افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 28/9/2025
“نحن لم ننته بعد”، قال رئيس حكومتي، رئيس حكومتنا جميعا
بقلم: جدعون ليفي
لقد دوى صوته “نحن لم ننته بعد”، وهدد بذلك، مثل رجل عصابات، غزة التي تحتضر في الجمعية العمومية للامم المتحدة، التي كانت القاعة فيها فارغة مثل قاعة سينما عند عرض فيلم تم عرضه لفترة طويلة. “نحن لم ننته بعد”، هكذا هدد ايضا الاسرائيليون الذين يريدون منه الخروج من حياتهم. الخطاب في الامم المتحدة أول أمس اوضح مرة اخرى بأننا لم ننه الامر معه، وهو ايضا لم ينه الامر مع غزة ومعنا.
رغم الدبوس الغريب الذي عليه “كيو.آر” (الاستجابة السريعة) بالاشارة الى مذبحة 7 اكتوبر، الالعاب البهلوانية الصبيانية، الاستبيانات، الخرائط ومكبرات الصوت في غزة، رغم كل ذلك هو ما زال ديماغوجي من الطراز الاول؛ جزار، المطلوب رقم واحد – الذي حقيقة انه مخول بالوقوف على المنصة في الجمعية العمومية هي فضيحة – ارتدى قناع الأم تريزا. من استمع اليه ولم يكن يعرف أي شيء عما ترتكبه دولته في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، كان من شانه ان يعتقد ان الجيش الاسرائيلي هو بشكل عام جيش الخلاص، وان اسرائيل تتنافس مع اليونسيف على مساعدة الاطفال الذين يعيشون في ضائقة، وانه هو نفسه ايد طوال حياته نظرية المهاتما غاندي. نعم، نتنياهو ما زال قادرا على ذلك.
البداية بشرت بالخيرات. الخروج الجماعي من القاعة كان يجب ان يخجل كل اسرائيلي ويثير فيه اخيرا سؤال هل ربما مع كل ذلك تكون اسرائيل فعلت شيء سيء؟ يمكن الافتراض ان معظم الاسرائيليين اجابوا: هذه لاسامية، أيها الغبي. بعد ذلك كانت مصداقية: رئيس الحكومة روى بتفاخر كيف سحقت اسرائيل ودمرت وضربت وحطمت وابادت كل المنطقة المحيطة بها. عشرات المرادفات الانجليزية للابادة. وعلامة “في” على الخارطة المعلقة منذ السنة الماضية على كل منطقة حدثت فيها ابادة، وايضا على المناطق التي هي في الطريق الى ذلك. شرف عظيم. فقط قام بتجاوز غزة، والضفة الغربية ايضا. ربما هو نسي. جماعة المتملقين – قليلة العدد في هذه المرة والتي لم تشمل كل اليهود الاثرياء الذين كانوا في السنوات الماضية – هتفت. رئيس الطاقم، تساحي برافرمان، وجه نظرة حازمة الى الخلف من اجل التاكد من ان لا أحد تهرب.
بعد ذلك بدات الديماغوجية، الدعاية والاكاذيب غير المحتملة، حتى بمعاييره. هل شاهدتم صورة افيتار دافيد؟ سأل. هل شاهدت، سيدي رئيس الحكومة، صورة مروان البرغوثي في السجن؟ هل شاهدت الهيكل العظمي الذي كان يمكنه جلب السلام؟. “أنتم حولتم الجيد الى سيء وبالعكس”، وجه كلامه بشكل واعظ الى لدول الاوروبية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية. هل اسرائيل هي الجيدة، يا سيد نتنياهو؟ كيف لم ترتجف يديك وأنت تكتب ذلك؟ كيف لم يرتجف صوتك وأنت تقول ذلك؟ هل من الجيد قتل ألف طفل رضيع اقل من سنة؟ 20 ألف طفل؟، أن يصبح 40 ألف طفل يتيم؟ تدمير كل غزة بشكل منهجي بدون ترك حجر فوق الاخر؟. اذا كان هذا هو خيرك فما هو الشر. التحدث عن 3 آلاف سعرة حرارية لكل غزي، هل هذا انساني؟ هل الصراخ ضد قتل زوجين اسرائيليين شابين وجميلين قرب السفارة الاسرائيلية في واشنطن هو شرعي من قبل الشخص المسؤول عن قتل عشرات آلاف الازواج الشابة والجميلة في غزة – جريمة لم ينته منها بعد كما يقول – ؟ هل من العدل ذكر عدد غير واضح مصدره، يفيد بان 90 في المئة من الفلسطينيين أيدوا المذبحة في 7 اكتوبر، بدون ذكر عدد اليهود الاسرائيليين الذين يؤيدون الابادة الجماعية، بعضهم بسرور وبعضهم بصمت؟ الاحصائية الحقيقة الوحيدة التي ذكرها هي ان اكثر من 90 في المئة من الاسرائيليين يعارضون اقامة الدولة الفلسطينية. يا له من صدق، وكم هو مخجل.
لقد وصلت ديماغوجية الاكاذيب دفاعا عن تهمة الابادة الجماعية ذروتها عندما قال: “هل طلب النازيون من اليهود الذهاب؟”، سال في مقارنته بين اسرائيل والنازيين. بالتالي، الاجابة نعم، يا سيد نتنياهو، النازيون قاموا باخلاء وطرد اليهود قبل البدء في الابادة. في الاعوام 1939 – 1941 طرد النازيون اليهود من المانيا والتشيك والنمسا الى بولندا المحتلة. “خطة مدغشقر” المبكرة هذه تذكر بخطة الريفييرا التي وضعتها انت ودونالد ترامب. ايضا كارثة الارمن بدأت بالاخلاء الجماعي.
“نحن لم ننته بعد”، قال رئيس حكومتي، رئيس حكومتنا جميعا.
——————————————
معاريف 28/9/2025
المنهك القومي
بقلم: بن كسبيت
بالأمس، جاء دور الرفيقين سموتريتش وبن غفير لوضع مكبرات صوت قوية أمام نتنياهو، وبثّ تهديداتهما الصريحة له بأعلى صوت – إن تطبيق مخطط ترامب، كما هو مفصل ونُشر مؤخرًا، يعني نهاية الحكومة. بعد عامين من كارثة السابع من أكتوبر، يصل رئيس وزراء السابع من أكتوبر إلى منعطف حاسم، وربما مصيري، في الحرب – إما أن يأخذ المخطط، ويعلن النصر ويترشح للانتخابات، أو يحاول الاستمرار في المماطلة على حساب أرواح الرهائن واختبار صبر الرئيس ترامب الذي يتناقص باستمرار، من أجل إضافة بضعة أسابيع/أشهر أخرى إلى عمر ائتلافه المدمر.
