الصحافة العبرية

الصحافة العبرية …الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي للجبهة الديمقراطية










      الاربعاء 23/7/2025              العدد 1363





هآرتس 23/7/2025

هكذا انتصرت غزة

بقلم: تسفي برئيل 

اقوال عضو الكنيست ايمن عودة “غزة انتصرت، غزة ستنتصر”، ليست بحاجة الى وضعها بين اقواس. انتصار غزة بدأ في الظهور كحقيقة، لأن ما كانت حماس تطمح اليه في 7 اكتوبر يستكمله الآن السكان الضعفاء، الجائعين والموتى والقتلى والمصابين والايتام. هذا انتصار سيزداد كلما وسع الجيش الاسرائيلي سيطرته في قطاع غزة، ودفع بـ 2 وربع مليون مدني الى حظائر الجوع مع مواصلة ملء قوائم الموتى.

ان الخوف من محاولة تنفيذ الانقلاب النظامي قبل 7 اكتوبر، والخوف من اقالة المستشارة القانونية للحكومة، والصدمة من التعيين المتوقع لمسيحاني في منصب رئيس الشباك، ومقاطعة رئيس المحكمة العليا، والقانون الذي يتطلع الى اعطاء الحكومة صلاحيات غير محدودة، وحتى الصدمة من التصريحات الحقيرة لعضوة الكنيست اوريت ستروك – كل ذلك اصبح ثانوي وهامشي. النضال المتعثر ضد ذلك يعطي الشعور بان الامر يتعلق بالدفاع عن “الحصن” الذي بدونه الديمقراطية ستنهار، ولكنه بدأ يفقد أهميته. 

في الوقت الذي فيه الاف الكلمات الملتهبة تحذر من موت الديمقراطية فان غزة تجري في اسرائيل وعلى مواطنيها هندسة جينات، التي ستحول الانقلاب النظامي الى امر زائد. كل يوم يقتل سكان غزة في الطريق الى الحصول على رزم الغذاء البائسة. ليس شخص أو شخصين، بل عشرات الاطفال الرضع والاولاد والنساء والشيوخ، الذين يضطرون الى الاختيار بين الموت بسبب الجوع أو الموت برصاصة. جثث عائلات كاملة مدفونة تحت الانقاض لان الجيش الاسرائيلي لا يسمح بانتشالها.

العين والاذن الاسرائيلية تعودت على هذه الفظائع. ولكن هذا ليس روتين حرب مبالغ فيه، يتم تبريره بالاحتياجات الامنية وحماية حياة الجنود. الاساس الجديد في العقيدة الاسرائيلية ينص على ان وجود دولة اسرائيل مرهون بابادة كل غزة. هذه بالفعل مهمة مقدسة تبرر التخلي عن المخطوفين والمطالبة باستنزاف قوة الجنود النظاميين وجنود الاحتياط وعائلاتهم الى الحد الاقصى، الامر الذي يحول سائقي الجرافات التي تقوم بالهدم الى ابطال ثقافة ويسمح بسفك دماء آلاف المدنيين. 

هذه الارسالية قسمت الحرب الى اهداف في متناول اليد، “السيطرة على 75 في المئة من مساحة القطاع”، “تدمير سلطة حماس”، “اعادة المخطوفين”، “تجميع السكان في المدينة الانسانية”، واذا تم تحقيقها فنكون قد انتصرنا. ولكن بدلا من النصر نحن حصلنا على وصفة لحرب يجب أن تتواصل لان مجرد وجودها يبررها.

لكن لنفترض للحظة ان جميع هذه الاهداف تحققت وبحق: رفع علم اسرائيل فوق المساجد التي بقيت في غزة، وتم نفي جميع سكانها، وتم قتل جميع مسلحي حماس، والجرافات قامت بتسوية الارض للمستوطنات وبلدات غلاف غزة اصبحت جزء من الريفييرا الفاخرة. مع أي شعب سنبقى للاحتفال بالنصر؟. في سنتين تقريبا غزة حولت اسرائيل الى دولة مختلفة. باسم الحرب اصبح من المسموح سلب حرية التعبير واعتقال الصحافيين واقالة المعلمين ومنع المعارض والعروض الثقافية “غير المناسبة” واقالة اعضاء كنيست و/أو تنفيذ عملية “فتك” بهم وضرب ابناء عائلات المخطوفين واحراق بيوت الفلسطينيين في الضفة الغربية وتعذيب السجناء. 

ايضا غزة شوهت مواطني اسرائيل وغيرت لغتهم وهويتهم. فمن مواطنين قدروا ذات يوم حياة الانسان اصبحوا اشخاص باسم المهمة المقدسة في غزة مقدمي القرابين من البشر، مضحين بالمخطوفين، أي ابناءهم، مضحين بآلاف الاطفال والنساء والشيوخ من ابناء شعب آخر. اسرائيل تحت “سيطرة” غزة هي دولة ممزقة، انتقامية، غير اخلاقية، وبالاساس عديمة الافق والامل. لا يمكن لاي انتصار ياتي بمثل هذا الثمن الباهظ ان معالجة وشفاء الندب العميقة التي نقشت في تاريخ الدولة وفي طابع المجتمع الاسرائيلي.

——————————————

يديعوت احرونوت 23/7/2025

أنقذوا الجنود

بقلم: روتم ايزاك

ن. هو ابن 22. عندما بدأت الحرب قاد جنودا في غزة. “رابطت امام مستشفى في غزة واستغرق بضعة أيام الى ان أمر قائد السرية عدم اطلاق النار على الشيوخ والأطفال. على مدى بضعة أيام هذا ما حصل. كان واضحا أن هذا سيء. لكنك تحت التأثير – البعض عمل باحساس الثأر، البعض خاف جدا والبعض ببساطة كانوا تعبين وعندما تكون تعبا فان لا تفكر. كان حدث ترك أثره فيّ، فقد اخذنا فتيانا واستخدمناهم كدروع بشرية. ثاروا امام القوة، فتحوا الأبواب لحالة أن تكون عبوة او مخربون. اخذنا أناس عاديين من المحور الإنساني. في كل الوقت الذي كانوا فيه معنا، كانوا معصبي العيون والايدي. عليك ان تأخذهم الى المرحاض وتفتح لهم سحاب البنطال وتراهم يرتعدون”. 

اليوم هو جندي مسرح. تلقى منذ الان أمر خدمة احتياط. عندما لا يكون ما يكفي من الجنود، من يهمه من يجر غزة في القلب. المهم ان يمتثل للامر. ان ينفذ الأوامر. الا يسأل الأسئلة. الا يعرب عن المشاعر. الا يستخدم عضلة النقد. الا يتساءل بصوت عال ما هي اهداف هذه الحرب التي لا تنتهي، وبسببها ينام بحذائه بين الكمائن التي باسمها كتب وصيته في محموله، وحفظها في بطاقات. حدثها في كل مرة قبر فيها رفاقا. كل هذه أيضا لم تكسبنا الحق في التشكيك في ما يجري في القطاع. 

الحكومة في إسرائيل تفضل للجمهور الإسرائيلي الا يسمع، الا يعرف ان يواصل التصديق بان الحرب، الجيش والأخلاق يسيرون معا. يواصلون كم الافواه لكل من يتجرأ على التشكيك بصفحة الرسائل. نصر مطلق، صفر أخطاء، اخيار مطلقون وأشرار تامون. لا يوجد أبرياء في غزة، لا توجد أوامر غير قانونية على نحو ظاهر. الرحمة هي ضعف، النقد عار. 

لكن ثمة شيء ما غريب مع الواقع – هو ببساطة هناك. عندما يكون سيئا فانه يسمم الجو والأرض للجميع. “ما يحصل بالفعل هو اننا نؤذي عشرات الاف المدنيين والمخطوفين كذلك. يعرضونك للخطر، رفاقك يقتلون وانت تفعل الشر اكثر مما تفعل الخير. هذا الإحساس في أنهم يخونونك”، يقول ن. . “لدي جنود خرجت حياتهم تماما عن المسار. هذا إحساس يرافقني كل الوقت، يستنزفني”. 

ن. له اسم. هو لا ينشر هنا لان الواقع الإسرائيلي مشوه. لانهم يختارون شبانا رأوا مشاهد تحرق الروح ولهذا فهم غير قادرين على الانضمام الى الكتيبة في انشودة الدوافع، يخجلون. لانه يوجد جنود لا يريدون الفلافل بالمجان: هم يريدون التوقف ليشعروا بانهم خلطوا لهم الخير والشر الى حد ان كل شيء بات يبدو كالعجينة السميكة للجميع إياها. 

