العقوبات الدولية على المستوطنين.. محاولة لمعالجة العرَض لا المرَض

د. غسان الخطيب: فرض عقوبات على المستوطنين خطوة غير كافية وتتجاهل أصل المشكلة ومَن يرعاهم

أنطوان شلحت: خطوة مهمة في ظل نهب الأراضي وستكون أكثر فعالية إذا تبعها قرار بمجلس الأمن

د. رائد نعيرات: المشكلة ليست في عنف فردي بل في سياسة ممنهجة يقودها وزراء من المستوطنين

أليف صباغ: العقوبات تصبح فعالة إذا تكاتفت الجهود العربية والفلسطينية مع الدول الأوروبية

لوّحت العديد من الدول الصديقة لإسرائيل، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وكندا واليابان، بفرض مزيد من العقوبات على الأفراد والمنظمات المرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية، بعد صدور رأي محكمة العدل الدولية الذي يعتبر الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية غير قانوني، لكن السؤال المطروح الآن هو حول أهمية هذه الخطوة، كونها ركّزت على أعراض المشكلة ولم تعالج أُصولها، وهي أنّ الاستيطان ليس سلوك مستوطنين أفراد، بل سياسة رسمية، وتحظى بالإجماع الأوسع في إسرائيل. ويؤكد كتاب ومحللون سياسيون ومختصون بالشأن الإسرائيلي، في أحاديث منفصلة مع “ے”، أن العقوبات المفروضة على المستوطنين خطوة مهمة لكنها غير كافية، لأنها تتجاهل الواقع الاستيطاني والسياسات الحكومية التي تشجع تلك الممارسات، إذ إن فرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية هو الأصل، كما أن تغيير سياسات الدول الداعمة لإسرائيل يمكن أن يؤثر بشكل فاعل على سياساتها.

وأشار المحللون والمختصون إلى أن قرار محكمة العدل الدولية يُعدّ خطوة مهمة قد تؤدي إلى زيادة العقوبات من الدول الأوروبية، خاصة في ظل الممارسات الإسرائيلية الحالية المتعلقة بنهب الأراضي والاستيطان، لكن العقوبات المقترحة حتى الآن غير فعالة، بالرغم من أهميتها.

من جهة أخرى، اعتبر المحللون في أحاديثهم لـ”ے” أن تصريحات وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت حول رفع القيود عن استخدام الطيران الحربي في الضفة الغربية تعكس مرحلة جديدة من الجرائم. وقالوا: إننا ما زلنا بعيدين عن فرض عقوبات فعّالة على إسرائيل وقادتها، خاصة أن كل الجرائم التي حدثت بغزة لم تحرك دول العالم لوقف تلك الجرائم.

رسالة ناعمة لإسرائيل

ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. غسان الخطيب أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة واليابان، وربما دول أوروبية أُخرى، على المستوطنين خطوة هامة لكنها غير كافية.

وأشار الخطيب إلى أن فرض عقوبات على المستوطنين الأفراد هو رسالة ناعمة لإسرائيل تتجاهل الواقع الاستيطاني والممارسات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، وأن الأصل هو فرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية التي ترعى وتشجع تلك الممارسات.

ولفت الخطيب إلى أن تغيير سياسات أصدقاء إسرائيل الكبار من الدعم التلقائي غير المشروط، سيؤثر على الرأي العام الإسرائيلي وسلوك النخبة السياسية فيها، إذ إن فرض العقوبات وتغيير سياسات الدول تجاه إسرائيل سيؤثر بشكل فاعل على سياساتها.

استخدام الطائرات الحربية في الضفة

وفي ما يتعلق بتصريحات وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت حول إزالة القيود على استخدام الطائرات الحربية في الضفة الغربية، قال الخطيب: إن المشكلة بالنسبة للدول الغربية ليست في استخدام الطائرات بحد ذاته، بل في وقوع ضحايا من المدنيين.

وأكد الخطيب أن الدول الغربية، خاصة الأوروبية، تهتم بحقوق الإنسان، وأن وقوع ضحايا مدنيين كما حدث في غزة سيحرج الأوروبيين، ويؤثر على دعمهم لإسرائيل، ما قد يؤدي إلى فرض مزيد من العقوبات.

توقع زيادة العقوبات الأوروبية بعد فتوى العدل الدولية

أما الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، فقال إن هناك توقعات بزيادة العقوبات من الدول الأوروبية، خاصة بعد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي لأراضي 1967.

وأشار شلحت إلى أن القرار له أهمية خاصة في ظل الممارسات الإسرائيلية الحالية المتعلقة بنهب الأراضي والاستيطان، والسعي لتكريس الضم الدائم، كما أن القرار سيكون أكثر فعالية إذا تبعه قرار من مجلس الأمن الدولي.

ولفت شلحت إلى وجود آمال بأن تتسع العقوبات على المستوطنين وقادتهم لتشمل فرض عقوبات من قبل الولايات المتحدة، مشدداً على أن اتساع العقوبات يمارس تأثيراً على دولة الاحتلال، ولا يجوز الاستهانة بذلك.

وأوضح أن ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية في أراضي 1967 يتطلب الاعتماد على عقوبات دولية، خاصة من الدول التي تعتمد عليها إسرائيل في التسليح والاقتصاد، معرباً عن تفاؤله بأن هذه البوادر تنبئ بمرحلة جديدة من الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال، وتلبية حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والعدالة والاستقلال.