باختصار، على نتنياهو أن يختار بين الحكومة والدولة. بين مصلحته السياسية الضيقة والمصلحة العامة لدولة إسرائيل. أكتب منذ سنوات أن نتنياهو هو أول رئيس وزراء، في مأزق كهذا، لن يتردد في اختيار مصلحته الشخصية على حساب مصلحة الدولة. لقد فعل ذلك عشرات المرات. ماذا سيفعل هذه المرة؟ لا أعلم. القرار بيده.
بشكل عام، استنفد نتنياهو الحرب. ووفقًا لعدد لا بأس به من المصادر، كان من المفترض أن يوفر له الهجوم الذي شنته قيادة حماس في الدوحة، قطر، صورة النصر اللازمة للضغط من أجل إنهاء الحرب. ووفقًا لهذه الرواية، كان الأمريكيون في الصورة. لكن الهجوم فشل، وعادةً لا يربط الرئيس ترامب نفسه بالفشل – لذلك نأى بنفسه عن الهجوم. الآن، علينا أن نبدأ من البداية. وفقًا لمصادر مقربة من نتنياهو، فإن مخطط ترامب هو في الأساس مخطط ديرمر. كانت معظم المبادئ المذكورة فيه موجودة بالفعل في خطة نتنياهو القديمة، التي أقرها في مجلس الحرب بأغلبية (0-6) والتي هرب منها لاحقًا مثل لدغة ثعبان بسبب تهديدات بن غفير وسموتريتش. هل سيهرب هذه المرة أيضًا؟
استهل نتنياهو خطابه في الأمم المتحدة يوم الجمعة بسردٍ مفصلٍ للإنجازات والانتصارات العسكرية التي حققتها إسرائيل خلال العامين الماضيين. يبدو الخطاب وكأنه خطابٌ ختامي. المشكلة هي أنه لا توجد صورةٌ للنصر في الوقت الحالي، بل صورةٌ للمرارة، وهناك (على الأرجح) عشرون رهينة أحياء يقبعون منذ عامين، يموتون في أنفاق حماس.
كان بإمكان نتنياهو أن يخرج من هذا الموقف عدة مرات في الأشهر القليلة الماضية، لكنه تجاهله. لقد تفوق رعب بن غفير وسموتريتش على جميع الدوافع الأخرى. الآن، ومع إجراء الانتخابات على أي حال العام المقبل، يواجه تحديًا أكبر. يجب أن يقرر أخيرًا. إن الطريق إلى توقيع خطة ترامب طويل ومتعرج. الكثير من التفاصيل، الكثير من النقاط، الكثير من الخلافات. في الأيام العادية، هذا هو الوضع الذي يفضله نتنياهو. في مثل هذه المرحلة، يدخل في حرب استنزاف. يمكنك أن تسأل بيل أو هيلاري كلينتون، جون كيري وبراك أوباما، توني بلينكن وجو بايدن. نتنياهو هو الفائز النهائي في حروب الاستنزاف. إنه يجعل حياة المفاوضين بائسة، وفي النهاية، لا أحد يتذكر ما كانوا يتقاتلون من أجله أو ما كانوا يحاولون تحقيقه – ويشتت الجميع بلا شيء.
هذه المرة، ثمة مشكلة. إنها ليست كلينتون، وليست أوباما، وليست بايدن. إنه ترامب. هذا الرجل لا يتسامح مع حروب الاستنزاف. بمجرد أن ينفد فتيله، يقلب الطاولة على من حاولوا استنزافه. لم يحدث هذا بعد، ولا أعلم إن كان سيحدث، لكن صبر ترامب سينفد يومًا ما. سيدرك يومًا ما أنه لا يوجد “نصر كامل” على منظمة إرهابية ليس لديها ما تخسره ولا تخشى شيئًا. إذا حاول نتنياهو استنزاف ترامب، فقد يجد نفسه منهكًا. إلا إذا تطوعت حماس لسحب الكستناء من النار ورفضت الخطة التي وضعها نتنياهو. سباق الرفض هو لعبة السلطة الجديدة.
كان خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة، كالعادة، مصقولاً ومقنعاً، مؤثراً ومفصلاً. المشكلة أنه أقنعنا، أي المقتنعين. لم يُقنع حقاً بقية العالم، الذي ينظر إلينا الآن كقتلة أطفال، وورثة للنازيين، ومرتكبي إبادة جماعية. انقلبت تجربة مكبرات الصوت الغبية على هوغو، نتنياهو، عبر جيش الدفاع الإسرائيلي. من “تكبر” في القيادة الجنوبية (ربما قائد القيادة) وأرسل مقاتلين لنشر مكبرات الصوت داخل القطاع، أظهر عدم مسؤولية من الطراز الأول. بدا المشهد نفسه كورياً شمالياً بحتاً، وأكد أكثر على صورة إسرائيل المتسلطة. لقد كانت “عملية تأثير” على المستوى الإيراني، وليس الإسرائيلي. وهذا مؤسف.
بعد مشاهدة الخطاب، راجعتُ نص خطاب نتنياهو مرة أخرى للتأكد من أنه قال بالفعل “حاصرتُ غزة بمكبرات صوت قوية”. وقد قال ذلك بالفعل. لا يا نتنياهو. أنت لم تُحاصر غزة بمكبرات الصوت. جنود جيش الدفاع الإسرائيلي هم من فعلوا ذلك، بأمرك. الجنود الذين استُنزفوا هناك لمدة عامين، والجنود النظاميون الذين مُددت خدمتهم، ويقاتلون مرارًا وتكرارًا على نفس المواقع المدمرة، مرارًا وتكرارًا. جنود الاحتياط، الذين يُستدعون لجولة تلو الأخرى، يتركون وراءهم عائلاتهم المتألمة، ومحلاتهم التجارية المُغلقة، والديون والمشاكل. أُرسلوا لتفريق مكبرات الصوت التي لم يسمعها أحد، لإرضاء رغباتك وخلق صورة مشبوهة تسببت في ضرر أكبر بكثير من نفعها. آمل بصدق أن يتعلم أحدٌ في دائرة نتنياهو، وكذلك في دائرة القيادة العليا لجيش الدفاع الإسرائيلي، دروسًا من هذه المهزلة. في النهاية، تبقى صورتان من خطاب نتنياهو: مكبرات الصوت القوية أمام أنقاض غزة، ومغادرة الممثلين الجماعية قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة في بداية خطابه. تُجسّد هذه الصورة الوضع الراهن لإسرائيل، تلك العلامة التجارية الناجحة والشائعة حتى وقت قريب، والتي أصبحت بين عشية وضحاها مُنهكة ومُشعّة. هذا الضرر، الذي ألحق ضررًا بالغًا بمستوى معيشتنا واقتصادنا وازدهارنا وأملنا، سيستغرق وقتًا طويلًا لإصلاحه. ربما أطول من إعادة إعمار غزة.
