وفاء العاروري// نحو 7 آلاف شهيد ما زالو تحت الأنقاض في قطاع غزة

في مرات عدة، رصدت عدسات الكاميرات، مشاهد لجثث شهداء بدأت بالتحلل في الشوارع، وأخرى نهشتها الحيوانات الجائعة التي لم تسلم أيضاً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

جثامين آلاف الشهداء بقيت تحت الأنقاض، بانتظار فرص لانتشالها ودفنها، ما ينذر بعواقب صحية وبيئية في منطقة شهدت حروباً عدة في العقدين الأخيرين.
يوم الرابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر، قصفت طائرات الاحتلال الحربية عمارة سكنية في حي الفاخورة شمال غزة، تعود لعائلة الشابة ميسون جلال (35 عاماً). ارتقى في القصف 38 شخصاً. عثر الدفاع المدني على عشرين منهم، ولم يتمكن من انتشال الآخرين، حتى نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2024؛ لتصبح جثامينهم طعاماً للحيوانات، بدلا من إكرامها ودفنها.

حالة عائلة جلال ليست الوحيدة، فهناك آلاف العائلات في قطاع غزة، لم تتمكن من انتشال جثامين أبنائها، وتنظر فرصة لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة، تحت وطأة حرب مستعرة، أكلت الأخضر واليابس، في واحدة من أكثر المناطق السكنية ازدحاماً في العالم.

7 آلاف جثة تحت الأنقاض

لا يوجد رقم دقيق لأعداد الشهداء تحت الأنقاض، لكن الدفاع المدني يقدر عددهم بنحو 7 آلاف جثة لم تستطع الطواقم انتشالها. وفي ظل استمرار الحرب، ونقص المعدات، تبدو المهمة صعبة، بتعبير الناطق باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل.
وأوضح في حديث لـ “آفاق” أن انتشال الجثث يجب أن يكون من خلال حفارات وجرافات، وهذه المعدات تم تدميرها خلال الحرب، الأمر يعقد المهمة.

“ليس بوسعنا شيء”

وحذر بصل من خطورة انتشار وتواجد الجثث في الشوارع وتحت الأنقاض، كونها “مصدر للأوبئة”، مبينا أنه في ظل انهيار القطاع الصحي في غزة، فإن إزالة هذه المخاطر تقع على عاتق جهاز الدفاع المدني، لكن “ليس بوسعنا فعل شيء”.

وقال: في مناطق أخرى من العالم هذا الأمر له بروتوكول معين يتم العمل بموجبه، لكن في غزة كل المعايير اختلفت نتيجة الحرب، ونحن نحاول انتشال ما يمكننا من جثث وأن ندفنها بالطريقة الصحيحة في المقابر، لكن الإمكانيات بدائية، وعدد الشهداء كبير جداً.
هذا الحال، ترك الكثير من الشهداء مجهولي الهوية نتيجة التحلل، ومرور فترات طويلة على استهدافهم، لدرجة أن كثيرين أصبحوا “هياكل عظمية”، لكن “نحاول ألا تبقى الجثث في الشوارع” رغم الامكانيات البسيطة، وفق بصل.

كارثة صحية

حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، من أن استمرار انتشار وتراكم جثث الشهداء في طرقات غزة وتحت أنقاض المباني المدمرة، ينذر بكارثة صحية كبرى ناتجة عن تعفن الجثث وتحللها.

وأكد المرصد (مقره جنيف) أن ما يفاقم الوضع، هو انقطاع المياه والكهرباء، وانعدام أدوات الوقاية والدفن السليم، وهو ما قد يؤدي لانتشار الأوبئة والأمراض، ويساهم في أخطار صحية وبيئية جراء احتمال أن تكون الجثث حاضنة لأمراض سارية ومعدية، إضافة لأمراض تنفسية وجلدية.

الردم.. مناطق موبوءة بالأمراض

تحلل الجثث في البيئة من شأنه ترك آثار تظهر بشكل سريع، مثل تلوث الهواء والمياه الجوفية، إذ تظهر النتائج على صحة الناس من خلال الأمراض التي قد تصيبهم، وفق رئيس مجلس ادارة شبكة المنظمات البيئية عبد الرحمن التميمي.

وأضاف أن “هناك مشكلة حقيقية على المدى القريب، كون هذه الجثث ستتعفن وتصبح بيئة لكل انواع الجراثيم والميكروبات وغيرها، وكوننا في فصل الشتاء فإن عوامل المطر والهواء ستكون سببا في انتقالها إلى أماكن أخرى لا يوجد فيها جثث، وقد تصل إلى مصادر المياه أو المزروعات، وتكون سببا في انتشار الأمراض والأوبئة بين الناس، وكونها مواد عضوية فهذا يعني أنه قد تتحلل وتندمج مع عناصر أخرى لا يمكن معرفتها”.
وبسبب بقاء هذه الجثث تحت الأنقاض لفترات طويلة، فإن الردم سيصبح بيئة خصبة لكل أنواع القوارض والحشرات التي ستتكاثر وتزداد وتصبح مصدرا للأمراض، حسب التميمي.

وإلى جانب هذا الخطر، نوه الخبير البيئي إلى أن هناك أكثر من مئة ألف طن من الأسلحة والقنابل ألقيت على غزة، وهذا رقم ضخم جداً وخسائره ليست بشرية فحسب، وإنما له أبعاد وآثار بيئية كبيرة جداً.

وبين أن “هذه كلها مواد كيميائية عالية الخطورة ستقتل الغطاء النباتي كله، ونتيجة تلوث المياه والتربة بهذه المواد ستصبح معظم أراضي قطاع غزة غير صالحة للزراعة، وهي أساساً أراض وضعها صعب وتعاني من آثار الحروب السابقة”.

وبالحديث عن التداعيات البيئية للحرب الإسرائيلية المدمرة، أشار التميمي إلى مسألة إغراق الأنفاق بالمياه وما تسببه من انهيارات في كثير من الأماكن: “نحن نتحدث عن ملايين اللترات المكعبة من المياه التي قد تدخل إلى هذه الأنفاق، ما يسبب انهيارات كبيرة أسفل المنازل والمحال والمنشآت، وستساعد طبيعة تربة غزة على حدوث هذه الانهيارات، لذلك الآثار البيئية على المدى البعيد ستكون كارثية”.

هل هناك أفق؟

انتشال جثث الشهداء أو ما تبقى منها، لا يبدو أنه سيكون قريباً، في ظل قدرات محدودة للدفاع المدني بغزة. هذا الجهاز فقد 70% من قدرته على العمل (بعد مرور 112 يوماً على الحرب)، حسب الناطق باسم الجهاز محمود بصل.

ليس هذا فحسب، بل فقد الدفاع المدني 45 من عناصره، إضافة إلى إصابة 180 آخرين، بينهم حالات لديها بتر وبحاجة للعلاج في الخارج. ويضيف بصل بعداً آخر من شأنه وضع مزيد من العقبات أمام انتشال الجثامين، يتمثل بالواقع النفسي والمعيشي الصعب الذي يعيشه أفراد الدفاع المدني.
وأوضح أن طواقم الدفاع المدني موجودة وتعمل في الميدان، لكن قدرتها تختلف من منطقة إلى أخرى على مستوى القطاع، وقال: “عدم توفر الوقود أكبر معاناة للجهاز، وسياراتنا تتحرك بالوقود الذي يزودنا به بعض المواطنين”.

خاص بآفاق البيئة والتنمية

المصدر: وطن للأنباء