الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكنب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

يديعوت 13/9/2024

“النصــر المطلــق”: جــرعـــة أخــــرى ونسـقـط فـي الهــاويــة !

بقلم: إفرايم غانور

كلما اقتربنا من تاريخ 7 تشرين الأول، ذكرى اندلاع حرب «السيوف الحديدية»، يزداد شعورنا بسطوة «آلة نفث السم»، التي تحاول إلقاء اللوم على العالم بأسره، من أجل إبعاد أيّ لطخة من المسؤولية عن الحكومة ورئيسها، من كل مكان، وليس فقط من خلال التصريحات المعهودة الصادرة عن نتنياهو: «لم أكن أعلم، لم يبلّغني أحد، لم ينبّهني أحد إلى الأمر».

هذا ما سيعني، في نهاية المطاف، أن مصير كارثة 7 تشرين الأول قد يكون مشابهاً لمصير كارثة ميرون [حادثة التدافع خلال الحج إلى جبل الجرمق في سنة 2021، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 45 شخصاً]. مَن يتذكر هذه الكارثة؟ مَن يتحدث عنها؟

ليس من قبيل الصدفة أن تنشر الصحافة الأجنبية في هذه الأيام وثائق استخباراتية يُزعم أنها صادرة عن أرفع المستويات في حركة «حماس»، وهي تهدف، بوضوح، إلى تبرير مواقف نتنياهو وخطواته. ربما يكون الأمر مجرد مسألة وقت، قبل أن تنكشف هذه الفضيحة ومصادرها أمام الجمهور. أمّا بالنسبة إلى أولئك الذين يكافحون في هذه اللحظات من أجل تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في أسباب أسوأ كارثة منذ قيام الدولة، ومَن يتحمل المسؤولية عنها، فيبدو أن هناك شكوكاً كبيرة تتعلق أساساً باحتمالات تشكيل لجنة تحقيق رسمية. لكن، ربما الأهم والأكثر إلحاحاً هنا هو الحاجة إلى تشكيل لجنة تحقيق للتدقيق في سلوك الحكومة الغريب منذ تاريخ 8 تشرين الأول، وحتى اليوم.

ما من شك في أن النتائج التي سيتم التوصل إليها، إذا شُكّل مثل هذه اللجنة، ستكون خطِرة ومؤلمة بالقدر نفسه. هذا هو جوهر عنوان هذه السطور التي تقرؤونها الآن. إن ما نعيشه اليوم، بالذات، هو ما تسميه هذه الحكومة ومؤيدوها «نصراً مطلقاً»، وإليكم بعض ملامح هذا النصر: لا يزال يحيى السنوار حيّاً، وكامناً في مكان ما، بعد نحو عام على الحرب، وهو يضع شروطاً على إسرائيل، كأننا في 8 تشرين الأول، بينما يحتفظ بـ101 رهينة، ويستمتع بمشاهدة إسرائيل وهي تتمزق بين مَن يناضلون من أجل إطلاق سراح الأسرى، عبر صفقة، وبين المستعدين للتضحية بالأسرى على مذبح «النصر المطلق»، وهو نصر غير واقعي، ولن يتحقق أبداً.

يبدو أن ما كان هو ما سيكون. فقطاع غزة سيسبب لنا الصداع دائماً، على مدار أعوام مقبلة. تلقينا، هذا الأسبوع، تأكيداً لذلك بوساطة صاروخين أُطلقا على عسقلان. أمّا أولئك الذين يعلنون في هذه الأيام، بصوت عالٍ، أن نهاية «حماس» اقتربت، فهُم أنفسهم الذين كانوا، قبل عام، يفضلون «حماس» قوية ومستقرة في وجه السلطة الفلسطينية، ويرونها أداة استراتيجية مهمة للسيطرة على الضفة الغربية، وتحقيق حلم «أرض إسرائيل الكاملة».

تحاول هذه الحكومة الفاشلة إيهام الناس بأننا قادرون على التحكم في قطاع غزة من خلال حُكم عسكري إسرائيلي، كما كانت عليه الحال في الماضي. لكن لن يمرّ وقت طويل إلى أن نشعر جيداً بقسوة مقاتلي حرب العصابات التي ستُشن ضد قواتنا في القطاع، والتي ستكلفنا دماءً وضحايا يومية مؤلمة، وستحوّل وهم النصر المطلق إلى جرح مؤلم ونازف.

أمّا الفرق بين شمال دولة «النصر المطلق» وجنوبها، بعد عام على الحرب، فهو أن سكان الشمال تم إجلاؤهم، تاركين وراءهم منازل مدمرة، وحقولاً محترقة، ومشاريع حياة متوقفة، ولم يُحدَّد موعد عودتهم، بينما سكان الجنوب تُركوا لمصيرهم تحت رحمة السماء، ولم يتركوا خلفهم سوى رماد وكارثة لن يمحوهما قط أيّ نصر.

وسط كل هذا، يتساءل الشعب القلِق الحزين: عن أيّ نصر مُطلق يتحدثون؟ هل هو النصر على «حماس»؟ ربما على «حزب الله» في الشمال؟ أم على «الإرهاب» المتصاعد في الضفة الغربية؟ أهو النصر على الحوثيين في اليمن؟ أم هو النصر النهائي على إيران؟ أيها السادة، إذا حققنا نصراً إضافياً واحداً من الانتصارات التي على هذه الشاكلة، فإننا سنضيع. لا أحد سوى هذه الحكومة الغارقة في الهذيان، قادر على الحديث عن نصر مطلق، بينما تغرقنا في واقع مرير، من دون تقديم حلول مناسبة على أيّ جبهة. هذه الحكومة بلا بوصلة، ولا ضمير، تقود الدولة نحو الكارثة، الخطوة تلو الخطوة. وعندما يقف بن غفير وسموتريتش إلى جانب رئيس الوزراء نتنياهو في معسكر «النصر المطلق»، واللذان يرفعان أعلام هذا النصر الوهمي، فعلينا القول على البلد السلام، فهذا البلد ذاهب إلى الهاوية، لا محالة.

