أهم الاخبارإسرائيليات

لا راحة لإسرائيل في الشرق الأوسط دون حل المسألة الفلسطينية

بقلم: ليئور أكرمان

ثمة رؤية لدى حكومة إسرائيل الحالية وأوساط جمهور كبير، يختفي في إطارها الفلسطينيون من حياتنا ومن المنطقة، وتغيب عنا المشكلة الفلسطينية. لبعض من منتخبي الجمهور في إسرائيل رؤية مكتوبة في الموضوع واستراتيجية واضحة لتنفيذها. لكن الحقيقة الواقعية هي أن 5 مليون فلسطيني في قطاع غزة وفي منطقة “يهودا والسامرة” لن يرحلوا إلى أي مكان، ولا توجد خطة قابلة للتنفيذ لحل المشكلة الفلسطينية لا تتضمن بقاءهم هنا ككيان منفصل عن إسرائيل. أساس الاهتمام الجماهيري في إسرائيل، وعملياً في العالم كله، اتجه في السنة الأخيرة بما يجري في قطاع غزة عقب أحداث 7 أكتوبر والحرب التي نشبت في أعقابها. لكن هناك واقعاً ينشأ في مناطق الضفة ولا يقل إثارة للقلق بل وأكثر من ذلك.

في الجانب الفلسطيني، نرى السلطة الفلسطينية تضعف في كل المستويات تقريباً على خلفية ضعف زعيمها أبو مازن، وغياب التأييد في الشارع الفلسطيني والضائقة الاقتصادية المتصاعدة، وتعاظم الاضطراب في الشارع الفلسطيني. وهي ميول تؤدي إلى تطرف لدى الرأي العام وارتفاع في تأييد منظمات معارضة مثل حماس ومنظمات محلية مدعومة من إيران.

منذ بداية الحرب تقريباً، لم يسمح بدخول عمال فلسطينيين إلى نطاق إسرائيل. والمعنى أنه رغم أن عشرات آلاف الماكثين غير القانونيين يشقون طريقهم يومياً للعمل في إسرائيل، فأغلبية السكان الفلسطينيين بلا عمل ودخل، وثمة خطر وجودي ملموس.

الحكم الفلسطيني فقد أجزاء مهمة من سيطرته على الأرض، سواء على خلفية ضعفه وانعدام الانسجام في أوساط زعماء السلطة أم في ضوء إجراءات اتخذتها إسرائيل على الأرض بقيادة الوزير سموتريتش، والتي سنوسع الحديث فيها لاحقاً.

في جوانب الإرهاب تعرض المعطيات انخفاضاً دراماتيكياً في مدى العمليات من مناطق الضفة في السنة الأخيرة. لكن هذا الانخفاض لا ينبع من الانخفاض في الدافع الفلسطيني، بل من التعزيز الكبير للوجود ولأعمال الإحباط التي قام بها “الشاباك” والجيش مع بداية الحرب. بالتوازي، انكشف دور إيراني متصاعد في تمويل خلايا إرهاب في المنطقة وتسليحها بوسائل قتالية هُربت عبر الحدود الأردنية.

من غير المستبعد أن يكون بعضاً من صراعات السيطرة في السلطة الفلسطينية تؤدي إلى إضعاف مقصود لسلطة القانون في الشارع من قبل قادة الأجهزة لخلق وضع من انعدام الثقة بالقيادة الحالية. واضح للجمهور الفلسطيني بأن “اليوم التالي” لأبو مازن يقترب، والصراعات على القيادة المستقبلية تلقى تعبيراً واضحاً في تصريحات بعض من الزعماء المحتملين مثلما هو أيضاً في دورهم في تحويل الأموال والسلاح للخلايا الفاعلة في المناطق المختلفة كجزء من الاستعداد لصراع القوى الكفيل بالنشوء بعد رحيل الزعيم الحالي.

بناء الثقة

 بالتوازي مع كل هذا، تنشأ سياقات مقلقة في الجانب اليهودي. فسيطرة سموتريتش على الإدارة المدنية من جهة والسيطرة التي حققها بن غفير (حتى استقالته هذا الأسبوع) في لواء المناطق في شرطة إسرائيل من جهة أخرى، تؤدي إلى واقع يكون فيه ارتفاع كبير جداً في نطاق أعمال الإرهاب لنشطاء اليمين المتطرف ضد مواطنين فلسطينيين. من جهة أخرى، يكاد لا يجري أي عمل لإنفاذ شرطي ضدهم.

