
الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
هآرتس 31/1/2024
حرب من أجل الدولة أم الحكومة؟
بقلم: روعي شفارتس
قبل بضعة أشهر فقط، عندما كانت دواليب الانقلاب النظامي تسير بسرعة، أعلن آلاف رجال الاحتياط أنه إذا تم استكمال التشريع فإنهم لن يمتثلوا للخدمة.
تلك كانت أيام قبل 7 أكتوبر، عندما كان يبدو أنه حتى لو حدث اشتعال أمني فإنه لن يصل إلى مستوى حرب لا مناص منها.
تلك كانت أيام فيها الأمر الأول الذي كان يخطر بالبال عندما يتم ذكر كلمة موقف ريعيم، السيارات.
وأول ما كان يخطر بالبال عند ذكر نير عوز، كيبوتس ريفي، وحرب نتنياهو، لتغيير وجه الدولة.
لكن في يوم السبت اللعين وفي الأيام التي أعقبته تقريباً لم يكن أي شك بأن هجوم حماس القاتل قد فرض على إسرائيل حرباً لا مناص منها.
حرب أي شخص في الاحتياط سواء كان مؤيدا لبيبي أو معارضاً للانقلاب كان سيمتثل فيها للأمر 8، وربما حتى كان سيتطوع دون هذا الأمر.
لكن بعد مرور ثلاثة أشهر ونصف الشهر، حيث الحرب أصبحت موجودة عميقاً في مرحلة المراوحة في المكان، والمخطوفون يموتون في الأسر في القطاع، و”اليوم التالي” تحول في محيط رئيس الحكومة إلى كلمة بذيئة (مثل أوسلو والسلام)، فإنه يطرح سؤال: هل يجب إعادة فحص ذلك. هل هذه ما زالت حرباً لا مناص منها أم حرباً مفروضة؟
للوهلة الأولى يوجد في الحقيقة هدفان لهذه الحرب. الأول هو تدمير قدرات حماس والثاني هو خلق الظروف لإعادة المخطوفين. لكن هذين الهدفين يظهر أنهما متناقضان. فكلما استمرت الحرب الخطر على حياة المخطوفين يزداد، إذا لم نقل تقرير مصيرهم.
في غضون ذلك يظهر هدف ثالث غير علني، كما كتب هنا عاموس هرئيل “رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يكرر شعارات فارغة (سنحارب حتى الانتصار)، ولكن هذا الأمر لديه ينبع بالأساس من اعتبارات بقائه. فهو يعرف أن دعم الجمهور المتزايد لصفقة تشمل تقديم تنازلات مؤلمة، فإن هذه العملية ستفكك حكومته من الداخل لأن شركاءه في اليمين المتطرف يمكن أن ينسحبوا منها” (“هآرتس”، 17/1).
عندما يكون هذا في الحقيقة هو الهدف الذي من أجله يمكن للحرب أن تستمر إلى الأبد، مع مخاطرة كبيرة بحياة المخطوفين، فهل هذه ما زالت حرباً لا مناص منها؟. هل ربما تكون قد غيرت وجهها، ليس فقط بطبيعتها، بل أيضاً بضرورتها الجارفة؟.
في الوقت الذي ما زالت فيه المدافع تدوي فإن أعضاء الحكومة لا يصمتون. فإلى جانب التبجح حول أهداف الحرب في الأشهر التي مرت منذ بدايتها، ربما الانقلاب توقف، لكن المس بالديمقراطية تسارع أكثر. وكما نشر هنا في 8/1 فإنه في الوقت الذي انقضى تم تقييد الحق في التظاهر وبدأ اصطياد المنشورات باللغة العربية في الإنترنت، والكنيست أيضاً صادقت على قانون يسمح للجيش الإسرائيلي والشاباك باختراق الحواسيب التي يوجد فيها توثيق لكاميرات حماية خاصة حتى دون معرفة أصحابها، ودون أن يعتبر هذا تنصتاً. هذا لشديد الاشمئزاز ليس سوى قائمة جزئية. فجأة يثور الشك في أن الذي يسعى إلى هذه الحرب هو أيضاً الذي سعى إلى الانقلاب.
لكن حتى لو قبلنا الساعة السادسة الأصلية، فإن التساؤلات تثور حول المرحلة التي تشير إليها الساعة السياسية.
عندما يرفض رئيس الوزراء بشكل حازم التحدث عن اليوم التالي، إلى درجة أنهم في الجيش أيضاً يحذرون من أن عدم وجود خطة سياسية يضر بإنجازات الجيش حتى الآن، فإنه لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل إذا كان الدفاع عن إسرائيل قد تم استبداله بالدفاع عن نتنياهو، هل التجند الحاشد من أجل الدولة في الحقيقة يدفع قدماً بأهداف من يقف على رأسها، وهل نحن الآن في منتهى يوم السبت اللعين ذاك، وهل الآن الحرب المفروضة هي فقط حرب ائتلاف نتنياهو، المسؤولة عن محاولة الانقلاب النظامي، التي تواصل الدفع قدماً بالقيم المناهضة للديمقراطية، التي تعتبر وقف الحرب من أجل إعادة المخطوفين خسارة كبيرة؟
إذا كان مئات آلاف الإسرائيليين قد خرجوا إلى الشوارع لمنع هذه الحكومة من تغيير وجه الدولة، فهل ربما يكون قد حان الوقت الآن ليخرجوا إلى الشوارع.
هناك خطأ سائد يقول إن الكثيرين من المتظاهرين في كابلان يوجدون الآن في الاحتياط، وعندما سينتهي كل شيء هم سيملؤون الشوارع للاحتجاج مثل الفطر بعد المطر. لكن ربما سيكون ذلك متأخراً جداً.
الآن حيث القافلة تسير بضجة وتطبق قيمها دون نضال وتطلق النار بلا توقف على قطاع غزة، الذي قتل فيه عشرات الآلاف ومئات الآلاف أصبحوا نازحين في أرضهم، وتُبعد أمد إعادة المخطوفين. لا يمكن أن لا نتساءل: هل يوجد الآن أمامنا في الحقيقة أي خيار؟
———————————————
هآرتس 31/1/2024
رقصة تطهير غزة عرقياً: هذه ليست مسرحية!
بقلم: أسرة التحرير
الأشخاص الأقوياء في الائتلاف الذين يستند إليهم حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اجتمعوا في القدس أول من أمس كي يعرضوا الهدف الجديد للحرب ويحتفلوا به بالرقص. قائدا حزبي اليمين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، والنشطاء المركزيون في الليكود كالوزير حاييم كاتس ورئيس مجلس السامرة يوسي داغان، لم يعودوا يكتفون بالأهداف التي أعلنت عنها الحكومة (تقويض حماس وإعادة المخطوفين)، اليمين يطالب بتطهير عرقي في قطاع غزة، طرد السكان الفلسطينيين منه وإقامة مستوطنات يهودية بدلاً من المدن والقرى الفلسطينية التي دمرها الجيش الإسرائيلي.