وكما ذكرت في المقدمة، فإن ذكرى اندلاع هذه الحرب اللعينة تقترب، وحالتنا تزداد سوءاً وخطورةً، من يوم إلى آخر. فمن كان يعتقد أنه بعد عام من الحرب، ومع دخول جنود الاحتياط الجولة الثالثة من خدمتهم العسكرية، أننا لن نشهد نهاية لهذه الحرب، ولا بارقة أو أفق أمل؟ الأسوأ من ذلك، أن ما سيُكتب في السطور الأخيرة من صفحات التاريخ، التي ستلخّص هذه الفترة المرعبة، على الأرجح: «حدث كل هذا لأن عائلة نتنياهو لم توافق على التخلي عن السلطة، وكانت مستعدة للتضحية بالشعب والدولة من أجل البقاء في الحكم».

——————————————–

هآرتس 13/9/2024

عملية الكوماندو في سوريا تعبر عن نقل مركز ثقل الحرب الى الشمال

بقلم: عاموس هرئيلِ

الطائرة المروحية من نوع “بلاك هوك” التي تحطمت في رفح أول أمس بعد منتصف الليل هي الطائرة الثانية المأهولة التي يفقدها سلاح الجو منذ بداية الحرب. في 7 تشرين الاول اصيبت مروحية من نوع “يسعور” بصاروخ مضاد للدبابات وهي على الارض، بعد بضع دقائق على نزول قوة المظليين منها، التي جاءت للانقاذ في كيبوتس عالوميم في غلاف غزة.

في الحالة السابقة لم تكن اصابات بفضل جرأة طاقم المروحية. النار بالفعل اشتعلت بطائرة “يسعور” القديمة واحترقت بالكامل في غضون دقائق. ولكن جميع الجنود تم انقاذهم.

الظروف في هذه المرة كانت اكثر صعوبة. فالمروحية استدعيت الى جنوب القطاع لانقاذ جندي من لواء جفعاتي، اصيب اصابة بالغة بنار قناص. عندما كانت المروحية في مرحلة الهبوط حدث خلل، لم تتبين اسبابه حتى الآن نهائيا. الطائرة تحطمت، قتل اثنان من الجنود الذين كانوا فيها واصيب ستة آخرين، القتلى وبعض المصابين هم من وحدة الانقاذ 669. قائدة المروحية ونائب الطيار اصيبا اصابة بالغة. القائدة انقذت من بين بقايا الطائرة بعد جهد كبير لقوات جفعاتي في الميدان. وتم انقاذ ايضا جندي من جفعاتي الذي من اجله تم استدعاء الطائرة. في سلاح الجو يقومون بفحص توجهين اساسيين للتحقيق، خلل فني أو خطأ انساني. امكانية الاصابة بنار العدو تم استبعادها في هذه الاثناء.

منذ بداية الحرب تم استكمال بنجاح انقاذ حوالي 1800 جندي مصاب من القطاع جوا. هذه هي المرة الاولى التي يتشوش فيها الانقاذ من ميدان المعركة بشكل صعب جدا منذ بداية الحرب. ومثلما نشر هنا في السابق فان العلاج الذي يحصل عليه الجنود هو نقطة ضوء في هذه الحرب. سلاح الطب وسلاح الجو قاما ببلورة طريقة عمل متقدمة، تسمح للجيش الاسرائيلي باستغلال بشكل جيد “الساعة الذهبية” وجلب المصابين الى المستشفى خلال ساعة وبذلك زيادة فرصة انقاذ حياتهم. الاخلاء السريع مرهون بالمخاطرة حيث أنه في حالات كثيرة الطائرة تصل الى مدرج ارتجالي في اراضي القطاع. بروتوكول العملية يبقي على الاغلب الطائرة على الارض اقل من دقيقة، وبذلك يقلل المخاطرة باصابتها بنار الفلسطينيين.

سلاح الجو الذي تعرض للانتقاد في فترة احتجاج جنود الاحتياط ضد الانقلاب، يبذل الجهود الكبيرة لضمان انقاذ الارواح. في هذه المرة الثمن الذي تم دفعه كان باهظا. بشكل تقليدي، اسقاط طائرة يكون له تأثير كبير على معنويات الاسرائيليين، رغم الخسارة الكبيرة نسبيا التي سجلت في القتال في احداث مختلفة. اذا تطورت حرب شاملة في لبنان فان القوات الجوية ستجد صعوبة في تحقيق توازن مشابه في عمليات الانقاذ من خط المواجهة، تحت نيران حزب الله. ان تهديد مضادات الطائرات ومضادات اللدروع على الطائرات من قبل حزب الله اكبر بكثير من تهديد حماس الحالي في قطاع غزة.

