في الذكرى العاشرة لوفاته سميح القاسم.. حديث لم يُنشر

كوني درزياً يعني انتمائي لمجموعة مقاتلة تدافع عن الوطن والعروبة والإسلام

تربيتي في البيت عربية إسلامية لا تقبل المساومة على قيمنا ومفاهيمنا

لا أؤمن بأن الألم هو مصدر الفن والإبداع ولا أتكئ على طفولة بائسة

أرفض التقسيم الطائفي.. ولا وجود لشيء اسمه قرارات الطائفة

أهم شيء التواضع وكنتُ أسمع من الشيوخ والأجداد أنه طريق المؤمن للجنة

لم يكن هناك قرار من الطائفة بالتعاون مع إسرائيل.. هذه أكذوبة إسرائيلية

فئة من الدروز في عام ١٩٤٨ رأت أنه لا بد من تفاهم على وقف القتال مقابل البقاء في الوطن

ماذا يعني كونك درزيًّا؟

إنَّ كلَّ واحدٍ منا يولد في حلقات، ومن هذه الحلقات تتكون السلسلة والسلالة: ولدتُ عربيًّا، قبل كل شيء، في أسرة إسلامية على مذهب التوحيد، أو ما يسمى المذهب الدرزي، أجدادي كانوا من الأئمة والشيوخ والفقهاء، وفهمت ما أفهمه حتى هذا اليوم، أن الاجتهاد المذهبي في الإسلام، من فضائل العبقرية الإسلامية، ومن هنا أيضًا: من وجود المذاهب والفرق الأخرى، توصلت إلى الحديث النبوي الشريف، الذي أعتبره أهم مقولة في جميع الفلسفات والديانات والعقائد والأيديولوجيات – الحديث الذي يقول: «من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر». الاجتهاد بحد ذاته فضيلة، كوني درزيًّا يعني لي، كما أسلفت، أنني أنتمي إلى مجموعة مقاتلة تستوطن الجبال، تدافع عن الوطن، والعروبة، والإسلام، تتشبث بالقيم العربية الأصيلة: الكرم، والشجاعة، والنخوة، والشهامة، هذه في الحقيقة هي المفاهيم الأساسية، لأنني في الحقيقة لست متدينًا، أنا رجل علماني، لكنني أحترم الديانات والمذاهب، وأحترم الجهاد، هذه اللفظة تعني لي الخروج على الظلم، تعني أبا ذر الغفاري، وأوائل الشهداء العرب والمسلمين.

ما أقصده بالسؤال حول كونك درزيًّا تنتمي إلى طائفة التوحيد هو: هل تلقيت ثقافة في البيت تختلف عن ثقافة الشارع والمدرسة؟

أولًا: بالنسبة للفرق، أذكر أننا التقينا في إيطاليا ذات مرة في مهرجان للثقافة العربية، وصادف أن كنَّا في رحلة، وكان في الباص مجموعة من السنة، والدروز، والمسيحيين، والشيعة، والعلويين، وجرى نقاش -على سبيل الدعابة- حول الفرقة الناجية. وإذا بالأخ المصري، قائد الفرقة الموسيقية المصرية، يقول بما عُهِد في المصريين من حس الدعابة: «لاتختصموا؛ الفرقة الناجية هي الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن».

نتعامل مع هذه المسألة بروح الود والمحبة. تربيتي في البيت هي تربية عربية إسلامية لا تقبل المساومة في القيم والمفاهيم العربية والإسلامية الأصيلة، وهكذا أحاول أن أربي أبنائي، وإذا كان ثمة خُلُقٌ أخصُّه بالذكر فهو التواضع؛ لأني كنت أسمع من الشيوخ والأجداد أن التواضع هو طريق المؤمن إلى الجنة، كنت أحب تواضعهم ومصافحتهم، حيث يقبل واحدهم يد الآخر، فهذا الجو من الرحمة والألفة كان له أثر في تربيتي ومسلكي.

عرفنا أنك لم تكن تعاني الفقر أو الحاجة، وفي إحدى شهاداتك قلت إن الفقر شرطٌ للإبداع، هل لك أن تحدثنا عن حياتك المترفة، حياة الطفولة؟

لا أسميها حياةً مترفة، هذه الفئة من الملَّاك، أو من يمكن تسميتهم بـ«أرستقراطية الريف»، ليسوا من الإقطاعيين، لكنهم مُلَّاك، يؤمِّنون للأسرة العيش الكريم. لكننا نجد الكثيرين من الشعراء والفنانين والكتاب والسياسيين يميلون إلى تصوير طفولتهم بمظهر البؤس، وتلهج ألسنتهم بالشكوى من تلك المرحلة، كأنما ليقولوا إن المعاناة هي سبب نجاحهم. أنا أرفُض النظرية القائلة إن الألم هو مصدر الفن والإبداع.

نحن نقول ذلك لأننا لم نجرب الفرح، لكن من شأن الفرح أيضًا، والرفاهية والرخاء، أن تكون مصدرًا للإلهام والإبداع، لذلك لا أتوكَّأ على طفولتي، لا أستعير مبررات التعاطف من طفولة بائسة. الأمر البائس الوحيد في طفولتي هو النكبة.

كيف استطعت أن تشق عصا الطاعة على طائفتك واخترت طريقًا مغايرًا لخيارات الطائفة؟

لا وجود لشيء اسمه قرارات الطائفة، لا توجد طائفة للدروز ولا طائفة للسنَّة تجتمع للبت في الأمور، هذا وهم، لذلك أنا أرفض التقسيم الطائفي أصلًا، لأن كل طائفة هي عينةٌ مصغَّرة لكل ما يحويه المجتمع من تيارات متعددة.

أما بالنسبة للعلاقة مع الإسرائيليين، فلم يكن هناك قرار طائفي بشأنها، ولم يكن الأمر غير أن فئةً من الطائفة الدرزية في العام 1948 أحسَّت أن يدًا خائنةً تبيع فلسطين، وعليه رأت أنه لا بد من تفاهم مع اليهود على وقف القتال مقابل البقاء في الوطن. هذه مجموعة صغيرة كان فيها الدروز والسنة والمسيحيون. والدليل أن إجمالي من بقي في فلسطين بعد النكبة 150 ألف نسمة، منهم خمسة عشر ألفًا من الدروز. إذن، هذه أكذوبة إسرائيلية، لم يكن هناك قرار بالتعاون مع إسرائيل أو الصهيونية.

الليالي الثلاث التي سبقت اجتياح قرية الرامة قضيتها أنا وأفراد أسرتي نيامًا في ثيابنا وأحذيتنا، لأننا كنا نتوقع العقاب الشديد من الصهاينة بسبب مشاركة الأقارب في القتال، لكننا في اللحظات الأخيرة عرفنا أن تفاهمًا جرى مع بعض القيادات العربية من جميع الطوائف على بقاء بعض الناس في وطنهم.