بنيامين نتنياهو رأى رقصات الترحيل، منصات التسجيل للاستيطان في «المدينة العبرية، التكنولوجية والخضراء غزة»، ورد بالصمت.
صمته، مثل صمت مسؤولين كبار آخرين في الليكود، يعبر عن موازين القوى السياسية في الائتلاف وفي الكابينت السياسي – الأمني: منصب رئيس الوزراء تقزم وقد أصبح ضابط الإعلام لبن غفير وسموتريتش.
بناء على قولهما تتقرر الأمور، ونتنياهو يطيع وينفذ تعليماتهما في مؤتمراته الصحافية في الكريا وفي المحادثات العابثة مع رئيس الولايات المتحدة. إذا تجرأ على تحدي قول سيديه ستقصر الطريق إلى الانتخابات، إلى لجنة تحقيق رسمية وإلى تحقق مخاوف نتنياهو من المثول للمحاكمة كرئيس وزراء سابق.
في الوقت الذي بعث فيه نتنياهو رؤساء الموساد، الشاباك ولجنة المخطوفين إلى باريس للدفع قدماً بصفقة لتحرير المخطوفين، أوضح له الحكام الحقيقيون في الدولة بأنه من ناحيتهم هذه أحلام عابثة. فقد سبق لبن غفير أن أعلن أن وقف الحرب سيكون وقف الحكومة. ليس له ما يخسره: الاستطلاعات تتنبأ له بالنجاح في صندوق الاقتراع، نجاح سيتعزز فقط إذا ما موضع نفسه كمن أراد القتال حتى النهاية بخلاف الانهزامي نتنياهو.
وإذ وجد رئيس الوزراء نفسه مشلولاً بمخاوفه فقد نفّس إحباطه على عائلات المخطوفين الذين حكم عليهم بمواصلة الجحيم في غزة.
مع مبادرة التطهير العرقي والاستيطان في غزة محظور التعاطي باستخفاف، وكأنها مسرحية نجوم لمغنين سياسيين من المستوطنات ممن يريدون جذب الانتباه وعناوين الصحف. المستوطنون منظمون، أقوياء سياسياً، ومنذ نشوب الحرب طردوا الكثير من الفلسطينيين من المنطقة ج في الضفة الغربية. وهم يقصدون ما يقولون وبقدر ما يستطيعون سيستخدمون قوتهم السياسية كي يحدثوا «النكبة الثانية» في غزة.
في نظرهم، طرد معظم السكان الغزيين بأمر من الجيش الإسرائيلي وتدمير معظم المباني في القطاع يمنحهم فرصة لا تتكرر لتطهير عرقي بحجوم تاريخية.
نتنياهو الملتصق بكرسيه لن يكبحهم. الإسرائيليون الذين يؤمنون باحترام حقوق الإنسان ومنع جرائم حرب خطيرة، في مبادئ القانون الدولي وبضرورة الحياة المشتركة مع الفلسطينيين ملزمون بأن يتكتلوا ضد المبادرة المحملة بالمصيبة.
——————————————–
إسرائيل اليوم 31/1/2024
الجيش الإسرائيلي: نحن من سيتحكم بتوزيع المساعدات الإنسانية للغزيين
بقلم: يهودا شليزنغر
إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع وسيطرة حماس عليها، تشغل بال المحافل السياسية والعسكرية العليا وتثير انتقاداً جماهيرياً واسعاً. وتجري الآن محاولة لحل المشكلة: علمت “إسرائيل اليوم” بأن الجيش يبلور خطة في هذه الأيام تحاول منع وصول المساعدات الإنسانية لحماس، وفقاً لتعليمات القيادة السياسية. وحسب الخطة التي ينظر فيها الآن، سيضطر الجيش ومحافل دولية لتولي توزيع المساعدات مباشرة إلى مواطني غزة. والمعنى أن الجيش سيضطر للعناية بالجوانب المدنية في القطاع، الأمر الذي هو غير معني به على الإطلاق. حسب الاقتراحات الأولية، يقام مجال إنساني محدد، بداية في شمال القطاع ووسطه، حيث يصل المواطنون الغزيون. يشار إلى أن الموضوع ما زال في بداية مسيرة الفحص لدى الجيش، وهو كفيل أن يتغير. وجاء من الجيش أنهم سيعملون وفقاً لقرارات المستوى السياسي.
ضخ المياه إلى الأنفاق
ما يمكن قوله الآن أن بضع وحدات في الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع، طورت أدوات لضخ المياه بوتيرة عالية إلى أنفاق حماس في القطاع، كجزء من جملة أدوات يستخدمها الجيش لتحييد الأنفاق. وتتضمن القدرات نصب محركات نهل وأنابيب، بالتوازي مع إنضاج قدرة في مستوى هندسي والعمل على العثور على الفوهات المناسبة للمهمة. قبل استخدام القدرةـ تم تحليل مزايا الأرض ومنظومات المياه في المنطقة للتأكد من ألا تمس بالمياه الجوفية في المنطقة. وأشار الجيش إلى أن “هذه الأداة تشكل اختراقاً هندسياً وتكنولوجياً مهماً في التصدي التحت أرضي، وقد طورت بعمل مشترك من جهات مختلفة في جهاز الأمن”.
“وحدة وطنية”
هذا وقال وزير الدفاع يوآف غالنت لأعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست “إن العمل لتصفية شبكات الإرهاب والأنفاق لا نهاية له. هو صعب، هو مركب، فيه أثمان لكنه نهائي. ونتقدم في هذا الشأن”. وعلى حد قوله: “بودي أن أقول بالشكل الأكثر وضوحاً– لدولة إسرائيل هدفان في قطاع غزة، وشرط مهم لتحقيقهما. الهدفان هما تصفية حماس كمنظمة عسكرية وسلطوية، وإعادة المخطوفين إلى بيوتهم. أما شرط تحقيقهما فهو الوحدة على المستوى الوطني. إذا لم نكن متحدين، فحماس الكاسب الوحيد.
——————————————–
يديعوت أحرونوت 31/1/2024
للسنوار: هل رأيت ما فعلناه في مستشفى ابن سينا بمدينة جنين؟
بقلم: آفي يسسخروف
صحيح، يبدو هذا كمشهد من مسلسل “آكشن” معروف نسبياً في إسرائيل والعالم. والواقع فاق الخيال هذه المرة أيضاً. قبل بضع دقائق من الساعة 4:30 صباحاً، بدأ المستعربون يصلون إلى مستشفى ابن سيناء في جنين بهدف الوصول إلى المطلوبين الثلاثة الذين اختبأوا في الطابق الثالث، في غرفة جانبية بقسم الجراحة، هكذا على الأقل يتبين من استعادة الفريق الطبي وشهود العيان في المكان لما حدث.
