
لنتجــاهـــل نـــداءات الـعـالــم حـــول “الـيـوم الـتـالـي”
بقلم: اليكس نحومسون
قبل أن يكتمل الأسبوع الأول لحرب «السيوف الحديدية» وإذ بها تبدأ الأصوات من خلف البحر عن الحاجة العاجلة لخطة «اليوم التالي». فقد ضاق الطريق على إدارة بايدن لاتخاذ هذه الخطة وروافع الضغط بدأت تعمل من كل جهة ممكنة. انخرط هذا الضغط الأميركي جيدا بالهدف الرائد والتاريخي للادارات على اجيالها (باستثناء إدارة ترامب) – رؤيا الدولتين للشعبين.
ترى إدارة بايدن في الوضعية الناشئة عقب كارثة فرحة التوراة والحرب الجارية في اعقابها فرصة ذهبية لتحقيق الرؤيا التي تبلورت منذ أيام أوسلو البهيجة. تصريحات نتنياهو ضد الرؤيا الأميركية جرت ردود فعل خطيرة من الإدارة وجدت تعبيرها بالتحذيرات والقيود على حرية عمل الجيش الإسرائيلي في القطاع بدعوى المس بـ «غير المشاركين» ومنع «كارثة إنسانية»، الامر الذي فرض على إسرائيل عملا عابثا يتمثل بضمان العدو في ظل القتال ضده. بل ان بايدن لم يتردد حتى من تهديد إسرائيل بحظر السلاح الذي يورد لإسرائيل حسب القانون (وتراجع بعد ردود الفعل القاسية التي وجهت له من السناتورات الجمهوريين بل وحتى من حزبه).
وفي موضوع «اليوم التالي» إياه، ليس لهذا سابقة تاريخية و/أو منطق أساس. فلم يسبق لاي دولة أن خططت في اثناء القتال كيف ستتصرف بعده حتى قبل أن تتضح نتائجه. لقد تفرغت الولايات المتحدة لليوم التالي بعد الحرب العالمية الثانية بعد سنتين من انتهائها، بمشروع مارشل. احد لم يحث الحلفاء على تخطيط اليوم التالي في اثناء سنوات القتال.
لمؤيدي المصلحة الأميركية ينضم علنا سياسيون من المعارضة، محللون مختلفون في وسائل الاعلام الإسرائيلية والاسوأ من هذا – محافل في جهاز الامن الإسرائيلي. في القناة 13 افيد عن «تحذير دراماتيكي من رئيس الاركان هرتسي هليفي للمستوى السياسي في أن «غياب خطة لليوم التالي سيسحق إنجازات الحرب». ليس اقل.
هليفي تشوش قليلا، فانجازات الحرب في الميدان من واجبه كقائد الجيش ان يحافظ عليها قبل أن يلقي بالمسؤولية على المستوى السياسي. وطريقة العمل الغريبة التي يتخذها – احتلال مناطق في القطاع وفور ذلك مغادرتها والتقدم الى مناطق أخرى – غير مسبوقة بعقيدة القتال. وفي ادبيات العظماء الاستراتيجيين.
للجيش توجد آليات لحيازة وإدارة ارض محتلة، مثل «سلاح الوضع» الذي غايته الحفاظ على السيادة في ارض محتلة ومنع محاولات التمرد من السكان المحليين. هذه الاليات ثابتة في العقائد القتالية ويتعلمها كل متدرب في بداية طريقه. افترض من رئيس الأركان ان يكون يعرف هذه المبادئ الأساس، فما هو السبب اذن في انه يعمل بخلافها؟ سؤال آخر واجب الفحص مع باقي المواضيع الغريبة التي تراكمت منذ 7 أكتوبر. نتوقع من هليفي بعض التواضع بعد ما حصل في السبت الأسود.
لقد حددت إسرائيل هدفين للسيوف الحديدية – اسقاط حماس في ظل الغاء التهديد المتواصل من غزة وإعادة المخطوفين. هذا ما ينبغي التركيز عليه مع تجاهل ضجيج الخلفية بما فيها نداءات «اليوم التالي» التي تخدم مصالح غريبة وليس مصالح إسرائيل.
——————————————–
إسرائيل اليوم 17/5/2024
المسائل الجوهرية الثلاث:
اليوم التالي وانعدام الرد في الشمال وتجنيد الحريديم..
المصلحة السياسية تتغلب على المصلحة الوطنية
بقلم: يواف ليمور
المرآة التي نصبها وزير الدفاع أمس امام وجه الحكومة ينبغي أن تقلق كل إسرائيل. تنعكس منها صورة دولة تتدهور في منحدر الهوة، دون أن يفعل المسؤولون عن ذلك شيئا لتغيير الاتجاه.
لقد عرض غالنت ثلاث مسائل أساسية تسير فيها إسرائيل، برأيه في مسار خطير. الأولى والاساسية بينها هي غزة سبعة أشهر في داخل الحرب، قال، ورئيس الوزراء يرفض البحث بمن سيحل محل حماس. بغياب بديل، يبقى عمليا بديلان حماس، او حكم عسكري إسرائيلي. البديل الأول ليس منطقيا فقد انطلقت إسرائيل الى الحرب كي تسقط حكم حماس، وهي من شأنها أن تخلده البديل الثاني سيء هو الآخر: اثمانه – الأمنية، السياسية والاقتصادية – من شأنها ان توقع كارثة على إسرائيل (ناهيك عن الثمن بحياة الجنود مما سيكون نتيجة الحاجة لحكم 2,2 مليون فلسطيني في غزة).
المسألة الثانية هي الشمال. غالنت تحدث بعمومية – قريبا ، قال، ستحل اللحظة للحسم بين الاتفاق والقتال – لكن من خلف أقواله يختبيء نقدا على الامر ذاته امتناع نتنياهو عن البحث في الأهداف الاستراتيجية في الشمال. والنتيجة هي ان الشمال مخلى وإسرائيل عالقة في الدفاع دون أن تعمل على تحقيق مصالحها (التي كما أسلفنا لم تتقرر بعد).
المسألة الثالثة هي تجنيد الحريديم. فقد اعلن غالنت انه سيرفض المشاركة في المناورة البشعة التي يعمل عليها نتنياهو من حيث إجازة القانون من الكنيست السابقة هذا القانون، كما أوضح ، لم يعد ذا صلة. فالجيش الإسرائيلي يحتاج اليوم الى مقاتلين إضافيين، ودولة إسرائيل بحاجة الى المساواة. القانون بصيغته المقترحة لن يعطي جوابا لهذين الأمرين، وهو فقط سيخلد ويعمق الفجوة المغيظة بين أولئك الذين يساهمون وأولئك الذين يتملصون.
هذه المسائل الثلاث ترتبط الواحدة بالاخرى مرتين مرة في أنها كلها تنبع من غزة ومن الحرب مرة ثانية، لانها فيها كلها المصلحة السياسية تتغلب على المصلحة القومية. فالامتناع عن البحث العميق في اليوم التالي في غزة ينبع كله من ضغط الجناح اليميني في الحكومة والامتناع عن تحقيق التجنيد الواجب للحريديم ينبع كله من ضغط الأحزاب الحريدية.
تتجاهل الحكومة ورئيسها على عادتهم جملة المفارقات التي تنبع من القرارات (او للدقة انعدام القرار). فمثلا لاجل إقامة حكم عسكري في غزة هناك حاجة لبضع فرق ، ليست موجودة، واساسا اذا كانت هناك حاجة للتوازي للإبقاء على جاهزة لحرب في الشمال والقيام باعمال في مدى واسع للضفة. لاجل السماح لبضع معارك بالتوازي، مطلوب عشرات الاف الجنود الاضافيين – أي الحريديم إذ لا يوجد مصدر تجنيد إضافي.
توجد امثلة أخرى، بعضها أكثر اثارة للحفيظة. فقد رفع غالنت أمس العلم وحذر من معانيها. من يعرف التفاصيل يعرف انه كان رقيقا في أقواله. الواقع أسوأ وأخطر باضعاف، واساسا على المستوى السياسي – الأمني. بدلا من حل المشاكل إسرائيل تخلق مشاكل إضافية بشكل يؤدي حتى لاكبر المتفائلين لان يمزقوا شعرهم بأسا.
يمكن ومرغوب فيه تحدي مواقف غالنت في هذه المسائل، لاجل تعميق التفكير وتحسين الحلول مشكلة نتنياهو هي انه على عادته يفر من الحسم ويركز على ان يقول ما لا وليس ما نعم. 223 يوما في داخل الحرب، حان الوقت لان تقرر الحكومة وتبلغ مواطنيها والعالم ما هي أهدافها وكيف تعتزم تحقيقها، والا فانها تراهن على مستقبلها. اذا كنا سنلخص اقوال وزير الدفاع فان لحظة الحقيقة حانت . هذا إما الدولة او السياسة.
——————————————–
هآرتس 17/5/2024
“سنقيم مستوطنة جديدة في الضفة مقابل كل دولة تعترف بفلسطين”.. للعالم: أوقفوا هذا الجنون وافرضوا “حل الدولتين”
بقلم: كارولينا ليندسمان
من بين الردود التي نشرت رداً على أقوال غالانت، هي التي توقفت عند رد ياريف لفين. “شعب إسرائيل غير مستعد لأن يكون مهاناً”، قال قبل مواصلة رسائله المعروفة ضد أوسلو ب وضد السلطة الفلسطينية. “هو غير مستعد لأن يكون مهاناً”. أضحكتني يا ياريف. من يستمر بعد 7 أكتوبر في دعم نتنياهو، الذي هو أبو كل الإهانات التي عرفها شعب إسرائيل، لا مشكلة عنده في أن يكون مهاناً. عملياً، ربما هذا أحد الأمراض الشخصية الذي يفسر تأييده لنتنياهو.
إذا كان الأمر يتعلق بلفين وبالإهانة فهو يستحق التهنئة. أول أمس، عينه نتنياهو، الذي بالتأكيد يثق به بعيون مغمضة منذ النجاح المدوي الذي حققه مع “الإصلاح”، لرئاسة الطاقم الوزاري الذي سيبلور خطوات الرد ضد السلطة الفلسطينية عقب قرار الأمم المتحدة الأسبوع الماضي تعزيز مكانتها.
