
المسار الاخباري : كشف مصدر مقرب من مؤسسات شؤون الأسرى الفلسطينيين أن العشرات من رواتب أسرى محررين وأسيرات محررات وعائلات أسرى معتقلين تواصلوا مع المؤسسة واستفسروا عن سبب عدم وجود مستحقاتهم المالية في مكاتب البريد الفلسطينية.
وقال مصدر خاص لـ«القدس العربي»: إننا على الأغلب أمام قرار سياسي فلسطيني يقضي بقطع رواتب الأسرى المحررين والمعتقلين».
وأضاف أن الجهات الفلسطينية التي يوكل لها ملف الأسرى رفعت قوائم مالية كاملة كالمعتاد إلى وزارة المالية الفلسطينية تتضمن مستحقاتهم الشهرية، وأنها تفاجأت من النتيجة تمامًا مثل عائلات الأسرى والأسرى المحررين حيث لم يجدوا أي مستحقات مالية
وقالت مصادر مطلعة إن اختيار أسماء الأسرى الذين قُطعت رواتبهم تم من خلال لجنة مشتركة من أجهزة أمن السلطة ووزارة المالية، حيث أُرسلت القوائم من هيئة شؤون الأسرى كاملة، فيما كان قرار القطع مصدره وزارة المالية بالتنسيق مع أجهزة أمن فلسطينية.
وأشارت إلى أن الصورة حتى اللحظة غير واضحة، ولم يصدر أي موقف رسمي من هيئات الأسرى، لكن الكثير من الأسرى وعائلاتهم عبّروا عن توقعاتهم باستمرار قطع الرواتب استجابة لضغوط سياسية خلال الأشهر المقبلة.
وكشفت مصادر قريبة من عائلات الأسرى أن من ضمن قرارات قطع الرواتب شملت الأسيرة المحررة حنان البرغوثي من بلدة كوبر شمال غرب رام الله وأولادها وزوجها الأسرى، وهي شقيقة المحرر المبعد نائل البرغوثي والقيادي الراحل عمر البرغوثي «أبو عاصف» وعمة الشهيد صالح والأسير عاصم.
وأعربت «جمعية واعد للأسرى والمحررين» عن رفضها واستنكارها الشديدين لإقدام السلطة الفلسطينية على قطع رواتب 1612 أسيرًا لا يزالون يقبعون في سجون الاحتلال، إلى جانب مئات آخرين استهدفوا بقرارات مشابهة خلال السنوات الماضية تحت ذرائع واهية، أبرزها ما يُسمى بـ»المصلحة الوطنية» و»حماية التمويل الدولي».
وقالت الجمعية في بيان صحافي إن «هذه الإجراءات تتنافى كليًا مع الواجبات الوطنية والإنسانية والأخلاقية تجاه قضية الأسرى، وتمثل امتدادًا خطيرًا لسياسات الإقصاء والتهميش التي تُمارس بحق شريحة قدمت حريتها من أجل كرامة وحرية الشعب الفلسطيني».
وأكدت الجمعية «رفضها التام للتعامل مع ما يُسمى بـ«مؤسسة تمكين»، التي يُراد منها أن تتحول إلى أداة وظيفية تمارس الإهانة والإذلال بحق عوائل الشهداء والجرحى والأسرى المحررين، وتقصي المؤسسات الوطنية ذات التاريخ والمصداقية في رعاية هذه الملفات».
وقالت إن «التفريط بقضية الأسرى والشهداء والجرحى، أو التعامل معها من منطلقات بيروقراطية وإملاءات خارجية، يُعد عبثًا بالهوية الوطنية الفلسطينية واستهتارًا بتضحيات آلاف العائلات التي قدمت أبناءها من أجل هذا الوطن».
وأدان «تجمع المؤسسات الحقوقية – حرية»، المساس بحقوق الأسرى والمحررين وعوائل الشهداء والجرحى.
وقال في بيان صحافي «نعرب عن استنكارنا الشديد لهذا النهج المتكرر في تهميش رموز النضال الوطني الفلسطيني، ونؤكد أن قضية الأسرى والمحررين وذوي الشهداء ليست قضية مالية أو خدماتية بحتة، بل هي قضية وطنية سيادية مرتبطة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ومقاومة الاحتلال، وأي انتقاص منها يُعد تعديًا صريحًا على الكرامة الوطنية وجريمة سياسية وأخلاقية في آن واحد».
وطالب التجمع السلطة الفلسطينية بالتراجع الفوري عن قرار قطع الرواتب بحق الأسرى في سجون الاحتلال
وأكد ضرورة وقف إحالة ملفات المحررين والشهداء إلى مؤسسات ذات طابع إداري مُسيس.