لم يكن الحديث يدور عن اثنين أو ثلاثة من المستعربين، بل قوة أكبر كان ينبغي لها أن تصل على مراحل حتى لا تنكشف. تقول إسرائيل إن المعلومات الواردة عن مكان الثلاثة الدقيق لم تصل إلا قبل وقت قصير من ذلك، أي أن لدى القوة العاملة وقتاً قصيراً جداً للاستعداد للعملية. في الشريط المسجل المنشور، نرى مقاتلي وحدة “اليمام” و”الشاباك” بعد أن أصبح عملهم علنياً. لكن يمكن تقدير ضربات القلب المتسارعة والدراما في غرفة العمليات أيضاً حتى اللحظة التي يصل فيها المقاتلون إلى المخربين: الوصول، الدخول، المكوث، السير في الأروقة حتى الغرفة المحددة التي كان فيها المطلوبون، كل هذا يحتاج إلى اندماج تام دون إثارة أي اشتباه. وعندها، العثور على المشتبهين وتحييدهم. من الصعب القول إن أحداً ما في المستشفى فوجئ من إصابة الثلاثة. الكثير من العاملين في المكان كانوا يعرفون بأن المخربين يختبئون هناك، وجعلوا من المكان مخبأ بل غرفة عمليات لهم. والرسالة التي تصدر عن مثل هذه العملية للمطلوبين في الضفة وفي أماكن أخرى، هي أن المستشفى لم يعد يمنحكم ملجأ من الإصابة. في هذه الأثناء، رغم الرد الأولي القاطع السلبي ظاهراً من جانب حماس ليلة أول أمس على اقتراح صفقة تحرير المخطوفين، فقد بدت حماس مختلفة منذ أمس. إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للمنظمة، قال إن حماس ستنظر في الاقتراح وسترد قريباً.
خطوة رئيس السي.اي.ايه لعقد اجتماع في باريس لمندوبي قطر ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا لأجل الاتفاق على اقتراح واحد، جاء لحشر حماس في الزاوية والضغط عليها. هذا ليس موقفاً إسرائيلياً – أمريكياً آخر فقط، بل اقتراح تقف خلفه اللاعبتان الأهم في العالم العربي وبشكل عام لحماس: قطر التي تمول حماس بمساعدات لغزة (وفي المستقبل ربما إعمارها)، ومصر التي تسمح بإدخال كل هذه المساعدات من أراضيها. بدون هاتين الدولتين لن تكون حماس في غزة، وقيادة المنظمة تفهم هذا. بمعنى أنه كلما ازداد ضغط قطر ومصر على قيادة المنظمة، سنشهد مزيداً من المرونة من جانب حماس. وثمة عنصر آخر له وزن في الموقف الأقل إصراراً من جانب حماس في موضوع الصفقة، وهو الضغط العسكري، الذي رغم الأقوال القاطعة بأنه “لا ينجح”، يقوم بالعمل وينجح في دفع عصبة السنوار على الأقل، للنظر في خطواتها.
وكلمة أخرى عن السنوار: رغم اختبائه في مكان ما في الأنفاق، يدرك أن ذاك “الجاسوس” الفلسطيني الذي ينقل معلومات عن مكانه في الزمن الحقيقي، سينهض في نهاية الأمر. وعندها، سيجد نفسه منضماً لقائمة “الشهداء” الطويلة. ليس مؤكداً أن هذه هي رغبة السنوار، الذي وإن دخل اسمه صفحات التاريخ الفلسطيني، لكنه معني الآن بالنجاة من هذه الحرب ويصبح زعيم الشعب الفلسطيني.
السنوار لا يسارع للقتال ضد جنود الجيش الإسرائيلي أو التضحية بنفسه في الحرب، ويبدو أن “موت القديسين” و72 حورية يبقيه للآخرين. هذا كفيل بأن يذكر إبراهيم حامد، الذي كان رئيس الذراع في الضفة والمطلوب رقم واحد في “المناطق” طوال ست سنوات. في لحظة الحقيقة، عندما حاصرت قوات الجيش الإسرائيلي البيت الذي اختبأ فيه، خرج حامد من البيت بيدين مرفوعتين وبلباسه الداخلي. حامد وآخرون ينتظرون الصفقة التي تؤدي إلى تحريرهم، ويتذكر السنوار أنه تعهد بتحريره هو أيضاً. هذه لحظة الحقيقة، وهو يفهم بأنها فرصة لن تعود.
———————————————
معاريف 31/1/2024
نتنياهو في بالون اختبار لواشنطن: هذه خطتنا إزاء غزة و”اليوم التالي”
بقلم: بن كسبيت
المرحلة الأولى إقامة حكم عسكري إسرائيلي كامل في غزة، يدير نقل المساعدات الإنسانية ويتحمل المسؤولية عن العناية بالسكان المدنيين الغزيين “في المرحلة الانتقالية”.
في المرحلة الثانية، التي ستجري بالتوازي، ستكون تشكيل ائتلاف دولي من دول عربية تشارك فيه السعودية، مصر، المغرب، الإمارات، البحرين ودول أخرى.
سيكون هذا الائتلاف جزءاً من اتفاق التطبيع الإقليمي الذي يوقع لاحقاً، وسيقف خلف إقامة جسم جديد يسمى “السلطة الفلسطينية الجديدة”. الموظفون الذين لا ينتمون لحماس، لكنهم لا يتماثلون مباشرة مع عصبة أبو مازن، يتلقون المسؤولية عن غزة من إسرائيل – وهكذا يلغى الحكم العسكري. تبقي إسرائيل لنفسها الحق في العمل الأمني في غزة، في الصيغة التي تعمل فيها داخل الضفة، في كل مرة تثور فيها الاحتياجات العملياتية لإحباط الإرهاب أو لانتظامات لشبكات الإرهاب.
في المرحلة التالية التي لم تحصل ألا بعد استقرار قطاع غزة ونجاح الجسم الجديد (“السلطة الفلسطينية الجديدة”)، يجرى إصلاح شامل في “يهودا والسامرة” أيضاً في أداء السلطة الفلسطينية، وفي مواد التعليم بجهاز التعليم الفلسطيني، وفي معالجة الإرهاب.
وإذا ما نجحت هذه المرحلة أيضاً، وفي الإطار الزمني الذي يتقرر مسبقاً (يدور الحديث عن سنتين حتى أربع سنوات)، توافق إسرائيل على الاعتراف بدولة فلسطينية مجردة من السلاح في مناطق السلطة الفلسطينية، بل وتبحث في إمكانية نقل مناطق أخرى لا تحتاج إلى إخلاء مستوطنات إلى تلك الدولة.
