فؤاد‭ ‬بكر… أي مستقبل لأمريكيا بعد خطاب نتنياهو ومصالحة بكين؟

لم‭ ‬يستفز‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬مجرم‭ ‬الحرب‭ ‬نتنياهو‭ ‬امام‭ ‬الكونغرس‭ ‬الاميركي‭ ‬لأنهم‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬كذبه‭ ‬وخداعه‭ ‬السياسي،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬استفزوا‭ ‬من‭ ‬التصفيق‭ ‬الحار‭ ‬لأعضاء‭ ‬الكونغرس‭ ‬الاميركي‭ ‬المنحازين‭ ‬لاسرائيل‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬عقلاني‭ ‬او‭ ‬منطقي،‭ ‬حيث‭ ‬ظهر‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬أمام‭ ‬الكونجرس‭ ‬الاميركي‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الانجازات‭ ‬والانتصارات‭ ‬الموهومة‭ ‬ليقنع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الاميركي‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يتملل‭ ‬من‭ ‬سياسته،‭ ‬وكأن‭ ‬الحرب‭ ‬قد‭ ‬إنتهت،‭ ‬وإنتصرت‭ ‬اسرائيل‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحقق‭ ‬كامل‭ ‬أهدافه،‭ ‬إنه‭ ‬فعلا‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬ممثلا‭ ‬دراميا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬زعيم‭ ‬سياسي،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬التصفيق‭ ‬الحار‭ ‬لأعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬الاميركي،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقبولا‭ ‬بعد‭ ‬الان‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬الادارة‭ ‬الاميركية‭ ‬وسيطا‭ ‬نزيها‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬بشقيها‭ ‬الاولى‭ ‬مع‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لوقف‭ ‬العدوان،‭ ‬والثانية‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭. ‬

لقد‭ ‬إبتدأ‭ ‬نتنياهو‭ ‬خطابه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعريف‭ ‬بمجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬ضباط‭ ‬جيش‭ ‬العدو‭ ‬الاسرائيلي،‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬عشرات‭ ‬الالاف‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬والذين‭ ‬بالنسبة‭ ‬الى‭ ‬نتنياهو‭ ‬ليسوا‭ ‬مدنيين،‭ ‬وهنا‭ ‬أستشهد‭ ‬بقوله‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬أنه‭ ‬أثناء‭ ‬دخول‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الى‭ ‬رفح‭ ‬قتل‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬كلهم‭ ‬من‭ ‬العسكريين،‭ ‬وليس‭ ‬فيهم‭ ‬مدنيا‭ ‬واحدا،‭ ‬ليعاود‭ ‬الكونغرس‭ ‬الاميركي‭ ‬بالتصفيق‭ ‬مجددا،‭ ‬وامام‭ ‬هذا‭ ‬التصفيق‭ ‬الحار‭ ‬نزداد‭ ‬يقينا‭ ‬ان‭ ‬الادارة‭ ‬الاميركية‭ ‬ليست‭ ‬شريكة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬او‭ ‬من‭ ‬تدير‭ ‬عملية‭ ‬الحرب‭ ‬والابادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬الحرب‭ ‬هي‭ ‬مع‭ ‬الادارة‭ ‬الاميركية،‭ ‬وتستخدم‭ ‬اسرائيل‭ ‬للدفاع‭ ‬عنها‭ ‬وحرف‭ ‬الانظار‭ ‬عنها،‭ ‬وحماية‭ ‬نفسها‭ ‬ومصالحها‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬يستهدف‭ ‬قواعدها‭ ‬ومشاريعها‭ ‬الاستعمارية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬خطابه،‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬ان‭ ‬اسرائيل‭ ‬تقوم‭ ‬بالحرب‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬اميركا‭ ‬ويحملهم‭ ‬المسؤولية‭ ‬الكاملة‭ ‬لزيادة‭ ‬دعمه‭ ‬ماليا‭ ‬وعسكريا‭. ‬

يعتبر‭ ‬هجوم‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬مجددا‭ ‬امام‭ ‬الكونجرس‭ ‬الاميركي‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يحقق‭ ‬ضد‭ ‬قيادات‭ ‬اسرائيلية‭ ‬ارتكبت‭ ‬جرائم‭ ‬ابادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬واعطاء‭ ‬الغطاء‭ ‬الكامل‭ ‬لارتكاب‭ ‬اسرائيل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجرائم،‭ ‬وتصفيقه‭ ‬مجددا‭ ‬امام‭ ‬هذه‭ ‬النقطة،‭ ‬وكذلك‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بطلاب‭ ‬الجامعات‭ ‬الاميركية‭ ‬المنتفضين‭ ‬ضد‭ ‬سياسة‭ ‬اسرائيل‭ ‬التي‭ ‬تزال‭ ‬ترتكب‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬المجازر‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬هو‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬اهمية‭ ‬التحركات‭ ‬ومدى‭ ‬كسر‭ ‬الجمود‭ ‬والعادات‭ ‬السياسية‭ ‬الاميركية‭ ‬الداعمة‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق‭ ‬لإسرائيل‭. ‬