 ثمة أدلة على ارتفاع متزايد للبناء غير القانوني وشرعنة بؤر استيطانية غير قانونية في المنطقة، في الوقت الذي يشتد فيه هدم البناء الفلسطيني غير القانوني. وزراء “عظمة يهودية” و”الصهيونية الدينية” يعلنون على الملأ عن نيتهم الوصول إلى ضم كامل لأراضي الضفة في ظل تحويل الفلسطينيين إلى مواطنين من الدرجة الثانية وخلق أبرتهايد كامل في دولة إسرائيل.

 عموم هذه المعطيات، ومع حجيج بن غفير المتكرر إلى الحرم، يفاقم الكراهية لدى الجمهور العربي في إسرائيل و”المناطق” ويرفع الاحتمال لانتفاضة فلسطينية حادة ضد إسرائيل. تقديرات أمنية مختلفة في إسرائيل تتوقع حتى إمكانية انزلاق صراعات القوى في داخل السلطة الفلسطينية لليوم التالي لأبو مازن إلى حدود إسرائيل وتهدد أمنها في سيناريوهات معينة.

 الطرفان ينتظران بترقب دخول الرئيس ترامب إلى معالجة الأمور، على افتراض أنه سيعلن عن سياسة واضحة في هذا الاتجاه أو ذاك. بعض من منتخبي الجمهور في إسرائيل لا يزالون يعلقون آمالاً على الرئيس ترامب لتنفيذ ضم كامل للضفة، لكن ليس مؤكداً صحة تقديراتهم حول نواياه التي تتناول مستوى استراتيجياً أعلى بكثير من مناطق الضفة.

 إسرائيل من جهتها ومن جانب رئيسها، لا تعرض أي رؤية أو استراتيجية واضحة إزاء مناطق الضفة والسلطة الفلسطينية، لكن الواضح لدى الولايات المتحدة والسعودية عدم إمكانية أي تقدم للتوقيع على اتفاق استراتيجي في الشرق الأوسط دون إعطاء جواب للمسألة الفلسطينية. من المهم أن نفهم بأن حل المسألة الفلسطينية شرط أساسي للتقدم نحو أي اتفاق إقليمي استراتيجي في الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة، بما في ذلك التسوية مع السعودية. كما أنه شرط لتأييد الولايات المتحدة لكل خطوة رمزية قد تتخذها إسرائيل في المستقبل ضد إيران ووكلائها في المنطقة.

 وفقاً لذلك، على إسرائيل بلورة وعرض استراتيجية واضحة وبعيدة المدى في الموضوع، مع ضمان سلسلة سياقات واتفاقات مع السلطة الفلسطينية في المجالات المدنية والأمنية المختلفة، وبهدف خلق ثقة متجددة تجاه القيادة الفلسطينية والعالم العربي بعامة، ولخلق مسار يسمح بانفصال مطلق عن الفلسطينيين، سواء في منطقة غزة أم في مناطق الضفة. وبالتوازي، على إسرائيل تبني خطة تسمح بتنمية الاقتصاد الفلسطيني وإصدار تصاريح عمل تحت رقابة متشددة لوسائل تكنولوجية وباشتراط الإغلاق المحكم لجدار الفصل بين السلطة وإسرائيل.

 على إسرائيل إيقاف إجراءات الضم الكامل للمنطقة بخلاف القانون الدولي، ومنع شرعنة المستوطنات غير القانونية. بالتوازي، على شرطة إسرائيل أن تتبع تشدداً ضد نشطاء اليمين المتطرف في الضفة وتحبط أعمالهم بما يشبه ما يفعله “الشاباك” تجاه السكان الفلسطينيين. بهذه الطريقة يمكن لإسرائيل الانخراط في السياقات الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والأمنية التي تخطط الولايات المتحدة لاتخاذها في الشرق الأوسط في السنوات القريبة القادمة، وخلق اتفاقات أمنية جديدة مع السعودية ودول عربية أخرى.