شبكة المسار الاخباري:
مع انتشار المشاهد المروّعة التي وثقت اعتداء كلاب ضالة على جثامين الشهداء الملقاة في شوارع محافظة شمال قطاع غزة، تعود إلى ذاكرة الفلسطيني محمد صالحة المتعبة مشهد مماثل رآه بعينيه لوالده الشهيد وشعور العجز يتملّكه! ماذا عسانا نفعل لحفظ كرامة أمواتنا؟
” شعور قاهر أن تفشل كل محاولاتك لإكرام والدك عند مماته، والأقسى من ذلك أن تفصلك أمتار قليلة عنه ولا تستطيع الوصول إليه لصد الكلاب عن جسده الطاهر”، بهذه يبدأ محمد صالحة حديثة.
ويقول: “مع اشتداد العملية الإسرائيلية العسكرية في جباليا تحاصرت مع والدي أبو أحمد في منزلنا بالمخيم، وكان القصف يُحيطنا من كل جانب، حاولنا أكثر من مرة الخروج لمنطقة أقل خطرًا لكن الطائرات المسيّرة كانت تستهدف كل تحرك، حتى استشهد والدي باستهداف طاول منزلنا”.
بقي محمد يرافق جثمان والده لأسبوع كامل داخل المنزل المدمر، حاول خلالها دفنه في فناء البيت، لكنّ قوة الغطاء الناري لجيش الاحتلال منعته من الحركة حتى داخل المنزل، يُخبرنا أنّ جاره كان يرافق هو الآخر جثمان شقيقه الشهيد ولم يتمكن من فعل شيء له أيضًا.
بعد محاولات عدة ترك محمد مرغمًا جثمان والده، وقفز إلى منزل جاره لينجو من حمم النار التي تحاصره ولم تُبقِ أي دليل على الحياة في المكان.
كان يراقب ضيفنا على مدار الساعة جثمان والده من خلال نافذة تفصل منزل جاره عن منزله، إلى أن رأى مشهدًا يصعّب على قلب الإنسان تقبّله “وجدت الكلاب الضالة تنهش جثمان والدي حاولت الوصول إليه مجددًا لكن القصف المدفعي كان يمنعنا أحيانًا من التقاط أنفاسنا وليس فقط التحرك”.
وبعد ثلاثة أيام؛ من الحادثة نجح في الوصول الى البيت مرة أخرى؛ ليجد أجزاء من جسد والده متناثرة على الأرض؛ قام بإعادة تجميعها. يحبس محمد دموعه ثم يواصل الحديث: “كنت بجمع في جسد والدي وأنا بقمة قهري وألمي”.
اتفق مع جاره على وضع الجثمانيين في غرفة واحدة وإحكامإغلاقها بشكل كامل؛ إلى حين يتسنى لهما القدرة على دفنهما ولو في داخل البيت؛ لكن ذلك لم يسعفهما مع استمرار القصف الإسرائيلي واقتحام الدبابات للشارع مجددا؛ واضطرارهما للخروج منه بعد ليلة عاصفة.
وبعد محاولات حثيثة وصل “محمد” إلى مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة؛ ومنه قرر النزوح إلى جنوب قطاع غزة حيث تنزح زوجته وأطفاله؛ مع إبقاء المنزل مغلقا لحين العودة؛ فلا أحد يستطيع الوصول إليه حتى هذه اللحظة.
ويشير إلى أنّ والده كان يرفض الانصياع لأوامر الإخلاء الإسرائيلية، متمسكًا بفكرة البقاء في المخيم مكررًا جملته الشهيرة على أولاده: “لن أُهجّر مرتين”، وهذا دفع محمد للبقاء مع والده حتى آخر لحظة.
سؤال صادم..
قبل يومين انتشرت مشاهد صعبة تُظهر كلابا ضالة تنهش شهداء ملقاة في الطرقات شمالي قطاع غزة، حيث أثارت هذه المشاهد حزن محمد صالحة كغيره من الفلسطينيين وأحرار العالم الذين عبروا عن غضبهم من فظاعة ما يجري.
“طمني دفنت والدي؟” سؤال صادم وجهته شقيقة محمد له، عند وصوله إلى الجنوب، مضيفًا: “كان صعبًا عليّ أن أُجيبها بلا حيث فشلت في أبسط شيء يُمكن أن نهديه لأمواتنا(..) دفن كريم عند موته”.
ويختم حديثه: “الاحتلال يواصل استباحة دمائنا بارتكابه أبشع المجازر والفظائع، ويترك الجرحى ينزفون حتى الموت، ثم يترك جثامينهم ملقاة في الشوارع للكلاب الضالة(..) ما كان ذلك ليحدث لولا صمت العالم وتخاذله”.
يُشار إلى أنّ الدفاع المدني والطواقم الصحية قالت مرارًا إنّ المئات من جثامين الشهداء بينهم نساء وأطفال ما زالت في الشوارع محافظة شمال قطاع غزة، وكلما حاول الأهالي نقل جثامين الشهداء من تلك المناطق تستهدفهم الطائرات المسيرة بشكل مباشر، مما يؤدي إلى ارتقاء شهداء آخرين.
يأتي ذلك مع استمرار منع جيش الاحتلال الإسرائيلي طواقم الإسعاف والدفاع المدني من التحرك إلى تلك المناطق منذ أكثر من 50 يوما لانتشال الجثث، وسط حصار خانق وقصف جنوني مستمر.