ملح الأرض فلسطينيو الداخل يقرعون جدران الخزان.. كسر الصمت يبدأ بصرخة

د. أحمد الطيبي: صوّتنا في الكنيست ضد الحرب وستستمر الفعاليات الاحتجاجية بالرغم من محاولات القمع والاعتقالات

أمير مخول: العمل الاحتجاجي اكتسب زخماً إضافياً عندما بدأ الفلسطينيون في الداخل بالتفاعل مع جهود الإغاثة لغزة

أنطوان شلحت: الحرب ستؤثر على الفلسطينيين في الداخل على المدى البعيد وذلك يتطلب استباق هذه التداعيات بمواجهتها

وديع أبو نصار: حالة من الخوف هيمنت على كثيرين نتيجة سياسات إسرائيل التي أصبحت “أكثر يهودية وأقل ديمقراطية”

إسماعيل مسلماني: المظاهرة القطرية في أم الفحم الجمعة شكّلت خطوة حاسمة لكسر حاجز الصمت الذي استمر أكثر من عام

مثلت التظاهرة الحاشدة التي نُظمت في مدينة أم الفحم بمنطقة الثلث داخل أراضي 1948، بدعوة من لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، خطوةً جريئةً ونوعيةً في التعبير عن رفض أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل لحرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة للشهر الرابع عشر على التوالي، في حين توسيع نطاق العدوان ليشمل لبنان، وكذلك للاحتجاج على جرائم القتل المستفحلة، خاصة بعد الكشف عن تسجيلات في قناة “13” العبرية أظهرت أن للشرطة الإسرائيلية دوراً في تفشي الجريمة المنظمة داخل أوساط فلسطينيي الداخل.

 

وبالرغم من أن مناطق 1948 شهدت سلسلة من الاحتجاجات منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة، فإن هذه الاحتجاجات بقيت على نطاق ضيق، وقد قوبلت بعمليات قمع شرسة من قبل سلطات الاحتلال التي فرضت قيوداً وأصدرت سلسلة من القوانين التي تعاقب كل من يحتج على سياسات الدولة الإجرامية أو يتضامن مع الضحايا من أبناء قطاع غزة، تحت بند التضامن مع “الإرهاب” على حد وصف المؤسسة الرسمية الإسرائيلية.

وقد أشاعت أجواء القتل والإبادة غير المسبوقة في قطاع غزة، وتصعيد جيش الاحتلال جرائمه في الضفة الغربية، خاصة في شمالها، من خلال استنساخ نموذج قطاع غزة، حالة من الصدمة والغضب والخوف في مناطق 1948، خشية من توسيع نطاق العدوان الإسرائيلي ليطولهم، خاصة أن دولة الاحتلال تتعامل معهم على أنهم ليسوا مواطنين بل أعداء، وذلك بالتزامن مع الإجراءات والقوانين القمعية وتهديدات بعض غلاة التطرف والعنصرية في إسرائيل.

تظاهرات في أراضي 48 ضد الحرب على غزة ولبنان

وقال د. أحمد الطيبي، النائب العربي في الكنيست: إن المظاهرة التي شارك فيها يوم الجمعة في مدينة أم الفحم ليست الأولى من نوعها، بل تأتي ضمن سلسلة من الفعاليات الاحتجاجية التي تنظمها الجماهير الفلسطينية في الداخل ضد الحرب المستمرة على غزة ولبنان.

وأوضح الطيبي أن “الحرب خلفت دماراً واسعاً شمل المستشفيات، والجامعات، والمدارس، حيث تعرضت 93% من المدارس للقصف، فيما ارتقى 17 ألف طفل فلسطيني شهداء، بينما معظم الضحايا هم من المدنيين، في ظل صمت دولي مخزٍ”.

وشدد الطيبي على أهمية رفع صوت الجماهير العربية في الداخل ضد جرائم الحرب التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.

وأضاف: “منذ بداية الحرب، صوّتنا ضدها في الكنيست، ورغم محاولات القمع والاعتقالات، فإن الفعاليات الاحتجاجية سوف تستمر”.

وقال الطيبي: “شاركنا يوم الجمعة في مظاهرة دعت إليها لجنة المتابعة العليا ضد الحرب المتواصلة في غزة ولبنان”.

