أهم الاخبارتقارير ودراسات

صالح ناصر: الاحتلال يشن حربًا مفتوحة ونرفض الهيمنة على غزة أو فصلها عن الضفة

 

صالح ناصر، القيادي في «الديمقراطية» ورئيس اللجنة السياسية في المجلس الوطني

• دولة الاحتلال انتقلت من ممارسة قوة الردع إلى شن الحرب المفتوحة ضد فلسطين ولبنان وسوريا

• نرفض أن يكون «اليوم التالي» في القطاع تحت الهيمنة الخارجية ومشروعاً للفصل بين القطاع والضفة الغربية

• بالعودة إلى قرارات مجلسنا الوطني (2018) ومجلسنا المركزي (الدورة 31) وممارسة كل أشكال المقاومة نجهض مشروع الضم في الضفة الغربية ونصون مشروعنا الوطني

المسار الإخباري :أكد صالح ناصر (أبو ناصر) عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ورئيس اللجنة السياسية في المجلس الوطني، أن دولة الاحتلال، إنتقلت، عبر ما يسميه بنيامين نتنياهو، إعادة «هندسة الشرق الأوسط» من سياسة ممارسة قوة الردع والترهيب لدول الإقليم إلى سياسة الحرب المفتوحة ضد الدول العربية المجاورة، فلسطين ولبنان وسوريا، وكذلك اليمن، لفرض الهيمنة الأميركية على شعوبنا العربية، وشل إرادتها الوطنية.

وأضاف صالح ناصر، عضو المجلس المركزي في م. ت. ف. في حديث مطول مع المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات (ملف)، أن شعبنا في قطاع غزة، لن يساوم على حريته وأرضه، ويواصل المقاومة إلى أن تتحقق أهدافه في الحرية وتقرير مصيره على أرضه.

وفيما يلي النص الكامل للحديث:

 

■ كيف تقرأون السياق السياسي الذي استؤنفت فيه المفاوضات غير المباشرة في الدوحة؟

■■ بعد أكثر من 4 أشهر على الإنقلاب على إتفاق 19/1/2025، الذي قضى آنذاك بمفاوضات غير مباشرة، تؤدي خلال 3 مراحل إلى وقف نهائي للعدوان الإسرائيلي مع إنسحاب قوات الاحتلال التام من القطاع، والإنتقال إلى ما يسمى «اليوم التالي»، شهدنا خلالها تطورات عاصفة كان أبرزها فرض الحصار على شعبنا في القطاع – 2/3/2025، واستئناف الأعمال العدائية بصورة إجرامية فاقت كل ما سبق، ترافقت مع العدوان على إيران – 13/6/2025.

من جانب آخر، علينا أن نلحظ أن خطة «عربات جدعون» العسكرية الإسرائيلية ضد القطاع، رغم ما ارتكبته من جرائم قتل جماعي، والإدعاء بأنها حققت أهدافاً لم يُفصح عنها، باتت تشكل عبئاً على الجانب الإسرائيلي خاصة في ظل إحباط الشعب في القطاع كل محاولات إحداث الفتنة الداخلية، عبر تأطير العصابات المسلحة للتشويش على المقاومة، وزرع الإضطرابات في الصف الوطني، من جهة، وتصاعد الأعمال القتالية المبدعة لفصائل المقاومة، ما أوقع في صفوف العدو خسائر غير مسبوقة، في الأفراد والمعدات، في عمليات أثبت معها جيش الإحتلال، فشله في التصدي لها، نظراً لكفاءة منفذيها، وسرعة تتابعها في أنحاء القطاع.