هذا القرار الذي لا أساس له سبقه نقاش بمستوى متدن، الذي هو نفسه يعتبر إهانة لإسرائيل (الاقتباسات التالية من “واي نت” و”كان”). “يجب توجيه ضربة شديدة لهم تجعلهم يستيقظون”، قالت ميري ريغف. الديك الذي يصيح من التلال، أوريت ستروك، اعتبرت الخطوات الفلسطينية إرهاباً سياسياً وطلبت إيلامهم. لفين نفسه أراد التطرق لخطوات السلطة الفلسطينية (التي هي، نذكر العقلانيين بيننا، تعريف للنضال الدبلوماسي، أي عكس الإرهاب). “مثلما يتعاملون مع الإرهاب”، وجباية ثمن منهم، “مثلما نجبي بسبب الإرهاب”. مثل ماذا على سبيل المثال؟ “المس بكبار قادتها وجباية ثمن على الأرض، لا سيما بواسطة الاستيطان”. لفين، هل حكم أبو مازن مثل حكم السنوار؟
دعا سموتريتش إلى تدمير السلطة. بدلاً من السماح لها بحكم غزة، تنوي حكومة نتنياهو السماح لحماس بالحكم في الضفة. إضافة إلى ذلك، عرض معاقبة دول تعترف بالدولة الفلسطينية، وإقامة مستوطنة جديدة في المناطق مقابل كل دولة تعترف بدولة فلسطين.
هناك اقتباس رائع لنيتشا، “الجنون الفردي نادر، لكنه القانون لدى مجموعات ومنظمات ودول. لا يوجد مثال أفضل على جنون مجموعة من حكومة إسرائيل. غالانت وحده لا يمكنه وقف الجنون. ليس عبثاً أن توجه للجمهور، لأن الجمهور هو الذي يستطيع وقف هذا الجنون. ولكن من أجل ذلك، على الجمهور أن يرغب في وقف الجنون.
إن طمس التمييز القاطع بين الإرهاب والدبلوماسية من أكبر جرائم حكومات نتنياهو، وهو أحد أركان “المفهوم” الذي مول طريق الإرهاب بيد، وسحق بالأخرى طريق الدبلوماسية. إذا كان النضال الدبلوماسي من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية إرهاباً، فكيف يمكن أخذ إسرائيل على محمل الجد؟ هل يوجد أصلاً نضال ضد الاحتلال مشروع عندها؟ العضوية الكاملة لف
لذلك، الاستنتاج واحد: على العالم أخذ حل النزاع من يد الإسرائيليين والفلسطينيين، والاعتراف بالدولة الفلسطينية على أساس قرار التقسيم مع التعديلات الضرورية على الحدود، بالاعتماد على خطوط حزيران 1967. هذا الأمر سيحرر إسرائيل من وهم أن من حقها أن تعطي أو لا تعطي. وسيحرر الفلسطينيين من رفض الاكتفاء بما “تعطيه لهم” إسرائيل. إسرائيل لا تعطي “المناطق” لأنها ليست لها. والفلسطينيون لا يكتفون فقط بالمناطق لأن باقي البلاد ليست لهم.
إن وضع حدود تقسم البلاد بين الشعبين هو العدو الأكبر لمن يريدون كل البلاد. والدول الأوروبية، التي تريد الاعتراف بفلسطين وتخاف من المستوطنات التي ستقام على اسمها في “المناطق” [الضفة الغربية]، عليها ألا تخاف من ذلك. فعندما تُنقل هذه المستوطنات إلى أيدي الفلسطينيين فلا حاجة لتغيير أسمائها.
——————————————–
هآرتس 17/5/2024
“ترانسفير هادئ بعنف”.. ماذا يفعل راع فلسطيني أمام مستوطن إرهابي وجيش يحميه في “دولة تطهير عرقي”؟
بقلم: جدعون ليفي
تجمع الرعاة بدا آخذاً في الاختناق: القطعان محبوسة في حظائرها، وجميع مناطق الرعي حولها أغلقها المستوطنون العنيفون الذين سيطروا عليها، وأسعار الأعلاف لا تسمح للرعاة بالبقاء. الأولاد مندهشون. فتى ابن 12 تجول هذا الأسبوع في القرية ملثماً؛ تنكر على هيئة مستوطن مثل الذين يقتحمون المنازل ليلاً. رؤساء التجمع مصابون باليأس، ولا يعرفون كيف سيواصلون عيشهم. تجمع عرب المليحات، الذي يعيش في هذه الأرض منذ عشرات السنين، في الطريق اليوم إلى الانكسار. إذا استمر الوضع على هذا النحو فسيضطرون لمغادرة القرية. وعنف المستوطنين منفلت العقال سيسجل نجاحاً آخر.
ليس هناك من ينقذ عرب المليحات. الجيش يتعاون علناً مع المستوطنين، ومثله الإدارة المدنية والشرطة، الذين لا يفعلون شيئاً. ترانسفير عنيف وهادئ مستمر دون إزعاج. التطهير العرقي لغور الأردن في الذروة. منذ اندلاع الحرب، هجر 18 تجمعاً للرعاة على الأقل بسبب رعب المستوطنين. في المنطقة هنا، من ظهر الجبل إلى وسط الغور، غادر 4 تجمعات و25 عائلة، حسب معطيات الباحث في “بتسيلم” عارف ضراغمة. وكل ذلك بسبب رعب المستوطنين.
الشارع 449 يهبط من الجبل إلى شمال أريحا. إلى جانب الشارع بعد نصف الطريق إلى الغور، تقع القرية البدوية لعرب المليحات. حولها مستوطنات “ريمونيم” و”كوخاف هشاحر” في الطريق إلى أريحا. ومستوطنة “يتاف” والبؤر الاستيطانية والمزارع المتوحشة التي قامت في أعقابها، بعضها بدون اسم حتى. شبكة العلاقات التي بدأت بشكل جيد نسبياً، تدهورت مع مرور السنين بعد أن طمع المستوطنون بكل الأراضي لأنفسهم. بعد ذلك، جاءت الحرب في غزة وأزالت القيود الأخيرة: أصبح الجيران أعداء، وارتدى المستوطنون المشاغبون الزي العسكري، وحملوا السلاح وركبوا السيارات العسكرية، “فرق الطوارئ”، ويمكنهم الآن القيام بأعمال شغب بدون كوابح. الغور وسفوحه أصبحت مناطق حرب على الأراضي. لا يمر يوم بدون حوادث. الهدف واضح وضوح شمس الغور: التنغيص على حياة السكان ليفعلوا ما فعلته تجمعات أخرى: مغادرة أراضيهم وقراهم، كي تصبح المنطقة يهودية بالكامل، وجميعها للمستوطنين.
عندما وصلنا، الإثنين الماضي، يوم الذكرى، إلى عرب المليحات، تجولت سيارة عسكرية في الطرق الترابية في القرية ذهاباً وإياباً مرة تلو الأخرى، سيارة “تندر” بيضاء مغلقة مهددة، عليها إشارة صفراء ولوحة ترخيص عسكرية في المقدمة والخلف. واضح للجميع أن هذا الوجود العسكري استهدف زيادة تخويف السكان وتعزيز قبضة المستوطنين الحديدية في القرية، إلى أن يتم إخلاء هذا التجمع أيضاً.
جاء سكان القرية هنا في 1981 بعد أن طُردوا مرتين من أماكنهم. الأولى من النقب إلى الضفة الأردنية في 1948، والمرة الثانية إلى المكان الحالي بعد أن أقام الجيش قاعدة في مكانهم السابق في وسط الضفة الغربية وأخلاهم. عندما انتقلوا إلى هنا، وعدهم أحد موظفي الإدارة المدنية بأنه “ما دامت دولة إسرائيل موجودة هنا فستبقون هنا”. ومنذ ذلك الحين، ودولة إسرائيل موجودة دون انقطاع، لكن ظلالاً ثقيلة تجثم على مستقبل بقائهم هنا. هذه هي كلمة إسرائيل.
سليمان مليحات، المتحدث غير الرسمي للتجمع، هو متزوج وأب لأربعة أولاد، عمره 33 سنة، هو راعي قطيع يشمل 130 رأساً من الأغنام. عمه جمال مليحات (40 سنة)، متزوج وأب لخمسة أولاد، يملك قطيعاً يعد 150 رأساً من الأغنام، 35 منها سرقها المستوطنون مؤخراً. وسنعود إلى ذلك لاحقاً. نجلس في ديوان القرية، مبنى متنقل جدرانه مغطاة بألواح الديكت. في هذا التجمع 5500 رأس من الأغنام، حياتها في خطر. “لا مكان نرعى فيه القطعان بعد سيطرة المستوطنين بالعنف على كل الأراضي”.
في البداية، تلقوا أمراً بعدم الاقتراب من أي مستوطنة أو بؤرة استيطانية، مسافة 2 كم عن حدودها. بعد ذلك، ظهرت على الأرض مزارع وقحة لأشخاص أفراد مثل مزرعة المستوطن عومر، الذي كما يقول سكان القرية، سيطر على نحو 2000 دونم ومنع الرعاة من الاقتراب منها. وثمة مستوطن آخر يسمى “جبريل”، يفرض الرعب عليهم. منذ اندلاع الحرب يتجول حاملاً السلاح ويرتدي الزي العسكري ويهدد ويطرد. “قبل عشر سنوات، كان جبريل يشرب القهوة عندنا، كنا جيراناً. منذ الحرب، أصبح شخصاً آخر”، قال سليمان. المستوطن زوهر، صاحب المزرعة التي تحمل اسمه، سيطر -حسب أقوال السكان- على 3 آلاف دونم مع أغنامه، ومنع سكان التجمع من الاقتراب.
يتحدث السكان عن هجمات منظمة على القرية والأغنام، ليل نهار؛ ورشق الحجارة على الأغنام، وأحياناً دهسها بالتراكتورات. عندما يستدعون الشرطة، قال السكان، يشير المستوطنون لرجال الشرطة من الذي يجب اعتقاله من بين السكان، هذا ما يحدث. عدد غير قليل من السكان تم اعتقالهم عقب هجمات المستوطنين. في ليلة 17 كانون الثاني مثلاً، قال سليمان: في الساعة 12:30 ليلاً، جاء خمسة أشخاص مرتدين الزي العسكري وملثمين، يبدو أنهم من المستوطنين، إلى خيمة إبراهيم مليحات (25 سنة)، وأخرجوه من الخيمة واقتادوه خارج القرية وقاموا بضربه، بسبب التجرؤ على الرعي في “مكان محظور”. أبناء عائلته تابعوهم، وعندما شاهدهم المستوطنون ذهبوا نحو مزرعة زوهر. اتصل سليمان بالشرطة، لم تأت.
