(فيديوهات وصور)// نساء غزة بعد فقدان المعيل .. يعملن في مهن غير متوقعة..إما العمل أو موت أطفالهن جوعاً

غزة- عن القدس العربي

أجبرت ظروف الحرب الإسرائيلية القاسية، التي أنهت شهرها السادس، النساء على تحمّل مشاق توفير مستلزمات أسرهن، بعد أن فقدن المعيل الأساسي، إما قتلاً أو بسبب الإصابة البالغة بنيران وصواريخ الاحتلال، أو بسبب تغييب أرباب أسرهم قسراً في سجون الاحتلال.

وفي كل منطقة من مناطق قطاع غزة، هناك قصص تكشف حجم المأساة التي تعايشها النساء، اللواتي يعانين بشكل كبير من تبعات الحرب المدمرة والطويلة.

فبات وقوف سيدة أو فتاة على “بسطة” تبيع فيها بعض الأطعمة أو مستلزمات أخرى أمراً طبيعياً، وينتشر بشكل كبير في هذه الأوقات، بعد أن اشتدت الأزمة الاقتصادية، وبات أمر الحصول على المال يحتاج من هذه النساء النزول إلى سوق العمل القسري، لتلبية احتياجات أسرهن، بعد فقدان الرجال المعيلين.

البيع في الأسواق

في شارع سوق مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، تقف سيدة في بدايات العقد الرابع من عمرها، تدعى أم محمد، خلفَ “بسطة”، صغيرة، وضعت عليها قليلاً من حفاظات الأطفال ومناديل ورقية، حيث تبدأ هذه السيدة عملها مع بداية النهار، وتمكث حتى وقت قريب من غروب الشمس.

وتقول هذه السيدة لـ “القدس العربي” إن ما أجبرها على العمل، بعد فترة من النزوح، عدم وجود معيل من الرجال لأفراد أسرتها الذين نزحوا معها منذ بداية الحرب.

هذه السيدة، ككثيرين غيرها من نساء غزة، تقيم في مركز إيواء، وقد تقطعت بها وبأسرها السبل، بعد أن نفد ما لديها من مال قليل خرجت فيه من منطقة سكنها في شمال قطاع غزة، في الأسبوع الثالث من الحرب، بناء على تهديدات عسكرية إسرائيلية.

وقالت أم محمد، إنها اضطرت طوال الفترة الماضية إلى الإنفاق بشكل مقنّن للغاية من النقود القليلة التي كانت بحوزتها، وإنها اضطرت للنزول إلى العمل، بعد نفاد هذه الأموال.

وتحدثت عن مواجهتها صعوبات كثيرة في الحياة، حيث يتوجب عليها حالياً الموازنة ما بين رعاية أفراد أسرتها في مركز الإيواء، وكذلك النزول إلى العمل.

وقالت بحسرة “إن ما عملت ما بلاقي إشي للأطفال يوكلوه”، وتشير إلى أنها تعمل خلال وجودها في السوق، على شراء ما تيسر من الخضار والأطعمة وبعض احتياجات أسرتها.

وتؤكد هذه السيدة لـ “القدس العربي” أن ما يتوفر لهم من أطعمة في مراكز الإيواء، لا يكفي لسدّ جوع الأطفال، وتشير إلى أنهم لا يحصلون في كل الأيام على وجبات الطعام، وأنه في حال توفرت تكون عبارة عن بعض المعلبات.

وتقول: “مش كل إشي المعلبات والأكل، هناك احتياجات أخرى للأسرة لازم تتوفر، زي الخبز والخضروات وحاجات ثانية”.

مواجهة حياة صعبة

وليس بعيداً عن هذه السيدة، ظهرت مؤخراً قصة الشابة بسمة، وهي نازحة من مدينة غزة، وكانت قبل الحرب تدرس في قسم المحاسبة، حيث اضطرت للنزول إلى سوق العمل، وفتحت “بسطة” صغيرة تبيع فيها أطباق الحمص المطحون، وهي نوع من المقبلات التي اعتاد الغزيون على تناولها كوجبة مساعدة مع باقي الطعام.

هذه الفتاة، التي تبلغ من العمر 20 عاماً، كانت تقيم بسطتها أمام مشفى “الأقصى”، وقد أجبرتها ظروف الحرب، بعد استشهاد والدها وأخوتها، على النزول إلى سوق العمل، لإعالة من تبقى من أفراد عائلتها، ولم تكن هذه الفتاة تضع يوماً في مخيلتها أن تلجأ إلى العمل بهذه الطريقة، وكانت كغيرها من طلبة الجامعات يحلمون بالتخرج والالتحاق بعمل يتلاءم مع دراستهم.

وهناك مهن أخرى ابتدعتها فتيات، بعضهن في سن الطفولة، بسبب ظروف الحرب، من بينهن فتيات نازحات، وأخريات غير نازحات.

من هذه المهن بيع الخبز، فأمام أحد المخابز العاملة في مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، تقف شهد، وهي فتاة تبلغ من العمل 16عاماً، مع بعض صديقاتها اللواتي تعرّفت إليهن في أحد مراكز الإيواء في المخيم، وجميعهن نازحات من مناطق غزة والشمال، حيث تضطر هذه الفتاة وشقيقاتها وأشقاؤها الصغار، للوقوف في طابور المخبز الطويل مع بداية العمل، وشراء ربطة الخبز من المكان المخصص بعد جهد وتعب.

