” الاعتراف بفلسطين… خطوة قانونية تُقوّض شرعية الاحتلال وتُعجّل بالحرية”

المسار :كتب فراس الطيراوي: الاعتراف بدولة فلسطين ليس حركة رمزية ولا خطابًا عاطفيًا يُسكب على جراح شعب محاصر. إنه فعل سياسي وقانوني يعيد الاعتبار لحق الفلسطينيين في الوجود وتقرير المصير، ويُعيد فتح ملفات التاريخ المثقلة بالظلم، خصوصًا حين يصدر من دول مثل بريطانيا، صاحبة وعد بلفور المشؤوم الذي منح أرضًا لشعب غريب على حساب أصحابها الأصليين.

مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سياسية

حين تعترف بريطانيا بفلسطين، فهي لا تمنح الفلسطينيين “فضلًا”، بل تحاول – ولو جزئيًا – تصحيح خطأ تاريخي كارثي. فالدولة التي ساهمت في تأسيس مأساة القرن العشرين عبر وعد بلفور، تتحمّل اليوم واجبًا أخلاقيًا مضاعفًا للاعتراف بالشعب الذي عانى من نتائج هذا الوعد: اغتصاب أرضه وتشريده المستمر منذ 1948.

قد لا يوقف الاعتراف الحرب والإبادة مباشرة، لكنه يُقوّض شرعية الاحتلال أمام القانون الدولي، ويُسقط روايته أمام الرأي العام العالمي، ويمنح الفلسطينيين أدوات جديدة لملاحقة إسرائيل سياسيًا وقانونيًا.

من الرمزية إلى التراكم الدولي

التحولات داخل البرلمانات، الجامعات، والمؤسسات الغربية لم تعد تفاصيل بروتوكولية. هي جزء من تراكم استراتيجي يخنق الاحتلال سياسيًا ويعزز الرواية الفلسطينية أخلاقيًا وقانونيًا. المقاومة الشعبية والعسكرية تظل عمود النضال، لكن التجارب التاريخية – من جنوب أفريقيا إلى ناميبيا – أثبتت أن التحرر لا يتحقق بالبندقية وحدها، بل بتكامل العمل الميداني مع الحراك السياسي والدبلوماسي والقانوني.

أكثر من 159 دولة: ثمرة دماء وجهد طويل

اليوم، فلسطين معترف بها من أكثر من 159 دولة حول العالم. هذا الإنجاز لم يكن وليد مجاملة أو عاطفة، بل ثمرة عقود طويلة من الشهداء والجرحى والأسرى، صمود شعبٍ حوّل التضحيات إلى إنجاز سياسي على الساحة الدولية. الاحتلال راهن على أن القتل والدمار سيمحوان القضية، فإذا بجرائمه نفسها تُرسّخ قناعة العالم بعدالتها.

الاعتراف كسلاح سياسي

الاعتراف الدولي ليس خبرًا على ورق، بل سلاح سياسي يفتح أمام الفلسطينيين أبواب المحاكم الدولية، ويمكّنهم من ملاحقة مجرمي الحرب، ويمنحهم تحالفات دولية تُضاعف أثر المقاومة الميدانية. اختزال النضال في مسار واحد – سلاح أو سياسة – يُضعف القضية. أمّا القوة الحقيقية فتنبع من تضافر الوسائل: مقاومة شعبية، كفاح دبلوماسي، عمل قانوني، وضغوط اقتصادية وإعلامية.

استثمار الاعترافات: من الرمز إلى الفعل

التحدي الآن ليس في تعداد الاعترافات، بل في استثمارها. المطلوب تحويل هذه الاعترافات إلى مظلة حماية للمدنيين، وإلى أداة لكبح الاستيطان ووقف التهجير، وإلى منصة قانونية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها. بهذا فقط تتحول التضحيات إلى مكاسب ملموسة، ويصبح الاعتراف خطوة استراتيجية تُقصّر عمر الاحتلال وتقرّب ساعة الحرية.

خلاصة

الاعتراف بدولة فلسطين هو إقرار عالمي بأن الاحتلال جريمة لا يمكن أن تستمر. هو إعلان بأن فلسطين ليست قضية منسية، بل حقيقة سياسية وقانونية تتجذر في الوعي الدولي. من بلفور إلى اليوم، ارتكبت بريطانيا وغيرها من الدول الكبرى أخطاء تاريخية جسيمة، لكن اعترافها الآن لا يُلغي الجريمة، بل يؤكد أن العالم بدأ يستيقظ على حجمها. والرهان يبقى على قدرة الفلسطينيين على تحويل هذا الزخم الدولي إلى قوة تحرر حقيقية، تكتب نهاية أطول استعمار استيطاني في العصر الحديث.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار 

Share This Article