أحياناً لا تأتي الشرطة إلا بعد ساعات على الحادثة، وبعد مغادرة المستوطنين. عندما يذهب السكان إلى مركز شرطة بنيامين لا يسمحون لهم بالدخول، إلا إذا كان يرافقهم محام. لم ينتج عن أي شكوى مقدمة أي تحقيق جدي. لم يسمع السكان أي شيء من الشرطة. هكذا كان الأمر في هذا الأسبوع؛ الأحد، ذهب بعض السكان إلى شرطة بنيامين لتقديم شكوى بسبب عنف المستوطنين، لكنهم أجبروا على الانتظار لساعات في الخارج. لماذا؟ لأن “الحديث يدور عن فلسطينيين لا يسمح لهم الدخول. لذلك هناك حاجة لمرافقة سيارة شرطة”، قالت الشرطة. “عند معرفتهم عن أمر وصولهم إلى مدخل المنطقة الصناعية “شاعر بنيامين”، تم إرسال سيارة شرطة لإحضارهم إلى مركز الشرطة لتقديم الشكوى. وعند وصولهم، تم أخذ الشكوى كالعادة، وتم فتح تحقيق بهدف التوصل إلى الحقيقة”.
الباحث ضراغمة قال: “منذ الحرب، وجميع الفلسطينيين في حالة خوف. مستوطن ابن 16 سنة يمكنه ضرب شيخ، والجميع يخافون. ولد يطلب من عشرين فلسطينياً مغادرة أراضيهم، وسيخافون. منذ الحرب، أقيم في الغور 13 بؤرة استيطانية جديدة”. أحد المستوطنين، قال ضراغمة، قال لراع فلسطيني ذات مرة: “أنظر إلى الأفق. كوول ما أراه هو لي”.
الولد الملثم أزال عنه قناع المستوطن الذي ارتداه. وتبين أنه عبد الحي، وهو ولد ذو ابتسامة خجولة وجميلة وعمره 12 سنة. قبل بضعة أشهر، كسر مستوطنون ملثمون ذراعه. ومنذ ذلك الحين وهو يتجول أحياناً وهو ملثم في القرية.
——————————————–
هآرتس 17/5/2024
مع نية اليمين استبدال “لاعب جديد” بغالانت والانشغال بالترقيات وانتظار ترامب وعودة حماس أكثر شراسة وتنظيماً محبطاً أمام “ضربات المقاومة”.. الجيش لنتنياهو: أدخلتنا في “فتنة حقيقية”
بقلم: عاموس هرئيل
في منتصف الشهر الثامن للحرب، بدا وضع إسرائيل آخذاً في التعقد؛ فالمواجهة مع حماس في قطاع غزة بعيدة عن الحسم رغم علاقات القوة العسكرية التي تميل لصالح الجيش الإسرائيلي؛ أما على الحدود مع لبنان فقد ازداد تبادل اللكمات مع حزب الله، ولا يظهر أي أفق لموعد عودة 60 ألف شخص منذ تشرين الأول؛ والخلافات في الرأي داخل الحكومة حول استمرار الحرب تجري علناً الآن أمام أنظار الجمهور؛ في حين أن صفقة المخطوفين في حالة جمود عميقة، إزاء الفجوات في المواقف بين الطرفين وتقدير حماس بأنها تستطيع استغلال الشرخ الداخلي في إسرائيل. الشرخ السياسي في القيادة العليا، إلى جانب الخسائر المتجددة، يعرض إيمان الجمهور بالحرب للخطر. وحتى إن الأزمة قد تفسرها إيران وحزب الله بأنها فرصة للقيام باستفزازات جديدة بعد هجوم الصواريخ والمسيرات من إيران.
بقي وزير الدفاع، غالانت، يغلي منذ فترة طويلة، وكان واضحاً في الانتقادات التي وجهها مساء أمس. كانت النقاشات داخل المجلسين عاصفة في الأسابيع الأخيرة، ورغم الفجوات في المواقف والاحتكاكات الشخصية فإن تجمع غالانت – غانتس – آيزنكوت، تبلور مرة أخرى كوزن مضاد للخط الذي يقوده محور رئيس الحكومة. كجزء من الصراع على بقائه، وطبقاً لطلبات شركائه في اليمين المتطرف، صمم نتنياهو على التقدم نحو رفح ورفض إظهار أي مرونة حقيقية في المفاوضات على المخطوفين (حماس أيضاً اتخذت موقفاً حازماً).
الوزراء الثلاثة ورئيسا الأركان السابقان، فضلوا محاولة الدفع قدماً بصفقة المخطوفين في البداية. وحذروا من التوجه لاحتلال رفح إزاء خلاف شديد مع الولايات المتحدة، وأكدوا الحاجة لوضع هدف سياسي للحرب – تسوية تندمج فيها السلطة الفلسطينية في السيطرة على القطاع إذا تمت وبحق هزيمة حماس وانسحب الجيش الإسرائيلي منه. يشارك مواقف هؤلاء الثلاثة عدد من أعضاء الكنيست من الليكود، ولكنهم لا يملكون الشجاعة لانتقاد نتنياهو.
الدافع الأساسي لتصريح غالانت يكمن في الخلاف حول مسألة إقامة حكم عسكري إسرائيلي، يدير القطاع بدلاً من حماس. ومهما ظهر هذا الأمر خطيراً، فتلك هي الفكرة التي يناقشها نتنياهو الآن. لقد دخل في صورة الأحداث مؤخراً لاعب رئيسي جديد، الجنرال رومان غوفمان، السكرتير العسكري الجديد لرئيس الحكومة، وهو ضابط متميز، عمل قائداً لقاعدة “تساليم” وأصيب إصابة بالغة في 7 أكتوبر عندما هب للمساعدة في صد الهجوم على الغلاف. في الوقت الذي كان يتعافى فيه من إصابته، شغل مؤقتاً منصباً رفيعاً في قسم منسق أعمال الحكومة في “المناطق” [الضفة الغربية]. وكما نشرت “أخبار 12″، حيث كتب وثيقة، وصلت إلى نتنياهو، تتضمن اقتراحاً لإقامة حكم عسكري مؤقت في القطاع كحل بديل لحماس.
كرأي مهني، يمكن رؤية فكرة تبرر النقاش في اقتراح غوفمان. ولكن نتنياهو يدفع بهذا الاقتراح لاعتباراته الخاصة. ووهي فكرة راقت لرؤساء أحزاب اليمين المتطرف في الائتلاف، بن غفير وسموتريتش. بالنسبة لهم، لا أمر ثابتاً أكثر من المؤقت (كما ثبت في قضية البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية)، وهكذا ستمهد الطريق لإعادة إقامة المستوطنات في القطاع. تصريح غالانت استهدف تقويض هذه الخطوة.
ثمة اعتبار آخر حرك وزير الدفاع، يرتبط بإحباط عميق لدى الجيش جراء قرار إرسال قيادة إلى منطقة رفح؛ للسيطرة على الجزء الجنوبي الشرقي لمحور فيلادلفيا وعلى معبر رفح، من دون مناقشة المعاني الاستراتيجية. ورغم أن الجيش حذر بشأن الحاجة إلى الاتفاق مسبقاً حول ما سيتم فعله في المعبر بعد السيطرة عليه، لكن لم يتم الاتفاق على أي شيء مع المصريين. تقدم القوات إلى رفح ما زال بطيئاً ومحدوداً إزاء معارضة أمريكا. ولكن إمكانية تعقد الأوضاع هناك ما زال كبيراً. الآن، يبدو أن الجيش تقدم إلى ما وراء الخطوط التي حددتها الخطط مسبقاً وعرضت على المستوى السياسي. ويزداد الخطر أيضاً في عمليات شمال القطاع، حيث تتراكم الخسائر لدى الجيش الإسرائيلي. في بعض الحالات، يحدث الأمر من قبل الجيش: أول أمس، قتل خمسة من المظليين في الخدمة النظامية بإصابة قذائف دبابات أطلقت بالخطأ من قوات قريبة. كما أصيب ثمانية جنود بينهم ثلاث إصاباتهم بالغة. أمس، نشر عن موت جندي احتياط في حادث عملياتي على حدود القطاع.
وقعت حادثة الدبابة أثناء عملية في جباليا في المنطقة التي دخلها الجيش الإسرائيلي للمرة الثالثة. في هذه المرة، المقاومة التي تظهرها حماس كبيرة وتشمل إطلاقاً كثيفاً لصواريخ الـ آر.بي.جي، غير المسبوق في شمال القطاع في الأشهر الأخيرة. المسلحون الفلسطينيون منظمون نسبياً، ويبدو أنهم يعملون كجزء من منظومة قيادة وسيطرة تشغلها حماس. صفوف حماس تتراص من جديد، رغم خسارتها أكثر من 10 آلاف ناشط في الحرب حتى الآن (حسب بعض التقديرات، تكبدت حماس حوالي 14 ألف قتيل وآلاف المصابين).
تقول “أمان” و”الشاباك” إن هذا ليس صدفياً؛ فالشباب في القطاع لا يشخصون بديلاً لحماس، ويتجندون في صفوفها بدلاً من المخربين الذي قتلوا. الانضمام للمنظمة يضمن احتمالية أفضل لبقاء العائلة حتى في ظل ظروف الحياة القاسية في القطاع.
يفترض السكان أن حماس ستجتاز الحرب وستبقى في الحكم. ويطلب غالانت، بدعم رؤساء أجهزة الأمن، منذ نهاية تشرين الأول الماضي، إجراء نقاش في المجلسين حول ترتيبات اليوم التالي. لكن نتنياهو، الذي يحتفظ بصلاحية تحديد جدول الأعمال يرفض ذلك. يشمل اقتراح وزير الدفاع دخول تحالف دولي – عربي يتضمن “فلسطينيين محليين” تشخص عيونهم نحو رام الله، وهي مصطلحات معقدة تهدف لتجاوز فيتو نتنياهو الذي فرضه على مشاركة السلطة الفلسطينية.
بالإجمال، يرى غالانت ورؤساء أجهزة الأمن، أن إسرائيل تبدد الاعتماد الذي راكمته العمليات العسكرية. حماس لم تهزم، بل تعيد بناء نفسها من حيث أخلاها الجيش الإسرائيلي. وفي ظل غياب بديل سلطوي، ستتعزز حماس. الإحباط يزداد، لأن الجنود يقتلون في أماكن عاد إليها الجيش الإسرائيلي للمرة الثانية والثالثة، بدون جدوى أو هدف، باستثناء وعود لا أساس لها من نتنياهو حول النصر المطلق. “هذه فتنة حقيقية”، قال شخص يشارك في المشاورات الأمنية.