وبينما‭ ‬تنحاز‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الاميركية‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬ولا‭ ‬تريد‭ ‬حتى‭ ‬ان‭ ‬تسمع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وماذا‭ ‬يريدون‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وتريد‭ ‬تطبيق‭ ‬مشاريع‭ ‬استعمارية‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مخطط‭ ‬اسرائيل‭ ‬في‭ ‬ايجاد‭ ‬ادارة‭ ‬مدنية‭ ‬فلسطينية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬تضمن‭ ‬امن‭ ‬اسرائيل،‭ ‬وكأن‭ ‬اسرائيل‭ ‬تقوم‭ ‬بحماية‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬إستقبلت‭ ‬الصين‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ليس‭ ‬لأنها‭ ‬تنحاز‭ ‬الى‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بل‭ ‬لتلعب‭ ‬دورا‭ ‬سياسيا‭ ‬رياديا،‭ ‬وتقوم‭ ‬بحل‭ ‬ما‭ ‬عجز‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬عن‭ ‬حله،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬المصالحة‭ ‬واستعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الجمهورية‭ ‬الاسلامية‭ ‬في‭ ‬ايران‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭. ‬

حيث‭ ‬دعت‭ ‬الصين‭ ‬الى‭ ‬مؤتمر‭ ‬دولي‭ ‬ينهي‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬عن‭ ‬الاراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتطبيق‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يتضح‭ ‬ان‭ ‬الصين‭ ‬لم‭ ‬تلعب‭ ‬طرفا‭ ‬مثل‭ ‬الادارة‭ ‬الاميركية‭ ‬خلال‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬–‭ ‬الاسرائيلي،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬ايضا‭ ‬فإن‭ ‬مساعي‭ ‬الصين‭ ‬لابد‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬مستقبل‭ ‬سياسي‭ ‬وازن،‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬دور‭ ‬روسيا‭ ‬ومصر‭ ‬وقطر‭ ‬والجزائر،‭ ‬والتي‭ ‬استضافت‭ ‬الحوارات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭. ‬

ان‭ ‬اجتماع‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬بكين‭ ‬خلق‭ ‬اطار‭ ‬مهم‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنسيق‭ ‬الجهود‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الاقليمية‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬اي‭ ‬بين‭ ‬ايران‭ ‬وروسيا‭ ‬والصين‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وقطر‭ ‬ومصر‭ ‬والجزائر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬اخرى،‭ ‬مما‭ ‬يعطي‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وزنا‭ ‬سياسيا‭ ‬دوليا‭ ‬واقليميا،‭ ‬يتخطى‭ ‬ارادة‭ ‬الادارة‭ ‬الاميركية‭ ‬ومشاريعها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬

وكل‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭ ‬نتائج‭ ‬اجتماع‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬بكين،‭ ‬والبيان‭ ‬الختامي،‭ ‬يدرك‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬وافقت‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وقبلت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬فيه‭ ‬نقاط‭ ‬خلاف‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬السابقة،‭ ‬لاسيما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالاطار‭ ‬القيادي‭ ‬المؤقت‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وحكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومهامها‭ ‬المتمثلة‭ ‬بإعادة‭ ‬الاعمار‭ ‬واجراء‭ ‬الانتخابات،‭ ‬لتحد‭ ‬امام‭ ‬المشروع‭ ‬الاميركي‭ ‬–‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬لادارة‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وايجاد‭ ‬ادارة‭ ‬مدنية‭ ‬فلسطينية،‭ ‬وهذه‭ ‬خطوة‭ ‬هامة،‭ ‬وان‭ ‬لم‭ ‬يطبق‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق،‭ ‬الا‭ ‬انه‭ ‬اعطى‭ ‬الصين‭ ‬مكانة‭ ‬سياسية‭ ‬هامة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي،‭ ‬وكذلك‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

وختاما،‭ ‬عندما‭ ‬نقارن‭ ‬بين‭ ‬الوساطتين‭ ‬الاميركية‭ ‬والصينية،‭ ‬لابد‭ ‬ان‭ ‬نسلم‭ ‬ان‭ ‬الادارة‭ ‬الاميركية‭ ‬لا‭ ‬تطلب‭ ‬او‭ ‬تفاوض‭ ‬او‭ ‬تتمنى‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الاخر‭ ‬بل‭ ‬تأمر‭ ‬وتجبر‭ ‬الطرف‭ ‬الاخر‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬اوامرها‭ ‬وقراراتها‭ ‬دون‭ ‬اي‭ ‬نقاش،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬النقاش‭ ‬داخليا‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تحاول‭ ‬معالجة‭ ‬القضايا‭ ‬الخلافية‭ ‬بالحوار‭ ‬والتوافق‭ ‬الداخلي‭ ‬بين‭ ‬الاطراف‭ ‬والشركاء،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يتضح،‭ ‬ان‭ ‬الادارة‭ ‬الاميركية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اقناعنا‭ ‬انها‭ ‬تريد‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط،‭ ‬لانها‭ ‬طرف‭ ‬اساسي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعركة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الايام‭ ‬وسيطا‭ ‬نزيها‭ ‬يوثق‭ ‬به،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬اللاحق،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يراهن‭ ‬عليها،‭ ‬سيبقى‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬الوهم،‭ ‬وعلى‭ ‬الوعود‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬الا‭ ‬سرابا‭.‬