سقوط المروحية يثير على الفور الرابط بين فيلم (وكتاب) “بلاك هوك داون”، الذي يوثق قضية حقيقية كانت في منتصب التسعينيات. قوة امريكية كانت تعمل في مقديشو، عاصمة الصومال، واجهت النار من الارض لمقاتلي تنظيم محلي، وتم اسقاط مروحية. جهود الانقاذ تعقدت وشملت قتال كان فيه عدد كبير من الاصابات لساعات كثيرة، في منطقة مأهولة ومكتظة وخطيرة جدا. المقارنة بين الحادثين مغرية، لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد أي تشابه كبير. على الاغلب سيطرة الجيش الاسرائيلي على مناطق صغيرة في القطاع افضل، وقوة المقاومة العسكرية التي تظهرها حماس الآن محدودة جدا.

وزير الدفاع يوآف غالنت قال في هذا الاسبوع للمراسلين الاجانب بأن حماس كمنظمة عسكرية، تم تفكيكها فعليا على يد الجيش. هذا تقدير متفائل تقف في مركزة محاولة غالنت وجهات رفيعة في الجيش الاسرائيلي اقناع رئيس الحكومة نتنياهو بانهاء المرحلة الكثيفة من القتال في القطاع، والعمل على عقد صفقة تبادل تشمل الانسحاب من اغلبية المناطق. ولكن هذا التقدير غير بعيد عن الحقيقة. غالنت طرح وثيقة تم استغلالها، ابلغ فيها قائد لواء خانيونس في حماس رافع سلامة، الذي قتل بعد ذلك، عن فقدان جزء كبير من قدرة المنظمة في قطاعه (بشكل مؤسف تبين بعد ذلك أن وزير الدفاع اظهر امام العدسات جزء مختلف من الوثيقة الذي يناقش شروط المفاوضات. هذا فقط تفكير مشوش. ولكن أليس من الجدير أن يكون بجانب الوزير شخص يعرف اللغة العربية؟).

الخطر طوال الوقت هو أن تنجح حماس في تجديد بالتدريج جزء من قدراتها العسكرية وتعود لزيادة الاحتكاك مع الجيش الاسرائيلي، وخلال ذلك التسبب بالمزيد من الخسائر. في نفس الوقت يتبلور في اجزاء من القطاع وضع يشبه الصومال: حكم مركزي ضعيف جدا، ازدياد العصابات التي تحارب بعضها البعض حول امتلاك وبيع المساعدات الانسانية، عنف داخلي متزايد وحالات نهب كثيرة. كلما ضعف حكم حماس المركزي (الهدف الشرعي الذي وضعته اسرائيل لنفسها في الحرب) كلما ازدادت المخاطرة بسيطرة الفوضى في القطاع التي يمكن أن تجذب اليها اسرائيل لفترة طويلة. هذا يمكن أن يحدث في ظل غياب خطة بديلة لتأسيس في القطاع نظام فلسطيني بديل، الذي ربما يمكن معه اجراء درجة من التنسيق الامني والسياسي. احتمالية حدوث هذا السيناريو الايجابي ضعيفة، وحتى أن اسرائيل لا تحاول ذلك.

الاستماع الى تصريحات نتنياهو الاخيرة تدل على أنه لا يعمل على الحسم، بل اطالة الوقت. محرر “هآرتس” الوف بن كتب في هذا الاسبوع بأن رئيس الحكومة يستعد للمرحلة القادمة في الحرب، ضم شمال القطاع وطرد السكان من هناك واستئناف الاستيطان. كل هذه جرائم حرب من منظار القانون الدولي، حتى لو لم تتحقق الاجراءات التي يتم فحصها الآن ضد نتنياهو وآخرين في لاهاي، فان خطوات كهذه بالتأكيد ستأخذه الى هناك.

من الجدير عدم تجاهل وزن القوى المضادة، بما في ذلك الرفض المحتمل في داخل الجيش الذي يمكن أن يشوش هذه العملية. ايضا ادارة ديمقراطية في الولايات المتحدة اذا فازت كمالا هاريس في الانتخابات في تشرين الثاني يمكن أن توقف نوايا رئيس الحكومة. نتنياهو، الذي هو في مرحلة متأخرة من حياته السياسية، هو في المقام الاول يريد التمسك بالحكم والتملص من عقوبة الاعتقال. ربما هو يسعى الى الاهداف التي اشار اليها محرر “هآرتس”؛ ولكن مشكوك فيه أن يصل اليها. في المكان الذي فيه الوف بن يرى شخص مصمم ولديه خطة رئيسية، أنا اشك في أننا ننظر الى زعيم ضعيف وخائف، ويجري نضال بدون كوابح من اجل الحفاظ على قوته السياسية. صعوبة المعارضة مختلفة: كيف يمكن ترجمة الطاقة الغاضبة التي ثارت في الفترة الاخيرة في الشوارع ازاء قتل المخطوفين الستة في رفح الى عملية سياسية ناجعة؟ في هذه الاثناء الانطباع هو أنه لا يوجد لدى أي من رؤساء الاحزاب أي فكرة.

احباط وجمود

ازمة التسليح مع الولايات المتحدة ما زالت بعيدة عن الحل. الأمل بحدوث اختراقة في القريب تبين أنه سابق لاوانه. في شهر أيار الماضي اوقف الرئيس جو بايدن ارسالية سلاح لاسرائيل شملت قنابل دقيقة، بعضها ثقيل الوزن، لسلاح الجو. هذا كان على خلفية معارضة الادارة الامريكية لدخول الجيش الى رفح. نتنياهو صمم والجيش الاسرائيلي قام باحتلال محور فيلادلفينا ومعظم المناطق في المدينة. بأثر رجعي فان عدد المدنيين الذين قتلوا كان اقل بكثير مما توقع الامريكيون.