الجمود الاستراتيجي الإسرائيلي يخيب آمال الشركاء الاستراتيجيين؛ فالإمارات التي عبرت عن اهتمامها بترتيبات اليوم التالي في القطاع، ومستعدة لتمويل إعادة الإعمار والمساعدة في خطط منع التطرف، لن تقترب من هناك ما استمر الوضع الحالي. في حين أن الولايات المتحدة التي تحدثت في البداية عن سلطة فلسطينية محدثة، تضغط الآن على إسرائيل للموافقة على أي حل في القطاع باستثناء أن تنهي القتال في القطاع والانسحاب منه. أمس، تم افتتاح الميناء البحري الذي أقامه الجيش الأمريكي شمالي القطاع، وهو القرار الذي فرضته الإدارة الأمريكية على نتنياهو، إزاء الصعوبات التي وضعتها إسرائيل على إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
تملص هادئ
تشكك الحكومة والإدارة الأمريكية بأن رفض نتنياهو السعي نحو ترتيبات لإنهاء الحرب، لا يكمن فقط في الادعاء “المشروع” الذي بحسبه حماس لم تتكبد حتى الآن ضربة قاسية تكفل بتمكين إجراء نقاش حول اليوم التالي. الادعاء هو أن نتنياهو يحاول بطريقة ما كسب الوقت إلى حين إخلاء الرئيس الأمريكي مكانه لدونالد ترامب، إذا فاز الأخير في الانتخابات القادمة في تشرين الثاني. لكنها مقامرة على ركيزة ضعيفة؛ فترامب وجه انتقادات شديدة لإسرائيل في الأشهر الأخيرة، وتشاجر بشدة مع نتنياهو بعد أن اعترف الأخير بفوز بايدن في انتخابات 2020. الطريقة التي استعد فيها الرئيس السابق للتخلي عن أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ونظرته السلبية للناتو، تقلق إسرائيل أيضاً.
في هذه الأثناء، ينجح نتنياهو الآن في إغضاب الأمريكيين بسبب طريقة تعامله مع المساعدات الإنسانية للقطاع. من جهة، تتعهد إسرائيل للولايات المتحدة بعدم وضع العقبات على إدخال المساعدات (لا سيما عندما تمنع مصر دخول المساعدات من أراضيها احتجاجاً على احتلال معبر رفح). ومن جهة أخرى، من ائتلاف يشجع وزراء وأعضاء كنيست المليشيات المتطرفة في اليمين على مهاجمة قوافل المساعدات وبعنف في الضفة الغربية لتشويش وصولها إلى القطاع. وفي الوقت نفسه، تنظر الشرطة التي تخضع لبن غفير إلى ما يحدث باهتمام أكاديمي.
بيان غالانت عكر العلاقات العكرة أصلاً بينه وبين نتنياهو. من المرجح الافتراض أن نتنياهو كان سيحاول إقالته في ظروف أخرى، ولكنه سبق واكتوى بذلك في آذار 2023 عندما خرج الجمهور إلى الشوارع للاحتجاج على إقالة غالانت في ذروة أزمة الانقلاب النظامي، ما اضطر نتنياهو للتراجع عن الإقالة. في فترة الحرب، يبدو أن لإقالة وزير الدفاع وزناً أكبر؛ لأن إقالته وانسحاب غانتس وآيزنكوت أو كليهما ستوفران للأمريكيين مبرراً لزيادة الضغط السياسي على نتنياهو، وربما تسريع عمليات ضد إسرائيل في “لاهاي”.
تقف في الخلفية أيضاً أزمة قانون التجنيد. “المناورة البارعة” التي حاكها نتنياهو أول أمس، تبين أنها مناورة نتنة. لا أحد، باستثناء بعض المحللين والمراسلين السياسيين، صدق مناورة نتنياهو عندما أعلن قرار تقديم مشروع القانون الذي بلوره غانتس كوزير للدفاع قبل سنتين تقريباً. أعلن غالانت أنه لن يدفع قدماً بالقانون بصفته وزيراً للدفاع، وقال غانتس إن الزمن تغير والأمر يحتاج إلى قانون يطلب من الحريديم الأكثر. مثله أيضاً، ولمبررات قانونية، تعتقد ذلك المستشارة القانونية للحكومة.
هذه الأجواء غير الصحية ليست من نصيب الحكومة. فالوضع في هيئة الأركان العامة ليس أفضل؛ لا بسبب فقط الإحباط من تقدم الحرب ومشاعر الذنب حول ما حدث في 7 أكتوبر. فالجيش يدور حول تعييناته، حتى أكثر من منظمات هرمية أخرى. أيضاً في ظروف أزمة وطنية ومآس شخصية فظيعة، وفي الوقت الذي ما زالت فيه هيئة الأركان تعيش الصدمة الجماعية، فإن الضباط الكبار ما زالوا ينشغلون بقضية الترقيات والإقالات.
على الفور بعد 7أكتوبر، كان الشعور العام يقول إن على الجميع، المستويين السياسي والأمني، الذهاب إلى البيت إزاء كبر الكارثة والإخفاقات التي أدت إليها. ليس هذا ما حدث بالفعل. كما هو معروف، رفض نتنياهو كلياً أن يتحمل المسؤولية، وتحمل الضباط الكبار وقيادة “الشاباك” المسؤولية علناً، لكن لم يطبقوا ذلك فعلياً حتى الآن باستثناء رسالة استقالة رئيس “أمان”، الجنرال أهارون حاليفا، الشهر الماضي (أيضاً قائد المنطقة الوسطى، يهودا فوكس، الذي قدم استقالته دون صلة بإخفاقات الحرب).
———————————————
هآرتس 17/5/2024
“تجنيد الحريديم”.. بين مناورات نتنياهو والمانع القانوني ورفض غالانت وتراجع غانتس لأن “الزمن تغير”
بقلم: أسرة التحرير
تصريح نتنياهو بنيته الدفع قدماً بقانون التجنيد الذي تقدمت به حكومة لبيد – بينيت من قبل وزير الدفاع في حينه بيني غانتس – الذي أجيز بالقراءة الأولى في 2022 – يعد مثالاً آخر على سياسة الخداع. من الصعب التصديق بأن نتنياهو لا يخجل من مواصلة طريقه بعد 7 أكتوبر: الترويج لتوتر سياسي على حساب الحلول. فما العمل عندما ينتهي الموعد النهائي لمحكمة العدل العليا، وتكون حاجة للبدء في فرض التجنيد على الحريديم؟ يتم إخراج مظهر تشريعي.
هذه الخطوة مكشوفة للغاية: فقد اقترح غانتس القانون في الأصل، فكيف به إذن يعارضه؟ أما وزير الدفاع، غالنت، فقال إنه لن يدعم إلا قانون تجنيد يتبلور بإجماع واسع. أمل نتنياهو في القبض على الجميع في شبكة عنكبوت سياسية يخسر فيها الجميع، وعلى رأسهم دولة إسرائيل فيما هو نفسه ينتصر مرة أخرى. ومسألة التجنيد؟ آخر ما يهم رئيس الوزراء؛ دعوه يكسب وجبة أخرى لإشباع نهمه للحكم.
غير أن هذه الخدعة المكشوفة انكشفت بسهولة. فقد أعلن غانتس بأنه سيعارض المقترح، وقال ما يفترض أن يكون واضحاً لكل إنسان نزيه: “دولة إسرائيل بحاجة إلى جنود لا مناورات سياسية تمزق الشعب وقت الحرب”. كما أن غالانت هو الآخر أوضح بأن المناورة مكشوفة حين قال أمس إن جهاز الأمن “لن يدفع قدماً بقانون يؤتى به بشكل أحادي الجانب”. وأجادت المستشارة القانونية غالي بهراب ميارا، إذ بلغت وزارة العدل أمس بوجود مانع قانوني من المضي بالقانون وأنه لا يناسب الواقع الحالي ومنقطع عن جهاز الأمن والجيش. هي محقة: فمنذ أكثر من نصف سنة وإسرائيل في حرب وتتكبد خسائر فادحة. لا يمكن مواصلة التسليم بغياب المساواة في عبء الأمن وفي رعب الثكل. ونشأت عقب الحرب الحاجة لتوسيع الجيش. لا يجب أن يتم هذا من خلال إثقال العبء على من يخدم في الجيش في ظل تخلي الشبان الحريديم عن التجنيد. لكن اللجنة الوزارية لشؤون التشريع لا يهمها كل هذا، وأقرت أمس انطباق حكم التواصل على القانون. وهذا دليل آخر على أن الحكومة ورئيسها يعملان ضد مصلحة الدولة ومواطنيها وليسا جديرين بقيادة إسرائيل.
———————————————
غالانت: ما اقترفته يداك في 7 أكتوبر أخطر من “تهم الآلاف”..
ونتنياهو يرد: فاشل
قتل خمسة مظليين في جباليا بنار قواتنا. موت زائد، يقع في أحيان قريبة جداً في هذه الحرب. قال غالانت في المؤتمر الصحافي الذي عقده، إن موتهم لم يكن يسمح بنشره. ومع غياب البديل، يسمح للمراسلين بالتبليغ عن “معارك ضارية في جباليا”، دون ذكر بين من ومن.
يدخل غالنت إلى الغرفة بلباس أسود، بخطوة نشطة، مركزاً على مهمته. يقرأ النص الذي أعده مسبقاً، جمل قصيرة وقاطعة، تطلق كالصاروخ إلى هدف العدو. بعد ذلك، يكررها، كلمة بكلمة. “لا أتهم أحداً”، يقول غالنت رداً على سؤال صحافي، لكن أحداً في الغرفة لا يتشوش، ولا مراسلو قنوات نتنياهو. يصعب عليّ أن أتحرر من إحساس بأننا كنا في هذا الموقف: قبل 25 سنة، في 1999، إسحق مردخاي – مثل غالانت، لواء في الاحتياط؛ مثل غالانت، وزير دفاع مُقال – وجه ضربة قاضية لنتنياهو في مواجهة انتخابية في التلفزيون. البث شق الطريق لانتخاب إيهود باراك لرئاسة الوزراء.
لكننا في حينه، لم نكن في ذروة حرب آخذة في التعقد، حرب اللا مخرج.
هناك بضعة أمور للمواجهة الحالية، وكلها دراماتيكية: الأول شخصي: فهو مشحون بضغينة متبادلة بشكل شكاك من الاثنين، برواسب شخصية من الماضي والحاضر.
المستوى الثاني استراتيجي: يطلب غالانت بناء قطار سلطوي في غزة تتعايش معه إسرائيل. ستطلق صواريخ بين الحين والآخر، كما أن منظمات الإرهاب ستكون لكنها ستعمل سراً حيال حكم معادٍ واجتياحات للجيش الإسرائيلي. غزة تحت حكم فلسطيني محلي، مرتبط برام الله، هو في نظره أسوأ الشرور.