——————————————
هآرتس 28/9/2025
إصرار إسرائيل على الممر الأمني يبعد إمكانية التسوية مع سوريا
بقلم: تسفي برئيل
مطالبة اسرائيل بان تؤسس لنفسها هامش سيطرة ونفوذ في سوريا بواسطة “ممر انساني”، يربط بين هضبة الجولان ومدينة السويداء الدرزية، هي كما يبدو العقبة الاخيرة امام توقيع الاتفاق حول ترتيبات امنية بين الدولتين. حسب “رويترز” فان طرح هذا الطلب مجددا، الذي رفض في السابق من قبل سوريا، هو الذي ادى الى تاجيل الاعلان عن اتفاق امني كان يمكن الاعلان عنه في الاسبوع الماضي في نيويورك. يبدو ان الحديث يدور عن قضية تقنية تستهدف ايجاد ممر حركة آمن يمكن الدروز في مدينة السويداء من الانتقال منه الى هضبة الجولان والحصول على المساعدات الطبية وتزويد بالطعام مباشرة من اسرائيل كجزء من تعهدها بالمساعدة في الدفاع عن ابناء الطائفة الدرزية، وهكذا ايضا حل تهديد الحصار الاقتصادي الذي فرض على السويداء في اعقاب المواجهات الدموية وعمليات القتل لابناء الطائفة التي حدثت في شهر تموز. الحصار تم في هذه الاثناء تم رفعه على الاغلب.
لكن القضية بعيدة عن ان تكون تقنية أو انسانية. الفصل الجغرافي بين السويداء وهضبة الجولان يقتضي ان يكون “الممر” عبر محافظة درعا، التي ليست درزية. حمايته بدون مساعدة القوات السورية ستقتضي وضع قوات اشراف عسكرية اجنبية، دولية أو اسرائيلية. هكذا، حسب ادعاء النظام السوري فانه سيرسخ بشكل كامل الفصل بين الدولة والمحافظة الدرزية. النظام يقول بانه لا يوجد سبب لانشاء ممر كهذا لان الدولة ملزمة بتوفير للمحافظة كل احتياجاتها، وهي تفعل ذلك بالفعل. ولكنها تواجه بالتحديد معارضة من قبل جزء من القيادة الدرزية، بالاساس قيادة الزعيم الروحي حكمت هاجري. اضافة الى ذلك هو يرفض التعاون مع النظام، والمليشيات التابعة له تمنع وبحق دخول شاحنات التموين، كي تمنع أي مظهر من مظاهر التعاون.
حسب ادعاء النظام فان “الممر” المنفصل هو امر لا حاجة اليه، لا سيما بعد الاتفاق الثلاثي الذي وقع في 16 ايلول بين سوريا، الاردن والولايات المتحدة. حسب هذا الاتفاق فان النظام في سوريا ملزم بتوفير كل احتياجات المحافظة الدرزية، وحماية الشارع الرئيسي بين دمشق والسويداء. اضافة الى ذلك النظام سيوافق على تشكيل لجنة دولية للتحقيق في احداث شهر تموز، واقامة قوة حماية محلية تشارك فيها قوات درزية الى جانب قوات النظام، وسيتم تعويض المتضررين في هذه المواجهات وضمان حقوق الدروز.
على هذا الاتفاق وقع وزير خارجية الاردن ايمن الصفدي، المبعوث الامريكي توم براك. مصدر سياسي اردني، مطلع على ظروف توقيع الاتفاق، قال للصحيفة بان الاتفاق استهدف “ازالة الحاجز الاخير امام الاتفاق الامني بين سوريا واسرائيل. يمكن ايضا انهاء قضية الممر الانساني عن طريق وضع قوة دولية، حتى امريكية، على طول الممر، لكن يبدو ان هذه قضية مصطنعة، اسرائيل وجزء من القيادة الدرزية خلقتها لضمان تواجد اسرائيل في الفضاء السوري، حتى بعد انسحابها من المناطق التي احتلتها. هذه قضية يمكن ان تعرض للخطر وجود الترتيبات الامنية بين اسرائيل وسوريا، واسرائيل والولايات المتحدة يجب عليهما تقرير سلم الاولويات بالنسبة لهما”.
لكن حتى الاتفاق الثلاثي يعارضه هاجري، ضمن امور اخرى، لانه لم يشارك فيه ممثلون عن الدروز ولان التزام النظام بتقديم للمحاكمة المسؤولين عن المذبحة، فان هذا يعني ان الذين سيتم ايجاد انهم مذنبون سيحاكمون في محكمة سورية، أي محكمة للنظام، التي هي ليست جسم محايد و”لا يتوقع ان تكون عادلة مع الضحايا”.
من خلف هذه الادعاءات يقف طموح هاجري الى اقامة حكم ذاتي للدروز، وربما حتى دولة تستند الى “حق تقرير المصير” للدروز. هاجري، الذي هو احد الثلاثة زعماء الروحيين للطائفة في سوريا، لا يمثل في الحقيقة كل ابناء الطائفة في سوريا، وليست كل المليشيات الدرزية خاضعة له، لكنه يعتبر “رجل الاتصال” مع اسرائيل والذي نجح في تجنيد مساعدتها المهمة في فترة الاحداث الدموية من خلال التنسيق الوثيق مع زعيم الطائفة الدرزية في اسرائيل، الشيخ موفق الطريف. بالنسبة له فان اهمية “الممر الانساني” هي في الواقع رسم خط الحدود بين الحكم الذاتي المستقبلي للدروز وبين دولة سوريا، وهكذا، تحديد طابع الدولة. أي انه هل سوريا ستكون دولة موحدة أو دولة كانتونات واقاليم حكم ذاتي، لا تخضع للحكومة المركزية أو انها ترتبط بها بشكل ضعيف.
هذه القضية تضع احمد الشرع امام معضلة، لان الحديث لا يدور فقط عن المس بسيادة النظام والتهديد بفصل المحافظة الدرزية عن الدولة وانتقالها الى رعاية اسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. كل تطور في المحافظة الدرزية له تاثير مباشر على المحافظات الكردية في شمال الدولة. زعيم “القوات الكردية الديمقراطية”، مظلوم عبادي، الذي يحصل على الرعاية والتمويل والسلاح الامريكي، كما يعتبر الشريك الفعال لها ضد داعش، وقع في هذه السنة على اتفاق مع الشرع ينص على دمج قواته في الجيش السوري الوطني الجديد. ولكن دروس الاحداث في المحافظة الدرزية، فشل النظام في الدفاع عن ابناء الاقلية الدرزية، وبالاساس مشاركة مليشيات وعصابات تنتمي للنظام في ارتكاب المذبحة، جعلت الاكراد يجمدون المفاوضات مع النظام رغم الضغط الامريكي على قيادة الاكراد. قضية الاكراد معقدة اكثر لان الاكراد لديهم قوة عسكرية اكثر اهمية من قوة الدروز، ومنذ الحرب الاهلية نجحوا في اقامة لانفسهم محافظات حكم ذاتي تتم ادارتها ماليا وعسكريا بشكل مستقل. الآن يجب عليهم اتخاذ قرار هل سيتنازلون عن هذه المكانة، وماذا سيكون المقابل الذي سيطلبونه.