هذه خطة تبلورت سراً في إسرائيل من قبل جسم سنسميه هنا “مجموعة رجال أعمال”. وقد عرضت أيضاً على محافل أمريكية رسمية. بين رجال الأعمال هؤلاء مقربون من نتنياهو، أحدهم مقرب تماماً. يدور الحديث عن بالون اختبار من نتنياهو يتعاطى مع المبادرة الأمريكية لتسوية شاملة للشرق الأوسط في مثلث غزة – السلطة الفلسطينية – السعودية.
نتنياهو لا يدير هذه الاتصالات مباشرة (بل من خلال رجل يثق به، رون ديرمر)، لكنه يدفع قدماً بالأفكار ويتسلى بها بشكل يمكنه دوما من نفي العلاقة المباشرة (“لست أنا، بل رجال أعمال”). إضافة إلى هذه الخطة، ينبغي التشديد على أن إسرائيل تعمل بالتوازي على بضع خطط أخرى “لليوم التالي”. وثمة دراسة شاملة لدى منسق الأعمال في “المناطق” [الضفة الغربية]، اللواء غسان عليان، فالجيش الإسرائيلي يعمل على خطة خاصة به، كما أن “الشاباك” يعدّ توصيات لخطة مفصلة “لليوم التالي”.
هذه طريقة نتنياهو الكلاسيكية. بالتوازي، ينشغل مبعوثون كثيرون بالمهمة إياها، بينما يتجاوز نتنياهو نفسه كل البنود، ويتردد.
خطة رجال الأعمال هي الخطة الحقيقية التي يفكر فيها رئيس الوزراء، لكنه يفعل هذا من “مسافة آمنة” نموذجية.
وأدار نتنياهو في بداية العقد السابق مفاوضات سرية طويلة مع أبو مازن في ما سمي في حينه “قناة لندن” من خلال رجل ثقته في حينه المحامي إسحق مولكو، مع مندوب شخصي من أبو مازن يسمى حسن الآغا.
وأكد نتنياهو للرئيس أوباما بأنه مسار يجري باسمه وبالتشاور معه، ولكنه حافظ على مسافة أمان.
هذا المسار وحد لاحقاً المفاوضات التي أدارها وزير الخارجية جون كيري مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مفاوضات أدت إلى ورقة مسودة أمريكية مفصلة لإقامة دولة فلسطينية أجابت عليها إسرائيل بـ “نعم”، بينما لم يجب أبو مازن حتى الآن.
هل نتنياهو قادر على أن “يكسر” يساراً ويسير نحو خطوة تاريخية تنهي الحرب في غزة وتؤدي إلى دولة فلسطينية، في ظل اتفاق سلام تاريخي مع السعودية؟ أغلب الاحتمالات أن “لا”، فنتنياهو ركل دلاء مشابهة قبل امتلائها مرات عديدة.
مع كل هذا، يجدر بالذكر أن نتنياهو يعرف بأن زمنه محدود. إرثه الحالي هو مذبحة 7 أكتوبر. ولم تشهد الدولة مصيبة رهيبة مثلها قط.
إن السير إلى تسوية مع السعودية ونوع من التقدم في الجبهة الفلسطينية يمكنها أن تساعده في تغيير الانطباع الذي سيخلفه على صفحات التاريخ، في زمن الجراح. القرار في يده.
———————————————
هآرتس 31/1/2024
الكنيست تقرر تنحية النائب عن “الجبهة العربية” لتأييده جنوب إفريقيا في “لاهاي”
بقلم: أسرة التحرير
قررت لجنة الكنيست تنحية النائب عوفر كسيف (الجبهة العربية)، لتأييده الالتماس الذي رفعته جنوب إفريقيا لمحكمة العدل في لاهاي التي ادعت بمسؤولية إسرائيل عن إبادة جماعية في قطاع غزة. القانون الأساس: تسمح الكنيست للهيئة العامة بتنحية نواب إذا ما حرضوا على العنصرية أو أيدوا الكفاح المسلح ضد إسرائيل. لا شيء من أقوال كسيف يستجيب لهذا التعريف.
تنم تنحية كسيف عن رائحة ملاحقة سياسية. لو كانت الكنيست مصممة على لفظ عنصريين من أوساطها، لما بقي ما يكفي من أعضائها الضروريين لإقامة حكومة بن غفير وسموتريتش. غير أن النائب عوديد بورير من “إسرائيل بيتنا”، الذي بادر لطلب التنحية، شرح المنطق المشوه الذي عمل بموجبه: “قد نرى وكأن الالتماس إلى لاهاي رفعه كسيف نفسه، وإذا ما قُبل، فسيؤدي الأمر إلى مس بأمن إسرائيل”. لماذا؟ لأن أهداف كسيف هي “وقف القتال”. وعندها ” ستنتعش حماس”، مما سيجر “مساً بالجنود”.
85 نائباً من كل الكتل، باستثناء العمل والأحزاب العربية، وافقوا على التوقيع على الطلب. وأمس، صوت لتنحيته 14 من أصل 16 عضواً في لجنة الكنيست. ومن أولئك الذين يريدون التخلص من كسيف: موشيه سعده من الليكود الذي قال إنه “بات واضحاً للجميع وجوب إبادة غزة”، وتسفيكا غوجل من “عظمة يهودية” الذي قال قبل شهر “بداية نهزم حماس وحزب الله، وثم نرتب الوضع في محكمة العدل العليا”، ومتان كهانا وزئيف الكين من “المعسكر الرسمي”، وناور شيري من “يوجد مستقبل”.
من حق كسيف أن يفكر بأن إسرائيل ترتكب جرائم حرب. أفضل القانونيين في العالم وافقوا على البحث في لاهاي في المسألة. ولكن قانون التنحية الذي سن بداية للتخلص من التمثيل العربي في الكنيست، والذي يتطلع للمضي بإسرائيل ديمقراطية كاملة ومتماثلة مع الكفاح الفلسطيني للتحرر من الاحتلال. رفاقه لا يؤيدون الإرهاب ولا يؤيدون هجمة 7 أكتوبر، وعاد كسيف وأكد ذلك. ثمة قدر من المفارقة في حقيقة أن الكنيست وجدت من هو، زعماً، جدير بالتنحية بعد بضعة أيام من تلقي إسرائيل نفسها أمراً دولياً يأمرها بمعاقبة المحرضين والعنصريين الذين اقتادوها إلى لاهاي – وبعد يومين من المؤتمر في مباني الأمة الذي دعا فيه وزراء وأعضاء ائتلاف إلى ترحيل مليوني غزي.