يرى نتنياهو في كل جسم فلسطيني مؤامرة نهايتها إرهاب. حماستان، فتحستان، دحلانستان – كلهم متشابهون، نازيون. أحداث 7 أكتوبر لم تغير نهجه الأساس. ولا تزال حماس مفضلة في نظره؛ إذ بخلاف فتح السلطة، هي لا تهدد مكانة إسرائيل في مؤسسات دولة.
ظاهراً، أربع إمكانيات لا تنعش أي منها القلب: حكم حماس؛ أو حكم محلي؛ أو فوضى على نمط الصومال؛ أو عودة الحكم العسكري الإسرائيلي. يفضل غالانت المحليين؛ ويفضل نتنياهو حكماً عسكرياً وعودة إلى غزة. كل وخياره.
يفضل غالانت المحليين؛ ويفضل نتنياهو حكماً عسكرياً وعودة إلى غزة
لكن الفجوة لا تتلخص في هذا؛ فنتنياهو لا يستطيع أن يقدم خياره إلى الجمهور: العودة إلى غزة هي التطلع العلني لسموتريتش وبن غفير، لكنها تتعارض وتوقعات معظم الإسرائيليين، بما في ذلك ناخبو اليمين. فليس هذا ما صلوا له عندما تلقوا الأمر 8؛ ليس هذا ما حلموا به عندما نقلوا أبناءهم وبناتهم إلى مواقع حشد الجنود. النصر المطلق نعم؛ تصفية حماس نعم؛ مع كل الهذر العليل الذي سكب عليهم من رسائل نتنياهو، يمكنهم أن يتعايشوا، لكن الحكم العسكري في النصيرات؟ في الشاطئ؟ أيكون ابني البطل مسؤولاً عن المجاري في جباليا؟ ليس في مدرستنا.
ليس صحيحاً أن نتنياهو لا يملك رؤية حول اليوم التالي: أخطأت بحقه. كانت له رؤيته، لكنه لم يكن مستعداً ليعرضها على الملأ. ولهذا منع القرار ومنع حتى البحث ونشر الكثير من الأكاذيب على الطريق حول كل أنواع التشكيلات الدولية لإدارة غزة التي لم تكن ولم يكن لها أساس. من نسب له تأجيلاً عضالاً كان محقاً، لكن التأجيل في هذه الحالة لم يكن الأساس. أراد نتنياهو أن يتدحرج إلى العودة إلى غزة، كأننا نتدحرج، وليس بنية مقصودة – بل بحكم الظروف. لا توجد استراتيجية خروج، لأنه لا يوجد خروج. كشف غالانت الحيلة أول أمس، وقدم بذلك خدمة عظيمة للجمهور. نتنياهو، الذي سارع إلى الرد، لم ينفِ. أدرك أنه لا يمكنه أن يعيد هذا الوزير إلى القمقم مرة أخرى.
المستوى الثالث هو الذنب. في 7 أكتوبر يلقي نتنياهو مسؤولية الإخفاق على كاهل جهاز الأمن: هيئة الأركان، قيادة المنطقة الجنوبية، جهاز الاستخبارات، “الشاباك”. إشارته إلى الجيش محقة؛ وتنكره الشخصي عن أخذ المسؤولية صادم، بل خطير عندما ينتقل البحث إلى مسألة ماذا فعلت إسرائيل منذ 7 أكتوبر. وضع نتنياهو أمام الجيش الإسرائيلي أهدافاً غير قابلة للتحقيق، خصوصاً في خطوة قتالية مركبة. كان هذا مقصوداً، وسجل فشلاً معروفاً مسبقاً. والآن، حين اتضح للجميع بأن الأهداف لم تتحقق، يؤكد لومه للجيش.
وضع نتنياهو أمام الجيش الإسرائيلي أهدافاً غير قابلة للتحقيق، خصوصاً في خطوة قتالية مركبة. كان هذا مقصوداً، وسجل فشلاً معروفاً مسبقاً. والآن، حين اتضح للجميع بأن الأهداف لم تتحقق، يؤكد لومه للجيش
لسنا المذنبين بل أنت، هذا ما يفهم من أقواله التي أسمعها للمنظومة العسكرية، وهكذا يفهم من أقوال غالانت أول أمس. لا يوجد في هذه الحرب نصر مطلق، هذا كذب. فرفض بناء واقع لليوم التالي لا يخرب فقط على المستقبل، بل يشوس القتال في الحاضر. حماس تملأ الفراغ الناشئ. وحضورها لا تعبر عنه في السيطرة على توزيع الغذاء والمساعدات الإنسانية فحسب، بل أيضاً في استئناف نار الصواريخ والاشتباكات النارية مع جنود الجيش الإسرائيلي. نتنياهو يخرب بمنهجية، الجهد الحربي وتحقيق أهداف الحرب. دم المقاتلين على يديه. دم المخطوفين على يديه.
لائحة الاتهام هذه ليست وثيقة قضائية، لكنها جماهيرياً أخطر من كل ما اُدعي به في ملفات 1000، 2000 و4000. الدافع، يقول غالانت، وهو ليس نقياً من اعتبارات شخصية وحزبية. عندما يأتي هذا الاتهام على لسان وزير دفاع قائم، فهو أكثر قسوة بأضعاف.
نتنياهو يرد على هذه الادعاءات بكلمتين: “بدون معاذير”. وهو يريد أن يقول: يا غالانت، وأنتم يا رئيس الأركان وألوية هيئة الأركان، فاشلون في تنفيذ المهمة التي كلفتم بها. وعندما ضاقت عليكم الأحوال جئتم تلاحقونني. أنتم الفشل؛ أنا الضحية.
ممنوع عليه أن يهاجم الجيش مباشرة: الجيش مقدس. لكن الآخرين – سموتريتش، وبن غفير، والبيبيين – ينوبون عنه.
———————————————
إعلام إسرائيلي: “إسرئيل” لم تبلور مقاربة للتعامل مع تهديد الطائرات المسيّرة لحزب الله
بعد أكثر من 7 أشهر من الحرب، حزب الله يقدّم قدرات جديدة في مواجهة “الجيش” الإسرائيلي، الذي يجد صعوبة في التعامل مع تهديد الطائرات المسيّرة بأنواعها.
تحدّث موقع “ماكو” الإسرائيلي، عن سلاح المسيّرات لدى حزب الله، الذي دخل بشكل مكثّف في العمليات ضد أهداف “جيش” الاحتلال الإسرائيلي المتنوّعة، شمالي فلسطين المحتلة، بعد أكثر من 7 أشهر من التصعيد.
وأكد الموقع أنّ مسيّرات حزب الله، وبمواصفاتها، تنجح في تجاوز الحدود من دون أن يتم اعتراضها، وتحلّق حتى “لحظة تحطّمها على الهدف”.
وتطرّق الموقع إلى دور المسيّرات الاستخبارية التي” ساعدت حزب الله على تحديد مئات الأهداف والإحداثيات للتشكيل الصاروخي والطائرات الانتحارية المسيّرة”.
وأشار الموقع إلى أنّ “القلق الأكبر هو احتمال أن يطلق أسراباً من الطائرات المسيّرة”، معترفاً بـأنّ “المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي لم يبلورا مقاربة شاملة للتعامل مع تهديد الطائرات المسيّرة”.
تهديد جديد في قطاع الطائرات المسيّرة التابع لحزب الله! يدّعي حزب الله أن الطائرة المسيّرة التي أُطلقت، يوم الخميس الماضي، كانت تحمل صاروخين من نوع S5. أطلقت الطائرة المسيّرة الصاروخين على مركبة ثم انفجرت على الهدف. إنها صواريخ يبلغ مداها 3-4 كم وطولها 1.4 متر وتزن نحو 5 كغ. بعد أكثر من 7 أشهر من الحرب، حزب الله يقدّم قدرات جديدة في مواجهة “الجيش” الإسرائيلي، الذي يجد صعوبة في التعامل مع التهديد.
ثلاثة جنود إسرائيليين أُصيبوا في الحادث، أحدهم في حالة خطيرة والآخران بجروح طفيفة. إلى جانب تهديد القذائف الصاروخية والمضادة للدروع، يزيد حزب الله من استخدام الطائرات المسيّرة الانتحارية، التي تنجح في اختراق الحدود وتتسبّب في وقوع إصابات وأضرار. يشير التقدير إلى أن حزب الله لديه عدة آلاف من الطائرات المسيّرة.
حقيقة أن حزب الله لديه طائرات مسيّرة انتحارية أو هجومية أو لجمع معلومات استخبارية ليست جديدة. لقد استخدمها في حرب لبنان الثانية وفي السنوات التي تلت.
كان من أبرز الحوادث اعتراض الطائرات المسيّرة التي كانت في طريقها إلى منصة الغاز في تموز/يوليو 2022. حتى ذلك الحين، كشف موقع “ماكو” عن تعقيد وصعوبة مثل هذا الاعتراض. كما ذكرنا في ذلك الوقت، فشلت طائرات F-35I Adir التي تم إطلاقها للاعتراض في إسقاط الطائرات الصغيرة، التي أسقطتها في النهاية طائرة F-16 من سرب الغور، والتي واجهت هي الأخرى صعوبة في إسقاط أحد الأهداف، وأسقطته سفينة صواريخ تابعة للبحرية.
يطلق حزب الله الطائرات المسيّرة من مسافات قصيرة جداً (باستثناء ضرب الموقع الحساس بالقرب من تقاطع غولاني، والذي لا يزال قيد التحقيق)، ومسار تحليقها المنخفض وصغر حجمها يجعل من الصعب جداً رصدها وإسقاطها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.
تمّ الكشف أكثر من مرة عن أن الطائرات المسيّرة التي اخترقت “إسرائيل” لم يتمّ اكتشافها حتى من قبل نظام المراقبة، والذين عثروا عليها في النهاية كانوا إسرائيليين. ومن المفترض أن يتمّ اعتراض طائرات حزب الله المسيّرة من قبل نظام الدفاع متعدد الطبقات التابع لـ “الجيش” الإسرائيلي، والذي يتضمّن مزيجاً من بطاريات القبة الحديدية وطائرات مقاتلة ومروحيات. حتى في حالة الطائرات المقاتلة المزوّدة بصواريخ جو-جو متقدّمة، يصعب إجراء هذا الاعتراض بسبب الارتفاع المنخفض والسرعة البطيئة وصغر حجم الطائرة المسيّرة.