في الوقت الذي فيه المحافظات الكردية ما زالت غير خاضعة للنظام المركزي في دمشق، والمحافظة الدرزية ترفع علم الاستقلال برعاية اسرائيل، فقد بقي الان امام الرئيس السوري التمسك باهداب الرئيس الامريكي ومحاولة اقناعه بان “الممر الانساني” بالصيغة الاسرائيلية يمكن ان يحطم ما ظهر كانجاز سياسي وحيد لترامب: اتفاق امني بين اسرائيل وسوريا. الشرع سبق له ووافق على اجراء تعديلات عميقة على اتفاق فصل القوات الذي تم التوقيع عليه بين اسرائيل وسوريا في 1974. وحتى تجريد جزء كبير من المنطقة من السلاح، الذي تمتد بين دمشق وهضبة الجولان، واقامة منطقة “قليلة التصعيد”. المتحدثون باسمه يشرحون ان الامر لا يتعلق باتفاق جديد بين الدولتين، بل توسيع معين للاتفاقات القائمة، التي مقابلها ستقوم اسرائيل بالانسحاب من معظم المناطق التي احتلتها في سوريا منذ سقوط نظام الاسد في كانون الاول الماضي. ولكن “الممر الانساني” بين اسرائيل والسويداء، الذي سيظهر كـ “خط حدود” بين سوريا والمحافظة الدرزية، وسيؤثر ايضا على احتمالية دمج المحافظات الكردية في الدولة، هذه شوكة كبيرة يصعب ابتلاعها.
الشرع يعتمد ايضا على الموقف الامريكي العلني، الذي بحسبه من شان سوريا ان تكون دولة موحدة تحت حكم مركزي واحد، جيش واحد وقانون واحد. هذا الموقف تدعمه تركيا، التي شجعت الشرع على التوقيع على اتفاق “الدمج” مع الاكراد، وايضا دول الخليج، على رأسها السعودية، التي تعهدت المساعدة بمليارات الدولارات في اعادة اعمار سوريا وتمويل نشاطات النظام. حتى الان من غير الواضح أين سيميل قلب ترامب، لانه ليس فقط السياسة الواقعية هي محل الاختبار، بل ايضا هناك المكانة والكرامة. الشرع تعهده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي حول زعيم سوريا الى محبوب ترامب، هو ايضا حليف واحد رعايا تركيا، قطر ودولة الامارات، التي هي صديقات مقربة للولايات المتحدة وعائلة الرئيس. في المقابل، الدروز هم “اخوة السلاح والدم” لاسرائيل، والتزامها تجاههم من شان الممر الانساني ان يرمز اليه.
——————————————-
إسرائيل اليوم 28/9/2025
من يخاف من عزلة سياسية
بقلم: ايال زيسر
في 13 كانون الأول 1949 أعلن رئيس الوزراء دافيد بن غوريون عن القدس كـ “عاصمة دولة إسرائيل” وأمر بان تنقل اليها مؤسسات الحكم، التي اتخذت من تل أبيب مقرا لها حتى ذلك الحين. في مشروع التقسيم في تشرين الثاني 1947 لم تدرج القدس في أراضي الدولة اليهودية، وفي اثناء حرب الاستقلال وبعدها طرحت في العالم اقتراحات لوضعها تحت سيطرة دولية، بل حتى تسليمها الى الأردن. وكانت إسرائيل ثبتت عمليا عاصمتها في تل أبيب وفيها وفي محيطها أقر وعمل الرئيس الحكومة، الكنيست والمؤسسات الأخرى للدولة.
لقد جاء اعلان بن غوريون (وكيف لا؟) حين انعقدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك للبحث في قضية الشرق الأوسطـ، هذا على خلفية صراع سياسي عنيد خاضته إسرائيل بهدف الحفاظ على إنجازات حرب الاستقلال في وجه معظم دول العالم، وعمليا كلها، التي طالبتها بتنازلات إقليمية بل بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى أراضيها، كالسبيل الوحيد، بزعمها، لتحقيق السلام بين إسرائيل والعرب.
لكن بن غوريون لم يتنازل، وقرر نقل العاصمة الى القدس. وكما كان متوقعا، ضج العالم وعصف، شجب بحدة إسرائيل وهدد بخطوات رد. وكانت على رأس المنددين، كالمعتاد، دول أوروبا، والى جانبها وقفت أيضا الولايات المتحدة التي كانت علاقاتها مع إسرائيل في تلك السنين باردة بل ومعادية. لكن الامر حسم، والقدس أصبحت العاصمة. في داخل إسرائيل أيضا عارض الكثيرون قرار نقل العاصمة الى القدس، بل ان وزير الخارجة موشيه شاريت رفع الى بن غوريون استقالته – مشكوك أن يكون هذا كاحتجاج على الخطوة، التي عارضها بشدة خشية أن توقع كارثة على إسرائيل، ومشكوك أيضا لانه لم يتوقع، على حد قوله، التسونامي السياسي الذي غمرنا.
اليوم أيضا يحذروننا من أن إسرائيل توجد على شفا عزلة سياسية، تعبيرها الأبرز – اعتراف بريطانيا، فرنسا ودول غربية أخرى لدولة فلسطينية. غير أن هذه التحذيرات ينبغي أن نأخذها بضمانة محدودة. أولا، معظم دول العالم – 147 من اصل 193 عضو في الأمم المتحدة – تعترف منذ سنين بالدولة الفلسطينية. وهذه، كما هو معروف، لم تقم وعلى ما يبدو لن تقوم في الزمن القريب القادم. ثانيا، دولة فلسطينية لم تقم ليس فقط لان إسرائيل تبقي في ايديها سيطرة كاملة على الأرض بل أيضا بسبب الفشل المتواصل للسلطة الفلسطينية في أن تقيم مؤسسات حكم فاعلة، وبالطبع، بسبب الظل المهدد لحماس، الكفيلة بان تسيطر على كل أرض تعطى للفلسطينيين.
في 1955، على خلفية صراع عنيد خاضته إسرائيل في حينه ضد موجات الإرهاب التي اجتاحتها وفي ضوء الدعوة للتجلد خشية النقد الدولي، قال بن غوريون: “جرأة اليهود وحدها اقامت الدولة. وليس قرار “الأمم المتحدة القفراء”… مستقبلنا ليس معلقا بما يقوله الاغيار، بل بما يفعله اليهود”. ومع ذلك، كان بن غوريون على وعي بقيود وحدود القوة. والدليل – الى حملة السويس انطلق في أكتوبر 1956، فقط بعد أن ضمن دعم فرنسا، التي كانت في حينه القوة العظمى الوحيدة التي دعمتنا ومنحت إسرائيل في زمن ما مظلة سياسية ومساعدة عسكرية.