تقف هذه الفتاة كغيرها من الفتيات، بعد ذلك وتقوم ببيع الربطة بثمن أكثر من الذي اشترت به، لمواطنين إما كبار في السن، لا يقدرون على الانتظار في الطابور الطويل، أو لأشخاص على عجلة من أمرهم، ولا يريدون البقاء طويلا أمام المخبز.

وتكرر هذه الفتاة وصديقاتها الأمر مرات عدة، وتقول لـ “القدس العربي” إنها، في بعض الأيام، تعود وأشقاؤها بمبلغ يقدر بنحو 50 شيكلا يومياً، أي ما يقارب الـ 15 دولار.

وتقول إحدى رفيقاتها في العمل الجديد إن ما أجبرها على ذلك هو استشهاد والدها قبل النزوح في غارة على شمال غزة.

وتؤكد أنه لم يكن يدور بمخيلتها أن تعمل بهذه المهنة أبداً، وقد تذكرت ما كان عليه وضعها قبل الحرب، حيث كانت تدرس في بداية المرحلة الثانوية، وكانت تتطلع للتفوق في دراستها ودخول الجامعة، وقد تحدثت بحزن عن منزلها وغرفتها الخاصة التي كانت لها، حيث دمر ذلك في غارة إسرائيلية.

وهناك فتيات، وأيضاً شبان في مقتبل العمل من غير النازحين، اضطروا للعمل في بيع الخبز، بعد فقدان معيلي أسرهم، وتراهم ينتشرون بكثرة أمام المخابز العاملة في مناطق وسط وجنوب القطاع.

الخبز وبيع الكعك

وتكثر في مناطق النزوح، وخاصة مناطق المخيمات العشوائية من الخيام، النساء اللواتي شيدن أفراناً من الطين، ويعملن على خبز الدقيق مقابل أجر مالي، خاصة في ظل عدم توفر غاز الطهي سواء للأسر النازحة أو غير النازحة، حيث يضطر الجميع لهذه الأفران البدائية.

وتوفر النساء، في نهاية كل يوم عمل، مبلغاً مالياً يساعد أسرهن على التأقلم مع متطلبات الحياة الشاقة.

وقد لجأ الكثير من النساء إلى صناعة بعض أنواع الحلويات والكعك، إما في منازلهن (من غير النازحات)، أو في أفران الطين (من النازحات)، ويجري بيعه من قبل أطفالهن أو أزواجهن في الأسواق، لتوفير المال اللازم لإعالة أسرهن في هذه الظروف الصعبة.

وقالت إيمان، وهي ربة أسرة في منتصف العقد الثالث، ولها من الأطفال أربعة، إنها تقوم بصناعة هذه الحلوى والكعك، فيما توكل مهمة البيع لزوجها، وتشير إلى أن الكثير من جيران النزوح في الخيام القريبة من مكان إقامتهم وسط القطاع، وكذلك الجيران، يقدمون مباشرة إلى خيمة العائلة لشراء الكعك.

وخلال حديثها لـ “القدس العربي”، تحدثت هذه السيدة وبجوارها زوجها عن مشقة الحياة في ظل النزوح، وعن آلام البعد عن المنزل، لافتة إلى أن ما يتوفر من أموال بعد العمل الشاق بالكاد يكفي مصاريف الأسرة، لافتة إلى أن تصنيع الحلويات يتطلب منها ومن زوجها البحث كثيراً عن مواد التحضير التي تشح كثيراً في الأسواق، والتي باتت تباع بثمن مرتفع كثيراً عن سعرها قبل الحرب.

وتحدثت إيمان أيضاً عن المشقة التي تواجهها، حيث يتطلب منها الأمر تحضير هذه الأصناف، وكذلك رعاية أطفالها، ومن بينهم طفل رضيع لا يتجاوز عمره العام والنصف.

وإلى جوار سكنها في أحد مناطق النزوح العشوائية وسط قطاع غزة، كانت تمتهن السيدة سهاد الجمال ذات المهنة، وقالت أيضاً إن جميع ما كانت تملكه الأسرة من مال نفد في الشهر الثاني من الحرب، وهو ما دفع أفراد الأسرة للبحث عن العمل لتوفير مستلزمات الحياة القاسية.

وكغيرهن من سكان غزة، تواجه النساء عمليات القتل الإسرائيلية الممنهجة، وتؤكد إحصائيات الأمم المتحدة، أن أكثر من 9 آلاف امرأة وفتاة استشهدن حتى الآن منذ بدء الحرب.

وتؤكد أن كل يوم تستمر فيه الحرب في غزة، بالمعدل الحالي، سيتواصل قتل 63 امرأة في المتوسط، بينهن أمهات.

كما ذكرت إحصائية، نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن النساء والأطفال شكلوا ما نسبته 70% من الشهداء والمفقودين في غزة.

وأوضحت الإحصائية أن هناك توقفاً شبه تام في عجلة الإنتاج لمنشآت القطاع الخاص في قطاع غزة، وتراجعاً غير مسبوق في الضفة الغربية، وأكدت أن غالبية العمالة في قطاع غزة، التي تقدر بأكثر من 153 ألف عامل تعطّلت، بسبب الحرب.

ورفع ذلك من معدلات الفقر والبطالة في صفوف السكان، حيث وصلت إلى مستويات مرتفعة جداً.

وحسب جهاز الإحصاء، فإن معدل البطالة في القطاع تجاوز الـ 70% حالياً، بعد أن كان 45% قبل السابع من أكتوبر، حيث فقد 148 ألف عامل عملهم بسبب الهجمات الإسرائيلية، وتوقّع المسؤول في جهاز الإحصاء محمد قلالوة أن ترتفع نسبة الفقر في قطاع غزة إلى حوالي 90%.