التقديرات، وبينها تقدير معهد “علما”، هو أن حزب الله لديه أكثر من 2000 طائرة مسيّرة من أنواع مختلفة، البعض منها يمكن أن يصنعها بنفسه. الكثير من هذه الوسائل الإيرانية تمّ نقلها إلى حزب الله على مدى سنوات طويلة، على الرغم من حقيقة أن “إسرائيل” حاولت منع عمليات النقل هذه عن طريق هجمات المعركة بين الحروب في سوريا.
كما يلحظون في “إسرائيل” المساعدة الإيرانية في تشغيل الطائرات المسيّرة التابعة لحزب الله. أيضاً خضع عناصر حزب الله لتدريب في إيران، والتي حرصت أيضاً على أن تنقل إليهم الدروس المستفادة من القتال الروسي في أوكرانيا بالوسائل الإيرانية.
تهديد الطائرات المسيّرة من الشمال ليس جديداً. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2022، قال نيكولاس هيراس، مدير الاستراتيجية والابتكار في معهد “نيولاينز” في واشنطن، إن “حزب الله سينشر طائرات مسيّرة ومحلّقات ضد الجيش الإسرائيلي ويستخدمها على غرار ما يفعله الروس في أوكرانيا”، بالضبط ما نراه في الحرب في الشمال.
تشغيل الطائرات الإيرانية المسيّرة بسيط نسبياً. إنها مركبات صغيرة وغير معقّدة للطيران. معظمها لديها نظام تحديد المواقع ونظام التوجيه بالقصور الذاتي، مما يعني أن فريق المشغّلين يغذي الطائرة بإحداثية ثم يطلقها نحو “إسرائيل”. من هنا تشقّ الطائرة طريقها بشكل مستقل حتى لحظة تحطّمها على الهدف. تحتوي بعض طائرات حزب الله المسيّرة على كاميرا كهروبصرية تبثّ إلى محطة أرضية في الوقت الفعلي.
الطائرة الرئيسية التي استخدمها حزب الله في هجماته ضد “إسرائيل” هي “مرصاد”. إنها نسخة من طائرة “أبابيل” الإيرانية، وهي طائرة صغيرة برأس حربي يتراوح وزنه بين 20 و40 كغ وتصل سرعتها إلى نحو 200 كلم في الساعة، يستخدم حزب الله “أبابيل” منذ سنة 2004 على الأقل واستخدمها أيضاً في حرب لبنان الثانية، ومنذ ذلك الحين، تمكّنت إيران من نقل عدة مئات من هذه الوسائل إلى لبنان وفقاً للتقديرات، معظمها من نوع “أبابيل تي” التي تنتحر على هدفها.
ولدى حزب الله نوع آخر من الطائرات المسيّرة، “أيوب”، وهو الاسم الذي أطلقه حزب الله على الطائرة الإيرانية الصنع “شاهد-129”. يبلغ طولها 8 أمتار ويبلغ باع جناحيها 16 متراً. تستخدم هذه الطائرة لجمع المعلومات الاستخبارية والهجوم باستخدام صواريخ صغيرة تحت الجناح، وطائرة “ياسر”، المعروفة أيضاً باسم “صياد-2″، هي طائرة إيرانية أخرى إيرانية الصنع يستخدمها حزب الله بشكل أساسي لجمع المعلومات الاستخبارية.
معظم الإشارة هي إلى طائرات حزب الله الانتحارية المسيّرة، لكن حتى تلك التي تهدف إلى جمع المعلومات الاستخبارية والمراقبة تعتبر تهديداً إلى جانب الطائرات المسيّرة. قبل الحرب وأثناءها، ساعدت هذه الوسائل حزب الله على تحديد مئات الأهداف وتحديد إحداثيات للتشكيل الصاروخي لحزب الله والطائرات الانتحارية المسيّرة. لقد رأينا نتائج عملية الجمع في الأشهر الأخيرة، عندما نجح حزب الله في ضرب الكثير من الأهداف، بما في ذلك تلك التي أُنشئت خلال الحرب.
ولدى حزب الله طائرات مسيّرة أخرى أصغر حجماً، معظمها صينية، يمكن شراؤها بمبلغ صغير جداً على مواقع إلكترونية مختلفة. ومن غير الواضح كم اشترى حزب الله منها، وتشير التقديرات إلى أنه ركّب على غير قليل منها رؤوساً حربية صغيرة. وصعب أكثر اكتشاف هذه الوسائل، وقد تم العثور على بعضها متناثراً في جميع أنواع الحقول والمواقع في “إسرائيل” بعد أن اخترقتها من دون أن يتم اكتشافها.
إنها ليست طائرات متطورة بشكل خاص، ومع ذلك، فإن كونها صغيرة وبطيئة يشكّل تحدياً لنظام الكشف و”الدفاع” الإسرائيلي، كما يتضح من الحالات التي تمكّنت فيها هذه الطائرات من الاختراق والضرب، قبل الحرب وأثناءها.
واليوم، يطلق حزب الله عدة طائرات مسيّرة يومياً، والقلق الأكبر هو احتمال أن يطلق أسراباً من الطائرات المسيّرة على حين غرة، على غرار وابل الصواريخ. وعلى عكس ليلة الصواريخ الإيرانية، فإن مثل هذه الحالة ستكون أكثر صعوبة بسبب الكمية والطيران المنخفض والمدى القصير الذي يؤثر على مدة الكشف والإنذار.
تدّعي المؤسسة الأمنية والعسكرية أنها استعدّت لمثل هذه السيناريوهات. ومع ذلك، في ضوء الصعوبات الإسرائيلية، كما يرى الجميع، يجب أن نستعد لاحتمال أنه في مثل هذه الحوادث سيكون هناك عدد غير قليل من الطائرات الانتحارية المسيّرة التي ستنجح في اختراق سور الدفاع الإسرائيلي.
على الرغم من حقيقة أنه تهديد معروف لـ “إسرائيل” منذ نحو 20 عاماً، وأكثر من ذلك في السنوات الأخيرة، يبدو أن المؤسسة الأمنية و”الجيش” الإسرائيلي لم يبلورا مقاربة شاملة للتعامل مع تهديد الطائرات المسيّرة يتجاوز الردّ التكتيكي الذي لا يعتبر كافياً.
تُظهر قدرات حزب الله أن “إسرائيل” بحاجة إلى التفكير في تحسين ردّها من خلال مزيج من نُظم الاستخبارات والدفاع والهجوم، ولا يقل أهمية، إعداد الجبهة الداخلية من حيث الحماية والوعي، بالنظر إلى كل ما يحدث في الحرب، وفوق ذلك بعد أوكرانيا، يمكن الافتراض أنه تهديد سوف ينمو أكثر فأكثر.
———————————————
(ميدل إيست أونلاين) 2024/3/16
موازنة بايدن بين الأمن القومي الإسرائيلي والأزمة الإنسانية للفلسطينيين
بقلم: آلون بن مئير
ثمة سابقة في أن كبار السياسيين الأميركيين، ومن أكثر داعمي إسرائيل، لم يعودوا يرغبون في أن يستمر نتنياهو في حكم إسرائيل.
* * *
لا حاجة لنا بك بعد الآن
وجدت إدارة بايدن، في الأسابيع الأخيرة، نفسها، في مواجهة معضلة جدية فيما يتعلق بكيفية الموازنة بين التزامها بالأمن القومي الإسرائيلي والأزمة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون في غزة. وحيث إن الولايات المتحدة توفر المساعدات العسكرية لإسرائيل، بما في ذلك القنابل وغيرها من أنظمة الدفاع والهجوم كجزء من التحالف الاستراتيجي الأميركي، فإن هذا الدعم كان دائما متجذرا في القيم الديمقراطية المشتركة والمصالح الأمنية المتبادلة والعلاقات التاريخية. كما أنها تتأثر بعوامل سياسية داخلية داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك الدعم القوي لإسرائيل بين الشعب الأميركي والمشرعين الأميركيين.
في الوقت نفسه، تواجه الولايات المتحدة ضغوطاً هائلة لتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، وخاصة الغذاء والماء والدواء والوقود. وبعد فشلها في إقناع إسرائيل بزيادة هذه الإمدادات للفلسطينيين مؤخرا، قررت الولايات المتحدة إسقاط هذه المساعدات من الجو، وتدرُس الآن أيضا بناء رصيف عائم لتقديم هذا الدعم من البحر بهدف التخفيف من الأزمة الإنسانية. ومن شأن ذلك أن يقلل، وإن كان إلى حد صغير فقط، من النقص الحاد في هذه الإمدادات الأساسية، لكنها ليست بديلاً عن الإمدادات المباشرة من إسرائيل من حيث الكميات والسرعة التي هناك حاجة ماسة إليها.
إن هذا النهج المزدوج المتمثل في دعم جهود الحرب الإسرائيلية في غزة مع تقديم المساعدة الإنسانية للفلسطينيين أيضا ينطوي على مفارقة، وإن كان جزءا من الجهد الدبلوماسي الأوسع الذي يبذله الرئيس بايدن لتحقيق التوازن بين المصالح الأميركية في المنطقة. ومع ذلك، فإن جهود الولايات المتحدة لتعزيز الأمن الإقليمي من خلال دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع المطالبة بسد الاحتياجات الإنسانية للفلسطينيين والعمل على تلبيتها يمثل معضلة للرئيس بايدن. سوف يتعين على إدارة بايدن اللجوء إلى إجراءات مباشرة لإجبار نتنياهو على تغيير سياسته، وفي الوقت نفسه معالجة الخلافات المهمة الأخرى بينهما والتي تعود إلى سنوات قبل الحرب بين إسرائيل وغزة.
وهذه تشمل الاختلافات السياسية المتعلقة بتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، والاتفاق النووي الإيراني، وجهود الرئيس بايدن لإعادة التفاوض على صفقة جديدة في أعقاب انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة. وبالإضافة إلى ذلك، وربما الأمر الأكثر أهمية، فإنهما يختلفان بشكل كبير حول ما يتعلق بالنهج الشامل في البحث عن حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، حيث تدعم الولايات المتحدة حل الدولتين الذي يعترض عليه نتنياهو بشدة.