رأت الولايات المتحدة ضرورة التحرك على أكثر من مستوى لمواصلة الإمساك بأوضاع المنطقة، فدعت، من جهة، إيران للعودة إلى المفاوضات حول مشروعها النووي، في الوقت نفسه، أخذ الرئيس الأميركي ترامب يطلق تصريحات، رغم تباينها، تؤكد رغبته في العودة إلى المفاوضات حول غزة برعاية الوسطاء، فتحدث عن حق سكان غزة في الخلاص من الموت، وفي الحياة الكريمة، وضرورة وقف الحرب في القطاع؛ ومن جهة أخرى تحدث عن نزع سلاح حماس، وإخراجها من المعادلة السياسية في «اليوم التالي» للقطاع، دون الإفصاح عن رؤيته لمثل هذا اليوم، كما تحرك ترامب لتعزيز موقع نتنياهو في المشهد الإسرائيلي الداخلي، داعياً من جهة إلى إعفائه من التهم الموجهة إليه في إرتكاب جرائم الفساد، والتهم بالتقصير في «طوفان الأقصى»، كما قام بالضغط على المعارضة لتوفير شبكة أمان لحكومته، إذا ما إنسحب بعض حلفائه (بن غڤير وسموتريتش) من الحكومة، إحتجاجاً على العودة إلى طاولة المفاوضات ووقف الحرب العدوانية في القطاع.

لقد شكل كل ما سبق، شرط إستئناف المفاوضات، لكن بشروط هي أدنى بكثير من شروط 13/1/2025، وربما في إطار مناورة، يلتقي بها مع أطراف في المعارضة، تقوم على صفقة لاستعادة الأسرى، ومن ثم العودة إلى مواصلة الحرب ضد غزة وصولاً إلى وضع الشرط المناسب لـ«اليوم التالي» للقطاع، كما تقرأه إسرائيل ويقرأه ترامب.

 

■ إذن؟

■■ نحن أمام جولة تفاوضية غير مباشرة، مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أكثر تعقيداً من سابقتها، سيمارس وفق تقديرنا فيها، نتنياهو تعنتاً شديداً، على خلفية ربطه بين نتائج هذه المفاوضات، وبين مشروعه الأوسع المسمى إعادة «هندسة الشرق الأوسط» وهو تعبير إستعلائي، يفيض عنصرية، ينظر من خلاله إلى منطقتنا وأنظمتنا العربية وشعوبنا، نظرة دونية.

لذلك نعتقد أن نتنياهو سيحاول أن يستغل هذه المفاوضات لإطلاق سراح أسراه الإسرائيليين، ومن ثم يستأنف الحرب العدوانية ضد شعبنا، حتى لو تمسك المفاوض الفلسطيني بضرورة توفير ضمان الوسطاء، خاصة الولايات المتحدة، بأن تمتد هذه المفاوضات إلى خواتيمها المرجوة، أي الوقف الدائم للحرب العدوانية، والإنسحاب الإسرائيلي التام من القطاع.

لقد إختار الجانب الفلسطيني وحده قرار رسم مستقبل القطاع، ما يتطلب في السياق نفسه تعزيز وحدة الموقف الوطني الفلسطيني، وحدة الموقف الوطني الفلسطيني، وتعزيز صمود شعبنا في القطاع، ووقف كل أعمال التشويش الفئوي المضر، بإعتبارنا نخوض معركة ذات ملامح مصيرية، على نتائجها يتوقف العديد من الإحتمالات والتطورات والمآلات المرتقبة.

 

■ إصرار حكومة نتنياهو على نزع سلاح المقاومة، وإبعاد قادتها عن القطاع، يفتح على ما يسمى «اليوم التالي»، ما هو هذا اليوم وفقاً للرؤية الوطنية لمستقبل القطاع؟

■■ هذا صحيح، فنتنياهو وحتى أطراف المعارضة الإسرائيلية، يتطلعون نحو «اليوم التالي» للقطاع، في إطار مشروع إستعماري يقوم على التهام أكبر مساحة من أرضنا الفلسطينية، وفي إطار ذريعة، تقول أن إسرائيل جربت «حكومة حماس» في القطاع، لكن «طوفان الأقصى» أثبت وفقاً للادعاء الإسرائيلي ضرورة أن يكون القطاع تحت السيطرة الإسرائيلية، بإعتباره الضمان الوحيد لعدم تكرار يوم 7/10/2023. لذلك يريد نتنياهو أن يكون القطاع جزءاً من دولة إسرائيل بصيغة أو بأخرى، الأمر الذي يؤكد صحة ما سبق أن أقره الحوار الوطني الفلسطيني المنعقد في بكين – قبل إندلاع أعمال «الطوفان – بإعتماد صيغة تكفل المستقبل الوطني للقطاع، وتقطع الطريق على كل الحلول البديلة، حين دعت إلى تشكيل حكومة وفاق وطني من الكفاءات والفعاليات الوطنية الفلسطينية، تكون مسؤولة عن إدارة الشأن العام في الضفة كما في القطاع، ما يضمن وحدة أراضي دولة فلسطين، ويضمن وحدة الكيان الوطني الفلسطيني.

