتنفيذه، غير أن المزارع الرعوية والبؤر لا تتطلب كل ذلك.
لكنه استدرك بالقول أن وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، اختصر كل تلك الخطوات، في خطوتين فقط، وهو ما أدى إلى هذا التسارع الاستيطاني، الذي نشهده اليوم.
وتؤمن مجموعات “فتيان التلال” بوجوب إقامة “دولة يهودية” على “أرض إسرائيل الكبرى”، بعد طرد الفلسطينيين جميعا منها.
وتمثل تلك المجموعات المتطرفة سلاح الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ اعتداءات ضد الفلسطينيين، وإجبارهم على الهجرة القسرية من مناطقهم وقراهم، بهدف إقامة بؤر استيطانية عليها.
ويستوطن عناصر الشبيبة رؤوس تلال الضفة الغربية، على أراض تابعة لملكيات فلسطينية خاصة، ويقيمون في مساكن مؤقتة وخيام، في ظل ظروف معيشية قاسية تعتمد غالبا على الرعي والتنقل، مع عزلة عن المجتمع، وعزوف عن وسائل التمدن الحديثة.
وتكشف بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، عن تهجير سكان 28 تجمعا بدويا تضم 311 عائلة في الضفة الغربية المحتلة، جراء اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.