ولا يزال، الدرس التاريخي واضح. دولة مثل إسرائيل، تتصدى لتحديات امنية وجودية في ساحة إقليمية ودولية مركبة ومهددة، لا يمكنها أن تحسب خطاها فقط وفقا لرد فعل العالم.
ان قرار بضع دول في اوروبا والعالم الاعتراف بدولة فلسطينية ينطوي على اعتبارات سياسية لارضاء اليسار الراديكالي وجاليات المهاجرين المسلمين، يفتقر لكل أهمية ومعنى، ومصيره أن يغرق في موجات التاريخ. مع ذلك، من المهم أن تعرف إسرائيل ماذا تريد وتستطيع تحقيقه، على ماذا تقاتل وأين تبدي مرونة. مع كل الاحترام لغزة هي ليست القدس. وسبق لمناحيم بيغن ان قال: “ينبغي ان نتعلم من متسادا كيف لا نصل اليها، ومن موديعين كيف نصنعها”.
وعليه، فما ينبغي ان يكون امام ناظرينا هو مسألة كيف نحافظ على الوحدة والتماسك في داخل المجتمع والدولة في إسرائيل، وكيف وحول ماذا نبلور توافقات قومية واسعة.
———————————————
هآرتس 28/9/2025
خطاب نتنياهو لم يتضمن جديد حول استمرار الحرب او احتمالية عقد صفقة في غزة
بقلم: ليزا روزوفسكي
نتنياهو وصل أول امس لالقاء خطابه في الجمعية العمومية للامم المتحدة، مزودا كعادته بعدد كبير من خدع الالعاب النارية، بدءا بالخارطة التي اشر عليها اثناء حديثه باشارة “في” على اعداء اسرائيل الذين تمت هزيمتهم كما يبدو، ومرورا بالاستبيان الامريكي الذي استهدف الاثبات بان اعداء اسرائيل هم بالفعل اعداء كل الغرب وانتهاءا بخدعة دعائية فيها، مثلما كشف في “هآرتس”، اشرك الجيش – بث مباشر للخطاب بواسطة مكبرات صوت تم تركيبها في قطاع غزة وسيطرة على هواتف الفلسطينيين، بما في ذلك نداء باللغة العبرية للمخطوفين.
لكن الخطوة التي ربما كشفت اكثر من أي شيء آخر لاوعي نتنياهو ومستشاريه ومحيطه المقرب هي الباركود الذي كان معلق على ياقة بدلته، نفس الياقة التي لم يجروه بها حسب قوله قبل 7 اكتوبر. من قام بمسح الباركود وصل الى موقع فيه عرضت صور تثير الرعب لجثث الاسرائيليين الذين ذبحوا. بهذا، من فوق منصة الامم المتحدة، حول نتنياهو جسده الى عرض للرعب، الذي استهدف الشرح للحضور “لماذا نحارب ولماذا نحن مضطرون الى الانتصار”.
لكن كل الخدع التي تم اعدادها بجهد كانت معدة للفشل من البداية، لسبب بسيط وهو ان رئيس الحكومة ومحيطه يرفضون الفهم بأن 7 اكتوبر لا يمكن أن يبرر سلسلة الفظائع التي لا تنتهي لما يتواصل حدوثه في غزة يوميا. الحرب التي تشنها اسرائيل في قطاع غزة خلقت تضخم من صور فظيعة، سواء في الامم المتحدة أو خارجها. فقط قبل يومين استخدم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان – احد الاعداء الاقوياء لاسرائيل في المنطقة ومنافس كبير على قلب وعقل الرئيس الامريكي دونالد ترامب – نفس الاداة بالضبط، وعرض على المنصة ثلاث صور مرعبة من غزة.
نتنياهو عرف، باحتمالية عالية، انه ذاهب لاقناع المقتنعين. يصعب تقدير ان حقيقة انه تحدث في قاعة فارغة كانت مفاجئة بالنسبة له. بعثات دول اسلامية ودول افريقية ودول امريكا اللاتينية وبعض الدول الاوروبية خرجوا من القاعة تعبيرا عن الاحتجاج على صعوده الى المنصة. ازدحام حدث اثناء الخروج، ومدير الجلسة اضطر الى دعوة الحضور والخارجين لاحترام النظام لدقائق طويلة، في الوقت الذي كان فيه عدة عشرات من مشجعي نتنياهو يصفقون ويهتفون بحماسة من الشرفة. ليس فقط مقعد بعثة ايران، قطر والجزائر، بقيت فارغة، بل ايضا بعثات دول تعتبر “معتدلة” مثل كرغاسستان. البعثة الايرلندية لم تكن موجودة في القاعة، لذلك فهي لم تغادرها. بعثة اسبانيا غادرت القاعة. مع ذلك، حسب معرفتنا فان ممثلي معظم الدول الاوروبية كانوا حاضرين في الجلسة وايضا بعثات دول اتفاقات ابراهيم، دولة الامارات والبحرين بقوا في مكانهم، هذه انباء مشجعة نسبيا لحكومة اسرائيل لعهد اسبرطة العظمى.
الخطاب، الذي كان مليء بزلات اللسان (رئيس الحكومة قال، ضمن امور اخرى، ايران بدلا من اسرائيل، والنمسا بدلا من استراليا، وصحح نفسه)، تم اعداده في المقام الاول لأذن جمهورين. الاول هو القاعدة اليمينية في اسرائيل التي من اجلها، حسب مصدر تحدث مع “هآرتس”، سيتم نشر فيلم سيعرض اسماع الخطاب في غزة. الثاني هو الجمهور الامريكي، وبشكل خاص الشخص الذي يجلس في البيت الابيض. من اجل ذلك اقتبس نتنياهو جنرالات امريكيين واكد على الجدوى الاستخبارية التي تحصل عليها الولايات المتحدة من شراكتها مع اسرائيل، وكرر للمرة المليون ان ايران ووكلاءها يؤيدون “الموت لامريكا”، واشار الى ان ايران وقفت من وراء محاولات اغتيال للرئيس الامريكي (حسب معرفتنا ايران وقفت وراء محاولة اغتيال واحدة لترامب)، ووصف خسائر 7 اكتوبر بمعيار امريكي (40 ألف قتيل و10 آلاف مخطوف).
