المسار : عقد مجلس الأمن الدولي، صباح الإثنين، جلسة مفتوحة حول الأوضاع في سوريا، قدّم خلالها مبعوث الأمين العام الخاص بسوريا، غير بيدرسون، إحاطة شاملة عبر الفيديو تناول فيها التطورات الأخيرة، ولا سيما الاشتباكات العنيفة التي شهدتها مدينة السويداء وأدت إلى سقوط عدد كبير من الضحايا، وسط مخاوف متزايدة من انزلاق البلاد نحو التفتت الطائفي.
وخلال إحاطته، أكد بيدرسون أن «العنف المروع الذي عانى منه السوريون في السويداء لم يكن يجب أن يحدث»، مشيرًا إلى «تدخل أجنبي غير مقبول» في الأحداث. وأوضح أنه ونائبته، نجاة رشدي، على تواصل دائم مع الأطراف المعنية في دمشق وخارجها، وأدان «الانتهاكات المروعة ضد المدنيين والمقاتلين في السويداء»، كما دان «التدخل الإسرائيلي والغارات الجوية التي طالت السويداء ودمشق».
وأعرب المبعوث الأممي عن قلق بالغ إزاء تقارير «موثوقة» تلقاها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تشير إلى «انتهاكات واسعة النطاق»، شملت «إعدامات ميدانية وقتلًا تعسفيًا، وعمليات خطف، ونهب منازل، وتدمير ممتلكات خاصة». وقال إن «بين الجناة عناصر من قوات الأمن وأفرادًا تابعين للسلطات، إضافة إلى مسلحين محليين من المنطقة، من بينهم الدروز والبدو».
وبخصوص الهدنة المعلنة في 19 يوليو/تموز، التي انسحبت بموجبها القوات البدوية من معظم مناطق السويداء، وأعادت قوات الأمن تموضعها على أطراف المحافظة، أشار بيدرسون إلى أنها «لا تزال قائمة لكنها هشة»، مضيفًا أن «الوضع ما زال متوترًا رغم تراجع الاشتباكات وتوقف الضربات الجوية الإسرائيلية».
كما لفت إلى أن نحو 175 ألف شخص نزحوا من منازلهم، محذرًا من أن «الاحتياجات الإنسانية بلغت مستوى حادًا»، مؤكدا ضرورة تمكين الأمم المتحدة من «إيصال المساعدات باستمرار ومن دون عوائق». وأشار إلى حصول «بعض عمليات تبادل المدنيين والمقاتلين المحتجزين».
وأكد بيدرسون أن «الثقة في الأمن الدائم تعتمد أولًا على مصداقية الانتقال السياسي»، محذرًا من أن «الولاء للدولة لا يمكن فرضه بالقوة، بل يجب كسبه عبر بناء دولة تمثيلية تحمي حقوق الجميع وتضم كل مكونات المجتمع على قدم المساواة». ودعا جميع الأطراف إلى «التحلي بالمرونة والحكمة»، محذرًا: «إذا رأت المكونات أن الدولة تتحول إلى تهديد، ستتصلب المواقف، وكذلك إذا شعرت قيادة هذه المكونات بأنها تُبطئ أو تعارض الاندماج الحقيقي في هيكل دولة موحدة».
وختم مؤكدًا أن «هذا التحدي يتطلب حوارًا وتسوية حقيقية، ودعمًا دوليًا نشطًا لعملية انتقال سياسي سورية – بقيادة وملكية سورية – تستعيد سيادة البلاد ووحدتها»، مشددًا على أن الأمم المتحدة «مستعدة لبذل كل الجهود للمساعدة»، وأضاف: «ببساطة، لا يمكن أن يفشل الانتقال السياسي السوري».
التقرير الإنساني: ضرورة حماية المدنيين والسماح لهم بالتحرك بحرية
قدّمت إديم وسورنو، مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إحاطة إنسانية قالت فيها إن «نساءً وأطفالًا وأفرادًا من الطواقم الطبية كانوا من بين مئات القتلى»، مشيرة إلى أن منظمة الصحة العالمية أكدت «مقتل طبيبين»، وتحدثت عن «استهداف سيارات إسعاف، واحتلال مؤقت لمستشفيات».
وسلطت الضوء على تضرر البنية التحتية للمياه بشكل واسع، مما أدى إلى «انقطاع الإمدادات»، إضافة إلى «انقطاعات كبيرة في الكهرباء»، و«اضطرابات حادة في إمدادات الغذاء والوقود». وقالت إن «المستشفى الرئيسي في السويداء يعاني من إنهاك شديد ونقص حاد في الأدوية والكوادر الطبية والكهرباء».
وطالبت وسورنو بـ«حماية المدنيين المحاصرين في مناطق القتال، والسماح لهم بالتحرك بحرية بحثًا عن الأمان والعلاج»، مشددة على ضرورة حماية البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل «الصحة والمياه والكهرباء».