منذ ذلك الحين بايدن قام بتليين موقفه قليلا وسمح بتصدير نصف الكمية، لكنها ما زال يعيق النصف الثاني الذي يشمل قنابل بوزن طن لكل قنبلة. الامريكيون ما زالوا يرسلون اشارات بأنه مطلوب تقديم بادرة حسن نية من قبل اسرائيل بشكل علني من اجل تحرير الخنق. هذا الخنق المروري اكبر مما يعتقدون لأن العملية العلنية للرئيس ادت الى تعويق المصادقة على صفقات اخرى ما زالت عالقة في الانبوب، ومرهونة بمستوى الجهد والالتزام الذي سيظهره الموظفون في البنتاغون وفي وزارة الخارجية.

اثناء الزيارة في واشنطن ظهر الشعور بالقلق المتزايد فيما يتعلق بالازمات في الشرق الاوسط. جمود مطلق في المحادثات حول صفقة التبادل والفهم المتزايد بأن نتنياهو يصعب على أي تقدم في كل قناة، حتى الانتخابات الرئاسية في امريكا. بشكل مفاجيء قليلا بالنسبة للمشاركين الاسرائيليين في الحوار فان جهات رفيعة في الادارة الامريكية لا تشعر بأنه بقي في يدها اداة ضغط ناجعة.

المناظرة بين هاريس وترامب انتهت حسب معظم المحللين بفوز هاريس، على الاقل بالنقاط. القرار البارد والوحشي لكبار الحزب الديمقراطي التخلي عن بايدن العجوز بعد الفشل في المناظرة الاولى، يبدو أنه عملية حكيمة تبقي لهم حتى الآن احتمالية للفوز في تشرين الثاني. الفجوة في العمر، تقريبا عقدين لصالح هاريس، كانت واضحة في المواجهة، حيث ظهر ترامب وكأنه عم غير متوازن يصرخ في اذن المقربين منه حول مائدة العيد اثناء تناول وجبة عائلية. هذا لا يعني أنه لن يفوز في تشرين الثاني. اذا كان هناك أمر واحد كان يجب أن نتعلمه منذ فترة طويلة هو أنه لا ينبغي التقليل من شأن الرئيس السابق والحب غير المشروط الذي يثيره في نصف الناخبين الامريكيين تقريبا.

في المقطع القصير في المناظرة الذي خصص لاسرائيل كرر ترامب الادعاء بأن اسرائيل ستختفي بعد سنتين تحت رئاسة هاريس. أي أنه عزز صورة اسرائيل كدولة ضعيفة تحت الرعاية، وتعتمد بالكامل على الولايات المتحدة. هاريس حفظت وسمعت صفحة الرسائل الحزبية بخصوص اسرائيل، لكنها كالعادة كان ينقصها الدفء البايدني الذي يظهر في كل تصريح للرئيس الحالي.

——————————————–

إسرائيل اليوم 13/9/2024

وصلنا الى مفترق طرق: إن لم تكن حماس فينبغي أن يكون هذا عباس

بقلم: يوسي بيلين

يجب ان نقرر. تقريبا فورا بعد المذبحة الرهيبة في 7 أكتوبر، ناطقون كثيرون يعارضون تسوية سياسية مع الفلسطينيين بدأوا يشرحون بان عمليا لا يوجد أي فرق بين حماس وم.ت.ف وانهما حركتان سياسيتان هدفهما إبادة إسرائيل. على أساس هذا الفهم عرضوا معارضة قاطعة لكل دور للسلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة بعد نهاية الحرب.

نتنياهو، بطل الشعارات، وجد لهذا شعارا ناجحا وأعلن بان من يحكم غزة سيكون “لا حماس ولا عباس”. هذا كان بالضبط عندما قال رئيس السلطة الفلسطينية ما فعله ملاعين حماس في 7 أكتوبر كان أفظع للشعب الفلسطيني من نكبة 1948.

لكن استطلاعات نشرها المعهد المقدر بإدارة د. خليل الشقاقي منحت هذا الادعاء مفعولا علميا لانها أظهرت تأييدا واسعا جدا لسكان المناطق لحماس وزعيمها يحيى السنوار، الى جانب عطف على الأفعال الرهيبة التي ارتكبت في المذبحة. ها هو، قال القائلون، كل من يميزون بين محافل فلسطينية متطرفة ممن يعارضون كل اعتراف بإسرائيل وسلام معها، وبين محافل براغماتية زعما يؤيدو ذلك – ببساطة يخدعون أنفسهم.

قبل بضعة أيام نشر الجيش الإسرائيلي مادة امسك بها في غزة، وكانت لدى “جهاز الامن العام” من حماس. هذا جهاز عمل فيه نحو الف شخص، وعني ضمن أمور أخرى بتوجيه الوعي الفلسطيني وبمحاولة التأثير على الرأي العام في إسرائيل. وفقا لهذه المعطيات، يتبين أن الجهاز عني بتزوير نتائج استطلاعات الشقاقي، وان الأرقام الصحيحة تظهر ميلا معاكسا تماما: معظم المستطلعين اعربوا عن المعارضة للسنوار وزعامته، رأوا في احداث 7 أكتوبر خطأ وتحفظوا من اعمال حماس.