باستثناء ذلك هاجم رئيس الحكومة زعماء الدول الاوروبية الذين اعترفوا بفلسطين، واوضح بانه يعارض بشدة اقامة الدولة الفلسطينية. هو نفسه دعم هذه الفكرة في السابق، وحصلت على دعم جارف كما يبدو من مواطني اسرائيل. هو اهتم بنثر الوعود الغامضة حول السلام الذي سياتي من خلال قوة اسرائيل في الشرق الاوسط، ووجه انتقاده للاسامية العالمية وحاول الاثبات بان اسرائيل لا ترتكب ابادة جماعية في غزة. “هل طلب النازيون من اليهود المغادرة؟ هل قالوا لهم: رجاء، اتركوا؟”، تساءل من اجل الاثبات بان اسرائيل لا تتصرف مثل المانيا النازية، هذا رغم انه في السنوات الاولى بعد صعود النازيين الى الحكم شجعوا على الهجرة الطوعية لليهود من اراضي الرايخ الثالث.
لكن بعيدا عن المقارنة غير المريحة شمل خطاب نتنياهو بشكل اساسي رسائل تم استيعابها واعادة تدويرها خلال الاشهر القليلة الماضية. الخطاب لم يتضمن أي تصريحات جديدة حول استمرار القتال في غزة او امكانية التوصل الى اتفاق، بل تم الغاء احاطة اعلامية مخطط لها لوسائل الاعلام الاسرائيلية في اللحظة الاخيرة. ومكتب نتنياهو اعلن بان رئيس الوزراء لن يتحدث الى وسائل الاعلام الا بعد زيارته في واشنطن في يوم الاثنين. وبذلك اثبت نتنياهو من فوق منصة الامم المتحدة مرة اخرى انه ليس لديه انباء جديدة للعالم أو انه يحمل خطاب معه. بالنسبة له فان جميع الامال والمخاوف والجهود موجهة لهدف واحد فقط وهو البيت الابيض، الذي اصبح اعتماده عليه مطلق في الاشهر الاخيرة..
——————————————
يديعوت احرونوت 28/9/2025
التحذير والخطر
بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين
تنشر في وسائل الاعلام وفي الشبكات الاجتماعية في الآونة الأخيرة تحذيرات عديدة من “مؤامرة في الظلام” تنشأ من جهة مصر: بدء بانتهاكات فظة لاتفاقات السلام عبر تكثيف لقوات الجيش في سيناء دون تنسيق مع إسرائيل، وحتى الاستعداد المتسارع لمعركة ضدها. نظرة مركزة تظهر اشتباها بمصادر التقارير ومصداقيتها. فمعظم الصحف والمحللين (بمن فيهم الامنيون “السابقون” من المحذرين يتماثلون بشكل واضح مع اليمين، ومصادر تحليلاتهم غامضة وهي بالأساس عديمة الاستناد الى مصادر سياسية وعسكرية رسمية. يدور الحديث عن ترديد لرسالة من النوع الذي في اطاره يقتبس الجميع عن الجميع دون أن يتساءلوا ما هو المصدر وما هي مصداقية التقارير. مطلقو التحذيرات يعرضون أنفسهم غير مرة كمن تعلموا ويطبقون جيدا درس 7 أكتوبر، ويصفون الوضع الحالي في السياق لمصر كـ “المفهوم المغلوط الجديد”. غالبيتهم الساحقة، بالمناسبة، لم تعرض أي صوت آخر عشية 7 أكتوبر بل ان بعضهم مجد التسوية في غزة وشرح بان حماس مردوعة من إسرائيل.
يستوجب الامر اشعال أضواء حمراء في أوساط الإسرائيليين وليس بالضرورة من هجوم قريب بل بالذات من أنه تجري محاولة مغرضة لخلق توتر بين القاهرة والقدس بدوافع مشبوهة. في هذا السياق يثور تذكير حرج من الماضي غير البعيد يتعلق بقضية قطر غيت. وحسب ما علم فان قطر تطلعت لان تحسن صورتها كوسيط ناجح في ظل التشهير بمصر، وفي هذا الاطار عملت أيضا على نشر معلومات كاذبة حول النوايا الهجومية للقاهرة ضد إسرائيل. “تقارير” كهذه، بما في ذلك عن “مناورة هجوم مصرية ضد المفاعل في ديمونا” تبينت كانباء ملفقة، او “طبخ” مواد قديمة وصفت كدليل على الاستعداد للمعركة. عمليا، بالفعل تتدهور العلاقات مع مصر واساسا في اعقاب تخوف الأخيرة من ان تكون إسرائيل تعتزم حل مشكلة القطاع على حسابها من خلال دفع الغزيين الى سيناء. القلق من “المؤامرة الإسرائيلية” يتعمق مؤخرا في ضوء خطة احتلال مدينة غزة وتجميع معظم الغزيين في منطقة صغيرة في جنوب القطاع، والى هذا تضاف الحماسة التي ابداها نتنياهو لخريطة “أرض الميعاد” (بما فيها أراض في دول عربية، من مصر أيضا)، “المقابلة” التي منحها لقناة التلغرام “أبو علي اكس برس” واتهم فيها القاهرة بمنع الهجرة من غزة (الامر الذي جر تراشقا قاسيا بين الدولتين) وكذا اقتراح طرحته الوزير غيلا جمليئيل من بداية الحرب (وحتى قبلها) لاقامة دولة فلسطينية في سيناء، الامر الذي اعتبر في القاهرة كتهديد جدي.
الازمة الحادة في العلاقات تترافق وعلاقة مهزوزة وعديمة الثقة بعمق بين قيادتي الدولتين. هذه وصف لنشوء سوء تقدير مأساوي، آلية خطيرة تتجه الى حروب حتى عندما لا تكون الأطراف المشاركة معنية بالمواجهة. ان رفع مستوى التأهب العسكري المصري استعدادا لاوضاع متطرفة محتملة (واساسا اقتحام الحدود مع غزة وتدفق جماهيري الى سيناء)، يفسر على ما يبدو في إسرائيل كاستعداد لخطوة هجومية ويجر تأهبا وتدريبات من جانب إسرائيل، ومن هنا تتطور كرة ثلج من شأنها أن تؤدي الى احتكاكات أمنية، الى حد هز اتفاق السلام بين الدولتين. كل هذا رغم أنه وقعت مؤخرا خطة كبرى لتوريد الغاز من إسرائيل الى مصر، ما يفترض به ظاهرا ان يلجم التدهور في العلاقات.
بين هذا وذاك مطلوب انتباه لتهديدات ليست وهمية أو مختلقة من جهة مصر، وعلى رأسها التهريب المكثف للسلاح من سيناء الى القطاع والى أراضي إسرائيل، بالغالب من خلال حوامات، مثلما في حالة محور فيلادلفيا الذي شكل قناة مركزية تحولت حماس عن طريقها الى جيش بواسطة تهريب السلاح قبل 7 أكتوبر، فان التهريبات الحالية هي الأخرى تنبع من تداخل بين الإهمال وغض النظر، ويحتمل أن أيضا التعاون من جانب محافل مصرية تجني أرباحا. ان التنسيق والثقة القويان بين الدولتين كفيلان بالمساعدة للقضاء على الظاهرة، ومثلما هو دوما نوصي بمشاركة واشنطن، التي ترعى اتفاق السلام.