تخلق الحرب كل يوم مزيدا من مثل هؤلاء الجنود. مواطنون مستقبليون آخرون يسيرون مع ثقب في الروح، بعضهم يتحدثون عنه، بعضهم يفضلون الصمت. بعضهم يجدون الطريق للمواصلة، بعضهم يتخلون. مزيد فمزيد من الانباء عن رجال شباب ممن لن يطيقوا ما تنشره وسائل الاعلام. فهذه الانباء هي الطرف الأقصى للجبل الجليدي. 

هذه الحرب يجب انهاؤها. من اجل إخواننا واخواتنا ممن لا يزالون في الاسر. من اجل الجنود في النظامي والاحتياط وعائلاتهم، من اجل الغزيين، الأطفال وكبار السن. ومن اجل الثقب في روح الشاب ابن الـ 22 الذي يغمض عينيه في الليل ويرى الحقيقة.

——————————————-

معاريف 23/7/2025

في النهاية سيضطر نتنياهو الى اقالة الرب

بقلم: افرايم غانور

بعد الإقالة التنحية لرئيس الأركان هرتسي هليفي، وزير الدفاع يوآف غالنت ورئيس الشباك رونين بار – حان الان دور رئيس لجنة الخارجية والامن النائب يولي أدلشتاين، لا مفر. هذا يقترب. في النهاية يحصل، لن يكون لبنيامين نتنياهو مفر، سيضطر لان يقيل الرب أيضا. هاذٍ؟ صحيح. 

إسرائيل 2025 بلاد الإمكانيات غير المحدودة للهذيان، لجنون منظومات حكومة فقدت سواء العقل والكوابح والتوازنات في الاندفاع في طريق تحطمها. باستثناء بقائها لا ترى شيئا – لا المخطوفين، لا جنود النظامي، لا رجال الاحتياط الذين يجثمون تحت العبء، وبالاساس لا ترى المسؤولية الوطنية. 

كان محقا آريه درعي حين قال ان “هذا ليس قانون تجنيد، بلا قانون اعفاء على المليء، هذا ليس قانونا يوشك على التجنيد، هذا قانون جاء ليرتب أوضاع من يتعلم التوراة”. هذا ما لم يفهمه ادلشتاين، بعد سنوات كثيرة في الليكود – كما لم يستوعب ان على هذا يدفع الناس الثمن أيضا. وعليه، مثل غالنت، هو الاخر يصعب كقربان على مذبح الولاء. 

الواضح هو أنه أيضا مع مشروع قانون أدلشتاين وبدونه، تجنيد حريديم لن يكون هنا. الاجمل سيكون انه بعد هذه المهزلة، سينتخب ادلشتاين مرة أخرى لرئاسة لجنة الخارجية والامن. 

نتنياهو – الخاضع لضغط سموتريتش وبن غفير وقانون تجنيد الحريديم – ادخل نفسه في فخ يصعب ان نرى كيف سيخرج منه. في هذه المرحلة يكسب نتنياهو الوقت والهدوء من خلال إجازة الكنيست لثلاثة اشهر مع تفكير مغلوط بانه مع الدورة الشتوية للكنيست الشعب سينسى، الحريديم سيتغيرون او ربما أخيرا سيأتي المسيح ومعه الخلاص.

في هذه الاثناء، في ظل هذا الهذيان الرهيب، فيما تتواصل الحرب في غزة برعاية الحكومة، يواصل شعب إسرائيل كل أسبوع دفع ثمن دموي باهظ يوسع بلا رحمة دائرة الثكل. والقلب يتميز غضبا عندما تسمع الحاخامين، النواب الحريديم، بمن فيهم النواب في الائتلاف المؤيدين لموقفهم ويبررون عدم تجنيد الحريديم بدعوى “نحن قلقون من ان المجندين الحريديم سيعودون من الخدمة العسكرية غير حريديم”. 

أهذا قلق، اهذا سبب؟ ماذا ستقول الأمهات، الإباء، نساء وأطفال المجندين المقاتلين الذين قلقهم هو الا يعود اعزاؤهم احياء. الى أي مدى يمكن أن يصل تلبد الاحاسيس الهاذي هذا؟ 15 جندي قتلوا في قطاع غزة منذ بداية شهر تموز، صحيح حتى كتابة هذه السطور. 1929 قتيل ومغدور منذ 7 اكتوبر 2023، ولا يزال لا يوجد ولي واحد بين الحاخامين والنواب الحريديم يقوم ويقول: “حتى هنا، هذه جرب على وجودنا، حياتنا في هذه البلاد، واجب علينا حمل العبء والانضمام الى اخواننا المقاتلين. كل شاب وصالح للسلاح يجب أن يتجند”.

كم هو هذا رهيب، اليم ومغيظ ان بالذات أولئك الذين يحصلون على افضل الامتيازات، التنزيلات والمنح على مدى السنين بيد سخية ليسوا مستعدين في هذا الوقت الأصعب لشعب إسرائيل ان يمدوا يدا للمساعدة. وكما أسلفنا الافظع هو انه توجد هنا حكومة فاسدة تعطي يدا لهذا وتضيف تشويها الى الخطيئة حين تحاول ان تعرض للجمهور قانون تجنيد ملفق، بلا غطاء، مع وعود عابثة لن تتحقق، كحل لقانون تجنيد حقيقي. كل هذا لاجل إرضاء الحريديم المتمصلين. 

——————————————-

هارتس 23/7/2025

المساعدات تدخل والسكان يموتون.. الأرقام من خلف التجويع في غزة

بقلم: نير حسون

بعين غير انتقادية، صندوق المساعدة لغزة هو قصة نجاح مدهشة. بعد ان تفاخر في يوم الاثنين الماضي بانه قام بتوزيع اكثر من “85 مليون وجبة”، وفي نفس اليوم “لم تكن أي احداث”، كان يمكن الاعتقاد بان الصعوبات والمنشورات السلبية في بداية طريقه كانت فقط الحبل السري الذي رافقه اثناء الولادة. ولكن هذه المعادلة الناجحة فيها عدة عوامل مجهولة، بالاساس غياب العلاقة والنظرة للصورة الاوسع. اذا كان يوجد في قطاع غزة 2.1 مليون شخص الذين مطلوب اطعامهم ثلاث وجبات في اليوم، في يوم الاثنين الماضي احتفل الصندوق باليوم الـ 56 لنشاطاته، فما هو عدد الوجبات التي كان يجب أن يوزعها؟. بحساب بسيط نحصل على جواب واحد وهو 353 مليون وجبة. هكذا، حتى لو بمعجزة معينة نجح سكان غزة بتوزيع فيما بينهم الطعام الذي يوزعه الصندوق، وبعد ذلك طبخه واستخراج منه كل السعرات الحرارية والمكونات الغذائية الموجودة فيه، فان الامر ما زال يتعلق بكمية قليلة من كمية الطعام المطلوب من اجل بقاء السكان على قيد الحياة. هذه الفجوة تكشف فقط خدعة واحدة في الحسابات المتعلقة بالتجويع.

فجوات اخرى لا تنقص. ففي نهاية الاسبوع الماضي ارتفع الجوع درجة في غزة. فالمستشفيات، المنظمات الانسانية، الصحف وسكان غزة، الجميع يتحدثون عن نقص كبير في الطعام، حتى مقارنة بالاشهر السابقة. فقط يوم أمس نشرت وزارة الصحة في القطاع بانه خلال 24 ساعة فقط توفي 15 شخص، بينهم اربعة اطفال، بسبب الجوع وسوء التغذية. منذ بداية الحرب قيل بانه توفي 101 اشخاص لنفس الاسباب، بينهم 80 طفل. عشرات الاموات يتم احصاءهم في الفترة الاخيرة لنفس الاسباب.

لكن الجوع في القطاع لا يتمثل فقط بالارقام. فهو ايضا ينعكس في الصور والافلام والروايات. الشبكة مليئة بالتوثيقات – اطفال رضع يتم جائعين، ايديهم وارجلهم نحيلة وبطونهم منتفخة، شخص بالغ ياكل اوراق التين ليشبع جوعه، شخص تحدث عن رجل طارد زوجته بعد ان اكلت وجبته، المستشفيات تتحدث عن كبار سن ينهارون بسبب التعب ودرجة الحرارة والجوع، والدين قالا انهما حاولا تقديم لاولادهما القليل من العزاء بدلا من الخبز. “أنا لم آكل منذ يومين”، قالت لوكالة “القدس” امرأة اسمها سلوى، وهي ام لطفل رضيع من حي التفاح. “جسمي لا ينتج الحليب وطفلي يبكي الى ان ينام. نحن نقوم بتغذيته على ماء الأرز ولكنه يعرف الحقيقة، حسب طعمه التافه”.