بعد «الطوفان» جرى إحداث تطوير على هذه الصيغة، بحيث يقيم في غزة الوزراء أصحاب الصلة بمشاريع الإعمار وإعادة الإعمار، وإعادة الحياة إلى قطاع غزة، يشكلون فيما بينهم لجنة يترأسها نائب رئيس الحكومة، تكون مشاريعها جزءاً لا يتجزأ من مشاريع الحكومة، وتكون بطبيعة الحال م. ت. ف. هي مرجعيتها السياسية.

وهكذا نكون قد وضعنا حلاً لحالة الإنقسام الجغرافي الإداري، والسياسي، بين الضفة والقطاع.

ولعل ما جاء لاحقاً في خطابات الدورة 32 للمجلس المركزي، والدعوات إلى التسليم المجاني للأسرى الإسرائيليين دون أي مقابل، ونزع سلاح المقاومة، ووقف العمل المسلح ضد الاحتلال لمدة عامين كحد أدنى، وإدانة المقاومة ضد الاحتلال بإعتبارها إرهاباً، والدعوة إلى خيار سياسي وحيد، يقوم على ما يسمى «المقاومة السلمية»، ورفعت شعارات ذات مضمون مفتعل لإدانتها، كسلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد، تتعارض مع مواقفنا كحركة تحرر لشعب تحت الاحتلال، كلها عوامل أفسحت في المجال لأطراف عربية، وإقليمية، أن تطرح حلولاً بديلة لـ«اليوم التالي» للقطاع، تقوم على فرض الإنتداب الخارجي على سكانه، ضماناً للحل الإسرائيلي – الأميركي ليس لمستقبل القطاع وحده، بل وكذلك لحل القضية الفلسطينية، وبما يتلاءم مع مشاريع الضم.

 

■ وبالتالي ما هي رؤيتكم لـ«اليوم التالي» للقطاع في ظل غياب وحدة الموقف الوطني كما أسلفنا؟

■■ لقد أجرينا العديد من المشاورات مع القوى الفلسطينية في رام الله، وفي القاهرة، وعلى أعلى المستويات، بهدف الوصول إلى توافق وطني، يستند إلى الفكرة الأساسية، أي قطع الطريق على الحلول الإستعمارية، وتوصلنا بعد نقاش جاد ومسؤول إلى صيغة، تقوم على تشكيل لجنة وطنية لإدارة شؤون قطاع غزة وإسناد صمود شعبنا، ذات مرجعية وطنية، موحدة، تكفل وحدة أراضي دولة فلسطين، ووحدة الشعب الفلسطيني وكيانيته السياسية، وبما يؤسس لإعادة بناء نظامنا السياسي على أسس ديمقراطية، من خلال إعادة تشكيل مؤسساته بالإنتخابات (الرئاسية، التشريعي، الوطني) بنظام التمثيل النسبي الكامل، وبحيث تنجح في الربط بين إنهاء الاحتلال لقطاع غزة، والربط بينه وبين الدعوة لحل القضية الفلسطينية، في مؤتمر دولي، ترعاه الأمم المتحدة، وبموجب قراراتها ذات الصلة، التي تكفل لشعبنا حقوقه الوطنية المشروعة كافة، في الحرية وتقرير المصير، والدولة المستقلة على حدود حزيران (يونيو) 67 وعاصمتها القدس، بما في ذلك القرار 194، الذي يكفل حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها منذ العام 1948.

وبالتالي نحن نقف أمام مرحلة نضالية جديدة، في معادلاتها الإقليمية والدولية.