في اليمين سمعت على الفور أصوات برأت ساحة حماس من هذه التهمة وادعت بان التزوير، ذاك الذي نشره الجيش الإسرائيلي بشكل رسمي هو بالذات المكتشفات بالنسبة لتزوير الاستطلاعات الإشكالية للشقاقي. لكن هذا لن يجدي نفعا. الخلاف في داخلنا ليس لفظيا. الجيش الإسرائيلي عمليا انهى الحرب في غزة، وهو يخرج من هناك. احد ما لا يريد ان تعود حماس لتحكم في القطاع. الأفكار عن عائلات فلسطينية كبيرة تأخذ على عاتقها الحكم في قطاع غزة أثبتت نفسها كترهات. وصلنا الى مفترق طرق: إن لم تكن حماس فينبغي أن يكون هذا عباس، وليس مؤكدا على الاطلاق بانه متحمس لهذه المهمة.

 فضلا عن كرة القدم

قبل خمسين سنة وربما اكثر قليلا، استلمت وظيفة احببتها جدا: ناقد تلفزيوني واذاعي في “دافار”. في أحد السبوت استمعت لـبرنامج اسبوعي في صوت الجيش كرس للوجه الاخر لاناس معروفين. في ذاك السبت   كرس لرئيس لواء القدس في حزب العمل، شاب يدعى عوزي برعام لم اسمع عنه قبل ذلك. روى فيه عن محبته لكرة القدم وانه في السبوت، بينما تكون زوجته نائمة في قيلولة الظهيرة، يأخذ ابناءه لمشاهدة المباراة. بدا لي هذا مثيرا للشفقة بعض الشيء. ربما لانه كان يصعب علي ان اتماثل مع المحبة لكرة القدم، وربما لانه لم يبدو لي صاخبا بما يكفي ان يأخذ رئيس العمل في لواء القدس ابناءه لمباراة شعبية بهذا القدر.

كتاب السيرة الذاتية المشوقة لعوزي “لان بلادي غيرت وجهها” الذي صدر مؤخرا، اغلق لي الدائرة. فضلا عن القصة السياسية المثيرة للاهتمام توجد فيه مقاطع مؤثرة عن علاقاته الخاصة مع أبيه، الوزير الراحل موشيه برعم وعن زوجته روتي التي توفيت في أواخر ايامها، بالصدق الذي يميز عوزي ودون محاولة لتجميل الواقع. وحتى مع نفسه لم يقدم تنزيلات، وفي نهاية القصة يكتب بانه أمام نجاحاته في الساحة السياسية – مجرد ميله للسياسة كان هزيلا وقد كان ملزما بان يهرب من أروقة الانشغالات السياسية والحزبية الى مطارح أخرى، ككرة القدم الى أن اعتزلها تماما بنوع من تنفس الصعداء في سنة 64. الان فهمت أهمية مباريات السبت من ناحيته.

——————————————–

 هآرتس 13/9/2024

اردوغان يستصعب العمل ضد إسرائيل، لكن شبكة أمانها تمزقت

بقلم: تسفي برئيل

الخطوة الوحيدة التي ستوقف غطرسة اسرائيل، السرقة وارهاب الدولة الذي تمارسه، هي تحالف الدول الاسلامية”، هذا ما قاله الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، في يوم السبت الماضي. ولكنه شخص لديه خبرة كافية كي يعرف أن أي تحالف أو أي مؤتمر أو أي تدخل عربي اسلامي بكل تشكيلة لم ينجح حتى الآن (خلال عقود) في حل النزاعات في الشرق الاوسط.

في تشرين الثاني الماضي تم عقد قمة عربية – اسلامية في السعودية، للمرة الاولى شارك فيها معا زعماء دول الجامعة العربية والدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي من اجل التوصل الى قرارات مشتركة حول وقف الحرب في غزة. البيان الختامي وبحق كان مليء بالادانات لاسرائيل، وحتى سمع منه نداء لمجلس الامن كي يأمر بوقف اطلاق النار. ولكن طلب ايران، التي للمرة الاولى شاركت في قمة عربية دولية، قطع علاقات الدول العربية مع اسرائيل أو على الاقل فرض عقوبات اقتصادية عليها واعتبار الجيش الاسرائيلي منظمة ارهابية، تم رفضه من قبل الدول التي وقعت على اتفاقات سلام مع اسرائيل ولم يتم شمله في البيان الختامي.

اردوغان يؤمن بأنه ربما في هذه المرة، بعد مرور سنة تقريبا على اندلاع الحرب وازاء عدد القتلى غير المسبوق في غزة والدمار الكبير، توجد احتمالية افضل من اجل تطبيق قرارات متصلبة اكثر ضد اسرائيل. ورغم ذلك، مشكوك فيه أن يشاهد خلفه طابور طويل للدول.

تركيا هي الدولة الوحيدة حتى الآن التي فرضت عقوبات اقتصادية على اسرائيل، وأعادت السفير من تل ابيب. الاردن قام بتجميد بعض الاتفاقات واعاد السفير. في حين أن دولة الامارات اكتفت باعادة السفير فقط، لكنه يستمر في زيارة اسرائيل بين حين وآخر. العلاقات بين اسرائيل ومصر توجد في حضيض غير مسبوق في اعقاب التوتر المتزايد بين الدولتين على طول الحدود بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، التوتر الذي ينبع من سيطرة اسرائيل على معبر رفح ومحور فيلادلفيا. ورغم ذلك مصر اكتفت فقط بالتحذير والاشارة الى أن هذا الوضع يمكن أن يتفاقم الى درجة اعادة السفير الى القاهرة، وهو الامر الذي فعلته في السابق عندما كانت الظروف اقل خطرا.