اضافة الى التقارير التي تتدفق حول الجوع المتفشي فان صندوق المساعدة لغزة يواصل نشر بيانات احتفالية في الصحف عن توزيع كميات كبيرة من الطعام، وكأن الامر يتعلق بعالمين متوازيين،غريبين عن بعضهما. من اجل فهم العلاقة المتبادلة بين هذين العالمين يجب الغوص في اعماق البيانات والحقائق. حسب الصندوق فانه في كل صندوق مساعدات يوجد 57.75 وجبة (الحساب هو ثلاث وجبات في اليوم ضرب 5.5 فرد في كل عائلة ضرب 3.5 يوم – لكن هذا الرقم يثير التساؤل.

على سبيل المثال، هل في ظروف العيش الحالية في القطاع يمكن حقا اخراج تقريبا 60 وجبة من خلال 16 – 18 كغم طعام؟ تركيبة الرزم تتغير، لكن في معظمها يمكن ايجاد 4 كغم طحين، 3 كغم معكرونة، علبة طحينة، 4 كغم حمص وعدس، زجاجة زيت، كيلو ملح و2 كيلو أرز. نظريا كمية لا بأس بها من هذه السلع يجب أن تدخل الى طنجرة الطبخ، وهذه مهمة مستحيلة في ظل الوضع الحالي في القطاع، لانه لا يوجد لدى أي احد مطبخ يعمل، أو حتى غاز للطبخ. ايضا هناك نقص كبير في المياه النظيفة المطلوبة ايضا للطبخ، هذا قبل الامر المفهوم ضمنا وهو القدرة على الاحتفاظ بالطعام وتخزينه لبضعة ايام بين الهرب والتهجير مرة تلو الاخرى.

سؤال آخر هو هل الطعام الذي يقدمه الصندوق يصل في الاصل الى المحتاجين اليه. منذ بدأ الصندوق في  العمل قبل شهرين تقريبا هو يقوم بالعمل في اربعة مراكز توزيع، وهي تكون مفتوحة كل يوم لفترة قصيرة جدا، على الاغلب ربع ساعة، الى حين نفاد الطعام، وبدون جدول زمني معروف مسبقا. الدمج بين الجوع من جهة وعدم اليقين بخصوص فتح مراكز التوزيع من جهة اخرى، خلق وضع فيه في كل يوم عشرات الالاف يعرضون حياتهم للخطر، هم ياتون الى المراكز كل يوم على أمل الحصول على بعض الطعام لعائلاتهم، حتى ان بعضهم ينامون على الرمال في مناطق اطلاق النار المحيطة بمراكز التوزيع كي يكونوا في اول الطابور.

هذا الضغط يحول الطريق الى مراكز التوزيع والمراكز نفسها الى افخاخ موت – في كل يوم يقتل العشرات، معظمهم بنار جنود الجيش الاسرائيلي الذين يحاولون السيطرة على الجمهور بواسطة النار الحية. حتى الان تم احصاء 1000 فلسطيني قتلوا بهذه الطريقة في مراكز التوزيع وفي الطريق اليها أو قرب الشاحنات التي تنقل الغذاء. من كان لهم حظ وبقوا احياء ونجحوا في الدخول الى مراكز التوزيع، يتقدمون من اكوام الصناديق ويخطفون ما تصل اليه ايديهم. خلافا للتوزيع الذي قامت به الامم المتحدة والمنظمات الانسانية على اساس تسجيل منظم ومن خلال مئات نقاط التوزيع، فانه في مراكز صندوق المساعدة لغزة لا يوجد نظام أو قانون. كل واحد يخطف بقدر استطاعته ويهرب بجلده. لذلك فان المحتاجين جدا للطعام، الاطفال والنساء والشيوخ والمرضى، يبقون مع أيدي فارغة.

“ايضا من يحصلون على المساعدات توجد بينهم فروقات”، قال للصحيفة شخص تواجد في القطاع حتى فترة قريبة. حسب قوله فانه مجموعات منظمة من الشباب ترسل الاصدقاء الى مراكز التوزيع لتحقيق المكاسب. “هم يفتحون الصناديق وياخذون السلع الثمينة مثل الجبنة والزيت وربما التونا، ويركضون الى السيارة التي تقف على مسافة غير بعيدة ويضعونها فيها”، قال. “في طريق العودة الى مخيمات النازحين يقومون ببيع هذه السلع مباشرة من السيارة، وكلما ابتعدوا عن مراكز التوزيع الاسعار ترتفع”.

ايضا عندما يصل الطعام الى السكان المحتاجين جدا فانه في حالات كثيرة لا يساعدهم، لأن الطعام الذي يوزعه الصندوق غير متنوع بما فيه الكفاية. وضمن امور اخرى، لا يوجد طعام مخصص لمرضى الاضطرابات في الهضم ومرضى القلب أو مرضى الكلى. يوجد نقص في غذاء الاطفال، الذي غيابه هو الاكثر شدة، ويبدو أنه الاكثر فتكا. غذاء الاطفال اصبح سلعة حيوية لانقاذ حياة اطفال غزة، لان الامهات، اللواتي هن انفسهن يعانين من سوء التغذية، لا يمكنهن ارضاع اطفالهن. 

فيما يتعلق بهذه المسألة فانه يوجد تناقض بين البيانات التي ينشرها مكتب منسق اعمال الحكومة في المناطق وبين الواقع على الارض. حسب مكتب منسق اعمال الحكومة فانه خلال الاشهر الاخيرة تم ادخال الى القطاع 2500 طن من غذاء الاطفال والطعام المكمل للاطفال، لكن يوجد لمفهوم “ادخال” عدة تفسيرات. المنظمات الانسانية التي تعمل في القطاع تقول ان كمية كبيرة من الطعام الذي يشق طريقه الى القطاع تعلق بالفعل في الجانب الفلسطيني من الحاجز لان الجيش الاسرائيلي يمنع حركة الشاحنات. في حالات اخرى الشاحنات تدخل الى القطاع ولكن يتم نهبها في الطريق الى مخازن التوزيع. على أي حال الفوضى التي خلقتها الحرب، وعمليات التهجير المتكررة للسكان وانهيار المنظومة الصحية، كل ذلك يمنع الطعام عن الاطفال المحتاجين جدا له، ويسرقون منهم احتمالية البقاء على قيد الحياة.

هذه الكارثة كانت متوقعة. خبراء في التغذية وفي توزيع المساعدات الانسانية حذروا الحكومة الاسرائيلية من هذا السيناريو. وحتى الآن، رغم الاطفال الذين يموتون والكبار المجوعين والانهيار المطلق لبرنامج التغذية الذي وضع هنا، فانه لا يوجد لدى اي شخص في المنظومة الاسرائيلية شعور بالالحاحية. هذا ينطبق ايضا على ما يحدث في المحكمة العليا في القدس. ففي 18 أيار الماضي قدمت اربع منظمات لحقوق الانسان التماس للمحكمة العليا (بعد رفض التماس سابق في هذا الشأن)، طلبت فيه السماح بادخال الغذاء بدون قيود الى القطاع. بعد ذلك قدمت النيابة العامة عشرة طلبات لرفض اعطاء اجابة على الالتماس، الاخير تم تقديمه من قبل المحامي يونتان بيرمان والمحامي يونتان سيتون من قسم الالتماسات في النيابة العامة. هذا الطلب ايضا، مثل تسعة طلبات سابقة، صادق عليه امس القاضي يوسف الرمان.

——————————————-

هآرتس 23/7/2025 

ارتفاع اسعار المواد الغذائية بشكل حاد في كل شبكات التسويق منذ الانتخابات

بقلم: عومر تماري ليئون 

شبكة “سوبر سال” تلقت انتقاد كبير بسبب رفع الاسعار الحاد الذي قامت به منذ سيطر الاخوين شلومو ويوسي امير عليها في السنة الماضية. الان يتبين ان الشبكة ليست استثناء في رفع الاسعار. ففي السنة الاخيرة شبكات فيكتوري ورامي ليفي تجاوزتها في نسبة الغلاء.

حسب فحص اجرته “ذي ماركر”، والذي ارتكز الى قاعدة معلومات يديرها البروفيسور ايتي اتار من كلية الادارة في جامعة تل ابيب، فان الاسعار في فروع التخفيضات فيكتوري ارتفعت 8 في المئة بين حزيران 2024 وحزيران 2025، والاسعار في رامي ليفي ارتفعت 6 في المئة، و5 في المئة في سوبر سال. حتى لو فحصنا ارتفاع الاسعار منذ بداية الحرب في تشرين الاول 2023 فان سوبر سال لم تعد استثناء. فقد ارتفعت اسعارها 10 في المئة بشكل تراكمي في هذه الفترة، وهو معدل يساوي ارتفاع اسعار فيكتوري في نفس الفترة. هذه الشبكات قادت معا ارتفاع تكلفة المعيشة من جانب تجار التجزئة في فرع المواد الغذائية.