 

■ على أعتاب نهاية العام الأول لحملة القتل والتدمير والتهجير الجماعي في شمال الضفة الغربية في ظل غياب إستراتيجية أو خطة وطنية للمواجهة، كيف تقرأون ذلك؟

■■ لا بد من التأكيد أن ما يجري في الضفة الغربية، من تهجير وتدمير، وإحراق قرى ومحاصيل زراعية، وإعتقالات جماعية، لا يندرج في كونه رد فعل على «طوفان الأقصى» فحسب، كما يحاول البعض القول ليتهرب من مسؤولياته، أو يحمل المقاومة المسؤولية، وفق إدعاء أنه لو لم يقع «طوفان الأقصى» في 7/10/2023، لما شن الاحتلال الإسرائيلي حربه ضد الضفة الغربية.

هنا يوجب علينا أن نذكر، أن حكومة نتنياهو ومنذ توليها السلطة نهاية العام 2022، أعلنت عن مشروعها لضم الضفة الغربية، بإعتباره جوهر مشروعها السياسي، وأن الحملة الدموية على شعبنا في الضفة، في المئة يوم الأولى لولاية حكومة نتنياهو، أسفرت عن سقوط 100 شهيد من أبناء الضفة في إطار حملة دموية، أطلقت عنانها دولة الاحتلال لتهجير السكان، وإفراغ الأرض من أصحابها، والإستيلاء عليها عبر بث الرعب في النفوس، والتنكيل الجماعي بأبناء القرى والمدن، دون أي إعتبار للحدود الفاصلة بين مناطق (ج) و(ب) و(أ)، ودون أي إعتبار لصلاحيات السلطة الفلسطينية، ومكانتها كسلطة في أعين سكان الضفة الغربية.

رغم أن المشروع الصهيوني الدموي مشروع واحد، يتجلى في مظاهر مختلفة في القتل والإعتقال والتدمير والتهجير، إلا أن أهداف هذا المشروع، تختلف في الضفة الغربية عنها في قطاع غزة.

إذ وطبقاً للأهداف الإستراتيجية الكبرى للمشروع الإسرائيلي في آفاقه الواسعة، فإن هدف الحرب العدوانية لدولة الاحتلال في قطاع غزة، يقوم على اللجوء إلى كل الأساليب للخلاص من سكان القطاع وتهجيرهم، بإعتبار أن هذا الوجود يشكل في جوهره خطراً على الأمن الداخلي الإسرائيلي (كواحد من خلاصات حرب أكتوبر 2023)، وأن إفراغه يوفر الفرصة لتحويله إلى عمق أمني لـ«دولة إسرائيل الكبرى»، دون إسقاط إحتمال زرعه بالمستوطنات، تشكل جداراً أمنياً، يجمع بين القوى النظامية وغير النظامية في الحسابات الأمنية الإسرائيلية.

أما جوهر الصراع في الضفة الغربية، وموضوع النزاع، فهو «الأرض» قبل السكان، والتطورات المتلاحقة في الضفة الغربية خلال عامي 2023 و2024، والنصف الأول من العام 2025، تؤكد صحة هذا الإستخلاص حيث تلجأ دولة الاحتلال إلى مجموعة من الأساليب والآليات التي تلتقي كلها عند إفراغ الأرض من سكانها، والإستيلاء عليها تحت عناوين شتى.

ففي القدس، أطلقت دولة الاحتلال مشروع ضم المستوطنات المحيطة بالمدينة إلى القدس، وإشغال منطقة (E1) بالمستوطنات، ما يؤدي إلى تحويل القدس الكبرى (حاضرة القدس) إلى حاجز يفصل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، وما يؤدي كذلك إلى فصل القدس عن محيطها الفلسطيني، وإغراقها بآلاف المستوطنين وتحويل المقدسيين إلى أقلية، بحيث تؤدي قوانين الإبعاد، وتدمير المنازل العربية في الشطر الشرقي من المدينة إلى تناقص في حجم الوجود الفلسطيني، وتلاشي أسس الإقتصاد الفلسطيني.