إن إقرار التنحية في اللجنة ليس النهاية. ثمة محطتان أخريان على الطريق: إقرار الهيئة العامة للكنيست (مطلوب أغلبية 90 نائباً)؛ والمحكمة العليا إذا ما قرر كسيف الاستئناف. هناك، سينظف القضاة كعادتهم بعد الكنيست ويقلبون القرار. لكن لن تمحى تلك الوصمة بسهولة.
———————————————
يديعوت أحرونوت 31/1/2024
إسرائيل تقرأ “الصفقة”: مطلب استراتيجي تجاه “حزب الله” ولكن “كيف سنشاهد السنوار محتفلاً”؟
بقلم: نداف أيال
بعد أن فجرت حماس صفقة المخطوفين السابقة كانت واضحة جداً: لا صفقات أخرى قبل نهاية حرب إسرائيل في غزة وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي. قدرت إسرائيل بأن يحيى السنوار ندم على قرار الموافقة على تحرير 100 مخطوف (77 إسرائيلياً و23 أجنبياً). أما حماس فقدرت بأن المجتمع الإسرائيلي لن يتمكن من العودة إلى القتال، وأن الضغط لإعادة المخطوفين وعدد الإصابات الكبير سيؤدي إلى إنهاء طبيعي للحرب.
عندما استؤنفت الحرب – بخلاف نبوءات الغضب التي انطلقت في إسرائيل أيضاً – بدأ “محور المقاومة” يدرك أن التصميم الإسرائيلي حقيقي. الإيمان الأصولي بضعف المجتمع الإسرائيلي الداخلي تبين أنه كاذب. تقدم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة مبهر، جذري؛ والخسائر الفادحة لا تتسبب بعلة في تأييد الحرب. سيقدم ممثلو حماس جوابهم للمسؤولين المصريين والقطريين، وإذا كانت مصرة على إنهاء تام للحرب، فقد تعلن عن ذلك فوراً، لكنها لم تفعل هذا. وإذا تراجعت حماس بالفعل عن شرطها المركزي لوقف الحرب، فسيكون هذا إنجازاً إسرائيلياً ملموساً جداً، أي نتيجة مباشرة لنجاحات القتال في غزة، خصوصاً في خان يونس، من فوق وتحتها.
إسرائيل تريد الصفقة. والسبب مفهوم: إعادة المخطوفين. الاتهامات التي انطلقت في إسرائيل في الأسابيع الأخيرة وكأنه هدف أصبح ثانوياً أو منسياً، لا أساس له. فما من موضوع عليه إجماع مثله في “كابينت الحرب” وأساساً في جهاز الأمن بكل أقسامه.
توجد شكاوى حادة ضد نتنياهو، لكنها تكتيكية في أساسها: أنه يعرقل، ولا يدفع بما يكفي، ولا يبدي ما يكفي من تصميم. لكن إعادة المخطوفين موضوع أكبر حتى من رئيس وزراء إسرائيل. رؤساء الموساد و”الشباك” والأركان، واللواء نيتسان ألون، ومنظومة الأسرى والمفقودين كلها، واللجنة النضالية للعائلات، والدور الأمريكي، و”كابينت الحرب”، كل هؤلاء لن يسمحوا بدحر إعادة الإسرائيليين الموجودين في أنفاق حماس. من يريد دليلاً حصل عليه أمس، بالطريقة التي عقب فيها جون كيربي من مجلس الأمن القومي على تصريحات نتنياهو: “هو حر بأن يتحدث باسمه، هناك تقدم في صفقة أسرى”.
القطريون والمصريون يعطون إحساساً بأن الصفقة باتت خلف الزاوية. هذا منوط بجواب حماس، ومن الأفضل انتظاره. مسألة الثمن صعبة ومعقدة جداً. عندما تحدث نتنياهو في الكلية العسكرية “بني دافيد” في “عاليه”، وقال إن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من قطاع غزة ولن يحرر آلاف المخربين، فإنه تحدث عن المرحلة الأولى؛ تلك التي في إطارها سيتحرر حتى 40 إسرائيلياً كـ “تحرر إنساني”، لكن تحرير المخطوفين يحتاج لمرحلتين أخريين. في النهاية، سيصل هذا إلى الآلاف (في ضوء الثمن الذي ثبته نتنياهو نفسه في صفقة شاليط، لأكثر من 1000 سجين لقاء جندي واحد).
الأسئلة الكبرى استراتيجية وذات مغزى، حتى أهم من عدد السجناء أو هوياتهم. فمثلاً: هل ستنسحب إسرائيل في مرحلة ما من رواق “نتساريم” وتسمح بعودة الغزيين إلى شمال القطاع؟ لن يحصل هذا في المرحلة الأولى، من ناحيتها. لكن ماذا عن المرحلتين الثانية والثالثة؟ وسؤال آخر: هل سينال السنوار ورفاقه حصانة من الاغتيال، وماذا ستكون عليه طبيعة هذه الحصانة؟ هل سنشاهد مؤتمر “نصر” للسنوار في رفح؟ شهران ليسا هدنة قصيرة، مثلما في المرة السابقة.
الصفقة تخدم إسرائيل من ناحية أخرى، استراتيجية: فاحتمال الوصول إلى تسوية في الشمال تمنع الحرب وتسمح بعودة السكان إلى هناك. في الهدنة السابقة، وضع “حزب الله” سلاحه. وإسرائيل (بخلاف موقف وزير الدفاع يوآف غالنت الذي حذر بتقديم هذه المهلة لـ “حزب الله”). أما هذه المرة، فإسرائيل معنية بوقف النار، لزمن طويل، لشهر ونصف – شهرين. وهكذا يتمكن “حزب الله” من النزول عن الشجرة العالية التي تسلقها: ما دامت الحرب في غزة، سيتواصل الهجوم في الشمال. خلال ذلك، ربما تقرر إسرائيل إعادة قسم من السكان إلى بيوتهم، وتسريع مسيرة سياسية مع مبعوث الإدارة عاموس هوكشتاين، وبالتوازي الاستعداد لإمكانية حملة عسكرية إسرائيلية مبادر إليها في لبنان، إذا ما فشلت الجهود كلها.
———————————————
هآرتس 31/1/2024
رغم نفيه لـ”الصفقة”.. نتنياهو يقترب من الحسم واليمين يهدد و”المعسكر” يؤيد والمعارضة تعرض شبكة أمان
بقلم: عاموس هرئيل
قال زعيم حماس في الخارج، إسماعيل هنية، إن منظمته لا ترفض تماماً عرض الوسطاء لمرحلة أخرى في صفقة المخطوفين بين إسرائيل وحماس. وحسب قوله، تفحص حماس الخطة التي تم عرضت الأحد في باريس على رؤساء أجهزة الأمن الإسرائيلية. أن يتم اتخاذ رد حماس اليوم في لقاء مع ممثلي دول الوساطة في القاهرة.