ارتفاع الاسعار في شبكات التسويق كان سريع بشكل خاص منذ الانتخابات. في الـ 32 شهر التي سبقت انتخاب الكنيست الحالية، نيسان 2020 حتى تشرين الثاني 2022، فان الغلاء وصل الى نسبة تتكون من رقم واحد، وفي معظم الشبكات كان اقل من 5 في المئة. في المقابل، في الـ 32 شهر التي مرت منذ ذلك الحين – تشرين الثاني 2022 وحتى حزيران 2025 – الغلاء كان اسرع بكثير. ايضا في هذه الفترة فيكتوري وسوبر سال هي التي تحتفظ بالرقم القياسي لارتفاع الاسعار. فيهما ارتفعت سلة السلع 17 في المئة. 

في رامي ليفي، يوحننوف وكارفور، نسبة الغلاء من تشرين الثاني 2022 وحتى حزيران 2025 كانت 11 في المئة. كون ان كارفور بدات العمل في اسرائيل في 2023 فقط، فان رقم ارتفاع الاسعار فيها يرتكز الى حسابات “استقرائية” وفقا للتغيير منذ حزيران 2023. يجب التذكر بانه في بداية 2025 ارتفعت ضريبة القيمة المضافة من 17 في المئة الى 18 في المئة.

سوبر سال وفيكتوري رائدتان في تصنيف السلة الاغلى في الفحص الذي اجرته “ذي ماركر”. السلة الاغلى في حزيران كانت في سوبر ديل، مع ثمن هو 1827 شيكل. بعدها فيكتوري 1779 شيكل، وكارفور – 1693 شيكل ، ويوحننوف 1629 شيكل، واخيرا رامي ليفي 1573 شيكل.

البحث الذي اجري بمشاركة البروفيسور اتار يرتكز الى سلة ثابتة تتكون من 112 سلعة متشابهة في شبكات التسويق طوال الوقت. السلع هي من فئات واسعة، وهي شائعة في عربات تسوق الاسرائيليين. الفحص اجري في شبكة برايسز وفي فروع التخفيضات التابعة لها. مقارنة الاسعار تاخذ في الحسبان حملات التخفيض، عن طريق احتساب السعر الشهري المتوسط، حسب اسعار السلع في كل يوم من ايام الشهر.

موجة الغلاء تستمر بدون توقف، وتتغذى ضمن امور اخرى، على قرارات مزودي الغذاء برفع الاسعار. من بين الشركات التي ابلغت شبكات التسويق في الاشهر الثلاثة الاخيرة عن ارتفاع اسعار منتجاتها، شركات تزويد المواد الغذائية الكبرى في الاقتصاد. لكن المزودين لا يحددون السعر للمستهلك، بل يتم تحديده عن طريق محلات التجزئة. الاسعار التي تم فحصها هي الاسعار للمستهلك في محلات التجزئة.

——————————————-

معاريف 23/7/2025 

من يملي على نتنياهو القرارات في غزة حقا

بقلم: اسحق بريك

لا مشكلة لدي الا أكون اديبا في حديثي عن الثلاثي الذي يدفع مقاتلينا الى موتهم وجرحهم عبثا، ويترك المخطوفين لمصيرهم، يختبئون خلف تصريحات عليلة وهزيلة ليس لها أي مفعول. 

رئيس الوزراء يقف امام وضع مميز يعد فيه فقدان الحكم في نظره كالتصفية المطلقة لغاية حياته. بلا حكم، يرى نفسه يحشر في الزاوية، ينقطع عن الرفاق، يفتقر الى السيطرة وينبذ من معظم الشعب. من ناحيته، هذا انتحار سياسي وبالتالي فهو يتمسك بزوايا مذبح الحكم بكل قوته، حتى بثمن أمن دولة إسرائيل ومواطنيها. 

طريقه الوحيد لمواصلة الإمساك بالحكم هو من خلال استمرار الحرب، إذ بدون الحروب سيفكك وزيراه سموتريتش وبن غفير حكومته. فقد وصل الوضع الى حد أن بنيامين نتنياهو مستعد لان يموت، علي وعلى اعدائي يا رب، ونحن ومواطنو الدولة هم من سيموتون في هذا المثال.

وزير الدفاع: دمية بخيطان

وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، الذي يعتبر رجل ثقة بنيامين نتنياهو، يوصف كدمية بخيطان. فهمه في مجال الامن يقترب من الصفر، فيما أن قوته الأساس تجد تعبيرها بالتهديدات على أعداء إسرائيل. 

رئيس الأركان: مع زعامة قزمة وفشل عملياتي

رئيس الأركان، ايال زمير يفقد بسرعة ما تبقى له من حظوة أعطيت له. ويوصف كذي زعامة قزمية، يحاول إرضاء رئيس الوزراء على حساب موقف صلب يقوم على أساس الوقائع والحقيقة في الوقع الذي يوجد فيه. 

فشل حملة “عربات جدعون” بقوات الجيش الإسرائيلي البرية

عندما تلقى ايال زمير منصب رئيس الأركان، وعد رئيس الوزراء والجمهور بان يفعل ما فشل فيه سلفه. صرح بانه سيقوض حماس، يحرر المخطوفين بالضغط العسكري، يقيم حكما عسكريا، يسيطر على المساعدات الإنسانية ويسمح للسياسيين بان يبدلوا الحكم.

حذرت وقرعت كل الاجراس، سواء في وسائل الاعلام ام في المقالات التي نشرت في الصحف في أنه لا يوجد أي تغطية لاقوال رئيس الأركان. بزعمي، الجيش الإسرائيلي، في وضعه الحالي، غير قادر على أن يحسم حماس ويحرر المخطوفين بدون اتفاق. كما قيل ان استئناف رئيس الأركان للقتال سيؤدي الى موت قسم من المخطوفين، مصابين كثيرين، قتلى وجرحى لقواتنا، وان هذه الخطوة ستؤدي الى إهانة الجيش البري والاستخفاف بالفجوة الهائلة بين تصريحات رئيس الأركان وقدرات الوحدات البرية في الميدان.

بخلاف اقوال رئيس الاركان فان الجيش الإسرائيلي لا يسيطر على 75 في المئة من أراضي قطاع غزة. وحتى لو كان هذا الادعاء صحيحا فليس في ذلك أي غاية في أن يكون الجيش الإسرائيلي يجلس على كل الأرض وغير قادر على أن يضرب حماس التي توجد في الانفاق تحت الأرض. حماس تخرج من الانفاق، تضرب جنودنا وتعود مرة أخرى اليها. جيش الدفاع الإسرائيلي يوجد في قطاع غزة مع الذيل بين السابقين ويناشد المستوى السياسي انهاء الحرب بدعوى انه أنهى المهمة. وذلك حين يواصل 30 الف مقاتل من حماس القتال كمقاتلي حرب عصابات من داخل الانفاق، وكل الدمار الذي احدثه الجيش الإسرائيلي من فوق وجه الأرض لم يؤثر على الاطلاق على قدرة أداء حماس من تحت الأرض. لقد تكبد الجيش الإسرائيلي في حملة “عربات جدعون” عشرات القتلى واكثر بكثير من الجرحى، لم يحسم حماس ولم يحرر المخطوفين مثلما وعد رئيس الأركان وخرج اصلعا من هنا ومن هناك. 

الطريق الى الامام

مؤخرا، فهم رئيس الأركان أخيرا بان ليس في نية بنيامين نتنياهو انهاء الحرب كنتيجة لضغط سموتريتش وبن غفير اللذين يهددا رئيس الوزراء بتفكيك الحكومة. بدلا من أن يتوجه رئيس الأركان الى لقاء ثنائي مع الوزراء ويقول له الحقيقة المرة بشكل قاطع بان الجيش الإسرائيلي لا يمكنه، في هذا الوقت، ان يحسم حماس، او أن يحرر المخطوفين بدون اتفاق، وان كل يوم يمر يجبي مزيدا من القتلى والجرحى، وانه محظور عليه كرئيس اركان ان يعطي هذا يدا حين يقتل ويجرح المقاتلون عبثا، وانه هو، رئيس الأركان ليس مستعدا بان يواصل حربا لا غاية لها وتمنعنا من إعادة بناء الجيش ومقاتليه واعدادهم للتهديدات المتعاظمة حول كل حدود إسرائيل.

