تقرير : النساء في غزة يلدن في ظروف قاسية ويتحملن وأطفالهن تداعيات الحرب

نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا عن الأوضاع الصعبة التي تواجه النساء الحوامل في غزة. فالوضع الصحي سيئ والمؤسسات الصحية مثقلة بالأعباء ومعظمها خارج عن الخدمة بسبب القصف الإسرائيلي، واقتحام المستشفيات، واعتقال العاملين في المجال الصحي، ولهذا تضطر النساء للإنجاب في الخيم وبدون عناية صحية.

وفي التقرير الذي أعدته مارغريتا ستناكاتي وعبير أيوب، قالتا فيه إن بوادر الإنجاب أو “الطلق” بدأت عند نورا بعلوشة في مساء كانوني بارد، ووسط جلجلة القصف الذي ترددت أصداؤه حول البناية التي لجأت إليها في شمال غزة. ولم تكن هناك إشارة هاتف للاتصال بسيارة الإسعاف، ومن الخطر الخروج إلى خارج البناية.

الكثير من نساء غزة ينجبن بدون عناية طبية أو إشراف طبيب، وأحيانا في الخيام والملاجئ، بل حتى داخل الحمامات العامة

وتتذكر بعلوشة قائلة: “شعرت بالخوف وعرفت أنني لن أصل المستشفى.. خرج الماء وعرفت أنني سأنجب في أية لحظة”، وقالت بعلوشة التي ولد أبناؤها الأربعة الآخرون في المستشفى، وتذكرت في الحروب الأربعة التي عايشتها، طبيبا أشرف على عملية إنجاب في بيت: “لم يكن لدي أية خيارات.. حاولت تذكر كل شيء”. وساعدت زوجة شقيقها على الولادة باستخدام ملقط غسيل للإمساك بالحبل السري ومقص يستخدم في المطبخ لقطعه.

وبحسب أرقام الأمم المتحدة، كانت هناك حوالي 50000 امرأة حامل في غزة عندما بدأت الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ويعتبر معدل الولادة في غزة الأعلى بالمنطقة. وتضع حوالي 180 امرأة مواليدهن في كل يوم، والكثير ينجبن اليوم بدون عناية طبية أو إشراف طبيب، وأحيانا في الخيام والملاجئ التي لا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية، بل حتى داخل الحمامات العامة، بحسب ما يقول عمال الصحة في الأمم المتحدة والسكان في القطاع.

وتعلق الصحيفة أن الإنجاب في الأوقات العامة يكون تجربة مؤلمة، ولكنها تتضاعف وتكون أكثر ضغطا وسط الحرب. فالأمهات والأطفال الجدد هم عرضة للخطر حيث تدور المعارك في المناطق المدنية، إلى جانب التعرض للمرض والتشرد ونقص الطعام والمياه. ولا تجد النساء اللاتي يتوقعن الولادة ويكنّ محظوظات بالوصول إلى المستشفى، العناية المطلوبة، بحسب عمال الصحة مع الأمم المتحدة، ذلك أن عدد المستشفيات الذي يقدم الخدمات هو 13 من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة. وحتى تلك التي تقدم خدمات، فهي تقدمها بشكل جزئي، وتعاني من قلة الأطباء والممرضين، ومثقلة بالأعباء والمرضى والجرحى.

ولا تعتبر عيادات الولادة مهمة على قائمة الأولويات، ولا تستقبل النساء في حالة المخاض. وقامت القوات الإسرائيلية بعمليات حول المستشفيات وداهمت أخرى مثل مستشفى الشفاء. وأصبح الجزء الشمالي من قطاع غزة مقطوعا ولا تصل إليه الإمدادات الطبية. أما المستشفيات في الجنوب، فتواجه طلبات متزايدة ولا يمكنها تقديم العناية المناسبة للحوامل.