في أكتوبر 1973 و 2023، كان أصحاب القرار السياسي والأمني مفعمين بالثقة بالنفس وبالاستخفاف بالعدو، وهكذا خلقوا بايديهم مفاجآت استراتيجية وصدمات قومية. في أكتوبر 2025 ينعكس تحدٍ آخر، لا يقل خطورة في الإصرار على خلق تهديدات. وينبع الامر من خليط من المصالح المشبوهة وانماط العمل ما بعد صدمة الاعتماد الحصري على استخدام القوة وسلوك على أساس تحليل قدرات الطرف الاخر دون “تشويش العقل” بتحليل نواياه. يدور الحديث عن نموذج خاص لمفهوم مغلوط يدمج الاماني، الأيديولوجيات وجنونات الاضطهاد (الاشتباه، لكن من النوع غير الصحي)، وكل هذه تجسد مرة أخرى الحقيقة البشعة في أن جذور مفهوم 7 أكتوبر لم يحقق فيها ابدا كما ينبغي في إسرائيل.
ان التوتر المتصاعد والخطير مع دولة ذات الجيش الأقوى في العالم العربي يستوجب إيضاحات – سواء من جانب رئيس الوزراء أم من جانب الجيش الإسرائيلي. فالغموض والحفاظ على التنسيق من خلف الكواليس همان بشكل عام لكن الوضع الذي يصبح فيه الاستعداد المصري للحرب “حقيقة” وينشأ تخوف باحتكاك متزايد معها، يستوجب على حجل موقفا علنيا، ومن الأفضل أن يكون ذا رسالة مصالحة وليست رسالة مناكفة وتهديد.
ان الانتقال الحاد من عدم الاكتراث و”الاحتواء” لمظاهرة القوة في كل وضعية وزمن – والذي تحول عمليا الى استراتيجية إسرائيل في نصف السنة الأخيرة من شأنه ان يوقع على رأسها معركة أخرى لا يبدو أن لاي من الطرفين مصلحة فيها وتعرض للخطر احد الذخائر الاستراتيجية الإسرائيلية الأهم في نصف القرن الماضي. كل هذا في الوقت الذي تكون فيه إسرائيل غارقة حتى الرقبة في ساحات قتال لا تنتهي، تعلق في عزلة حادة في الساحة الدولية، ويصعب عليها تثبيت اجماع داخلي للمواجهات المختلفة وبخاصة تلك التي في غزة.
——————————————
يديعوت 28/9/2025
خطة الـ 21 نقطة: الاتفاقات والخلافات، التقدير: إسرائيل ستقبل خطة ترامب
بقلم: ايتمار آيخنر
في إسرائيل يقدرون باحتمالية عالية أن تخرج خطة الـ 21 نقطة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى حيز التنفيذ، بما في ذلك صفقة مخطوفين. وحسب مصادر مطلعة على التفاصيل، فان أغلبية عناصر الخطة مقبولة بل وتعد مناسبة لإسرائيل، لكن لا تزال توجد بنود يرغب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تعديلها قبل لقائه مع ترامب في البيت الأبيض غدا.
ترامب معني بانهاء الحرب في أقرب وقت ممكن، ويتطلع الى صفقة شاملة لتحرير كل المخطوفين في بداية وقف النار. هذا رغم أنه بالتوازي، يواصل مبعوثه الخاص ويتكوف البحث مع الوسطاء القطريين في تنفيذ صفقة تدريجية لتحرير 10 مخطوفين احياء ونصف الموتى، مقابل وقف نار من 60 يوما ومواصلة المفاوضات.
هدف اللقاء بين ترامب ونتنياهو الذي سينعقد غدا هو تحقيق تنسيق اقصى في موضوع المعركة في غزة، مخطط لتحرير مخطوفين و “اليوم التالي” للحرب، الى جانب تنسيق الرد الإسرائيلي على الاعتراف بدولة فلسطينية. فضلا عن هذه المسائل فان موضوع مركزيا آخر سيطرح في اللقاء هو التقدم السياسي نحو تسوية امنية مع سوريا.
إسرائيل مستعدة لتحرير مخربين كجزء من صفقة لكنها تعارض تحرير “رموز”، مثل مروان البرغوثي. مصدر تحدث مع نتنياهو قدر بانه حتى 7 أكتوبر سيتفق مع الأمريكيين على المباديء لانهاء الحرب – حتى لو تواصل التنفيذ حتى نهاية السنة. في الطريق للتوقيع على صفقة سيتعين على نتنياهو ان يقنع شركاءه في الائتلاف.
في إسرائيل يوجد تخوف من أن البند المتعلق بنزع سلاح حماس غامض جدا. يبدو أن امام نتنياهو خيارين: إما ان يدعي بان الخطة لطرد حماس ليست جيدة بما يكفي او أن يقول انه يقبلها، يقبل تحرير المخطوفين وفي اللحظة التي تبقى فيها حماس في القطاع، يكون له المبرر لمواصلة الحرب.
نقطة خلاف أخرى هي صندوق المساعدات الأمريكي. في إسرائيل يخشون من أن يقرر ترامب في النهاية اغلاقه ونقل المسؤولية عن توزيع المساعدات الى منظمات الأمم المتحدة، ما لا يحبونه في إسرائيل في ضوء تجربة الماضي وحقيقة أن القوافل سرقتها حماس.
مبادرة الـ 21 نقطة لانهاء الحرب، التي عرضت في نهاية الأسبوع، تتضمن ضمن أمور أخرى تحرير كل المخطوفين في غضون 48 ساعة مقابل الاف السجناء الفلسطينيين، انسحاب متدرج للجيش الإسرائيلي، التعهد بعدم مهاجمة قطر وسلسلة أخرى من البنود.
——————————————
معاريف 28/9/2025
رئيس الاركان عرض حياة جنود للخطر، يجب أن تشعل ضوء احمر امام الجمهور
بقلم: افي اشكنازي
أخطأ رئيس الأركان الفريق ايال زمير يوم الجمعة خطأ جسيما. فقد تشوش. هو ليس رئيس أركان الملك، هو رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي. جيش الدولة – وليس جيش الملك. ليس جيش حزب وليس حزب عائلة كهذه او تلك.