في حالة رفض بنيامين نتنياهو قبول اقوال رئيس الأركان، على رئيس الأركان ان يضع المفاتيح ويستقيل والا يواصل اقتياد جنودنا الى موتهم فيما هو يعرف بيقين بانهم يقتلون عبثا، وانه يخدم متطرفين مسيحانيين يمسكون بالخيوط. الواقع على الأرض لا يهمهم وهم يعتمدون على الرب بان يحدث لهم المعجزات ويملون على رئيس الوزراء قراراته، ويقودون شعب إسرائيل الى شفا الهوة في كل المجالات: في المجتمع، في الاقتصاد، في التعليم، في الطب، في العلاقات الدولية وفي أمن الدولة. 

رئيس الأركان ايال زمير يواصل الإعلان بانه سيقاتل حتى حسم حماس وتحقيق كل اهداف الحرب، وهذا ما يقوله من الفم الى الخارج كي يرضي بنيامين نتنياهو، فقط بسبب انه لا يرى أي طريق آخر للقاء كرئيس اركان، ومن اجل بقائه مستعد لان يدفع ثمنا فظيعا ورهيبا، فيما أنه لا يوجد أي غاية من ذلك. لرئيس الأركان توجد مسؤولية مباشرة عن موت واصابة مقاتلين كل يوم عبثا. حتى لو تحقق اتفاق جزئي لتحرير 10 مخطوفين، بقدر ما تنتهي الحرب، فاننا سنفقد كل الاخرين.

——————————————-

هآرتس 23/7/2025

لامبالاة قضاة المحكمة العليا بالألم في غزة، لا تختلف عن لامبالاة موريا اسرف

بقلم: حن معنيت

التجاهل شبه المطلق لمعظم وسائل الاعلام للدمار، الالم والمعاناة، التي تتسبب بها اسرائيل لسكان غزة في الحرب المتواصلة في القطاع، هو فشل ذريع نأمل التحدث عنه كثيرا. تعبير عن نفس التصرف المعيب شاهدناه مؤخرا في الصورة التي اسكتت فيها بشكل عنيف المقدمة في القناة 13 موريا اسرف الصحافية عمانويلا الباز فيليبس في اللحظة التي حاولت فيها التحدث عن الصدمة التي اصيبت بها بسبب الصور القاسية التي تاتي من غزة في وسائل الاعلام الاجنبية. 

المراسلون الذين يديرون الظهر لمعاناة الاطفال في غزة ويرفضون عرض امام الجمهور الصورة الكاملة لثمن الحرب، هم بذلك يخونون دورهم. ولكنهم ليسوا الوحيدين. ففي المقال الذي نشر في ملحق هآرتس في شهر أيار الماضي، اظهرنا نير حسون وأنا، كيف ان المحكمة العليا ايضا، المؤسسة المبجلة التي مهمتها هي الدفاع عن حقوق الانسان، تقف جانبا، وتقريبا لا تتدخل في عمليات اسرائيل في القطاع التي تضر بشكل شديد بحقوق الفلسطينيين، التجويع، الحرمان من العلاج، حظر زيارات الصليب الاحمر للسجناء الامنيين، منع وصول المراسلين، نقل السكان من مكان الى آخر، جعل السكان نازحين – هذا فقط جزء من النشاطات التي نفذتها اسرائيل في غزة، والمحكمة العليا لم تتدخل فيها ولم تمنعها رغم الالتماسات التي قدمت اليها في السنة والنصف الاخيرة من قبل منظمات حقوق الانسان.

مؤخرا سنحت للمحكمة العليا فرصة اخرى من اجل اصلاح الاخطاء، لكنها مرة اخرى فضلت دفن الرأس في الرمل بدلا من القيام بالدور الذي من اجله تم تشكيلها. هذا حدث في اعماق الالتماس الذي قدمه للمحكمة العليا ثلاثة جنود من الاحتياط، الذين جاءوا من اوساط اليسار، وعبروا عن تخوفهم من ان توسيع الحرب في غزة باسم “عربات جدعون” يشمل الاخلاء القسري والدائم للسكان الفلسطينيين في قطاع غزة، وهذا احد اهداف الحرب.

الالتماس الذي قدمه المحامي ميخائيل سفارد اكد فيه على ان الامر يتعلق بامر غير قانوني، يخرق القانون الدولي وقيم روح الجيش الاسرائيلي. الالتماس يرتكز، ضمن امور اخرى، على اعلان وزير الدفاع اسرائيل كاتس بانه اصدر اوامره للجيش لاحتلال المزيد من المناطق في القطاع واخلاء السكان وايضا الامر العسكري الذي جاء فيه بشكل صريح بان احد اهداف العملية هو “تجميع ونقل السكان”.

امام الادعاءات القاسية للمس بحقوق الانسان التي طرحت في الالتماس وارتكزت الى تصريحات الجيش الاسرائيلي ووزير الدفاع، كان يمكن التوقع من القاضي دافيد مينتس والقاضي عوفر غروسكوفف والقاضي خالد كبوب، أن يقوموا على الاقل عقد جلسة في محاولة لاستيضاح هذه الادعاءات. ولكنهم اكتفوا بتصريح رئيس الاركان ايال زمير، الذي قال فيه ان الجيش الاسرائيلي لا يفرض نقل السكان في القطاع خلافا لادعاءات الجنود، وأمروا بشطب الالتماس.

حقيقة ان وزير الدفاع كاتس، الذي هو احد من تم تقديم التماسات ضدهم (الذي تصريحاته في وسائل الاعلام مناقضة لتصريح رئيس الاركان)، والذي امتنع عن اعطاء رد على الالتماس، لم تزعج القضاة.

الامر المؤسف في قرار القضاة، رفض التماس آخر يتعلق بحقوق سكان غزة، تم تبريره، ضمن امور اخرى، باعتماد الملتمسين في الالتماسات على منشورات وسائل الاعلام (بما في ذلك صحيفة “هآرتس”) لا قيمة لها كدليل، حسب ما تقول المحكمة العليا. هكذا، حتى عندما تقوم وسائل الاعلام بدورها في فضح انتهاك حقوق الفلسطينيين في القطاع، تحصل هذه المنشورات على الاستهزاء من المحكمة العليا. كافكا لم يكن ليكتب ذلك بشكل افضل.

——————————————-

هآرتس 23/7/2025

لوزير التجويع.. جدعون ساعر: بأي وقاحة تكذب “أوتشا” وفيتل.. والعالم أجمع؟

بقلم: أسرة التحرير

جونتان فيتل، الذي يترأس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة (أوتشا)، هو شخصية أساسية في جهود المساعدات الإنسانية لغزة؛ فهو ينسق معظم تحركات منظمات الإغاثة بما في ذلك قوافل الغذاء، وإدخال الطواقم الطبية، ونقل الوقود إلى المستشفيات ومنشآت التحلية، ونقل شاحنات المستلزمات الطبية وغيرها. من الصعب التقليل من أهمية مساعدة “أوتشا” في منع الموت في قطاع غزة. كما يجمع المكتب المعلومات التي تأتي من الهيئات المختلفة للأمم المتحدة – اليونيسيف، برنامج الغذاء العالمي، منظمة الصحة العالمية وغيرها – ومن منظمات إنسانية أخرى، وينشر كل يوم تقريباً تحديثاً عن الوضع الإنساني في القطاع: القتل، التجويع، النزوح، التدمير والصحة العامة. تقارير “أوتشا” تعد تقارير محافظة ومصداقة وموثقة، ومعظم وسائل الإعلام العالمية وكذا الحكومات والمنظمات في العالم تستند إليها.

هذا بالطبع ما يزعج وزير الخارجية جدعون ساعر. ففي تغريدة صبيانية وكاذبة ومتبجحة، كتب “لكل حيلة حد”، ووجه تعليماته لعدم تمديد تأشيرة الإقامة لفيتل “عقب سلوك مغرض ومعادٍ ضد إسرائيل، الذي يشوه الواقع، ويعرض تقارير زائفة، ويشهر بإسرائيل بل يخرق قواعد الأمم المتحدة نفسها بشأن الحيادية”. هذا القرار هو استمرار لهجمة لا لجام لها من حكومة إسرائيل على القانون الدولي والمؤسسات الدولية. الجيش الإسرائيلي يتجاهل بكل فظاظة قيود القانون الدولي في القطاع. وكما يذكر في بداية السنة، حظر عمل وكالة الأمم المتحدة – الأونروا بسبب ادعاءات غير مثبتة بأن حماس والأونروا عملتا بتعاون في القطاع.