وأشار الطيبي إلى أن الشرطة الإسرائيلية طاردت المشاركين بالمظاهرة باستخدام طائرة مروحية، مضيفاً: “بدلاً من ملاحقة المتظاهرين الذين يرفضون جرائم الحرب، كان الأجدر بالشرطة مطاردة المجرمين الذين يعيثون فساداً”.

قيادة الجماهير العربية واجهت ظروفاً صعبة

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي أمير مخول: إن محاولات كسر الصمت في الداخل الفلسطيني بدأت منذ اللحظة الأولى للحرب في أعقاب السابع من أكتوبر، مشيراً إلى أن الظروف الصعبة التي واجهتها قيادة الجمهور الفلسطيني في الداخل، بما في ذلك لجنة المتابعة العليا، شكلت عائقاً كبيراً في بداية الحراك.

وأكد أن محاولات التعبير عن الرأي، مثل التظاهر أو رفع الشعارات، قوبلت بقمع شديد واعتقالات حتى قبل انطلاقها.

وأضاف مخول: “إن الإصرار والمثابرة على تنظيم المظاهرات أسهما في كسر حواجز الصمت تدريجياً، حيث أصبحت الشرطة الإسرائيلية والمحاكم مضطرة إلى التعامل مع هذا الزخم”.

وأوضح أن هذا الصمت لم يكن مفروضاً فقط من قبل الدولة، بل كان صمتاً ذاتياً نتيجة هول الأحداث والخوف من تصعيد المواجهة مع السلطات الإسرائيلية، وهو ما أعلنه صراحة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وقادة الشرطة الذين هددوا بتكرار سيناريو أحداث أيار/ مايو 2021 ضد فلسطينيي الداخل.

وأشار مخول إلى أن “العمل الاحتجاجي اكتسب زخماً إضافياً عندما بدأ الفلسطينيون في الداخل بالتفاعل مع جهود الإغاثة لغزة، واصفاً هذا التفاعل بأنه “غير مسبوق في تاريخ فلسطينيي الداخل منذ النكبة عام 1948”.

وأكد أن حجم التبرعات والتفاعل الشعبي يعكس حالة من التضامن العميق مع غزة، بالرغم من محاولات القمع والترهيب.

هجمة إسرائيلية مركّبة على فلسطينيي الداخل

ولفت مخول إلى أن الهجمة الإسرائيلية الحالية على فلسطينيي الداخل تأتي من محاور عدة، تشمل:

التطهير العرقي: اقتلاع قرى بأكملها مثل أم الحيران، وهو ما وصفه بأنه بداية لتنفيذ سياسات التطهير العرقي.

الجريمة المنظمة: تفاقم الجريمة داخل المجتمع الفلسطيني بتواطؤ الدولة، مثل اغتيال مدير مدرسة وتهديد رؤساء سلطات محلية.

القوانين العنصرية: إصدار قوانين تهدد الوجود الفلسطيني، مثل قوانين نقل العائلات إلى غزة كعقاب جماعي أو منع المشاركة السياسية في الكنيست.

التضييق الرقابي: تمكين الشرطة من اختراق الأجهزة الإلكترونية للفلسطينيين تحت مسمى “الأمن”.

وأوضح مخول أن هذه القوانين والممارسات تهدف إلى تحويل الفلسطينيين بين النهر والبحر إلى مجرد “مقيمين”، تُسلب منهم الحقوق السياسية والمدنية الأساسية، بحيث يتم تقليص وجودهم إلى مستوى معيشي محدود دون أي تأثير سياسي.

وختم مخول حديثه بالإشارة إلى أن الجماهير الفلسطينية التي أُجبرت على الصمت لفترة، بدأت تفكك الحواجز واحداً تلو الآخر، سواء كانت حواجز قانونية، أو ترهيبية، أو شعبوية.

وأكد أن المرحلة الحالية تشهد رفع الصوت عالياً، ومسعى لتوسيع هامش التحرك السياسي ومواجهة المخططات الإسرائيلية التي تستهدف الوجود الفلسطيني بكافة أشكاله.

إسرائيل تسعى للحد من ارتفاع وتيرة الحراك الفلسطيني

من جانبه، قال المحلل والباحث السياسي أنطوان شلحت: إن إسرائيل تسعى جاهدة للحد من ارتفاع وتيرة الحراك الفلسطيني في الداخل ضد الحرب على غزة، وذلك ضمن سقف محدد لا تسمح بتجاوزه.