 

كما لجأت دولة الاحتلال، وفق مشاريع التهويد التي لا يتوقف وزير الإستيطان سموتريتش عن إطلاقها إلى فرض القوانين الإسرائيلية على المستوطنات، ما يجعلها، وفقاً لذلك، جزء من دولة إسرائيل، أي بتعبير آخر ضم هذه المستوطنات، كواقع قانوني إسرائيلي يعززه تأطير المستوطنين في تشكيلات ميليشاوية، مسلحة بشكل رسمي من قبل الاحتلال، ما يؤسس لما يشبه دولة خاصة بالمستوطنين تتمدد في أنحاء الضفة الغربية، إما بفعل بناء المزيد من المستوطنات (آخر مشروع أقر بناء 22 مستوطنة جديدة في الضفة)، أو مصادرة الأراضي لصالح ما يسمى «مستوطنات الرعي» وطرد المزارعين وطرد أصحاب مزارع الدواجن والأغنام والأبقار والخيول وابتلاعها، وتطويبها في سجل الأراضي الذي ما زالت تمسك به الإدارة المدنية للإحتلال في الضفة الغربية.

وبنظرة سريعة يمكن القول إن مشروع الضم في الضفة الغربية سيطال ثلثي مساحتها.

 

■ ما هي أبرز هذه التحديات برأيكم؟

■■ أبرز هذه التحديات أن هذا المشروع يقوض أسس البرنامج الوطني ويقطع الطريق أمام قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، كاملة السيادة، على حدود 4 حزيران (يونيو) 67 وعاصمتها القدس.

ويؤسس بالمقابل لحلول سياسية ناقصة وفاسدة، لا تتجاوز حدود الحكم الإداري الذاتي على السكان، وفقاً لعلاقات وبروتوكولات مع دولة الاحتلال، تبقى الجزء الفلسطيني، أياً كان اسمه (حتى ولو سمي دولة) في حالة تبعية أمنية واقتصادية وسياسية لدولة الاحتلال، كيان مقطع الأوصال، في ظل هيمنة إسرائيلية شبه تامة.

وإذا ماعدنا إلى ما بشر به سموتريتش لمستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، فسيكون شعبنا في الضفة الغربية أمام 3 خيارات:

1) الرضوخ للحل الإسرائيلي، والقبول بحالة التبعية لدولة الاحتلال.

2) مغادرة البلاد والهجرة الإختيارية إلى دولة ثانية، توفر دولة الاحتلال للراغبين بذلك تسهيلات إدارية ومالية لتشجيعهم على ذلك.

3) الموت أو السجن لمن يتمرد على هذا الحل ويقاومه.

 

■ وما يعني هذا عملياً؟

■■ يعني هذا أننا أمام مرحلة مقاومة قد تبدو مديدة إلى حد ما، بإعتبارها هي الوسيلة لصد هذا المشروع الإستعماري وإسقاطه في نفس طويل من الصمود والثبات والتماسك، وتجربة المقاومة في الضفة الغربية، وفي القطاع، وتاريخ مقاوماتنا في جنوب لبنان، تشكل بالنسبة لشعبنا ذخيرة تمكننا من أن نستنهض كل عناصر القوة في صفوفنا، وأن ننهج نهجاً بديلاً لحالة الترقب والإنتظار والرهان على العنصر الخارجي وإهمال العنصر المحلي.

فضلاً عن ذلك فإن مؤسستنا التشريعية أقرت في المجلس الوطني الفلسطيني – 2018، والمجلس المركزي – 2022، مجموعة من القرارات تقضي بإعادة النظر بالعلاقة مع إسرائيل، بإعتبارها دولة إحتلال، ودعت إلى تعليق الإعتراف بها كدولة، إلى أن تعترف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس، ووقف الإستيطان، وإطلاق سراح الأسرى، إلى جانب وقف التنسيق الأمني، وفك الإرتباط بالإقتصاد الإسرائيلي، وحق شعبنا في ممارسة كل أشكال المقاومة، أي بإختصار، أسست لمرحلة جديدة، تستعيد معايير وقيم ومفاهيم حركة التحرر، وتعيد تقديم شعبنا إلى العالم، بإعتباره شعباً تحت الاحتلال، له كل الحق في ممارسة كل أشكال النضال الميداني، والدبلوماسي على إختلاف أنواعه، لتحقيق أهدافه في الحرية وتقرير المصير والإستقلال وحق العودة.

