كتب د. ماهر عامر : قراءة نقدية في القرار بقانون بشأن انتخابات الهيئات المحلية .. بين التعددية السياسية وتقييد الحريات

المسار : قراءة نقدية في القرار بقانون بشأن انتخابات الهيئات المحلية: بين التعددية السياسية وتقييد الحريات

رغم التحديات الكبرى التي تواجه قضيتنا ومصيرنا الوطني، فأن القرار بقانون الناظم لانتخابات الهيئات المحلية يشكّل محطة مفصلية تستوجب التوقف أمام عدد من الإشكاليات القانونية والسياسية التي تمس صميم العملية الديمقراطية والوطنية وحقوق المواطنين الأساسية. فبينما يفترض أن تكون الانتخابات المحلية محطة نضالية لمواجهة سياسة الاحتلال ومستوطنيه ومساحة مفتوحة للمنافسة الحرة وتطوير الأداء الخدماتي، جاءت بعض نصوص القرار لتفرض قيوداً سياسية وإدارية تخرج عن الغاية الأصلية لهذه الانتخابات، وتحمل في طياتها مخاطر على التعددية والمساواة وحسن الإدارة والاداء.

حيث يشترط القرار بقانون على المرشحين تقديم إقرار بالالتزام ببرنامج منظمة التحرير وقراراتها الدولية. ورغم مكانة منظمة التحرير ككيان وطني جامع، إلا أن فرض الالتزام ببرنامج سياسي محدد كشرط للترشح يتناقض مع المبادئ الدستورية التي تكفل حرية الفكر، والتعددية السياسية، والمساواة بين المواطنين دون تمييز.فالانتخابات المحلية هي انتخابات خدماتية لا تُعنى بالسياسات العليا أو خيارات التسوية رغم اهميتها كأحد ادوات المواجهة وتعزيز الصمود في ظل تغول الاستيطان وسياسات الاحتلال الهادفة الى مصادرة وفرض الوقائع على الارض، ولا يجوز تحويلها إلى منصة لفرض الولاء السياسي أو الاصطفاف الإجباري، خاصة أن شعبنا ما زال يعيش تحت احتلال يمارس القتل والاعتقال والمصادرة والاقتحام، ويقيد كل مظاهر السيادة. من المفارقة أن انتخابات المجالس البلدية في السبعينات جاءت لتعزيز دور القوى الوطنية في مواجهة الاحتلال دون اشتراط اعتراف الفلسطينيين به، وكانت تلك الانتخابات تعبيراً عن إرادة شعبية صلبة ، فكيف نضع نحن اليوم شروطاً أقسى من شروط الاحتلال نفسه؟ وكيف نقبل أن تصبح الانتخابات المحلية مشروطة باعتراف سياسي بينما الهدف الوطني الجامع للفلسطينيين هو الخلاص من الاحتلال، مع الاختلاف الطبيعي في الوسائل والأدوات؟

ورغم البنية الاستعمارية لدولة الاحتلال، إلا أن نظامها السياسي يتيح تعددية واسعة تضم عشرات الأحزاب ذات الخلفيات المتنوعة. فهل يعقل أن تكون التعددية مكفولة حتى داخل دولة تقوم على الإقصاء، بينما تُقيَّد في إطار نظام انتخابي فلسطيني يفترض به أن يكون أكثر اتساعاً وانفتاحاً؟

ومن ناحية اخرى فأن القانون بقرار تراجع عن الالتزامات الوطنية، حيث يتجاهل القرار بقانون الالتزام الواضح الذي أقرّه المجلسان الوطني والمركزي برفع نسبة تمثيل المرأة إلى 30% في الهيئات المنتخبة.

ورغم الدور المحوري للمرأة الفلسطينية في النضال والعمل المجتمعي، لم يُترجم هذا الالتزام في النصوص الملزمة، مما يبقي مشاركة المرأة شكلية أو هامشية، في تعارض مباشر مع روح القرارات الوطنية ومعايير العدالة الجندرية.

واذا نظرنا بعمق على النصوص الاجرائية المتعلقة بالية الانتخاب والانظمة المقره لذلك فأنا نرى أن القرار بقانون يحمل في طياته الوصاية على الهيئات… سلطة التعيين بدل الإرادة الشعبية، من خلال منح القرار بقانون وزير الحكم المحلي صلاحية تعيين رئيس للهيئة في حال استقالة الرئيس المنتخب، دون تحديد آليات واضحة أو ضمانات تمنع التعسف أو التسييس.وهذا يفتح الباب أمام التدخل المباشر في الهيئات المنتخبة وإعادة إنتاج الوصاية الإدارية بدل احترام مبدأ تداول المسؤولية عبر الانتخابات أو عبر إجراءات ديمقراطية داخلية.

وبالنظر الى النظام الفردي في المجالس القروية… تعميق للعائلية على حساب الكفاءة، اعتماد النظام الفردي في المجالس القروية يعزز بشكل واضح الانتماءات العائلية والعشائرية، على حساب الكفاءة، والتمثيل السياسي، والمهنية. فالمرشح الفردي يصبح محكوماً بثقل العائلة أكثر من البرنامج أو القدرة، مما يتعارض مع الهدف الأساسي من وجود الهيئات المحلية كأجسام خدماتية متخصصة. أما القائمة المفتوحةبين الفكرة الجيدة وغياب الدراسة الواقعية، ورغم أن نظام القائمة المفتوحة قد يبدو خياراً ديمقراطياً مرناً، إلا أنه يحتاج إلى دراسة معمقة تتناسب مع واقع الهيئات الفلسطينية وظروفها الاجتماعية والسياسية. ففي كثير من الحالات، قد يؤدي إلى تفتيت الأصوات داخل القائمة الواحدة، ويحد من قدرة المجالس على إدارة شؤونها بكفاءة أو تطوير الأداء وتحسين الخدمات، ما لم ترافقه إصلاحات إدارية وتشريعية واضحة.

إن القرار بقانون، بصيغته الحالية، يخلق منظومة انتخابية تحمل من التناقضات أكثر مما تحمل من التطوير. فبدلاً من تعزيز المشاركة الشعبية والتعددية وحرية التعبير، نجد أنفسنا أمام اشتراطات سياسية، وآليات وصاية، ونظام انتخابي يعيد إنتاج العائلية ويضعف دور المرأة ويشوّه جوهر العملية الديمقراطية.

المطلوب اليوم هو إصلاح شامل يعيد الاعتبار إلى:التعددية السياسية، الحرية الفكرية،تمثيل المرأة وفق السقف الوطني (30%)، استقلالية الهيئات المنتخبة، الكفاءة والمهنية، ونظام انتخابي منسجم مع الواقع الفلسطيني.

جميع المقالات تعبرعن وجهة نظر أصحايها وليس عن وجهة نظر المسار

Share This Article