وأشار إلى أن إسرائيل شنت منذ بداية الحرب حملة قمع غير مسبوقة شملت ملاحقة أصحاب المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن فرض قيود صارمة على أشكال الاحتجاج، مثل تنظيم المظاهرات المتكررة أو التظاهر في شوارع رئيسية ومفترقات طرق، فمن شأن ذلك أن يضع حداً لما تعتبره بمثابة تحجيم لردة فعل الفلسطينيين في الداخل حتى الآن.

وأوضح شلحت أن الخروج إلى التظاهر يمثل خطوة بالغة الأهمية، إذ كان الوضع في السابق يقتصر على تصريحات وصراخ دون ترجمة ذلك إلى مظاهر احتجاجية حقيقية.

واعتبر أن هذا التحول قد يكون مؤشراً لبداية حراك أوسع يواجه محاولات إسرائيل قمع احتجاج الفلسطينيين في الداخل على الإبادة الجماعية التي تُمارس ضد جزء آخر من الشعب الفلسطيني، للقضاء على القضية الفلسطينية التي هي قضية كل أجزاء الشعب.

محاولة لمنع تكرار تجربة هبة أيار 2021

وأشار شلحت إلى أن “إسرائيل منذ بداية الحرب أعلنت بشكل غير مباشر أن الفلسطينيين في الداخل يمثلون جبهة أُخرى في هذه الحرب، وهددت بفرض ثمن باهظ على أي ردة فعل منهم، في محاولة لمنع تكرار تجربة هبة أيار/ مايو 2021”.

واعتبر أن مظاهرة أم الفحم، من حيث تنظيمها، وحجم المشاركة فيها، وردة الفعل الإسرائيلية عليها، تشكل فرصة لمراجعة أداء الفلسطينيين في الداخل ودراسة الخطوات المستقبلية.

وأكد أن هذه الحرب لن تقتصر تداعياتها على اللحظة الراهنة، بل ستؤثر على الفلسطينيين في الداخل على المدى البعيد، ما يتطلب استباق هذه التداعيات بمواجهتها.

ودعا شلحت إلى توطيد الصلة الوثيقة بين القضايا القومية والمدنية التي تواجه الفلسطينيين في الداخل، مؤكداً أن هذه القضايا ليست منفصلة عن القضية الفلسطينية ككل، بل ترتبط بها بشكل مصيري.

وأضاف: من الضروري دراسة كيفية “عولمة” القضايا المدنية لفلسطينيي الداخل، خاصة في ظل مأسسة نظام الأبارتهايد الذي أصبح جزءاً راسخاً من سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

إجراءات وقوانين لتقييد الحريات وملاحقة المعارضين

من جهته أكد المحلل السياسي وديع أبو نصار أن الحديث عن “كسر الصمت” بين الفلسطينيين في الداخل ليس دقيقاً، إذ إن صمتهم قد كُسر منذ فترة طويلة.

لكنه أشار إلى وجود حالة واضحة من الخوف المستمر الذي يهيمن على كثيرين نتيجة سياسات إسرائيل التي أصبحت “أكثر يهودية وأقل ديمقراطية” في ظل أجواء الحرب الحالية.

وأوضح أبو نصار أن حالة الخوف تعززت بسبب تعرض العديد من المواطنين الفلسطينيين في الداخل للمساءلة والمحاكمات بسبب مواقفهم من الحرب.

وأشار إلى أن الحرب زادت من الضغط على الفلسطينيين الذين يجدون أنفسهم أمام دولة تسن قوانين تهدف إلى تقييد الحريات وملاحقة المعارضين، ليس فقط بين الفلسطينيين، بل حتى بين بعض المواطنين اليهود.

وأكد أبو نصار أن “غالبية الفلسطينيين في الداخل، منذ بداية الحرب، خصوصاً بعد اتضاح حجم الدمار والقتل في قطاع غزة، يعيشون حالة من الصدمة والغضب”.

وأضاف: “إن الاعتداءات التي وقعت في السابع من أكتوبر، رغم أنها شملت ضحايا إسرائيليين أبرياء، لا يمكن أن تبرر الجرائم التي تُرتكب في غزة منذ ذلك اليوم”.