يأتي قرار ساعر في توقيت بائس على نحو خاص. فقد اتضحت في الأيام الأخيرة نهائياً بأن المنظمة التابعة لإسرائيل “صندوق غزة الإنساني” فشلت فشلاً ذريعاً في توفير الغذاء للغزيين، بالضبط كما حذر فيتل ووزراء آخرون: أمس، علم من وزارة الصحة في غزة بموت 14 شخصاً آخرين جوعاً. وقتل أكثر من 1000 شخص وهم يحاولون الوصول إلى الغذاء في مراكز التوزيع. بدلاً من أن تسمح إسرائيل للأمم المتحدة، التي أثبتت أنها الهيئة الوحيدة القادرة على منع الجوع في القطاع، بمواصلة عملها، تدق المزيد من العصي في دواليب الإغاثة. إن قرار ساعر هو مس جسيم بالوسائل الإنسانية، وسيتحمل من الآن فصاعداً مسؤولية مباشرة عن تجويع سكان غزة.

فيتل و”أوتشا” يرويان للعالم الحقيقة، حتى لو ظلت الحكومة تتنكر لها وتكذب بشأنها. قتل في غزة حتى اليوم أكثر من 59 ألف شخص، وهدم 70 في المئة من المباني، ونزح 90 في المئة من السكان. على ساعر أن يتراجع فوراً عن قراره سحب تأشيرة فيتل، وعلى حكومة إسرائيل والجيش الإسرائيلي فتح المعابر للغذاء والمساعدات والسماح للأمم المتحدة وباقي المنظمات الإنسانية للعمل بلا عراقيل.

——————————————-

جنرال إسرائيلي: سوريا نسخة جديدة من الصومال.. “الجولاني” مجرد واجهة كاذبة.. وانفجار وشيك في دول سايكس-بيكو

يؤكد الجنرال الإسرائيلي البارز في الاحتياط يسرائيل زيف أن إسرائيل ترتكب كل الأخطاء الممكنة في تعاملها مع المحيط العربي والإسلامي، ويتوقع انفجارًا جديدًا للربيع العربي، معتبرًا أن جميع دول سايكس– بيكو ليست في الحقيقة سوى براكين خامدة تنتظر لحظة الانفجار.

ويقول زيف، في مقال مطوّل نشره موقع القناة 12 العبرية، إن ما يحدث في سوريا هذه الأيام يُعَدّ مثالاً حيًّا وواضحًا للحالة الأساسية، ليس فقط داخل سوريا التي تتأرجح بين الفوضى والهدوء المشوب بالتوتر بين ليلة وضحاها، بل أيضًا في معظم دول المنطقة، حيث الاستقرار هشّ وعرضة للتحوّل خلال يوم واحد. معتبرًا أن واقع سوريا الراهن يكشف أنها لم تعد دولة بمفهومها التقليدي، إنما أصبحت كيانًا مفككًا يتكوّن من تجمعات طائفية وعرقية، يمكن أن يتحوّل في لحظة إلى مسرح لمجازر جماعية وصراعات إثنية، يُقتل فيها الآلاف.

ويزعم الجنرال الإسرائيلي أن “الجولاني” ليس أكثر من واجهة زائفة، فوراء كلماته المعسولة لا يوجد شيء؛ لا “سورية جديدة”، ولا تعايش مشترك، ولا دولة أصلًا.

ويرى أن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان قد خدع العالم عمدًا، وأن استعراضه أمام إدارة ترامب لم يكن سوى ستار يخفي وراءه “القاتل” الجديد القادم من دمشق، أم أنه ببساطة عاجز وغير قادر على السيطرة على أي شيء.

ويمضي في حملته على الشرع: “غالبًا، هذا السؤال لم يعد ذا أهمية كبيرة، إذ إن النتيجة واحدة في الحالتين: سواء أكان الجولاني هو المسؤول شخصيًّا عن عمليات التصفية الجهادية، أم كان مجرد شخصية بلا نفوذ، فإن الواقع على الأرض لا يتغيّر؛ سوريا اليوم أصبحت نسخة من الصومال بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وربما الأمل الوحيد المتبقي لاستقرارها هو قيام توازُن قوى حقيقي بين أقلياتها لتنشأ فيها عقيدة عسكرية جديدة وجيش جديد يحمل مشروعًا وطنيًّا جامعًا”.

ويعتبر زيف أن الموقف الفاتر لإسرائيل في دعم الدروز يُعَدّ خيانة لأشقائنا، كما خذلنا من قبل جيش جنوب لبنان وتخلّينا عن المسيحيين.

ويضيف: “هذا التخلي سيبقى وصمة عار في سجل الدولة الإسرائيلية، وسيتسبب بتمزق عميق في علاقتها بأبناء الطائفة الدرزية الذين ظلّوا أوفياء للدولة بصورة مُطلقة وبلا شروط”.

براكين خامدة

ويمضي الجنرال الإسرائيلي في مزاعمه بالقول إن شأن سوريا هو شأن باقي الدول التي تتكوّن من تجمع أقليات يغلب فيها الطابع الإثني- الديني على الانتماء الوطني والمبادئ الدستورية؛ لا يمكن لها أن تستمر في الوجود من دون نظام ديكتاتوري مركزي قوي وقادر على فرض هيبته، وأي تغيير حقيقي يتطلب إعادة تربية ثقافة مشتركة صوغها، وهذه عملية تستغرق أجيالًا.

ويتوقع الجنرال الإسرائيلي انفجارًا جديدًا للربيع العربي: “جميع دول سايكس- بيكو ليست في الحقيقة سوى براكين خامدة تنتظر لحظة الانفجار. وعند كل نقطة ضعف، تنفجر الحمم الداخلية وتُطيح بالحكم”.

ويتابع محذرًا: “السلاح في هذه الدول لا ينقص أبدًا، وكل عملية تطهير عرقي أو داخلي ما هي إلاّ بداية لانقلاب، ينتهي عادةً بتوجيه الغضب نحو عدو خارجي يُعَدّ العداء له أمرًا شعبيًّا، كإسرائيل. في دول تُغطّى أرضها دائمًا بالوقود الجاهز للاشتعال، لا يجوز ارتكاب الأخطاء للحظة واحدة”.

ومع ذلك، يقول إن إسرائيل لم تُفوّت أي فرصة سياسية أو عسكرية لارتكاب الأخطاء مع دول الجوار؛ فسياستها الأمنية ضيقة جدًا ومبنية على اعتبارات تكتيكية صغرى، ولطالما قامت بعكس ما يجب فعله، وما زالت تكرّر الأخطاء ذاتها حتى اليوم”.

تجاهل نتنياهو للأردن

ضمن المقارنات، يزعم زيف أنه في لبنان وغزة، حيث كان واضحًا للعيان كيف ينمو “الوحش الأصولي” ليصبح تهديدًا “إرهابيًّا” هائلًا، تمسّكت إسرائيل بسياسة “الهدوء في مقابل الهدوء” التي وضعها نتنياهو، وهو ما أتاح لهذه التنظيمات أن تتضخم وتتحوّل إلى تهديد وجودي حقيقي.

ويقول أيضًا إنه مع ذلك، لم تتحرك إسرائيل لمنع الخطر إلاّ بعد أن انفجر في وجهها.

وفي الأماكن التي لا يزال في الإمكان فيها تعزيز الاستقرار ومنع الانهيار وتجنّب صعود التنظيمات المتطرفة التي يمكن أن تجرّنا إلى حرب، فإن الحكومة تتصرف بالعكس، إذ تنتهج سياسة غير مسؤولة تُضعف السلطة المركزية بدلًا من أن تدعمها؛ فالأردن، على سبيل المثال، الدولة ذات الأهمية الأمنية القصوى لإسرائيل، يقوم نتنياهو بكل ما في وسعه لتجاهل ملكها، وبعدها سنجد أنفسنا نستيقظ ذات صباح ونهرع إلى صرف المليارات لبناء جدار حدودي، رأينا بأم أعيننا كيف لم يساعدنا في 7 تشرين الأول/أكتوبر.

ويعتقد أن الخطأ نفسه يُعاد ارتكابه الآن مع السلطة الفلسطينية؛ فمهما تكن مكروهة أو فاسدة، فإن وجودها وبسْط نفوذها على عدد كبير من المناطق والسكان يشكّل مساهمة حاسمة في أمن إسرائيل، ويوفّر عليها نشر آلاف الجنود.

ويستمر في انتقاداته: “لكن بدلًا من تقويتها، كما أوصت بذلك الأجهزة الأمنية كلها، فإن نظام نتنياهو يواصل إضعافها بهدف تحويل كل الضفة الغربية إلى غزة جديدة، لا نستطيع فك رموزها”.