وعلى هذا الأساس احتلت دولة فلسطين موقعها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونالت إعتراف 149 دولة بها، كما أن محكمة العدل الدولية أقرت في سلسلة قرارات استشارية عدم شرعية الاحتلال، وحق شعبنا في التحرر من كل أشكال الاحتلال والإستيطان.

من شأن هذا كله، أن يؤسس لوحدة داخلية، تشعل نار المقاومة الشعبية بكل الوسائل، مستندة إلى تأييد دولي واسع، تلحظ علاماته في المؤسسات الدولية، وفي شوارع العواصم الكبرى، وفي إتساع المزاج الشعبي العربي ضد دولة الاحتلال، ما ينقص هذا، هو توفر الإرادة الوطنية الجامعة، الأمر الذي يتوجب أن نحققه عبر أكثر من جهد، بعضه في إدارة حوارات وطنية على مساحة الحالة السياسية الفلسطينية، فصائل وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني، وبعضه الآخر في العمل اليومي لاستنهاض عناصر القوة في صفوف الحركة الجماهيرية، والتي تزداد إختماراً بالضد من تصاعد الأعمال العدوانية لدولة الإحتلال وعصابات المستوطنين.

 

■ الحديث الإسرائيلي عن «شرق أوسط جديد» ليس جديداً، ما هو الفرق بين المشروع الذي دعا إليه شمعون بيريس، والذي يعمل لأجله بنيامين نتنياهو وحكومته؟

■■ من الضروري أن نؤكد في البداية، أن تعبير «الشرق الأوسط» هو تعبير إستعماري استشراقي، يلجأ إليه الغرب بإعتباره هو مركز الكون، وأن إطلاق أي تعبير توصيفي لبعض المناطق، يستند إلى المكانة الجغرافية لهذه البقعة بالنسبة إلى هذا المركز.

وعندما كانت بريطانيا (المملكة المتحدة) هي مركز الكون، كانت تطلق على شرق آسيا (الصين والهند وغيرها) اسم «الشرق الأقصى» أي البعيد عن لندن، أما منطقتنا فهي بالنسبة للإستعمار البريطاني الشرق الأدنى أي الأقرب إلى لندن.

بإنتقال مركز الكون إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، تغيرت بعض الأسماء، ومنها منطقتنا التي باتت «الشرق الأوسط» أي الذي يتوسط قارات ثلاث هي أوروبا وآسيا وإفريقيا.

حري بنا أن نتحرر من هذه التسميات الإستعمارية الاستشراقية، وأن نطلق على منطقتنا ما يتلاءم مع موقعها الجغرافي، أي «غرب آسيا» أو «شرق المتوسط» أو «دول الخليج العربي» أو «دول شمال إفريقيا»، وهي كلها تسميات تنتمي إلى الجغرافيا، مهما شهد الكون من تقلبات ومتغيرات سياسية.

«الشرق الأوسط» القديم، إذا جاز التعبير، هو الشرق الأوسط الذي نشأ بـ«إتفاقية سايكس بيكو» التي قسمت المنطقة إلى دول (والمقصود هنا بشكل رئيس بلاد الشام، أي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن)، وبموجب «وعد بلفور»، وعلى أيدي الإنتداب البريطاني ولدت دولة إسرائيل.

من دعا إلى شرق أوسط جديد، هو شيمون بيريس، يقوم على فك العزلة العربية من حول إسرائيل، وإدماجها في المنطقة (حتى أن البعض تحدث عن صيغة بديلة لجامعة الدول العربية، تكفل عضوية إسرائيل فيها)، ويقوم مشروع بيريس على المعادلة التالية: تنقسم المنطقة إلى 3 عناصر كبرى: الأول هو إسرائيل، العقل المفكر والمدبر، ومركز النقل في المنطقة؛ الثاني هو دول الخليج أي مراكز التمويل؛ والمصدر الثالث هو دول بلاد الشام الفقيرة، التي تحتشد فيها الأيدي العاملة، دمج هذه العناصر في مشروع سياسي إقليمي إقتصادي يعزز موقع إسرائيل كدولة متسيدة على المنطقة، ما يتيح لها، وفق هذه القواعد، أن تتمتع بخيرات المنطقة، وتعزز إقتصادها ومكانتها، خاصة وأن بيريس دعا إلى إعتبار بعض الموارد الكبرى كالموارد المائية في المنطقة، ملكاً لسكان المنطقة تتوزع على الدول، وفقاً لحاجتها وليس وفقاً لسيادتها على ثرواتها.

