المسار : دحض عدد كبير من المراقبين والمعلقين الإسرائيليين رواية رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو حول الانتصار ودفع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لقبول الاتفاق مبدئيًا بسبب الضغط العسكري المثابر عليها، مشددين على أن العامل الفارق هو الرئيس ترامب، وسط تساؤلات عن مدى استقلالية إسرائيل: هل هي دولة سيادية أم دولة تحت الرعاية الأمريكية؟ وذهب بعضهم إلى حد القول إن قائد الجيش الإسرائيلي الفعلي موجود داخل البيت الأبيض.
ويؤكد عدد كبير من هؤلاء أن هذه الحرب، التي تحل ذكراها الثانية بعد يومين، ليست نصرًا ولا مطلقًا، ويرشون ماءً فاترًا على التفاؤل الكبير، لأن المخاض طويل ويستغرق وقتًا.
ناحوم برنياع: ربما تكون طريقة ترامب هذه كارثة للأمريكيين ولديمقراطيتهم، لكن في الشرق الأوسط هي الطريقة الوحيدة صاحبة الحظ الأكبر للتطبيق
وتأتي هذه التوضيحات والتحذيرات على خلفية محاولة جديدة لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، في الليلة الفائتة، لاحتلال وعي الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم بشريط فيديو قال فيه إنه لولا الضغط العسكري الذي أصرّ عليه ضد “حماس” لما وصلت إلى لقبول. وفي محاولة لتثبيت ائتلافه الحاكم، وتثبيت صورته وهيبته، قال نتنياهو أيضًا: “نحن على حافة نصر كبير”، متحاشيًا استخدام تعبير “النصر المطلق” الذي طالما تشدّق به. بدت مزاعم نتنياهو الأخيرة محاولة لتسويق روايته، وضربة استباقية ضمن السباق على الوعي، وهو يدرك أنه علاوة على وقف الحرب من قبل ترامب دون استشارته ووقف معادلة “مفاوضات تحت النار”، تنتظره عملية الإفراج عن مئات من الأسرى الفلسطينيين، منهم 250 من ذوي المؤبدات العالية، وصور هؤلاء وهم يغادرون السجون يرفعون شارة “نصر” تترك مفاعيل قوية في الجانب الإسرائيلي.
على خلفية ذلك وغيره، تواصل جهات إسرائيلية إبداء تشكك حيال نوايا نتنياهو، ويقولون إنه ربما يسعى لتعطيل الصفقة المطروحة والمفروضة من قبل ترامب. في هذا المضمار، ينقل رونين بيرغمان، محلل الشؤون الاستخباراتية في “يديعوت أحرونوت”، اليوم الأحد، عن مسؤولين كبار في إسرائيل قولهم إنهم قلقون لأن خطابات نتنياهو هذه تؤثر سلبًا على “حماس”، وربما تدفعها للتشدد في مواقفها.
الحقيقة مختلفة
وفي تعقيب على مزاعم نتنياهو، قال مستشار الأمن القومي الأسبق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، للإذاعة العبرية، اليوم الأحد، إنه لا مكان لتفاؤل زائد حيال احتمالات الصفقة كما انعكس في خطاب نتنياهو ليلة أمس، وتابع: “أنا لست متأكدًا أن يتم ذلك خلال أيام، فالمفاوضات في مصر غدًا ليست تقنية، وحماس ستطرح مطالب ومسائل صعبة”.
ويؤكد محلل الشؤون الإستراتيجية يوسي ميلمان أن ترامب فرض وقف الحرب وجعل المفاوضات ليست تحت النار بعكس شهوة إسرائيل، مثلما فرض على “حماس” أيضًا من خلال دول عربية وإسلامية، بل إنه قام بعملية “اغتصاب” للطرفين.
في حديث لراديو “الناس”، الذي يبث من مدينة الناصرة داخل أراضي 48، يضيف ميلمان: “هناك مصاعب في الطريق، لكنني أثق بأن يخرج الاتفاق لحيز التنفيذ. التبادل سيكون بعد 72 ساعة… وربما أطول بسبب صعوبة التعرف على الجثامين. بعد ذلك تبدأ المفاوضات على المراحل الأخرى كعمق الانسحاب، نزع سلاح “حماس” وهجرة بعض قادتها. خريطة الانسحاب الأول التي كشف عنها ترامب في الليلة الفائتة غير مقبولة بالكامل على إسرائيل، ولكنه سيفرضها. ترامب راغب جدًا بجائزة نوبل للسلام، رغم أنه لم يتبقَّ له وقت. إذا حاز أوباما على نوبل دون سبب، فترامب يستحق”.