“نُلاحق البعوض بدلًا من تجفيف المستنقع”

ويرى أن القصف العسكري المستمر على سبع جبهات، في الظاهر، ما هو إلاّ محاولة للتكفير عن سياسة خاطئة امتدت لأكثر من عقد ونصف العقد، سمحت بظهور هذا العدد الكبير من الأعداء اللادولاتيين الذين أصبحوا يشكلون تهديدًا وجوديًّا على إسرائيل.

لافتًا إلى أن الذين استفادوا من هذا الوضع ورسموا خريطة الشرق الأوسط الإستراتيجية هم الإيرانيون، الذين بنوا لأنفسهم صورة قوة إقليمية ذات تأثير، بينما كانت إسرائيل منشغلة ببناء الأسوار بدلًا من بناء التحالفات.

ويقول إن استمرار الحرب في غزة بدوافع سياسية فقط يُفكّك البنية الهشة أصلًا للقطاع، ويُبعد أي إمكان لإعادة إعمار حقيقية، أمّا الشعارات القائلة إن الحرب تُضْعِف “حماس”، فهي محض كذب.

ويتابع منبهًا، متكاتفًا مع مراقبين إسرائيليين آخرين: “في الواقع، فإن الحرب أطالت أمد المعركة، وقلبت ساعة الرمل لمصلحة “حماس”، التي باتت تتمتع اليوم باعتراف إعلامي ومعنوي كبير كقوة تعجز إسرائيل عن هزيمتها على مدار نحو عامين. وبدلًا من تقويضها، فإن اتهامات نتنياهو لـ “حماس” بأنها تُفشل صفقة التبادل لا تفعل سوى تقوية مكانتها أكثر”.

ويتساءل: كيف يمكن تفسير أن إسرائيل تقول، منذ عامين، إنها تُضعف “حماس”، وفي النهاية تعجز عن إنجاز صفقة، بينما “حماس” تُشدد مواقفها؟

ماذا يعني ذلك في ما يخصنا؟ أن الحرب على “حماس” فشلت؟

عن ذلك يضيف: “مستوى اليأس داخل غزة يتصاعد يومًا بعد يوم، ويدفع السكان مجددًا نحو الخيار الوحيد المتاح: العودة إلى أحضان “حماس”.

حقيقة أن إسرائيل، لدوافع سياسية بحتة، ترفض تغيير حكم “حماس” وتصر على استمرار العمليات العسكرية غير المبررة، ومن دون أهداف واضحة، هي أشبه بمطاردة البعوض بدلًا من تجفيف المستنقع. وحتى الآن، فإن محاولة الضغط على الحركة لإطلاق سراح 20 رهينة حيّة كلّفتنا 33 جنديًّا قتيلًا، وما زلنا نغرق أكثر في الوحل”.

ويخلص إلى القول: “يمكن القول إن نتنياهو، الذي دعم لأعوام تقوية “حماس” من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية، عاد إلى السياسة نفسها تمامًا، لكن من باب آخر؛ فوجود “حماس” بات شرطًا لوجود الائتلاف الحاكم في إسرائيل، إزالتها من المعادلة تساوي تفكيك الحكومة. لذلك، ورغم فظاعة هذا الواقع، فإنه يتوجّب على الحرب أن تستمر. وعلى باقي الجبهات أيضًا، فإن سياسة “مزيد من القوة العسكرية” لا تُنهك العدو بقدر ما تُنهك جنودنا، ومن دون أي بوصلة إستراتيجية أو سياسية، فإن النتيجة ستكون الفشل في بناء منظومات مستقرة، ناهيك بإنشاء تحالفات إقليمية ضرورية لإعادة بناء سورية، أو لتقوية لبنان، أو لإعادة تنظيم السلطة الفلسطينية. نحن، أنفسنا، في حاجة ماسة إلى الخروج من دوّامة الحرب العنيفة المستمرة كي نعيد بناء قوتنا من جديد”.

انعدام الإستراتيجيا

كما يرى أن إسرائيل المستنزَفة هي في حاجة إلى إعادة تشغيل أكثر من أي وقت مضى؛ فهي مُطالبة ببناء اقتصادها، وترميم المجتمع المنقسم، ومكانتها الدولية التي دُمِّرت تقريبًا بالكامل.

أما الجيش نفسه فهو في حاجة إلى استراحة كي يُعيد تنظيم نفسه بعد عامين صعبين جدًا، ويُجدِّد قدراته، ويستخلص العبر، ويُجري تغييرات ضرورية، وللسماح لأفراد الاحتياط والجيش النظامي بالعودة قليلًا إلى أنفسهم بعد استنزاف هائل.

——————————————-

قراءة في كتاب “معتقل سدي تيمان الاسرائيلي – صفحة سوداء في تاريخ الانسانية”

حسن عبادي

“الأيدي مقيّدة. كذلك الأرجل. العيون مغطاة. يمنع الحركة. يمنع الكلام. هكذا تمر كل ساعات اليقظة، يوماً بعد يوم، أسبوعاً بعد أسبوع. ومن حين لآخر – ضرب مبرح”؛ هذا كان العنوان الصادم لمقالة في صحيفة هآرتس صبيحة يوم 18 آب 2024 بقلم الصحافي شاي فوغلمان.

زرت أمس سجن الدامون وحين انتهيت من لقاء سالي سألتني: “مين ناوي تزور بكرا؟” فأجبتها أنّي مُجاز لمشاركتي بحفل إشهار كتاب حول سدي تيمان، والزيارة القادمة ستكون بعد غد، فعقّبت: “معذور أستاذ، بس وحياتك بارك لصاحب الكتاب باسمي وباسم حرائر الدامون، وذكّر الحضور والتلفزيون ما ينسونا”.

على هامش مؤتمر أدب الحريّة في عمان، تزامناً مع يوم الأسير الفلسطيني، استلم صديقي علي عبد الله أبو هلال نسخاً من إصداره “معتقل سدي تيمان الإسرائيليّ – صفحة سوداء في تاريخ الإنسانيّة” (دراسة، 112 صفحة، تدقيق لغوي: أحمد الصيفي، تصميم: شربل إلياس، الصادرة عن مكتبة كل شيء الحيفاوية لصاحبها وصديقي صالح عباسي، تحت رعاية المكتبة الوطنيّة الفلسطينية ورئيسها آنذاك الصديق عيسى قراقع) وكانت النسخة الأولى من نصيبي.

جاء في الواصفات: معتقلات/ أبارتهايد/ تمييز عنصري/ غزة/ الاحتلال الإسرائيلي/ تعذيب/ جرائم حرب/ الضفة الغربية/ المحاكم الدولية.

خلال نشاطي في أمنستي “منظمة العفو الدولية”، تابعت وضع السجون الأسوأ في العالم؛ سجن “بيناس سيوداد” السلفادوري، سجن “كارانديو” البرازيلي، سجن “سابانيتا” الفنزويلي، سجن “ميندوزا” الأرجنتيني، سجن “جيتاراما” في رواندا، وسجن “غوانتانامو”، وسجن “أبو غريب”، وفي مشوارنا الأخير إلى إيرلندا أطليت على سجن (Spike) على جزيرة نائية في البحر، ممّا أعادني مجدّداً إلى باستيلات سدي تيمان.

قامت الوكالة اليهودية بترحيل نحو 49 ألف يهودي من اليمن إلى إسرائيل في الفترة بين 1949 و1950، “عملية جناح النسر”، وقامت بإيوائهم في معسكر أقامته وأطلقت عليه “سدي تيمان” (كان معسكراً للجيش البريطاني)، بين “أوفكيم” وبئر السبع، وعلى أنقاض المباني القديمة الآيلة إلى السقوط أقام جيش الاحتلال منشأة الاعتقال في تلك القاعدة للشرطة العسكرية لاحتجاز مختطفي غزّة أبان اجتياح غزة الأخير، ومن هنا جاء اسم السجن الذي يضاهي غوانتانامو و(أبو غريب) وصيدنايا، وبحق عنوَن َ أبو هلال كتابه “صفحة سوداء في تاريخ الإنسانيّة”. 

في تلك المقالة الصادمة لفوغلمان قرأت شهادات لأعضاء الطاقم الطبي الذين شهدوا بأن المعالجين يتغذّون بالمصّاصة، ويقضون حاجاتهم في الحفّاضات، ويتم تكبيلهم 24 ساعة في اليوم. وهذه ظروف أدت في عدد من الحالات إلى بتر الأطراف. وقال أحدهم في شهادته: “محظور عليهم التكلم والحركة. وإذا خالفوا التعليمات يُسمح بمعاقبتهم”.