العملية التي قادها رئيس الـ سي.آي.ايه وليام بيرنز، استهدفت توحيد العروض المتنافسة التي قدمت بشكل منفصل في الأسابيع الأخيرة من قبل مصر وقطر. منذ اللحظة التي قدم فيها العرض الجديد تحت مظلة أمريكية موحدة، أصبحت صورة الوضع في المفاوضات أوضح. في الوقت نفسه، بدأ متحدثون أمريكيون ومصريون وقطريون يدفعون قدماً بالرسالة التي تفيد بأن المفاوضات وصلت إلى مرحلة حاسمة، وأنه يمكن إنهاؤها بشكل إيجابي قريباً.
الواقع معقد أكثر؛ فحماس لم تُدع لقمة باريس، والتفاؤل الذي ظهر هناك الأحد الماضي في نهاية المحادثات عكس ما يجري في المحادثات بين الممثلين الإسرائيليين والوسطاء الأمريكيين والعرب. هذا أشبه باتفاق زواج بين العريس والحاخام الذي لم تسأل فيه العروس عن رأيها بعد. ومن اللحظة التي بدأت تنشر فيها أول أمس عبر وسائل إعلام إسرائيلية تفاصيل الصفقة التي تلوح في الأفق، صدر فوراً بعض النفي من مكتب رئيس الحكومة نتنياهو.
كل خطة ستناقش بجدية ستجبر إسرائيل على تقديم تنازلات مؤلمة، مثل إطلاق سراح آلاف السجناء، وبالأساس وقف القتال لشهر ونصف في القطاع، مقابل إطلاق تحرير دفعة أولى تشمل 35 مخطوفاً. نتنياهو لا يريد التعهد بذلك إزاء المعارضة في الداخل.
الأمر الذي حدث بالفعل في باريس هو أن إسرائيل وافقت على أن تنقل دول الوساطة العرض على حماس، كما حدث أول أمس. بذلك، ربطت إسرائيل نفسها بعرض دول الوساطة، حتى لو لم تصادق عليه بالكامل وبشكل رسمي. وقد أصبح هناك التزام مصري وقطري تجاه الإدارة الأمريكية التي تعنى بالتوصل إلى صفقة. هاتان الدولتان لا تنقصهما وسائل ضغط على حماس. النظام في غزة يعتمد على تمويل من قطر، وعلى الطريقة التي ستقرر فيها مصر فتح الحدود مع القطاع أمام البضائع والأشخاص.
الطرفان ينتظران الآن تقديم عرض مضاد من قبل حماس رداً على عملية الوساطة. سيكون عرض حماس أصعب على الهضم من ناحية إسرائيل، لكن عندما يأتي سيكون بالإمكان فهم هل يمكن التقدم نحو تحقيق صفقة. عندها أيضاً ستعود الكرة إلى ملعب إسرائيل وسيتعين على نتنياهو التقرير إذا كان مستعداً لتقديم التنازلات المطلوبة.
من الواضح الآن أن الجناح اليميني المتطرف في الحكومة سيضع العقبات أمام أي صفقة؛ فالوزير بن غفير أطلق تصريحات ضد الصفقة، وأطلق تهديدات بحل الحكومة (الوزير سموتريتش غير بعيد عنه). اليمين قلق من احتمالية وقف طويل لإطلاق النار يعتبر فعلياً إنهاء للحرب، وسيبقي حماس في السلطة، على الأقل جنوبي القطاع. ويدرك نتنياهو أن إعادة بعض المخطوفين مقابل آلاف السجناء سيفسرها جمهور واسع على أنها اعتراف بالفشل.
هذه الصفقة سترفع من مكانة حماس في أوساط الفلسطينيين، وربما تخلص قيادة حماس في القطاع من الضغط العسكري. عائلات المخطوفين تقول، وهي محقة، إنه لم يبق للمخطوفين وقت كبير للعيش، وعلى الدولة واجب كبير لإنقاذهم إزاء فشل فظيع في 7 أكتوبر. في الوقت نفسه، يجب الاعتراف بأن الصفقة بصيغتها الحالية ستكون بمثابة إنجاز لحماس – لا يهم كيف ستغلف الحكومة ذلك. تخفيض عدد القوات والانسحاب، في الوقت الذي تحتفل فيه حماس في المناطق التي أخلاها الجيش الإسرائيلي، لن يهضمها اليمين رغم خطر واضح على حياة المخطوفين.
يقف في القطب المقابل للضغط الذي يستخدمه سموتريتش وبن غفير في “الكابنت الأمني” وزيرا المعسكر الرسمي: غانتس وآيزنكوت، العضوان في “كابينت الحرب” المصغر واللذان يؤيدان الصفقة حتى بتنازلات كبيرة. رئيس المعارضة، عضو الكنيست يئير لبيد (يوجد مستقبل)، قال أمس إن قائمته ستوفر للحكومة شبكة أمان لأي صفقة تعيد المخطوفين.
قال نتنياهو في زيارته لمستوطنة “عيلي”: “لن نسحب قوات الجيش من القطاع، ولن نطلق سراح آلاف المخربين. لن يحدث هذا”. ولكن رئيس الحكومة يقترب عملياً من النقطة التي سيضطر فيها لاتخاذ قرار حاسم بين الموقفين. بن غفير لن يكون وحده، فمعه عدد غير قليل من الشركاء في الجناح اليميني في الحكومة، ومن بينهم وزراء في الليكود. أي أنه في حالة المضي بالاقتراح، فلا احتمال للائتلاف للبقاء في التشكيلة الحالة. ومهما كان قرار نتنياهو، فسينفصل عنه اليمين أو اليسار. لا صفقة على جدول الأعمال يمكن لبن غفير وسموتريتش التعايش معها. ومن جهة أخرى، يبدو أنه لا يوجد سيناريو انفجار في المحادثات (باستثناء تحطيم كامل للأدوات من قبل حماس)، الأمر الذي قد يبقي غانتس وآيزنكوت في الحكومة لفترة أطول.
الصورة الكبيرة
الإدارة الأمريكية لا تنشغل بصفقة المخطوفين فقط، بل بعمليات إقليمية أخرى بعيدة المدى، مثل محاولة إعادة تحريك المفاوضات حول اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية وربطه بترتيبات اليوم التالي في القطاع. الوزير رون ديرمر يتولى الاتصالات من قبل نتنياهو مع الولايات المتحدة في هذا الشأن. ولكن الأمريكيين يبلغون رؤساء الأحزاب الكبيرة الأخرى مثل المعسكر الرسمي و”يوجد مستقبل”، عما هو مطروح على الأجندة.