وردًا على سؤال، قال ميلمان أيضًا إن الإسرائيليين منقسمون، ولكن بالتأكيد أنصار سموتريتش وبن غفير يعارضون، لكنهم ينتظرون انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، وبالنسبة لهم فإن مواصلة المفاوضات في المرحلة التالية سبب لتفكيك الائتلاف”.
وردًا على سؤال آخر، يرى ميلمان أن معاودة نتنياهو للحرب احتمال وارد، ولكن بدون شرعية، وربما الجانب العربي والإسلامي سيحول دون ذلك بسبب وجود اعتبارات ومصالح أخرى لدى ترامب في دول عربية وإسلامية، وكفة هذه الدول العربية سترجح على كفة إسرائيل الآن. هناك تفاؤل، وهذه المرة تبدو المحاولة جدية أكثر”.
إنقاذ إسرائيل من الانهيار
وينسف المحلل السياسي البارز في القناة 12 العبرية بن كاسبيت، ضمن مقال تنشره صحيفة “معاريف”، مزاعم نتنياهو المذكورة بقوله إنه بخلافها لا يوجد تهجير ولا “ريفييرا” ولا يحزنون ولا ضمًّا، لافتًا إلى أن ترامب أعاد إسرائيل للواقع على الأرض.
ويتهم المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني نتنياهو بتفويت فرصة وبإضاعة مكاسب كبيرة، معتبرًا أن إسرائيل انتصرت في المعركة وخسرت في الحرب: كل المكاسب الإستراتيجية الجوهرية مقابل إيران و”حزب الله” بدأت تتبدد بسبب المساس العميق بمكانة إسرائيل الدولية، ولذلك فإن الاتفاق المطروح الآن ينقذها من الانهيار.
ويبدي زميله في الصحيفة عاميحاي أتالي تشككًا أكبر، في مقال بعنوان “أين نحن وأين الانتصار”، ويقول إن نتنياهو عمليًا يوافق على “أوسلو 2025”: “في هذه المرة أيضًا إرهابيون فلسطينيون هاجمونا (7 أكتوبر)، وبعد عامين من المواجهات داخل القطاع نحن ننسحب من مناطق حيوية لأمننا وهم يحصلون على أفق لدولة”.
وتختار صحيفة “هآرتس” عنوانًا رئيسًا يقول إن ترامب فرض على إسرائيل وقف القتال والشروع بمفاوضات. ويرى المحلل العسكري فيها عاموس هارئيل أن ترامب لا يكتفي بفرض رغبته على إسرائيل و”حماس”، بل كعادته يعلن الحرب على الحقائق، وهو يصف “التفاهمات الجزئية كبشرى كبرى”.
يُشار إلى أن ترامب يواصل طريقة معالجته للقضية من خلال تغريدات وتصريحات متتالية وبوتيرة عالية، ويبدو أن هذه طريقة شغله في محاولة فرض حقائق على الأرض بعصا غليظة مشهرة، بعكس الرئيس الأمريكي الراحل كارتر في كامب ديفيد، الذي أدخل المفاوضين المصريين والإسرائيليين داخل غرف موصدة بعيدًا عن الإعلام حتى توصلوا لاتفاق كامب ديفيد.
بيد أن المحلل السياسي الأبرز ناحوم برنياع يرجح أن طريقة ترامب تبدو غير منطقية وغير ديمقراطية لكنها مفيدة: “ربما تكون طريقة ترامب هذه كارثة للأمريكيين ولديمقراطيتهم، لكن في الشرق الأوسط هي الطريقة الوحيدة صاحبة الحظ الأكبر للتطبيق”.
المسألة غير منتهية بعد
ويشارك المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم” يواف ليمور في رش ماء فاتر على التفاؤل المتصاعد في العالم حيال احتمالات وقف الحرب وإتمام صفقة بقوله إنه في الشرق الأوسط لا شيء منتهيًا حتى ينتهي وينجز تمامًا. ويشير ليمور إلى أن صبر ترامب ينفد، وإسرائيل تدرك ذلك، لا سيما أن بدائل هذه الصفقة المقترحة أسوأ بكثير، ولكن في الطريق هناك “لعم” (“نعم ولكن”) التي تخبئ داخلها تفاصيل الاختلافات، وهي غير صغيرة: طبيعة نظام الحكم في غزة، وكيف ستترجم كلمة “نزع سلاح” في الميدان.
يُشار إلى أن النقاط المتفق عليها: إعلان إنهاء الحرب، تبادل أسرى، إدخال غذاء بشكل مكثف لغزة، انسحاب لخطوط متفق عليها، وفي المقابل هناك جملة نقاط خلافية أبرزها: سلاح “حماس”، عمق وزمن الانسحاب من القطاع، ومستقبل القطاع.