بقلم”وسام زغبر”حين يترجّل القادة بصمت… خالد عطا نموذجًا

المسار ببالغ الحزن، وبقلوبٍ يثقلها الفقد، نقف اليوم أمام لحظة وداعٍ قاسية، لا نودّع فيها شخصًا فحسب، بل نودّع معنىً من معاني الالتزام الوطني، وقيمةً نضاليةً نادرة، تجسّدت في سيرة القائد المناضل، عضو المكتب السياسي، وأحد مؤسسي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الرفيق الشهيد أحمد زكي عبد العال (خالد عطا).

يرحل خالد عطا، ولا يرحل أثره. يغيب الجسد، لكن السيرة تبقى شاهدة على زمنٍ كان فيه النضال خيارًا وجوديًا، لا موقعًا ولا لقبًا. كان من أولئك الذين كتبوا تاريخهم بالفعل لا بالكلمات، وحفروا أسماءهم في ذاكرة القضية بصمت الكبار، وبثبات المؤمنين بعدالة الطريق.

قبل سبع سنوات، حين زرت دمشق، أتيح لي أن أتعرف إلى الرفيق خالد عطا عن قرب. لم يكن اللقاء عابرًا، بل ترك في الذاكرة أثرًا عميقًا. وجدته مثالًا نادرًا للقائد المعطاء، المتفاني، شديد الإخلاص في عمله، بسيطًا في حضوره، عميقًا في رؤيته، يستمع أكثر مما يتكلم، ويمنح وقته وجهده دون منّة أو استعراض. في تلك الجلسات، أدركت أن بعض القادة لا يصنعون هيبتهم بالصوت العالي، بل بالمعرفة، وبالهدوء الواثق، وبالانحياز الدائم للناس والقضية.

من بئر السبع التي وُلد فيها، إلى غزة التي لجأ إليها، ومن مصر إلى ليبيا، ومن الجزائر إلى لبنان وسوريا، لم تكن الجغرافيا عند خالد عطا سوى محطاتٍ في درب فلسطين. في كل مكان حلّ فيه، كان حاضرًا بالفعل، متقدّمًا حين يُطلب التقدّم، ومتراجعًا عن الأضواء حين يكون الصمت أصدق وأبلغ.

خاض معارك الدفاع عن الثورة الفلسطينية، وعن منظمة التحرير الفلسطينية، وعن مخيمات اللاجئين في أحلك الظروف. واجه الغزو والعدوان بثباتٍ لا يلين، وظلّ حتى أيامه الأخيرة منحازًا للفقراء، والمنفيين، واللاجئين، مدافعًا عن حق شعبه في الحرية وتقرير المصير، وعن الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس، وعن حق العودة الذي لم يفارق وجدانه يومًا، وفق القرار الأممي 194.

وإلى جانب دوره النضالي والسياسي، كان خالد عطا مفكرًا جادًا، واسمًا حاضرًا في النقاشات الاقتصادية الوطنية. في كتاباته ودراساته حول القضايا الاقتصادية، قدّم قراءة عميقة للاقتصاد الفلسطيني في سياق التبعية والاحتلال، وربط بين التحرر الوطني والتحرر الاقتصادي، مؤمنًا بأن العدالة الاجتماعية جزء لا يتجزأ من مشروع التحرر، وأن معركة الفقراء لا تقل أهمية عن معركة الحدود والسيادة.

لم يكن الرفيق الشهيد أحمد زكي عبد العال قائدًا بالصوت العالي، بل بالقدوة. لم يكن من هواة الخطابة، بل من صنّاع المواقف. عاش متواضعًا، ورحل كبيرًا، وترك فينا وجع الفقد، لكنه ترك أيضًا ما هو أثمن: معنى الوفاء، وصلابة الانتماء، ونقاء اليد، وصدق الالتزام.

نودّعه اليوم، ونحن نعرف أن الطريق من بعده سيكون أصعب، لكننا نعاهد روحه الطاهرة، ونعاهد شهداءنا جميعًا، أن نبقى أوفياء للدرب ذاته، وأن نحمل الراية كما حملها، وأن نمضي حتى الحرية، وحتى تعود فلسطين لأهلها، ويعود اللاجئون إلى ديارهم، وتقوم الدولة التي حلم بها وناضل من أجلها.

سلامٌ على روحه في عليائها،

سلامٌ على من رحلوا وبقوا فينا،

المجد للشهداء،

الخلود للمناضلين،

والحرية لفلسطين.

Share This Article