ولا يوجد سوى مستشفى واحد للولادة في قطاع غزة، وهو المستشفى الإماراتي في رفح قرب الحدود مع مصر. ونظرا لوجود نصف سكان قطاع غزة (1,3 مليون نسمة) في رفح، فإن المستشفى يستقبل يوميا 80 حالة ولادة، بزيادة عن 15 حالة قبل الحرب حسب صندوق السكان التابع للأمم المتحدة، والذي يقدم للمستشفيات في غزة مستلزمات الولادة. والسيدة التي تدخل المستشفى للإنجاب تخرج بعد ساعات من الولادة حتى لو كانت الولادة قيصرية.

كما أن هناك نقصا في المواد الطبية والمياه النظيفة في قطاع غزة. وذكر تقرير للأمم المتحدة، أن عدة نساء أنجبن بعمليات قيصرية دون تخدير. وقال ليلى بكر، مديرة صندوق السكان في الدول العربية: “حاولنا تقديم مستلزمات الولادة للنساء، ولكننا لا نستطيع إيصالها بالسرعة المطلوبة.. توجد أغطية بلاستيكية نظيفة للأمهات، ومقص معقم لقص الحبل السري وبطانية، وهي ليست كثيرة، ولكنها يمكن أن تحدث فرقا بين الحياة والموت”.

تستمر مشاكل النساء بعد الولادة حيث سوء التغذية التي تنتشر بين الأمهات والأطفال. وتعاني العائلات من مشاكل للحصول على حليب الأطفال أو الحفاظات وملابس دافئة للمولدين الجدد.

وتشكل النساء والأطفال غالبية الذين قُتلوا منذ بداية الحرب، حيث زاد عدد القتلى عن 27,000 شخص، حسب أرقام وزارة الصحة الفلسطينية. ولا توجد إحصائيات حول عدد حالات الإملاص (موت الجنين) ووفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة. وبناء على روايات من عمال الصحة، ونسب من الحروب السابقة، فمن المتوقع أن الأرقام قد ارتفعت بشكل نسبي خلال الحرب الحالية. ويقول عمال الصحة إن الافتقار للعناية قبل الولادة وما بعدها، يعني أن الأمهات والأطفال يموتون من أمراض يمكن الوقاية منها.

وتقول ديبورا هارينغتون، طبيبة التوليد البريطانية: “لا يتم العناية بالتعقيدات أثناء الحمل”. وقضت هارينغتون أسبوعين في مستشفى الأقصى وسط غزة، كجزء من فريق طبي شكّلته منظمة العون الطبي الفلسطينية، ومنظمة الإغاثة الدولية.

ولا يتم تشخيص حالات ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل أو التسمم، فيما تنتشر حالات فقر الدم بين النساء، ولا يحصلن عن مكملات الحديد التي يحتجن إليها، حسب عمال الصحة في الأمم المتحدة. وقالت هارينغتون: “معظم النساء اللاتي عاينتهن يعانين من فقر الدم، وعادة ما ينجبن مبكرا ويفقدن الكثير من الدم، وهذا يعني وفاتهن، وكذا الأطفال الخدّج، فمن المحتمل وفاتهم”.

وتستمر مشاكل النساء بعد الولادة حيث سوء التغذية التي تنتشر بين الأمهات والأطفال. وتعاني العائلات من مشاكل للحصول على حليب الأطفال أو الحفاظات وملابس دافئة للمولدين الجدد.

وأنجبت رزان غانم طفلا معافى، ولكن المشاكل بدأت عندما خرجت من المستشفى الإماراتي وعادت إلى ملجأ تابع للأمم المتحدة، حيث الدخان المتصاعد من الطبخ. وبدأ الطفل بالسعال وأصبحت لديه حرارة كما تقول. ونصح الأطباء بنقله إلى المستشفى، وعندما شاهدت الازدحام، والأطفال المرضى في أروقته وغياب النظافة، قررت أخذه إلى حيث لجأت ومعالجته، وتقول إنه تحسن الآن.

وتتعرض النساء وأطفالهن الجدد للموت بسبب القصف، حيث قالت هارينغتون: “لم يتم تسجيل الطفل كمولود.. هناك أمر صعب في الحصول على شهادة وفاة قبل شهادة الولادة”.