ان ارسال الجنود على شاحنات ومكبرات صوت الى داخل غزة لاجل اسماع خطاب الزعيم الأعلى، خطاب ألقاه يوم الجمعة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة أمام قاعة فارغة بسبب حقيقة أن دولا عديدة قاطعته، هو قرار هاذٍ. فقد بات الجميع يعرفون بانه لم يأتِ ليتحدث مع العالم، بل سافر الى منهاتن كي يجري جولة على قاعدته هنا في البلاد. لكن المشكلة ليست في رئيس الوزراء نتنياهو، ففضلا عن الحيل والاحابيل وخلق هدم وشرخ هو لا ينجح في أن يدير هنا شيئا. فلو كان عليه ان يقول أقوالا شجاعة، حقيقية، تعطي الامل – ما كان يحتاج الى مكبرات صوت كي يسمع الناس صوته في كل العالم بما في ذلك في غزة المدمرة. المشكلة هذه المرة هي مع رئيس الأركان، الاستراتيجي العسكري، الذي مع كل الاحترام للشخص – ارتكب خطأ لا يرتكبه الا الاغرار.
مجرد حقيقة أن في الجيش قالوا ان رئيس الأركان طلب من رئيس الوزراء ان تصله التعليمات عن نصب مكبرات الصوت خطيا تتوافق مع حقيقة أنه “كان مطالبا أن يختار على أي من الحروب يصر حيال المستوى السياسي”. بمعنى ان رئيس الأركان هو الاخر فهم بانه يوجد هنا شيء ما غير سليم. حقيقة أنه أتاح تعريض حياة جنود الى الخطر على خطوة محفوظة بشكل عام لانظمة ظلامية مثلما في كوريا الشمالية، يجب أن تشعل ضوء احمر امام الجمهور الإسرائيلي.
لا شك أن الحياة المهنية لرئيس الأركان مجنونة. فالمرة تلو الأخرى يرى ان المستوى السياسي يخوض حربا في غزة ليس فقط ضد حماس بل أيضا ضد قيادة الجيش الإسرائيلي: هذا يبدأ بمحاولة وزير الدفاع إسرائيل كاتس التدخل بقدم فظة في تعيين ضباط كبار ويتواصل في محاولة نواب من الليكود منع تسوية الشروط التقاعدية لرجال الخدمة الدائمة رغم الفهم بان الامر يخلق ضغطا امام الجيش ويصعب على القيادة العسكرية الإبقاء على ضباط وضباط صف في الجيش الإسرائيلي. كما يتضمن هذا أيضا محاولات للتصعيد على تسلح الجيش للعتاد وبالذخيرة.
غدا يفترض برئيس الوزراء نتنياهو أن يلتقي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. يدور الحديث عن لقاء ستكون نتائجه حرجة لوضع إسرائيل ووضع الجيش الإسرائيلي. فهل سيفرض الرئيس الأمريكي اتفاق وقف ناس وتحرير مخطوفين ام ان الجيش سيكون مطالبا بان يواصل الغرق في وحل غزة؟
لقد سبق للاقتراحات الامريكية ان طرحت في الماضي. يوجد هنا وهناك بعض التغييرات، لكن هيكل مبنى الاتفاق المقترح واضح. السؤال أي مناورة تملص سيمتشقها هذه المرة نتنياهو كي يحمي سلامة ائتلافه. في هذه الاثناء في الجيش يديرون قتالا على نمط “إيطالي” – يتحركون ببطء وبثقة وببساطة ينتظرون ان ينهي ترامب هنا قصة الحرب التي كان يمكن لها منذ زمن بعيد أن تنتهي، بذات الشروط الموضوعة اليوم على الطاولة.
——————————————
هآرتس 28/9/2025
والدة أحد “المخطوفين”: ذهب في جولة أخرى للأمم المتحدة منتعلاً عذابات ابني
بقلم: أسرة التحرير
خطاب نتنياهو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة أمس كان استعراضاً لألعاب نارية متعبة أمام قاعة فارغة. واختار دائرة مغلقة من التلاعبات والاتهامات بدلاً من اختيار عرض طريق لإنهاء الحرب وإعادة المخطوفين والانسحاب من غزة، وكذا عرض رؤيا لحل النزاع مع الفلسطينيين مثلما فعل معظم زعماء العالم الأسبوع الماضي.
بهذا هو لا يعزل إسرائيل عن العالم فقط، بل يعزل مواطنيها عن أنفسهم أيضاً: من فهم واع لمسؤوليته المباشرة عن تدهور مكانة الدولة ومناعتها وأمنها. لا يمكن مطالبة العالم بالتركيز على مشاهد 7 أكتوبر وتجاهل مشاهد ما تفعله إسرائيل في غزة – التي يراها العالم، بخلاف الإسرائيليين منذ سنتين – فما بالك أن إسرائيل نفسها تعرض مواطني غزة كضحايا تستخدمهم حماس كدروع بشرية.
ليس صدفة أن تلقي عائلات المخطوفين بذنب استمرار التخلي عن أعزائها على نتنياهو. هي تفهم بأن نتنياهو عرقل صفقات وعمق الحرب من أجل مواصلتها، وأن المخطوفين تحولوا من هدف إنقاذ من جانب إسرائيل إلى ذريعة تهكمية لمواصلة القتال. أجادت عيناب تسنغاوكر في صياغة إحساس الصدمة: “في الوقت الذي يجتاز فيه متان ابني تعذيبات في الأسر، ها هو نتنياهو يجري عليه جولة في الأمم المتحدة”.
على هذه الخلفية، يجدر بنا أن نحيي ترامب على مبادرته الجديدة خطة الـ 21 نقطة. وحسب المنشورات، يتضمن المخطط تحرير كل المخطوفين فوراً، أحياء وأمواتاً، وانسحاباً إسرائيلياً تدريجياً من القطاع، وإنهاء حكم حماس ونقل إدارة غزة إلى جهة دولية عربية بمشاركة السلطة الفلسطينية. تعد الخطة بمساعدات إنسانية غير محدودة لإعمار القطاع بأموال الأسرة الدولة وبالأساس خط نهاية للحرب عديمة الجدوى.
لقد أوضح ترامب لنتنياهو بعدم السماح بضم للضفة الغربية، وهو قول يساعد في لجم هذيانات المسيحانية لدى معسكر اليمين الإسرائيلي، الذي لا يرى في 7 أكتوبر كارثة، بل فرصة. لكن هذا لا يكفي: على ترامب أن يفهم بأن نتنياهو لا يتطلع إلى إنهاء الحرب.
الخيار واضح الآن: هناك خطة عملية يؤيدها زعماء الدول العربية، حيال خطاب زائد في الأمم المتحدة كان أساساً رصاصة بدء لحملة انتخابات شخصية. على إسرائيل أن تقول بصوت واضح: نعم لصفقة المخطوفين، نعم لإنهاء الحرب، نعم لليوم التالي في غزة.
سيقف نتنياهو وترامب. لكن المسؤولية ملقاة على الرئيس الأمريكي: عليه أن يصر، مثلما يعرف كيف يصر، ويحقق أخيراً الصفقة التي تعيد المخطوفين وتوقف حمام الدماء.
—————–انتهت النشرة—————–