وجاء في شهادة أحد الأطباء: “وصلت إلى منشأة سديه تيمان شتاء، إلى خيمة من خيام العلاج. كان فيها 20 مريضاً تقريباً. كان الجميع مكبلي الأيدي والأرجل في أسرّة من الحديد كالتي كانت تستخدم في المستشفيات قبل سنوات. جميعهم كانوا في وعيهم ومعصوبي العيون طوال الوقت… توجد طرق للقيام بعلاج غير جيد، أو حتى تعذيب الشخص بدون إطفاء السجائر على جسمه. ولكنّ إبقاءه هكذا وهو لا يستطيع الرؤية أو الحركة أو التكلم لمدة أسبوع أو شهر… هذا لا يقل عن التعذيب، خاصة عندما يتضح عدم وجود سبب صحي. لماذا نكبّل أرجل شخص فتحنا بطنه قبل يومين. ألا يكفي تكبيل يديه؟”

وجاء في شهادة أخرى: “الأمر الأول الذي يصيبك بالصدمة هو الرائحة، هذا مكان نتن حقاً بشكل كبير. لهذه الرائحة مثل رائحة عشرات الأشخاص الذين يجلسون باكتظاظ مدة شهر بنفس الملابس وفي درجة حرارة مرتفعة. يسمحون لهم بالاستحمام لبضع دقائق مرتين في الأسبوع. ولكني لا أتذكر أنهم يبدلون ملابسهم، على الأقل ليس في نوبة حراستي.”

وجاء في شهادة مجنّدة: “وصلت إلى هناك وحصلت على رقم. جلست في غرفة الانتظار تحت مظلة، كانت هناك طاولات عليها فُشار. في هذه الأثناء، سمعت محادثات من خلفي، كان هناك من قالوا بأنهم ينوون ضرب المعتقلين أو البصق في طعامهم. أشخاص جيدون أعرفهم تحدثوا عن وحشية وتنكيل بالمعتقلين، وكأنهم يتحدثون عن أمر عادي. لم يحتجّ أحد ولم يتحرك بعدم راحة. لا أحد تحدث عن القانون وعن مهمة السلطات”.

وتساءل آخر: “هل تعرف ماذا يعني تغيير الحفّاضة لمخرب وتنظيف مؤخّرته؟”.

كتب في الإهداء: “إلى الّذين يستحقّون المجد والخلود، وهم أكرم الناس منّا جميعاً الشّهداء والشّهيدات، إلى العظماء الّذين ينتظرون شروق الحريّة، الأسرى والأسيرات…”.

جاءت الدراسة في 7 فصول؛ معتقل معسكر “سدي تيمان”، الاعتقال وأشكال التعذيب وشهادات المعتقلين، المؤسسات والهيئات الفلسطينية الحقوقية تدين الاعتقال والتعذيب، الموقف الإسرائيلي من الاعتقال والتعذيب في معتقل معسكر “سدي تيمان”، الموقف الدولي من تعذيب الأسرى والمعتقلين، تعذيب الأسرى والمعتقلين انتهاك جسيم للقانون الدوليّ، المسؤولية الدولية للاحتلال الإسرائيلي عن تعذيب الأسرى، وأنهى بخاتمة وقائمة المراجع التي اعتمدها.

يعتبر الكتاب إضاءة مهمة على هذا المعسكر والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت بحق مختطفي غزة، وتسليط الضوء على دور وسائل التواصل وظاهرة السيلفي التي باتت سيّدة الموقف، حيث يصوّر جنود الاحتلال تلك الانتهاكات ليتباهى بها عبر وسائل التواصل، تماماً كما شاهدنا في حرب الإبادة على غزة، وتناول تقارير رفع العتب المؤسساتيّة (ص 41-50) ومرّ عليها مرّ الكرام، وتناول الموقف الدولي المخزي مما يجري في سدي تيمان، ولي عتب على الكاتب، فتوجّب عليه تعرية تقاعس الصليب الأحمر والمؤسسات الدولية، وأعادني إلى براميلا باثن ولقاء 25.01.24 (ممثّلة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية للعنف الجنسي في حالات النزاع، زارت المنطقة ورُتّب لها لقاء في رام الله ودُعيت للمشاركة، فاستفسرت من صديقي عبد الحميد صيام حولها فزوّدني ببرنامج اللقاء، 5 أيام لقاءات في تل أبيب وساعتان في رام الله، وحين اقترحت قائمة بأسماء أسيرات تحرّرن حديثاً ليدلين بشهاداتهن، رُفض الطلب وأعلموني أنّ من سيتحدّث فقط مسؤولون مؤسساتيّون، فعدلت عن المشاركة وفضّلت لقاء الأسيرة دلال خصيب في الدامون).

اعتمدت الدراسة على توثيق معلومات تسربت من وسائل الإعلام، أو نُشرت في وسائل التواصل الاجتماعي التي شكّلت المصدر الوحيد للكتاب.

من أهمّ ما جاء في هذه الدراسة الفصل السادس (ص. 77-92) الذي تناول “تعذيب الأسرى والمعتقلين انتهاك جسيم للقانون الدوليّ “، ضروري ومهم وحبّذا تعتمده مؤسساتنا في خطابها المحلي والدولي.

وكذلك الأمر ما جاء في الفصل السابع (ص. 93-105) الذي تناول المسؤولية الدولية للاحتلال الإسرائيلي عن تعذيب الأسرى.

جاءت التوصيات شاملة وتبئيريّة، وخاصة التوصية الخامسة؛ ضرورة اللجوء إلى المحاكم الوطنيّة للدول لمحاكمة مرتكبي جرائم التعذيب بحق الأسرى والمعتقلين.

أضم صوتي لصوت (أبو هلال) بضرورة وأهميّة الحاضنة الشعبيّة للأسرى في بلد المليون أسير، وألّا يكون اهتمامنا فزعات عرب موسميّة حين استشهاد أسير أو تحرّر أسير.

جاءت قراءتي للكتاب متزامنة مع قراءة رواية “الغرفة الزهراء” للكاتب وليد الهودلي الذي تناول التعذيب في سدي تيمان، وقرأت فيها شهادات تقشعرّ لها الأبدان.

ملاحظات لا بد منها؛

اخترت لمداخلتي عنواناً: (Habeas corpus)؛ (الإيبِاس كوربس – مصطلح باللاتينية، يعني أن تلجأ للقاضي وتطلب منه أن يُصدر أمراً احترازياً “أحضروا المعتقل/ المحتجز بيد السلطات ليمثل أمام القضاء والبحث في أمر اعتقاله، وإذا كان الاعتقال منافياً للقانون – أطلقوا سراحه”). وهذا كان مطلب أهالي مختطفي غزة، “بدنا ولادنا. أحياء أم أموات”. تناول الباحث هذا الموضوع المؤلم دون أن يعطيه حقّه (ص. 107)، حيث لجأت مؤسسة “هموكيد” إلى المحكمة العليا (التماس 24-10-42099) باسم منير وياسين الفقعاوي، وفي رد النيابة يوم 25.07.2024 “بعد الفحص تبين أن ليس لدينا معلومات بشأن اعتقالهم أو احتجازهم”، ولكن النيابة قدّمت لاحقاً ردّاً آخر يوم 14.11.2024 جاء فيه “بعد الفحص تبيّن أنّ المخطوفين ليسا على قيد الحياة، وفي يوم 07.04.2024 فتحت الشرطة العسكرية تحقيقاً حول ظروف موتهم… وتبيّن أنهما لاقا حتفهما بعد اعتقالهما”. عينك عينك يكذبون ويضلّلون المحكمة، حال مئات الغزيّين الذين لم يُعرف مصيرهم.

غاب التحرير عن الكتاب، فهناك تكرار بعض الفقرات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حالة محمد الكردي ص. 23 وص. 29، حالة فادي بكر ص. 23 وص. 29، خالد محاجنة ص. 17 وص. 30، شهادة الأسير إبراهيم سالم ص. 37 وص. 38، وكذلك ص. 57 وص. 65.

من الجدير بالذكر أن الكتاب يعتبر وثيقة ومستند للمذكّرة التي قدّمناها للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي يوم 09.07.2025.

وأخيراً، باسمي وباسم زوجتي سميرة التي رافقتني من حيفا، وباسم التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين، نبارك للزميل علي أبو هلال هذا الإصدار القيّم.

***مداخلتي في حفل إشهار الكتاب يوم 15.07.2025 برام الله—————–انتهت النشرة—————–