زمن الإدارة ينفد: في بداية آذار، سيبدأ رمضان، وهذه فترة حساسة في الشرق الأوسط. وفي حزيران سيشتد السباق على الرئاسة بين بايدن والمرشح الجمهوري المتوقع ترامب، لا يكتفي البيض الأبيض بحل مشكلة المخطوفين، بل هو معني أيضاً بربط علاقات إسرائيل والسعودية بذلك، إضافة إلى دفع المملكة السعودية والإمارات وقطر لتمويل ودعم اتفاقات اليوم التالي في قطاع غزة.
الصيغة الأمريكية تشمل إقامة حكومة تكنوقراط فلسطينية وإعطاء موطئ قدم للسلطة الفلسطينية في القطاع، وضمن ذلك إبقاء دور ما لحماس من وراء الكواليس. ولأن نتنياهو يرفض إظهار دعم لإقامة الدولة الفلسطينية، أضحت الإدارة الأمريكية تبحث عن بديل يفيد بأنه سيتم التحدث عن ذلك مع حكومة إسرائيل الحالية كحديث عن حلم مستقبلي لا عن حل فوري وعملي. جهات سعودية رفيعة صرحت مؤخراً في صالح المطالبة الملحة أكثر من إسرائيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل انتهاء الحرب في القطاع. ويبدو أن السعودية لم تتنازل بعد عن فكرة التطبيع مع إسرائيل.
الطلبات التي طرحتها السعودية على الإدارة الأمريكية كجزء من المفاوضات على اتفاق قبل سنة تقريباً بقيت على حالها: حلف دفاع مع الولايات المتحدة، وتزويدها بالسلاح الأمريكي المتقدم، وإعطاء ضوء أخضر لمشروع نووي مدني في السعودية. تؤمن السعودية في هذه الأثناء بأن تحقيق ذلك مع بايدن سيكون أسهل عليها مع كونغرس منقسم في سيناريو يفوز فيه ترامب في الانتخابات في تشرين الثاني القادم.
———————————————
هآرتس 31/1/2024
في اتهام بالتحريض.. ريتا مراد: لو نشره يهودي لقالوا “خطوة احترازية”
بقلم: شيرا قدري عوفاديا
في نهاية تشرين الثاني عندما بدأت شائعات تنتشر في سجن الدامون حول تحرير محتمل لأسيرات في صفقة مع حماس، دار نقاش حاد في الغرفة التي كانت فيها ريتا مراد، طالبة “التخنيون” [معهد في حيفا] التي تعيش بحيفا في السنوات الأخيرة. تتذكر ريتا مراد كيف أن المعتقلات تساءلن: هل يمكن أيضاً إطلاق سراح مواطنات إسرائيليات في الصفقة الآخذة في التبلور. مراد نفسها، من مواليد الناصرة، كانت متشككة. “كنت مع الجهة التي قالت بأنه لا احتمالية، ولا منطق في ذلك”، تتذكر المحادثة مع “هآرتس”: “نملك جنسية إسرائيلية، بالضبط مثل المخطوفين. فأي تبادل هذا؟”.
عندما تبين أن هذه الاحتمالية مطروحة، بدأت مراد في التفكير بقضية التحرر بينها وبين نفسها. “سألت نفسي، ربما يسألوننا هل نريد التحرر؟”، قالت. “لم نكن نعرف ما الذي حدث مع المعتقلات الأخريات بعد إخراجهن من القسم. اعتقدت أنه ربما كانت لهن إمكانية الاختيار”.
دخلت مراد المعتقل قبل شهر تقريباً بعد شكوى قدمت ضدها بسبب منشورات في حسابها في “إنستغرام”. في لائحة الاتهام ضدها بعد فترة قصيرة وأثناء وجودها في المعتقل إلى حين انتهاء المحاكمة، اتهمت بالتحريض على الإرهاب وتأييد منظمة إرهابية، وهو ما نفته مراد. “أثناء التحقيق قلت مراراً إنه لا شيء في المنشورات يظهر تأييداً لأعمال حماس أو المصادقة عليها”، قالت. “من ناحيتي، المشاركة طريقة لعرض ما حدث ومشاركته. وعندما ينشر يهودي نفس المضمون يفسّر أنه إبلاغ عن الوضع. ولكنهم يفسرون ما فعلته أنه تأييد لكوني عربية”.
في الفترة التي سبقت إبرام الصفقة مع حماس، كانت مراد في ذروة النضال على إطلاق سراحها. حدد جلسة مناقشة شروط تحررها في نهاية تشرين الثاني، ولكن بدأت في حينه تنتشر شائعات حول التحرر المحتمل بواسطة صفقة. “كان معي فتيات قلن إنهن يردن التحرر بأي ثمن، ولا يهم بأي طريقة”، تتذكر. “لا أحكم عليهن. فظروف المعتقل صعبة، لكنني قلت إن الأفضل عندي هو التحرر بصورة توضح أنني بريئة، وأنني لا أتفق مع حماس أو أي شيء تفعله. أردت أن يكون هذا واضحاً”.
لكن لم يسألها أحد. في نهاية المطاف، تم تحرير ريتا مراد في وقت متأخر من الليل في نفس اليوم كجزء من صفقة حماس. تم في هذه الصفقة إطلاق سراح 20 مواطنة إسرائيلية تم اعتقالهن بعد 7 أكتوبر بتهمة التحريض في الشبكات الاجتماعية أو التماهي مع منظمة إرهابية. حسب أقوال ريتا مراد، فإن السجان الذي دخل الغرفة في ذاك الصباح، قرأ قائمة أسماء وفيها اسمها. لا أحد قال لها بشكل صريح، رغم أنها حاولت معرفة المكان الذي يأخذونها إليه. ولكنها أدركت بأنها كانت جزءاً من الصفقة.
بعد ساعات طويلة جداً من الانتظار المتعب للأعصاب، خرجت من بوابة السجن. ومحاولة تنصلها من العلاقة القسرية والتماهي مع أفعال حماس ذهبت هباء. “تم تصنيفي”، قالت. اشتهر اسمها باعتبارها متماهية مع حماس وأنه تم إطلاق سراحها في الصفقة. تم إلغاء جلسة مناقشة شروط تحررها من المعتقل لأنه لا حاجة لها. في هذه الأثناء، باتت لائحة الاتهام، مثل لوائح اتهام أخريات في الصفقة، معلقة لأنه لم يتقرر بعد كيف سيتم التعامل معها.
واقع عبثي
إضافة إلى رغبتها في إثبات أنه لا أساس من الصحة بشأن الاتهامات الموجهة إليها، كان هناك أمر مهم لريتا مراد بتطهير اسمها حتى بثمن مكوث آخر في المعتقل، ومواصلة دراستها في “التخنيون”، حيث ستبدأ سنتها الثالثة في كلية علوم الحاسوب. مستقبلها العلمي أشغلها منذ بداية الإجراءات القانونية ضدها وطوال التحقيق المتعب وتمديد الاعتقال. “في إحدى الجلسات، نجحت في سؤال المحامي إذا كانوا أرسلوا لي أي خبر حول الدراسة، نفى ذلك. رجعت من الجلسة مع ابتسامة كبيرة على الوجه. الفتيات كن على ثقة بأنه سيتم إطلاق سراحي، لكن لا، ببساطة كنت مسرورة لأن تعليمي على ما يرام”.