وأضافت أن «الوصول الإنساني ما زال مقيدًا»، لكنها أشارت إلى وصول 32 شاحنة مساعدات من الهلال الأحمر السوري إلى السويداء في 20 يوليو، تلتها قافلة أخرى في 23 يوليو محملة بالغذاء والدقيق. وأكدت أن الأمم المتحدة تواصل «التواصل مع الشركاء والسلطات المؤقتة لضمان وصول مباشر بمجرد تحسن الوضع الأمني»، داعية جميع الأطراف إلى «تسهيل وصول موسع ودائم للمساعدات الإنسانية والعاملين الطبيين».
السفيرة الأمريكية بالإنابة: نسهّل الحوار بين سوريا وإسرائيل
أدانت المندوبة الأمريكية بالإنابة، دوروثي شيا، «استهداف المدنيين في السويداء»، وقالت إن بلادها «تعمل على تسهيل فتح قنوات حوار بين السوريين من جهة، وبين إسرائيل والحكومة السورية من جهة أخرى»، بهدف «تثبيت وقف القتال، وتبادل الأسرى، وضمان وصول المساعدات».
وأضافت شيا: «لا يمكن أن يسود السلام في سوريا دون مساءلة وعدالة»، مؤكدة أنه «على الحكومة التحقيق في كل تقارير الانتهاكات في السويداء ومحاسبة مرتكبيها»، مرحبة بـ«التزام الرئيس الشرع» بذلك.
كما أشادت بـ«لجنة تقصي الحقائق السورية» التي حققت في أحداث العنف الساحلي في مارس/آذار، وقالت: «ننتظر التقرير الكامل، ونؤيد دعوة اللجنة للحكومة للتحقيق في الجرائم ومقاضاة مرتكبيها. لا يجب أن يكون هناك إفلات من العقاب».
وأكدت شيا أن واشنطن «تدعم وحدة سوريا وانتقالًا سياسيًا شاملًا»، مضيفة: «الحكم الموثوق وغير الطائفي هو السبيل لتجنب صراعات جديدة».
وأبلغت شيا أعضاء المجلس أن الرئيس ترامب أصدر في 30 يونيو أمرًا تنفيذيًا «أنهى بموجبه برنامج العقوبات الأمريكية على سوريا، مع الإبقاء على بعض العقوبات ضد بشار الأسد وشركائه وداعش وجهات إقليمية أخرى مزعزعة للاستقرار»، مشيرة إلى أن وزارة الخارجية «ألغت تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية أجنبية اعتبارًا من 8 يوليو».
وأضافت أن الولايات المتحدة تعمل مع أعضاء المجلس لمراجعة التسميات على «قائمة عقوبات قرار مجلس الأمن 1267»، مؤكدة أن على المجلس ضمان:
أن «لا تعيق عقوبات الأمم المتحدة إعادة إعمار سوريا واستقرارها».
أن «يظل نظام عقوبات القرار 1267 مركزًا على هدفه الأساسي: مكافحة القاعدة وداعش».
وختمت قائلة إن بلادها «ستواصل العمل مع شركائها لضمان ألا تستفيد داعش أو منظمات إرهابية أخرى من إعادة دمج سوريا اقتصاديًا».
السفير السوري: الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى ضرب الوحدة الوطنية
قال السفير السوري قصي الضحاك إن بلاده «تواجه تحديات معقدة»، مشددًا على ضرورة «استمرار الانخراط الدولي الإيجابي ودعم السوريين».
وأشار إلى «تفجير إرهابي» نفذه تنظيم داعش في 22 يونيو في كنيسة مار إلياس بدمشق، أدى إلى «استشهاد وإصابة العشرات»، معتبرًا أن الهجوم «استهدف وحدة السوريين جميعًا»، لافتًا إلى أن «الأجهزة الأمنية ألقت القبض على الخلية المنفذة».
كما اتهم الضحاك إسرائيل بـ«محاولة فرض واقع احتلالي جديد، وضرب الوحدة الوطنية، وإذكاء الفتنة»، داعيًا مجلس الأمن إلى «إدانة الاعتداءات الإسرائيلية وإلزامها بسحب قواتها وفقًا للقرارات 242 و338 و497».
وبشأن السويداء، قال الضحاك إن الحكومة «تأسف للأحداث الدامية لكنها ترفض استغلال الاحتلال لها»، وأكد أن «دمشق ستلاحق مرتكبي الانتهاكات، بما فيهم عناصر من وزارة الدفاع»، مشيرًا إلى أن الحكومة «نسقت مع الأمم المتحدة لإجلاء موظفيها والرعايا الأجانب».
ودعا السفير إلى «تعزيز التضامن مع سوريا ودعم الدفاع المدني والعمل الإنساني»، وأعرب عن شكره لمندوبة الولايات المتحدة على «ما ذكرته بشأن شطب أسماء من قوائم مجلس الأمن»، مطالبًا بـ«طي صفحة العقوبات نهائيًا».
وختم قائلًا: «سوريا لا تختزل في مكوناتها الطائفية؛ هي نسيج حي من التنوع. قبل مئة عام، نهض السوريون من مختلف المناطق للدفاع عن وحدة بلادهم، واليوم ما زالوا متمسكين بانتمائهم الوطني، ويرفضون الإرهاب والتطرف والتدخلات الخارجية. سوريا ستظل لجميع أبنائها، ومستقبلها سيصنع بأيديهم بعيدًا عن أي إقصاء أو استقطاب».