تهديدات غالانت تكشف أزمةً في مواجهة المقاومة

وبخصوص تصريح يوآف غالانت حول قصف الضفة الغربية بالطائرات، قال شلحت: إنه يعكس سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية ضد مقاومة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، والتي تتكامل مع سياستها في الاستيطان ونهب الأراضي والضم، لكن شلحت يتوقع أن يؤدي زخم العقوبات إلى تحجيم سياسة القمع الإسرائيلية في أراضي 1967.

وأشار شلحت إلى أن تصريح غالانت يكشف أزمة الاحتلال في مواجهة المقاومة، ما يدفعه لاستخدام سلاح الجو، حيث إن الأوضاع في الضفة الغربية كانت مشتعلة قبل العدوان الإسرائيلي على غزة، وظلت كذلك، بالرغم من تسليط الأضواء أكثر على القطاع.

إجراء لم يتعامل مع جذور المشكلة

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي د. رائد نعيرات: إن الحديث عن فرض عقوبات على المستوطنين مقبول، لكنه لم يتعامل مع جذور المشكلة، خصوصاً أن الاستيطان مخالف للقانون الدولي.

وأشار نعيرات إلى أن المشكلة ليست في عنف فردي للمستوطنين بل في سياسة ممنهجة يقودها وزراء من المستوطنين، معبراً عن عدم تفاؤله الكبير تجاه هذا الحديث عن فرض عقوبات من تلك الدول.

وأوضح نعيرات أن المواقف الإسرائيلية بشأن الاستيطان، مثل تلك الصادرة عن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، تبدو أقوى من خطوات الدول التي تظل دبلوماسية فقط.

وقال نعيرات: إن العقوبات المقترحة حتى الآن غير واضحة وغير فعالة، بالرغم من أهميتها، ولا يمكن أن تُحدث فرقاً جوهرياً.

وأشار إلى أن المناقشات الناقدة داخل إسرائيل حول دعم المستوطنين تزداد، حيث تحذر تلك المناقشات من أنها ستورط دولة الاحتلال.

مخاوف من مرحلة جديدة من جرائم الاحتلال بالضفة

وحول تصريح وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت برفع القيود عن استخدام الطيران الحربي في الضفة الغربية، قال نعيرات:”إن التصريح مرعب ويعني العودة إلى استخدام سلاح الطيران كما في غزة، ما يشير إلى مرحلة جديدة من الجرائم، خاصة في المخيمات”.

وبالرغم من خطورة هذه التصريحات، يرى نعيرات “أننا بعيدون عن فرض عقوبات على إسرائيل وقادة المستوطنين”، مشيراً إلى أنه “لو كانت تلك الدول تنوي فرض عقوبات لفعلت ذلك في غزة، حيث تُرتكب الجرائم على الهواء مباشرة، لكن نعيرات يشير إلى أن هناك دولاً حرة قد تتجه نحو فرض عقوبات على إسرائيل في المستقبل”.

مطلوب إجراءات فعلية وإعلان المقاطعة الشاملة

وقال الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي أليف صباغ: إن الدول الأوروبية تفرض عقوبات تدريجية على المستوطنين ومنظماتهم، مع توقعات بزيادة هذه الإجراءات في المستقبل، خاصة أن المستوطنين وحكومتهم يتحدون القانون الدولي.

وأضاف: يجب عدم انتظار أفعال وإجراءات من الأوروبيين طالما أن الأنظمة العربية لا تقوم بإجراءات مماثلة ضد سلطات الاحتلال.

ويرى صباغ أنه لا يمكن توقع إجراءات عقابية فعالة من الشركات والحكومات الأوروبية في ظل تزايد التجارة المتبادلة بين الأنظمة والشركات العربية وإسرائيل.

وطالب صباغ العرب “باتخاذ إجراءات فعلية وإعلان المقاطعة الشاملة طالما استمرت حرب الإبادة وبقي الاحتلال، وسنفقد الأوروبيين من جانبنا”.

تهديدات غالانت تُرجمت مباشرةً في مخيم طولكرم

وفي ما يتعلق بتصريحات وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت، لفت صباغ إلى أن غالانت أعطى أوامر للجيش والطيران الإسرائيلي بقصف شبان في مخيم طولكرم مباشرة بعد إعلانه إزالة القيود السابقة على الجيش، بما في ذلك استخدام الطيران الحربي في الضفة الغربية.

ووصف صباغ هذه الإجراءات بغير العادية، مشيرًا إلى أنها ستستمر طالما لا يوجد جهد فلسطيني وعربي ودولي لمنعها.

ورأى صباغ أن خطوة محكمة الجنايات الدولية بالسماح لسبعين دولة بتقديم رأيها القانوني في صلاحيات المحكمة بإصدار أوامر اعتقال ضد مجرمين إسرائيليين، قد شجعت غالانت على ارتكاب هذه الجرائم، حيث إن هذا التأجيل يمنح غالانت الوقت لتحقيق تغيرات ميدانية لصالح قوات الاحتلال.

وأشار صباغ إلى أن العقوبات في المرحلة المقبلة ستظل رمزية طالما لم تشارك بها الأنظمة العربية المطبعة، لكنها يمكن أن تصبح فعالة إذا تكاتفت الجهود العربية والفلسطينية مع دول الاتحاد الأوروبي والشركات متعددة الجنسيات والجامعات وصناديق الاستثمار الأوروبية.

ولفت إلى أن إسرائيل تعمل ليل نهار لفضح حقيقة الاستثمارات العربية فيها واستيراد العرب من إنتاج المستوطنات أمام الأوروبيين.