وأشار إلى أن الحرب أدت إلى آلاف الضحايا بين قتلى وجرحى، إضافة إلى تدمير واسع للمنازل والبنية التحتية، ما تسبب في فقدان الأمل بحياة كريمة لسكان القطاع. ولفت إلى أن الفلسطينيين في الضفة الغربية يعانون أيضاً من تضييق متزايد وممارسات قمعية من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

قانون قمعي خاص بمعلمي المدارس

وتطرق أبو نصار إلى القوانين العنصرية التي سنتها الحكومة الإسرائيلية مؤخراً، مثل القانون الذي يعاقب معلمي المدارس في حال اتخاذهم مواقف سياسية تُعد متماهية مع ما تسميه إسرائيل بـ”الإرهاب”.

واعتبر أن هذه القوانين تزيد من حالة الغضب بين الفلسطينيين في الداخل، كما دفعت أيضاً بعض المواطنين اليهود إلى التظاهر والاحتجاج.

وأشار أبو نصار إلى أن تصاعد الاحتجاجات في الداخل يعكس رفضاً واضحاً لسياسات الحكومة الإسرائيلية وممارساتها القمعية. وأكد أن هذه الممارسات لا تستهدف فقط المواطنين الفلسطينيين، بل تشمل كل من يعارض الحكومة بمواقفه وآرائه.

وقال: “إن الوضع الحالي يعكس حالة متزايدة من الاحتقان والغضب، وهو ما يدفع الفلسطينيين في الداخل، ومعهم بعض اليهود، إلى مواجهة السياسات الإسرائيلية التي تقوض الحريات وتقمع الأصوات المعارضة، في ظل تصاعد القمع والعنصرية في إسرائيل”.

تشديد الخناق على الفلسطينيين في الضفة والداخل

وقال المختص في الشأن الإسرائيلي إسماعيل مسلماني: إن إسرائيل أعلنت منذ السابع من أكتوبر حالة الطوارئ، مصحوبة بتشديد الخناق على الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو داخل أراضي 1948.

وأضاف: “إن فلسطينيي الداخل تعرضوا لتضييقات وملاحقات هدفت إلى منعهم من التعبير عن آرائهم أو التضامن مع أهالي غزة، مع تزايد القوانين العنصرية التي تسعى إلى قمعهم وتقييد حرياتهم”.

وأشار مسلماني إلى أن هناك محاولات سابقة منذ أكثر من عام لتقييد حرية التعبير، استهدفت أعضاء كنيست عرب وقيادات فلسطينية في الداخل.

وقال: “إن التعتيم الإعلامي الإسرائيلي ساهم في إسكات كل من حاول التضامن مع غزة. وفي الفترة الأخيرة، شرّعت إسرائيل قوانين عنصرية جديدة، منها قانون يمنع الترشح للكنيست لأي شخص يُتهم بدعم “الإرهاب”، ما يعكس السياسة المتزايدة للملاحقة والمتابعة.

وأكد أن “المظاهرة القطرية التي نظمتها لجنة المتابعة يوم الجمعة في أم الفحم شكّلت خطوة حاسمة لكسر حاجز الصمت الذي استمر أكثر من عام”.

وقال: هذه المظاهرة لم تكن فقط للتعبير عن حرية الرأي، بل جاءت لتطالب بوقف الحرب على غزة ولبنان، كما كانت تعبيراً عن الغضب الشعبي تجاه السياسات الإسرائيلية، خاصة بعد الكشف عن تسجيلات في قناة 13 أظهرت دور الشرطة في تفشي الجريمة المنظمة داخل المجتمع العربي.

فلسطينيو الداخل يعامَلون كأعداء

وأوضح مسلماني أن مظاهرة أم الفحم كانت رسالة واضحة تؤكد أن فلسطينيي الداخل هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني. وأشار إلى أن نحو مليوني فلسطيني يشكلون 21% من سكان إسرائيل، لكنهم يُعاملون كأعداء.

واعتبر أن هذه المظاهرة تمثل بداية حقيقية لكسر الصمت، خصوصاً بعد تعرض قيادات ومعلمين فلسطينيين للملاحقة والاعتقالات بسبب تعبيرهم عن التضامن مع غزة.

وحذر مسلماني من أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعمل على سن مزيد من القوانين العنصرية التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين وتفريغ مناطقهم من سكانها، من خلال الاعتقالات والملاحقات المستمرة.

وأضاف: “إن المظاهرة جاءت في سياق الغضب المتصاعد إزاء مشاركة الحكومة في تفشي الجريمة داخل المدن والقرى العربية، حيث ارتفعت أعداد الضحايا بشكل غير مسبوق”.

المصدر “جريدة القدس”