بقلم… لؤي صوالحة
في قلب الأراضي الفلسطينية المحتلة، يتشكل جيل جديد من الشباب الفلسطينيين الذين لم يتجاوزوا العشرين عامًا، لكنهم يحملون في قلوبهم شجاعة وحبًا للوطن يتجاوز كل تصور، هؤلاء الشباب نشؤوا في بيئة مشبعة بالعنف والاضطهاد، حيث أصبح حب الوطن جزءًا لا يتجزأ من هويتهم، لم يكن هذا الحب بالنسبة لهم مجرد مشاعر أو كلمات رنانة، بل تحول إلى طاقة فعلية تحركهم يوميًا نحو المقاومة والدفاع عن أرضهم بكل ما أوتوا من قوة.
منذ نعومة أظفارهم، يشاهد هؤلاء الشباب بيوتهم تُهدم، وأهلهم يُعتقلون، وأصدقاءهم يُقتلون، هذه المشاهد القاسية أصبحت جزءًا من واقعهم اليومي، وبدلًا من أن تدفعهم إلى اليأس، زادتهم إصرارًا على مواجهة الاحتلال، لقد تعلموا من الحياة القاسية في ظل الاحتلال أن حب الوطن ليس مجرد شعور داخلي، بل هو فعل يومي يتجسد في المقاومة والصمود، إنهم يرون في كل مواجهة مع جنود الاحتلال فرصة للتعبير عن حبهم لوطنهم وعن رغبتهم العارمة في استعادة حريتهم.
أصبح هؤلاء الشباب هم الواجهة الجديدة للمقاومة الفلسطينية، هم الذين يجسدون روح الصمود أمام الاحتلال «الإسرائيلي»، فهم يمثلون جيلًا نشأ في ظروف استثنائية، حيث لم تُتح لهم الفرصة لعيش حياة طبيعية كما يعيشها أقرانهم في مختلف أنحاء العالم، لقد سُلبت منهم طفولتهم البريئة، وحُرموا من اللعب والمرح، ليصبحوا مقاتلين في معركة طويلة ومؤلمة، هذا التحول المبكر من الطفولة إلى المقاومة لم يكن خيارًا بالنسبة لهم، بل فرضه عليهم واقعهم القاسي.
ومع ذلك، لم يتخلَّ هؤلاء الشباب عن التعليم، بل رأوا فيه سلاحًا إضافيًا يعزز قوتهم في معركة التحرير، ففي المدارس التي تُهدد يوميًا بالهدم، وفي الجامعات المحاصرة، يواصلون تحصيل العلم بالرغم من كل الصعوبات، يجمعون بين الكتاب والبندقية، ويدركون أن المعرفة هي القوة التي ستساعدهم في بناء مستقبل أفضل لشعبهم، إنهم يؤمنون بأن تحرير فلسطين لا يتطلب فقط قوة السلاح، بل يحتاج إلى عقول مستنيرة قادرة على وضع الإستراتيجيات ورسم خطط البناء بعد التحرير.
وفي هذا السياق، تؤدي الأسرة والمجتمع دورًا محوريًا في تعزيز حب الوطن لدى هؤلاء الشباب، فمنذ ولادتهم، ينشأ الطفل الفلسطيني على قيم التضحية والصمود، ويتعلم من أهله أن الأرض هي الكرامة، وأن الدفاع عنها واجب مقدس، في كل بيت فلسطيني تُروى قصص النضال والتضحيات، وتُزرع في نفوس الأطفال مبادئ حب الوطن والالتزام بالدفاع عنه مهما كانت الظروف، هذه التربية الوطنية تجعل من هؤلاء الشباب مقاتلين بالفطرة، قادرين على مواجهة الاحتلال بكل قوة وثبات.
وليس غريبًا أن يصبح بعض هؤلاء الشباب رموزًا للمقاومة الفلسطينية، لقد برزت من بينهم أسماء أصبحت معروفة في كل بيت فلسطيني؛ لأنها تجسد روح النضال والشجاعة التي تسري في عروق الشباب الفلسطيني، هؤلاء الفتيان والفتيات الذين وقفوا في وجه جبروت الاحتلال، يحملون في قلوبهم إيمانًا عميقًا بحتمية النصر وبقدرتهم على تغيير الواقع، إن بطولاتهم تظهر بوضوح أن روح المقاومة متجذرة بعمق في النفس الفلسطينية، وأنها ستستمر مهما طال أمد الصراع.
ولا يمكن فهم إصرار هؤلاء الشباب على المقاومة دون النظر إلى السياق الذي يعيشون فيه، الاحتلال «الإسرائيلي» لم يترك لهم خيارًا سوى المقاومة؛ فهو يمارس عليهم أشكالًا مختلفة من العنف والاضطهاد يوميًا، من هدم المنازل إلى الاعتقالات التعسفية، ومن التضييق على حرياتهم إلى تدمير مستقبلهم التعليمي، كل ذلك يجعل من المقاومة ردًا طبيعيًا على هذا الواقع المرير، الاحتلال يخلق جيلًا من الشباب الذي لا يرى أمامه سوى السلاح وسيلة للدفاع عن نفسه وعن كرامته.
على الرغم من كل ما يواجهه هؤلاء الشباب من صعوبات، يبقى الأمل في المستقبل حاضرًا، إنهم يؤمنون بأن النضال لن يذهب هباءً، وأن تحرير فلسطين، ولو بعد حين، هو الهدف الأسمى الذي يستحق كل هذه التضحيات، التحديات التي تواجههم ليست بالقليلة؛ فهم يقفون أمام آلة عسكرية ضخمة، ويدافعون عن أرضهم في ظل تواطؤ دولي وعربي في كثير من الأحيان، ومع ذلك، فإن إيمانهم بعدالة قضيتهم هو ما يدفعهم للاستمرار، يشعر هؤلاء الشباب أن كل خطوة في المقاومة، كل مواجهة مع الاحتلال، هي جزء من مسيرة طويلة نحو الحرية.
في النهاية، يمكن القول: إن حب الوطن لدى الشباب الفلسطيني ليس مجرد مشاعر عابرة، بل هو جوهر حياتهم اليومية، هؤلاء الشباب، الذين لم يتجاوزوا العشرين عامًا، يثبتون كل يوم أن حب الوطن يمكن أن يكون دافعًا قويًا لمواجهة أعظم التحديات، إنهم يثبتون للعالم أن المقاومة ليست مجرد فعل عسكري، بل هي تعبير عن رفض الظلم وعن رغبة عميقة في العيش بحرية وكرامة، من خلال قصصهم وشجاعتهم، يجسدون الروح الفلسطينية التي ترفض الاستسلام أو الخنوع، وتصر على مواصلة النضال حتى تحقيق النصر.
إنهم أبناء فلسطين الذين رضعوا حب الوطن مع حليب أمهاتهم، وكبروا وهم يحملون في قلوبهم شعلة الحرية، ليصبحوا رمزًا للأمل والعزيمة في مواجهة أعتى الاحتلالات في التاريخ، هذه القصص البطولية للشباب الفلسطينيين هي التي ستبقى شاهدة على قوة الروح الفلسطينية، وعلى قدرة هذا الشعب على النهوض من تحت الركام والاستمرار في النضال حتى تحرير كامل ترابه.