وبالتالي، فإن مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، كما دعا له بيريس يقوم على حل جزئي للقضية الفلسطينية، أي حكم ذاتي موسع، لكنه أقل من دولة مستقلة كاملة السيادة، وإتفاقية سلام مع الدول العربية كافة تحت سقف «مؤتمر مدريد»، بدمج إسرائيل في المنطقة، ولا تمس حدوداً من الدول العربية، وتضمن وضع نهاية للحروب.

أما مشروع نتنياهو، وحديثه عن «هندسة جديدة لشرق أوسط جديد»، فإنه يقوم على سلسلة من المرتكزات المختلفة تماماً عن مرتكزات مشروع بيريس.

• في مقدمة هذه المرتكزات، إقامة «دولة إسرائيل كبرى»، إسرائيل التوراتية، بحيث تشمل فلسطين كلها، مع حكم إداري ذاتي محدود للمدن الفلسطينية في الضفة الغربية ملحقة بالإحتلال.

• تطبيع عربي – إسرائيلي يطال كل الدول العربية في المنطقة، يقوم على الإعتراف بإسرائيل الكبرى، وعقد معاهدات سلام معها «تحالف أبراهام».

• تطوير فكرة الردع الإسرائيلي في مواجهة دول المنطقة، بالإنتقال من كونه ردعاً يقوم على التهديد بالآلة العسكرية الإسرائيلية، إلى كونه ردعاً بالقوة، يقوم على الحرب المفتوحة، حيث ترى إسرائيل في ذلك مصلحة لها وضمن حقها (في الدفاع عن نفسها)، مثال ذلك، ما تقوم به الآن في لبنان وسوريا وقطاع غزة واليمن، دون أن يشكل ذلك إنتهاكاً أو خرقاً للقانون الدولي، أو لسيادة أي من دول المنطقة.

• وفي السياق نفسه، وحيث يتطلب ذلك إعادة رسم خرائط دول المنطقة، وفقاً للمصالح والمطامع الإسرائيلية، كما هو حال سوريا ولبنان والضفة الغربية والقدس وغيرها.

أي أننا نكون قد إنتقلنا من «شرق أوسط جديد»، يقوم على تكريس الخطوط والحدود للدول، على قاعدة تبعيتها الاقتصادية والسياسية لإسرائيل إلى شرق أوسط آخر، لا يعارض سياسة إعادة رسم الخطوط بين الدول، بما يخدم المصالح الإستعمارية الإسرائيلية.

 

■ وبالتالي ؟! …

■■ وبالتالي نكون أمام حالة إقليمية جديدة، تتهدد فيها مصالح أنظمة ودول وشعوب عربية عدة، من شأنها أن تمس سيادتها وكرامتها الوطنية، وأن تعود بها إلى حالة من الإنتداب، والإستعمار غير المباشر، أي الهيمنة العسكرية التي لا تتردد في الإعتداء على هذا البلد العربي أو ذاك.

في هذه السياقات، باعتقادي، سيسقط الكثير من المفاهيم والمعايير، لصالح مفاهيم ومعايير بديلة، أهمها أن الشعوب العربية ستدرك بالملموس حقيقة الخطر الإسرائيلي على مصالحها، ما يولد وعياً جديداً أكثر فاعلية، ستكون له تعبيراته الميدانية، إنتقالاً من دول تعيش إستقلال سياستها إلى دول ذات سيادة منقوصة، وعلى هذه الأسس قد نشهد ولادة أكثر من حركة تحرر عربية، ميدانية، تأخذ على عاتقها تحرير أرضها المحتلة في إطار توسيع «إسرائيل الكبرى» أو في إطار الدفاع عن أرضها في مواجهة الأعمال العدوانية الإسرائيلية.