وهناك أيضا خلاف كبير حول قضيتين رئيسيتين أخريين؛ حيث ترغب إدارة بايدن في أن تتولى السلطة الفلسطينية المسؤولية عن القطاع بعد انتهاء الحرب. ولكن على العكس من ذلك، يعارض نتنياهو تماما عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وذلك في المقام الأول لأنه يريد الحفاظ على سيطرته على معظم الأراضي الفلسطينية ومنع قيام دولة فلسطينية. وكما قال في كانون الثاني (يناير): “لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على المنطقة بأكملها في غرب الأردن -وهذا يتعارض مع الدولة الفلسطينية”. وبالإضافة إلى ذلك، في حين يريد الرئيس بايدن رؤية استراتيجية واضحة للخروج من الحرب، يصر نتنياهو على الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية إلى أجل غير مسمى في غزة، الأمر الذي سيؤدي، من وجهة نظر الولايات المتحدة، إلى توسيع الاحتلال الإسرائيلي والضم الزاحف للأراضي الفلسطينية، من دون أي حل في الأفق.
تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الحالي تلعب دوراً في استراتيجية نتنياهو. إذا كان هناك شخصان فقط في العالم يريدان أن يفوز ترامب بالانتخابات هذا الخريف، فإن الأول هو ترامب نفسه، والثاني هو نتنياهو. وسيبذل رئيس الوزراء الإسرائيلي كل ما في وسعه لتقويض إعادة انتخاب الرئيس بايدن. وهو يبتهج بحقيقة أن بايدن يتعرض لانتقادات شديدة من قبل بعض الديمقراطيين في الكونغرس، بالإضافة إلى عدد كبير من الناخبين الشباب الذين يعارضون دعمه الثابت لإسرائيل بينما قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين -وما يزال العدد في ازدياد- ومئات الآلاف على وشك المجاعة. وسيعمل نتنياهو على إطالة أمد الحرب بما أن ذلك يخدم مصلحته الشخصية ويضعف بايدن سياسياً في الوقت الذي يشرع في حملة إعادة انتخابه.
بالنظر إلى كل ما سبق، لا ينبغي للرئيس بايدن أن يسمح لنتنياهو بتحديد جدول الأعمال. يجب عليه الآن أن يتخذ إجراءات حاسمة لتنبيه الجمهور الإسرائيلي إلى أنه، على الرغم من أن التزام الولايات المتحدة بالأمن القومي الإسرائيلي لا يتزعزع، فإنه يفرق بين دولة إسرائيل وحكومة نتنياهو الحالية التي تسبب معاناة إنسانية لا توصف للفلسطينيين في غزة والتي يجب إيقافها.
لإجبار نتنياهو على ذلك، يمكن للرئيس بايدن في البداية أن يتخذ أربعة إجراءات رئيسية لن تؤثر على التزام الولايات المتحدة بالأمن القومي الإسرائيلي، ولكنها سترسل رسالة واضحة إلى نتنياهو مفادها بأنه يجب على الولايات المتحدة الآن أن ترسم الخط، وألا تسمح لنتنياهو بجر الولايات المتحدة إلى هذا المستنقع الذي خلقه هو بيده. وعلى الرغم من أن بعض هذه الإجراءات حساسة سياسيا ولها آثار بعيدة المدى، إلا أنه ليس أمام بايدن خيار سوى العمل على تخفيف الأزمة الإنسانية الهائلة في غزة.
أولاً، ينبغي على الرئيس بايدن أن يدلي ببيان علني مفاده بأنه في حين أن الولايات المتحدة ملتزمة -وستظل ملتزمة- بالأمن القومي الإسرائيلي، إلا أن لديها خلافات واضحة في الطريقة التي يشن بها نتنياهو الحرب ضد “حماس”، وهو ما يلحق الضرر بإسرائيل. إن دعوة زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر من قاعة مجلس الشيوخ إلى إجراء انتخابات في إسرائيل لاختيار حكومة جديدة هي دعوة غير مسبوقة، لكنها بالتأكيد تأتي في الوقت المناسب وضرورية. وقد وصف نتنياهو بأنه الشخص الذي “ضل طريقه من خلال السماح بأن يكون لبقائه السياسي الأسبقية على المصالح الأفضل لإسرائيل”. وبالنظر إلى دعم شومر الطويل الأمد لإسرائيل بالإضافة إلى قربه من إدارة بايدن، فمن الأرجح أنه لم يكن ليصدر مثل هذا التصريح من دون استشارة البيت الأبيض.
ينبغي الآن ترجمة ذلك إلى أربعة مطالب يجب على نتنياهو الالتزام بها، وإلا سيواجه عواقب وخيمة: 1) الشروع في الإمداد الفوري والسريع بالضروريات الأساسية بكميات كافية للتخفيف من الأزمة الإنسانية الكارثية بين المدنيين في غزة؛ 2) توفير ممر آمن للفلسطينيين الذين يحتمون حالياً في رفح، ومعظمهم من شمال غزة، والسماح لهم بالعودة إلى منازلهم قبل دخول جيش الدفاع الإسرائيلي إلى رفح. 3) الاستعداد لإنشاء قوة دولية لحفظ السلام لتتولى الأمن الشامل بمجرد انتهاء القتال؛ و4) صياغة استراتيجية خروج ذات مصداقية من غزة.
ثانياً، بما أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات عسكرية كبيرة لإسرائيل، ينبغي على الإدارة أن توقف فوراً تسليم الأوامر العسكرية التي تقتل بشكل عشوائي العديد من الفلسطينيين الأبرياء، مثل القنابل والمتفجرات الأخرى. وهذا من شأنه أن يبعث برسالة واضحة مفادها بأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقف مكتوفة اليدين بينما تستمر المذبحة في غزة، وإرغام نتنياهو على اللجوء إلى نهج جراحي للتخلص من مقاتلي “حماس”.
ثالثاً، يتعين على الولايات المتحدة أن تقدم أو تصوت لصالح قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطلب من إسرائيل الموافقة فوراً على وقف إطلاق النار لمدة ستة إلى ثمانية أسابيع والسماح بتدفق المساعدات إلى الفلسطينيين، وذلك بغض النظر عن كيفية تقدم المفاوضات حول عملية إطلاق سراح الرهائن.
رابعاً، على المستوى السياسي، وبما أن الرئيس بايدن يدعو إلى حل الدولتين، عليه أن يتحرك الآن من خلال السماح بإعادة فتح بعثة الولايات المتحدة في القدس الشرقية لخدمة الفلسطينيين ودعوة السلطة الفلسطينية إلى إعادة فتح مكتب بعثتها في واشنطن العاصمة لإعادة العلاقات بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية. لن يظهر هذان الإجراءان للفلسطينيين فقط أن بايدن يعني ما يقوله ويهدئان الكثير من الانتقادات الموجهة إليه من قبل الجالية العربية الأميركية والديمقراطيين في الكونغرس، بل سيكونان أكبر صفعة تتوجه إلى وجه نتنياهو ويضعان عقبة كبيرة أمام سعيه الهادف إلى منع قيام دولة فلسطينية.
غني عن القول إن هذه الإجراءات ترتكز على مجموعة من الاعتبارات، كما ذكرنا أعلاه، وتداعياتها السياسية. ومع ذلك، ليس أمام الرئيس بايدن خيار سوى العمل على تحقيق التوازن بين التزامه بالأمن القومي الإسرائيلي وتصميمه على التخفيف بشكل دائم من الأزمة الإنسانية في غزة.
*ألون بن مئير: أستاذ العلاقات الدولية بجامعة نيويورك وزميل بمعهد السياسة الدولية. يُحسب على معسكر السلام الإسرائيلي.
———————————————
ماذا سيكلف الاحتلال حكمه لقطاع غزة عسكريا؟
الدوحة- قدرت وثيقة صهيونية أن الاحتلال -إن هو قرر فرض حكم عسكري على قطاع غزة ما بعد الحرب- فسيكلفها ذلك ما لا يقل عن 20 مليار شيكل سنويا (5.4 مليار دولار)، فضلا عن “أزمة غير مسبوقة” في الميزانية والحاجة إلى “زيادة كبيرة” في نطاق قوات الاحتياط.
جاء ذلك في وثيقة أعدتها المؤسسة الأمنية الصهيونية تم فيها تحليل التبعات المالية لتشكيل حكومة عسكرية في قطاع غزة، ونشرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية بعضا من تفاصيلها.
ليلة ساخنة عاشتها أنقرة.. كيف سيواجه أردوغان محاولة ثانية للانقلاب؟
عطلة رسمية للأردنيين قريبا
وبحسب ما ذكرت الصحيفة امس، طُلب مؤخرا من المؤسسة الأمنية فحص البدائل المختلفة لحكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، وفي وثيقة كتبت قبل أيام تم تحليل التبعات المالية لتشكيل حكومة عسكرية في القطاع.
وبحسب الوثيقة “تقدر تكلفة التشغيل بنحو 20 مليار شيكل سنويا (5.4 مليار دولار)، وتقدر تكلفة إنشاء ممر إضافي إلى القطاع بحوالي 150 مليون شيكل (40.4 مليون دولار)، ولا تشمل هذه تكلفة التشغيل الجاري”.
إعادة الإعمار
وتابعت الصحيفة “بالإضافة إلى هذه الأرقام، ستكون هناك تكلفة إضافية لإعادة إعمار القطاع من بنية تحتية ومستشفيات ومدارس وطرق، إلى إنشاء البنية التحتية للحكومة العسكرية، وغيرها”، لافتة إلى الحاجة أيضا إلى 400 وظيفة لإدارة الحكم العسكري الصهيوني المفترض للقطاع.
وجاء في الوثيقة “ومن حيث القوة العسكرية، ستكون هناك حاجة إلى 4 فرق هجومية وفرقة دفاعية، وبالتالي سيتطلب ذلك تقليص عدد الكتائب في القيادة الشمالية (لبنان وسورية) والقيادة الوسطى (الضفة الغربية)، بالإضافة إلى زيادة كبيرة في نطاق الاحتياط للتوظيف العملياتي”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العنيد لمناقشة اليوم التالي للحرب وبدائل حكم حماس، يخلق وضعا يدفع إسرائيل إلى إدارة الحياة في غزة”.
وتساءلت “هل تمتلك إسرائيل القدرة على العودة وإدارة الحياة في القطاع؟ هل سيتحمل اقتصاد البلاد هذا العبء؟”.
وقالت “المعنى الذي تنبثق عنه الوثيقة واضح: الكيان ليس قادر على تحمل العبء. ستتضرر قدرة الجيش على الاستعداد لاحتمال فتح جبهة شمالية، وكذلك الاستعداد لإحباط الهجمات في الضفة الغربية وبقية أنحاء دولة الكيان”.
وأضافت “السيطرة على غزة تعني أزمة غير مسبوقة في الميزانية، مما سيضر بشكل كبير بالخدمات المقدمة للمواطن، كما ستثقل كاهل الميزانية”.