الفلسطينيون، للاسف، يعرفون جيدا وزن التضامن العربي الفعلي القليل، وليس التصريحي، في كل ما يتعلق بقدرة الدول العربية، كل واحدة على حدة أو بواسطة الجامعة العربية، على حل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، أو على الاقل التوصل الى وقف لاطلاق النار في قطاع غزة. تركيا تعلمت في هذا الاسبوع بأنه حتى عندما تحاول تجنيد الدعم العربي لعمل مشترك ضد اسرائيل فانه يجب عليها أولا أن تقوم بحل نزاعاتها، على الاقل مع دولة عربية واحدة وهي سوريا، قبل أن تسجل لنفسها انتصار دبلوماسي لامع.

في لقاء وزراء الخارجية العرب الذي عقد في يوم الثلاثاء الماضي في القاهرة، غادر الوفد السوري برئاسة وزير الخارجية فيصل المقداد القاعة عندما بدأ وزير خارجية تركيا، هاكان فيدان، خطابه. سوريا يوجد لها “حساب شخصي” مع تركيا التي تحاول منذ اشهر استئناف علاقاتها مع دمشق. في كل مرة، رغم تدخل روسيا النشيط، يواصل بشار الاسد وضع شرط رئيسي لاستئناف العلاقات وهو أنه يجب على تركيا الانسحاب من كل الاراضي التي قامت باحتلالها في سوريا. اردوغان، الذي كان الحليف المقرب من الاسد والعلاقات بينهما تقريبا كانت عائلة، قطع العلاقات معه بعد أن لم يستجب الاسد لتوسل اردوغان التوقف عن المذبحة الجماعية ضد ابناء شعبه. ومنذ ذلك الحين وضع اردوغان نفسه على رأس حملة معارضة استمرار حكم الاسد وطالب بعزله.

اردوغان كان يمكنه الاستناد الى موقف عربي شبه موحد تقريبا ضد الاسد، يشمل تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، وفرض عقوبات اقتصادية عربية اضافة الى العقوبات الغربية، الى أن عادت سوريا في السنة الماضية، بعد 12 سنة مقاطعة، الى الحضن العربي. عضويتها في الجامعة العربية استؤنفت في الوقت الذي قامت فيه في وقت سابق عدة دول عربية، منها الاردن والامارات، باستئناف العلاقات معها. لكن المقاطعة والعقوبات العربية لم تساعد في وقف المذبحة في سوريا التي قتل فيها نصف مليون شخص، وفي اعقابها 12 مليون مواطن اصبحوا لاجئين ومهجرين. الجامعة العربية لم تنجح في وقف الحرب بين السعودية واليمن، وتحقيق مصالحة في السودان أو رأب التصدعات السياسية والعسكرية في ليبيا.

يبدو أن المرة الاخيرة التي كان فيها للجامعة العربية دور مهم كانت في 1989، عندما قامت بتعيين ملك السعودية وملك المغرب والرئيس الجزائري لترأس لجنة مشتركة القيت عليها مهمة التوصل الى انهاء الحرب الاهلية في لبنان. اتفاق الطائف الذي تم التوقيع عليه بعد 15 سنة على الحرب الدموية لم يغير فقط البنية السياسية في لبنان، بل نجح ايضا في الغاء عدد كبير من التهديدات على سلامتها والحفاظ على لبنان موحد وله سيادة. ولكن الجامعة العربية لم تنجح حتى الآن في انهاء الازمة السياسية العميقة التي تحطم لبنان.

ليست الجامعة فقط هي التي فشلت في ذلك، ايضا “مجموعة الخمسة”، التي تشارك فيها مصر والسعودية وقطر والولايات المتحدة وفرنسا، تجد صعوبة في تحقيق المعجزة. في كل ما يتعلق بالمواجهة بين اسرائيل وحزب الله لا يوجد في هذه الاثناء لدى أي دولة عربية اداة ضغط يمكن أن تساهم في تهدئة التوتر. هذه الاداة توجد لدى دولة واحدة غير عربية، ايران، التي لا تسارع الى انهاء هذه المواجهة.

عندما يطالب اردوغان بالتجند العربي – الاسلامي ضد اسرائيل فان ايران، التي يبدو أنها ستكون اول من سينضم الى حملة تركيا، هي نفسها “جسم مشتبه فيه” ويثير معارضة العرب. الحوثيون، امتداد ايران في اليمن، الذين يعملون باسم “جبهة المساندة” للفلسطينيين ويطالبون بوقف اطلاق النار في غزة، الحقوا اضرار اقتصادية كبيرة بالدول العربية التي يمكن أن تنضم لـ “تحالف اردوغان”. مصر ربما هي المتضررة الاكبر، لأن خط الملاحة في قناة السويس توقف تماما تقريبا، وفي الاردن ارتفعت اسعار المواد الاساسية بعشرات النسب المئوية. وهو يخشى بشكل خاص من تدخل المليشيات في العراق في جهود تجنيد مواطنين من الاردن للحرب ضد اسرائيل وتهريب السلاح والمواد المتفجرة من العراق وسوريا. الملك عبد الله في الحقيقة يدين اسرائيل، ووزير الخارجية ايمن الصفدي احيانا يتبنى لهجة شديدة ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ولكن الاردن ايضا شارك في التحالف الامريكي – العربي الذي ساعد في افشال هجوم المسيرات والصواريخ على اسرائيل في شهر نيسان الماضي. انهاء الحرب في غزة يعتبر هدف استراتيجي بالنسبة للاردن، وهكذا ايضا التعاون الاستخباري مع اسرائيل والعلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة. العضوية في التحالف العربي – الاسلامي برئاسة تركيا وايران بعيد عن أن يكون على رأس سلم الاولويات في المملكة.