بعد إطلاق سراحها، تركز اهتمامها على العودة للتعليم الذي سيبدأ بعد شهر. هي بدأت في الاستعداد مع زملاء الدراسة للموعد “ب” الذي تحدد في نهاية كانون الأول. ولكن بعد ثلاثة أسابيع على إطلاق سراحها، في 18 كانون الأول، وجدت رسالة من “التخنيون” في البريد الإلكتروني. تم فتح شكوى انضباط ضدها. والمبرر: منشورات اعتقلت بسببها، إلى جانب مبرر آخر وهو أنها تحررت في صفقة حماس.
منذ ذلك الحين وريتا مراد تنتظر اتخاذ قرار في هذا الإجراء الانضباطي ضدها. وبات محظوراً عليها الوصول إلى حرم الجامعة، لأنه إدارة “التخنيون” طلبت إبعادها عن الجامعة حتى اتخاذ قرار بشأنها. والمبرر هذه المرة إطلاق سراحها في صفقة تدل على الإدانة. “لا يخطر بالبال أن يجلس على مقعد الدراسة طالب قتلت عائلته على يد مخربي حماس، أو طالب عاد من القتال في غزة، وتجلس إلى جانبه طالبة أطلق سراحها في صفقة لحماس”، كتب في مبررات “التخنيون” للمحكمة الانضباطية. “هذا واقع عبثي، هستيري ومدحوض ولا يمكن تخيله. من الواضح أنه يشكل أيضاً مساً كبيراً بنسيج الحياة المشتركة بين طلاب التخنيون”.
وافقت المحكمة على الطلب. “في وقت بات معروفاً فيه موضوع إطلاق سراح الطالبة في إطار الصفقة مع حماس، فلا يمكن أن يدفن التخنيون رأسه في الرمل، ويضمن عدم حدوث ضرر لا يمكن إصلاحه”، كتب في قرار إبعادها من الجامعة.
———————————————
هآرتس 31/1/2024
نتنياهو يبدد إنجازات الجيش
بقلم: عوزي برعام
أنا أعترف بأنه يوجد زعماء يصعب علي فهم خطواتهم، ومن هنا يصعب علي توقع خططهم. بنيامين نتنياهو هو بالنسبة لي كتاب مفتوح. ليس لأنه غير ذكي مثلهم، بل العكس. فبأسلوبه المميز، هو يحاول الإخفاء والخداع والمفاجأة. وحتى مؤتمر الترانسفير المقرف تم عقده في أيام حكمه.
نتنياهو يعرف أن وقف الحرب أو حتى “صورة انتصار”، لن تمنع الاحتجاج ضده. المجتمع الإسرائيلي لا يمكنه أن يغفر الخطأ الاول. عندما يتحدث نتنياهو عن “وصمة عار سيتم تذكرها لأجيال” هو صادق ولكنه يخطئ العنوان. وصمة العار التي لن تنسى ليست ملقاة على لاهاي، حسب قوله، بل على صورة اسرائيل الدولية، التي جلبها هو وبطانته علينا.
نتنياهو يريد كما يبدو أن يحاكمه الشعب. هو يعرف جيدا أن شعاراته الفارغة والتي تكرر نفسها – “نحن سنحارب حتى النهاية في القطاع، وسنعيد المخطوفين وسنمنع تكرار تهديد إسرائيل من القطاع” – غير قابلة للتحقق في الحكومة الحالية. بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير وكثيرون في الليكود لن يسمحوا له بأن يحقق أقل الشروط للوفاء بوعوده. من أجل الانتصار في المعركة يجب العثور على شركاء يخلقون وضعا مختلفا أمام حماس. نحن بحاجة إلى الولايات المتحدة ليس فقط التي تؤيد إسرائيل في حربها المبررة، بل التي تجر الدول السنية إلى التحالف مع إسرائيل. ومن أجل تحقيق ذلك فإنه يجب أن يشمل الفلسطينيين وحل الدولتين.
نتنياهو يفضل التنازل عن هذا التحالف أيضا بسبب أنه سيتم حل حكومته (ماذا في ذلك؟) على يد اليمين المسيحاني إذا وافق على ذلك. ولأن المبادرة الأميركية تتعارض مع القرار الإستراتيجي الذي اتخذه، وهو تحويل رفضه لأي اتفاق مع السلطة الفلسطينية إلى موضوع مركزي في الحملة الانتخابية. امتناعه عن عقد اتفاق إقليمي سيعمق الأزمة استمرار الحرب في غزة، وسيؤدي إلى توحد كل العالم العربي ضدنا.
ماذا بشأن مصر؟ بين الدولتين لا يوجد حب كبير، لكن اتفاق السلام نجح في تجاوز الكثير من العقبات. الرئيس المصري ونتنياهو لا يوجد بينهما الحد الأدنى من الحديث، رغم أنه من أجل الانتصار في الحرب يجب علينا التوصل مع مصر إلى تفاهمات حول محور فيلادلفيا والقتال في رفح واللاجئين الذين تم طردهم من بيوتهم. الرئيس المصري سيطلب أيضا خطوات لبناء الثقة مع الفلسطينيين، وهذه ستؤدي إلى حل الحكومة التي تتسبب بالإساءة لسمعتنا في العالم.
نتنياهو يبدد إنجازات الجيش في هذه الحرب الصعبة. وحقيقة أنه لا يطرح أي بديل للحكم في القطاع تؤدي إلى عودة حماس للسيطرة على شمال القطاع. هجومه على قطر يظهر هستيري من الوهلة الأولى. فقطر هي المرساة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في صفقة المخطوفين، التي يتوق إليها كل الجمهور. ولكن سلوكه لا يفاجئ حقا، حيث من الواضح أنه سيتم التشهير به كالمسؤول عن حقائب الأموال التي تم تحويلها من قطر لحماس. هو يؤمن بأن العداء العلني لقطر سيؤدي إلى أن ينسى الناس إخفاقاته التي أوصلتنا بعيون مغمضة إلى 7 تشرين الأول (أكتوبر).
نتنياهو لا يمكنه الانتصار في الحرب بدون النذر اليسر من التأييد الدولي. أتباعه يفعلون كل ما في استطاعتهم لمنع ذلك. وبتأسيسهم لحركة الترانسفير إلى جانب الدعوة الى العودة إلى قطاع غزة، فإنهم يغلقون الباب أمام إمكانية الانتصار في هذه الحرب المبررة.
——————انتهت النشرة——————