ودعا إلى «إعادة الاعتبار للأطر الوطنية ذات الاختصاص بما يضمن شراكة حقيقية تُعزز صمود فئات الشعب الفلسطيني المناضلة واحترام مكانة قضية الأسرى كملف وطني غير قابل للمقايضة أو الخضوع للإملاءات الخارجية».
ويوم السبت، خرج الخلاف بين «مؤسسة تمكين»، ومؤسسات الأسرى وعلى رأسها «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» و»نادي الأسير الفلسطيني»، حيث صدر بيان صحافي أعربا فيه عن رفضهما لمساعي «مؤسسة التمكين الاقتصادي» بفرض استمارة المسح الاجتماعي على الأسرى وذويهم، وذلك من خلال إطلاق رابط إلكتروني خاص يدعوهم لتعبئة الاستمارة، واستنادًا عليها سيتم تحديد ما يمكن أن يقدم لهم ولذويهم من مخصصات مالية.
وأوضحت مؤسسات الأسرى أن «الأسابيع والشهور الماضية «شهدت نقاشًا طويلًا حول الاستمارة، وهناك إجماع على ضرورة التعاون للخروج من المأزق السياسي العام، والذي ترتب عليه جملة عقوبات على دولة فلسطين، ولكن علاج الأمر لن يكون بهذا الشكل وهذه الطريقة، لما فيها من انتقاص لنضالات أسرانا وصمود أسرهم».
وأضاف البيان «نؤكد مجددًا في مؤسسات الأسرى أننا نعلم حجم الضغوطات على القيادة الفلسطينية، وأن الكل الفلسطيني دفع ثمنًا لتمسك السيد الرئيس بالحقوق الكاملة لمناضلي الشعب الفلسطيني داخل السجون والمعتقلات، وتحدثنا بوضوح أننا على جاهزية لكل أشكال الحوار والتعاون للتخلص من هذه العقوبات، ولتفويت الفرص على إسرائيل وحلفائها، ونجدد جاهزيتنا للتفكير الجماعي المسؤول على قاعدة المسؤولية الوطنية الكاملة».
وفي شباط/فبراير الماضي، أعلنت «هيئة شؤون الأسرى» وقف تعاونها مع مؤسسة «تمكين» بعد اكتشافها مخالفات للتفاهمات المتفق عليها، والتي كانت تهدف إلى الحفاظ على الحقوق المعنوية والمادية للأسرى. واستنكرت ما وصفته بـ»محاولات تضليل» تتعلق بإعادة نشر مراسلات قديمة مع «تمكين»، مؤكدة أن هذه المراسلات تعود إلى ما قبل صدور المرسوم الرئاسي المتعلق برواتب عائلات الشهداء والأسرى.
كما دعت إلى تشكيل لجنة تحقيق لمحاسبة المسؤولين عن نشر هذه المراسلات، معتبرة أن استخدامها في هذا التوقيت يهدف إلى تضليل الشارع الفلسطيني والرأي العام
بعدها بأيام، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرسومًا رئاسيًا يقضي بإلغاء المواد الواردة بالقوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى في قانون الأسرى واللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ونص المرسوم الرئاسي على نقل برنامج المساعدات النقدية المحوسب وقاعدة بياناته ومخصصاته المالية والمحلية والدولية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي
بعد ذلك، عقد رئيس هيئة شؤون الأسرى قدورة فارس مؤتمرًا صحافيًا ناشد فيه الرئيس محمود عباس سحب قراره بإلغاء مخصصات الأسرى والشهداء.
ولم تمض أيام حتى جاء القرار الرئاسي بإقالة قدورة فارس بعد أيامٍ قليلة من إعلان رفضه «إلغاء رواتب الأسرى والشهداء والجرحى»
يذكر أن مؤسسة «تمكين» الاقتصادي تأسست عام 2019 كمؤسسة مستقلة تهدف إلى تمكين العائلات والأفراد من الفئات الهشة اقتصاديًا، إلا أن تدخلها في ملف مخصصات الأسرى أثار جدلًا واسعًا وانتقادات حادة من قبل مؤسسات الأسرى والفصائل الفلسطينية
وتأتي هذه التطورات في ظل ضغوط إسرائيلية وأمريكية متزايدة على السلطة الفلسطينية لوقف مخصصات الأسرى والشهداء، والتي تصفها «إسرائيل» بأنها «تمويل للإرهاب»، وقد استخدمت «إسرائيل» هذه المخصصات كذريعة لتجميد أموال المقاصة التي تجبيها نيابة عن السلطة الفلسطينية
ويرى مراقبون أن مسألة قطع رواتب الأسرى أو عائلاتهم ينظر إليها بحساسية كبيرة، فهي مصدر دخل لكثير من العائلات. ويعد أكبر المتضررين عائلة الأسير المتزوج وزوجته وأولاده حيث يغلب على هذه الحالات أنها تعيش على راتب ابنها الأسير، فيما يُعد قطع الراتب تركًا لهم لمصير مجهول.