رغم ذلك سيكون من الخطأ الكبير من ناحية اسرائيل أن تستند بارتياح الى الانقسام وعدم التضامن بين الدول العربية والفلسطينيين بشكل عام، وبشكل خاص حول قضية غزة. ايضا محظور عليها اعتبار ذلك كدليل على قوتها السياسية أو كـ “تسويغ” عربي لمواصلة الحرب في غزة وفتح جبهة واسعة في لبنان. اسرائيل لا توجد لها أي مصلحة في الجامعة العربية أو منظمة التعاون الاسلامي. فمكانتها الاستراتيجية في الشرق الاوسط تأخذ القوة من سلسلة العلاقات الثنائية مع دول عربية التي تدير علاقات خارجية مستقلة، والتي يوجد لعدد منها خلافات جوهرية فيما بينها.

السياسة الفردية والمصالح والاعتبارات الفريدة، وليس القرارات “التنظيمية” العربية بشكل عام، هي التي جعلت كل دولة من هذه الدول توقع على اتفاق سلام مع اسرائيل. ولكن الاكثر اهمية هو أنه حتى العلاقات الوثيقة، مثل العلاقات بين اسرائيل والامارات والبحرين وبدرجة كبيرة المغرب، ليست البديل عن ضرورة تسوية صراع اسرائيل مع المنظمات المعادية والدول التي تقوم بدعمها. هذه الدول ربما لا تكون قادرة على تسوية الصراعات، سواء فيما بينها أو مع اسرائيل واعدائها، لكنها تخلق شبكة الامان الحقيقية التي ترتكز اليها شرعية اسرائيل في المنطقة. وهذه هي نفس الشرعية المطلوبة، التي ستكون اسرائيل بحاجة اليها كي لا تفقد دعم امريكا لها بشكل خاص ودعم الغرب بشكل عام.

شبكة الامان هذه ما زالت صامدة رغم الانتقادات الشديدة، ولكنها بدأت تتمزق حتى بدون مساعدة اردوغان.

——————————————–

هآرتس 13/9/2024،

اذا واصلت اسرائيل التنصل من تقسيم البلاد، فان “النهر حتى البحر” سيغرقها

بقلم: شاؤول اريئيلي

منذ الحرب العالمية الثانية تقريبا لم يرافق أي حرب بين الدول انكار حقوق دولة في وجودها، أو انكار حقوق شعب في تقرير المصير. المذبحة التي نفذتها حماس في بلدات النقب الغربي في 7 اكتوبر وخطتها لاقامة دولة فلسطين على انقاض اسرائيل، الى جانب استبعاد أي اتفاق سياسي من قبل حكومة نتنياهو – كل ذلك يعكس المقاربة السائدة في اوساط الاصوليين الحمساويين من جهة وفي اوساط المسيحانيين المتطرفين الاسرائيليين من جهة اخرى.كل طرف ينفي بشكل مطلق حقوق الطرف الثاني.

هذه المقاربة اصبحت سائدة في الحوار السياسي والجماهيري لدى الطرفين. حماس ومؤيدوها يطالبون بدولة واحدة ويرفضون حق اسرائيل في الوجود وحق الشعب اليهودي في تقرير المصير في وطنه؛ اسرائيل ترفض اقامة الدولة الفلسطينية بجانبها وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

هذان الموقفان مناقضان للقانون الدولي وقرارات المجتمع الدولي. موقف حماس المبدئي تحت شعار “من البحر الى النهر” ينضم اليه بشكل غير مسبوق كثيرون جدا في العالم. والسؤال هو لماذا؟ هل الحديث يدور عن اللاسامية التقليدية؟ عن الجهل؟ مناهضة اسرائيل؟ أو ربما فشل الاعلام في اسرائيل؟ أو أن هناك تفسير آخر لذلك؟.

يبدو أنه مثلما في اسئلة كثيرة معقدة فان الاجابة تكمن في عناصر مختلفة من بينها العناصر التي تم ذكرها أعلاه. مع ذلك، في المجتمع الدولي هناك من لا يعتبرون مع اللاساميين التقليديين وغير جاهلين، مع ذلك هم غير مستعدين لقبول رواية اسرائيل كرواية عادلة. موقفهم يرتكز الى مبررات منطقية حسب رأيهم، تتناول جذور النزاع الذي بدأ عند اعلان بلفور في تشرين الثاني 1917. يجب علينا نحن الاسرائيليين أن نعرف جيدا المنطق من وراء موقفهم اذا اردنا فهم الواقع واتخاذ قرارات حاسمة حيوية لمستقبلنا.

عند انتهاء الحرب العالمية الاولى وتأسيس عصبة الامم في 1919 حل مبدأ تقرير المصير محل المبدأ الامبريالي في المنظومة الدولية. العدوان والاحتلال كطريقة للحصول على السيادة على مناطق تم رفضهما، وترسخ الاعتراف بأنه يوجد لكل شعب لديه اغلبية في اوساط سكان البلاد حق طبيعي لتقرير مستقبله السياسي والاجتماعي. بكلمات اخرى، “البلاد تعود لسكانها وليس لمحتليها”.