واستدركت “لكن نتنياهو لا يستبعد تشكيل حكومة عسكرية صهيونية في غزة. على العكس من ذلك، فهو يتحدث عن كون الجيش مسؤولا عن الأمن في غزة، لكن هذا يعني عمليا أنه قد يكون مطلوبا منه أيضا إدارة الحياة المدنية في القطاع في غياب بديل من حماس أو السلطة الفلسطينية”.
وردا على ما أوردته يديعوت أحرونوت، قال وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش إن “السيطرة العسكرية الصهيونية الكاملة على غزة هي التي ستضمن النصر والأمن لسكان غلاف غزة وللكيان”.
فقاعات إنسانية
من ناحية أخرى، ذكرت صحيفة إسرائيل هيوم أن جزءا من تفاصيل خطة وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت لما يطلق عليه “اليوم التالي للحرب في غزة” يتضمن اقتراحا بتركز سكان غزة في فقاعات إنسانية، يُنشأ فيها جهاز مدني من السكان المحليين يتولى إدارة النظام المدني في القطاع.
كما تتضمن الخطة -وفق الصحيفة- موافقة الاحتلال على تسليح المسؤولين المحليين بأسلحة صغيرة، لحمايتهم من عناصر حركة حماس، على أن تكون هذه الأسلحة بإشراف تكنولوجي من الاحتلال، لمنع وصولها للحركة.
كما أن التسليح -وفق الخطة- سيكون بإشراف دولي، وبمساهمة من دول عربية معتدلة، وبدعم من الولايات المتحدة.
“اليوم التالي” للحرب
يشار إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان قد قال الأربعاء الماضي “لن تقبل أي جهة (فلسطينية) بتولي الإدارة المدنية لغزة خوفا على سلامتها إلا بعد أن يتأكد الجميع أن حماس لم تعد تسيطر عسكريا على غزة”.
وأضاف “وبالتالي فإن الكلام عن اليوم التالي (للحرب) طالما بقيت حماس على ما هي عليه، لن يتجاوز كونه مجرد كلام فارغ. وخلافا لما تم الادعاء به، نقوم منذ عدة أشهر بمحاولات مختلفة لإيجاد حل لهذه المشكلة المركبة”.
ورد عليه وزير الدفاع يوآف غالانت – في بيان صحفي في اليوم نفسه- “أعود وأكرر، لن أوافق على إقامة حكم عسكري في غزة، ولا يجوز للكيان أن يقيم حكما مدنيا في غزة”.
وأضاف “أدعو نتنياهو لاتخاذ قرار وإعلان أن إسرائيل لن تفرض سيطرة مدنية على قطاع غزة، ولن تقيم حكما عسكريا في القطاع وأن يتم على الفور طرح بديل لحكم لحماس”.
في المقابل، قالت حركة حماس -على لسان رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية– إن “اليوم التالي للحرب ستقرره حركة حماس مع باقي الفصائل الفلسطينية”.
———————————————
“واشنطن بوست”: انتقام الفلسطينيين سيستمرّ ما استمرّ العنف الإسرائيلي ضدهم
ما دام الفلسطينيون محاصرين تحت الاحتلال العسكري العنيف، ومحرومين من حقوقهم الأساسية، فإن الإسرائيليين سوف يعيشون تحت تهديد الانتفاضات والأعمال الانتقامية
صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تنشر مقال رأي للكاتبة ميغان ستاك، قالت فيه إنّ “إسرائيل” تزداد وحشية، وتشير إلى أنّ الانتفاضات الفلسطينية رد فعل طبيعي، وتسرد الإجراءات التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي على مرّ السنين بحق الفلسطينيين.
كانت صور الفلسطينيين وهم يسبحون ويستمتعون بأشعة الشمس على شاطئ غزة هي التي أزعجت الصحافي الإسرائيلي يهودا شليزنغر، الذي عبّر عن اشمئزازه من الصور “المزعجة” أثناء ظهوره على “القناة 12” الإسرائيلية.
شليزنغر، مراسل الشؤون الدينية لصحيفة “يسرائيل هيوم” اليمينية، قال إنّ “هؤلاء الناس في غزّة يستحقون الموت، موتاً صعباً، موتاً مؤلمًا، وبدلاً من ذلك نراهم يستمتعون على الشاطئ ويمرحون.. كان ينبغي أن نرى المزيد من الانتقام والمزيد من أنهار دماء الغزيين”.
سيكون من اللطيف الاعتقاد بأن شليزنغر شخصية هامشية، أو أنّ الإسرائيليين سوف يصدمون من خيالاته الدموية، لكنه ليس كذلك، والكثير من الإسرائيليين ليسوا كذلك أيضاً.
لقد أصبحت “إسرائيل” أكثر وحشية، وعلامات ذلك واضحة للعيان، من خلال اللغة اللاإنسانية ووعود الإبادة من القادة العسكريين والسياسيين. كما أنّ استطلاعات الرأي وجدت تأييداً واسعاً لسياسة التدمير والخراب والمجاعة في غزة، ذلك عدا عن صور الجنود الإسرائيليين الذين ظهروا وهم يتباهون بفخر بتدمير الأحياء الفلسطينية.
كذلك، اليسار الإسرائيلي والجهات التي تنتقد احتلال الأراضي الفلسطينية وتفضّل المفاوضات والسلام بدلاً من ذلك، أصبحت الآن جذعاً ذابلاً لحركة كانت نشطة ذات يوم.
التصريحات الأميركية تظهر أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو السبب الرئيسي للوحشية في غزة، حيث قتل “الجيش” الإسرائيلي أكثر من 35 ألف فلسطيني. لكن المذبحة التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة، والمجاعة، والتدمير الشامل للأحياء – أرادها الجمهور الإسرائيلي، بحسب ما أظهرت استطلاعات الرأي.
ووجد استطلاع للرأي أجري في شهر كانون الثاني/يناير أنّ 94% من الإسرائيليين قالوا إن القوة المستخدمة ضد غزة كانت مناسبة أو حتى غير كافية. وفي شهر شباط/فبراير، أظهر استطلاع للرأي أنّ معظم الإسرائيليين يعارضون دخول الغذاء والدواء إلى غزة.
لم يكن نتنياهو وحده، بل أيضاً أعضاء حكومته الحربية، بمن في ذلك بيني غانتس، الذي غالباً ما يتم النظر إليه كبديل معتدل لنتنياهو، هم الذين رفضوا بالإجماع صفقة حماس لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين وإقامة دولة فلسطينية، وبدلاً من ذلك، بدأوا هجوماً على مدينة رفح التي تكتظ بالمدنيين النازحين.
قال الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي إنّه “من الأسهل بكثير أن تلوم نتنياهو على كل شيء، لأنك حينها تشعر بالرضا تجاه نفسك ويكون نتنياهو هو الظلام، ولكن الظلام في كل مكان في إسرائيل”.
إنّ بناء الجدار في الضفة الغربية، زاد من بؤس المدنيين الفلسطينيين الذين أصبحوا مقيّدين أكثر من أي وقت مضى، والذين يشير العديد منهم إليه باسم جدار الفصل العنصري.
قالت هيرمان إنّ العديد من الإسرائيليين يشعرون بالحيرة عندما يُطلب منهم تحديد الحدود حيث تنتهي “إسرائيل” وتبدأ الضفة الغربية. ووجد بحثها في عام 2016، أنّ نسبة صغيرة فقط من الإسرائيليين يعرفون على وجه اليقين أن الخط الأخضر هو الحدود التي رسمتها هدنة عام 1949. لقد كانت مسألة ما إذا كان ينبغي رسم هذه الحدود على خرائط المدارس الإسرائيلية موضوعاً ساخناً للنقاش داخل “إسرائيل”؛ وبضحكة حزينة، ذكرت هيرمان أنّ العديد من خرائط الفصل الدراسي بأنّها “من النهر إلى البحر”.
إنّ مثل هذا الجهل بالحدود يعتبر ترفاً حصرياً للإسرائيليين، مقابل أنّ الفلسطينيين شغلهم الشاغل أن يعرفوا ما هي نقاط التفتيش المفتوحة في يوم معيّن، وما هي الطرق التي يجوز لهم استخدامها وما لا يجوز لهم استخدامها. هذه ليست أموراً عادية، بل هي تملي التحرّكات اليومية للفلسطينيين، وإرباكهم قد يكون قاتلاً.
وقبل فترة طويلة من عاصفة العنف الحالية، عملت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة على تعزيز التفوّق اليهودي، كما حدثت أكبر عملية استيلاء إسرائيلية على الأراضي منذ أكثر من 30 عاماً في شهر آذار/مارس، عندما أعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الاستيلاء على 10 كيلومترات مربعة من الضفة الغربية. وتقول وزارة الصحة الفلسطينية إنّ عمليات الاستيلاء على الأراضي ترافقها حملة إرهاب دموية.
ويواصل مسؤولو إدارة بايدن الحديث عن إقامة دولة فلسطينية، لكن الأراضي المخصصة للدولة أصبحت مغطاة بشكل مطرد بالمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.
ومنذ بدء الحرب، يتم تداول عدد من الأغاني الإسرائيلية التي تحتوي كلماتها على “إبادة”، و”محو غزّة”، و”الموت”. كما يتم بيع ملابس في المتاجر الإسرائيلية تشجّع على استكمال الحرب، وقلائد لخريطة مزعومة لـ “إسرائيل” تضم القدس والضفة الغربية وغزة. وفي الوقت نفسه، قامت الشرطة الإسرائيلية بتوزيع الأسلحة على المدنيين وأنشأت ميليشيات فعلية.
لقد خرج المتظاهرون الإسرائيليون مراراً وتكراراً إلى الشوارع للتعبير عن الألم بسبب الأسرى المحتجزين في غزة، لكن الاحتجاجات لا تعكس موجة من التعاطف مع الفلسطينيين أو رغبة شعبية في إعادة التفكير في الوضع الذي كان قائماً قبل الاحتلال والسلام.
لاقت كل إجراءات “إسرائيل” هذه غضباً في السابع من أكتوبر. وما دام الفلسطينيون محاصرين تحت الاحتلال العسكري العنيف، ومحرومين من حقوقهم الأساسية، فإن الإسرائيليين سوف يعيشون تحت تهديد الانتفاضات والأعمال الانتقامية. لا يوجد جدار سميك بما يكفي لصدّ شعب ليس لديه ما يخسره إلى الأبد. ولم يستوعب الإسرائيليون حتى الآن هذا الدرس.
——————انتهت النشرة——————