ما هو الوضع الذي كان سائدا في ارض فلسطين الانتدابية بعد انتهاء تلك الحرب؟ من بين السكان الذين كان عددهم اقل بقليل من 750 ألف نسمة، 90 في المئة منهم عرب و10 في المئة يهود، وأكثر من 93 في المئة من الاراضي الخاصة كانت بملكية العرب.على خلفية هذا الواقع طلب عرب البلاد في كانون الاول 1920 في المؤتمر العربي الوطني الثالث الذي عقد في حيفا تطبيق حقهم في تقرير المصير و”تشكيل حكومة من ابناء البلاد تكون مسؤولة امام مجلس تمثيلي منتخب من قبل الشعب الذي يتحدث اللغة العربية والذي كان يعيش في فلسطين حتى بداية الحرب (بما في ذلك اليهود)، كما حدث في العراق وفي شرق الاردن”.

الدول العظمى المنتصرة، بريطانيا وفرنسا وامريكا، تجاهلت الواقع في فلسطين ولم تستجيب لطلب العرب في تقرير المصير رغم أنهم يشكلون اغلبية السكان في البلاد. في مؤتمر سان ريمو في العام 1920 قررت الدول الاوروبية العظمى أن يتم تضمين وعد بلفور في صك الانتداب الذي اعطي لبريطانيا، وفي العام 1922 صادقة عصبة الامم على صك الانتداب. وبعد مرور 25 سنة اعترفت لجنة التقسيم التابعة للامم المتحدة بأن “مبدأ تقرير المصير لم يتم تطبيقه على فلسطين في الوقت الذي اوجد فيه الانتداب في 1922 بسبب التطلع الى التمكين من اقامة الوطن القومي لليهود”.

استثناء فلسطين من مبدأ تقرير المصير كان أمر غير مسبوق. البروفيسور ادوارد سعيد، العضو في المجلس الوطني الفلسطيني، كتب في 1979 عن وعد بلفور ما يلي: “اهمية التصريح تكمن أولا وقبل أي شيء آخر بكونه الاساس القانوني لمطالبة الصهيونية بفلسطين. الامر الثاني والاكثر اهمية، أن هذا التصريح يمكن فهم مدى شذوذه فقط اذا فهمنا بشكل جيد الوضع الديمغرافي أو الانساني في فلسطين (من خلال “قضية فلسطين”).

البريطانيون ارفقوا مع هذا الشذوذ شرط. فقد اشترطوا اقامة الوطن اليهودي بـ “أن لا يتم فعل شيء يمكن أن يضر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية”، وبناء على طلب اليهود “أن لا يكون مس ايضا بالحقوق والمكانة السياسية لليهود في أي دولة اخرى”. في صك الانتداب الذي تضمن وعد بلفور واصل وكرر المجتمع الدولي هذا الشرط، وكتب بأنه سيقام وطن قومي لليهود مع الحفاظ على الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بدون تمييز في العرق والدين. أي أنه مقابل استثناء فلسطين والحفاظ على حقوق اليهود في ارجاء العالم فان الوطن القومي لليهود سيكون ديمقراطي ويحافظ على المساواة في الحقوق لكل سكانه.

في العام 1947 سلم المجتمع الدولي بعدم امكانية وجود دولة واحدة، بذريعة أنه “يوجد الآن في فلسطين حوالي 650 ألف يهودي وحوالي مليون و200 ألف عربي، يختلفون عن بعضهم في نمط الحياة والمصالح السياسية” (قرار التقسيم من العام 1947). وأكد المجتمع الدولي على أن “الدعاوى على فلسطين هي للعرب واليهود، وكلها سارية المفعول ولا يمكن التوفيق فيما بينها. لذلك تقرر بأن “من بين جميع الاقتراحات المطروحة فان تقسيم (البلاد) هو الاقتراح العملي أكثر”. الصفقة، استثناء فلسطين/ ارض اسرائيل من مبدأ تقرير المصير بشرط واضح وهو اقامة في البلاد ديمقراطية، كانت واضحة جدا بالنسبة للقيادة الصهيونية من البداية.

دافيد بن غوريون قرر في العام 1918 بأنه “من غير المرغوب فيه ولا يمكن طرد من البلاد السكان الحاليين. هذه ليست هوية الصهيونية. لو أن الصهيونية كانت تطمح لوراثة مكانة سكان البلاد الحاليين فان هذا لن يكون إلا يوتوبيا خطيرة ووهم ضار ورجعي”. زئيف جابوتنسكي جاء بعده وتعهد في العام 1923 بالقول: “أنا اعتبر أن ابعاد العرب من ارض اسرائيل غير مقبول على الاطلاق، في ارض اسرائيل دائما عاش شعبين، وأنا مستعد لأن اقسم باسمنا واسم احفادنا بأننا لن ننتهك في أي يوم المساواة في الحقوق، ولن نقوم بأي محاولة لابعاد أي أحد”.

ايضا مناحيم بيغن أكد مرة اخرى على الشرط الحاسم المذكور اعلاه للحصول على الشرعية الدولية لاقامة دولة اسرائيل. وقد كتب في 1972: “الصهيونية… هذه هي أسسها في ارض اسرائيل، التي حقوقنا فيها لا يمكن التشكيك فيها، أنه ستكون اكثرية يهودية واقلية عربية ومساواة في الحقوق للجميع. نحن لم ننحرف ولن ننحرف عن هذه العقيدة، التي تتضمنها عدالة قضيتنا”. بعد ذلك، في العام 1978 عرض خطة الحكم الذاتي التي في نهايتها المناطق المحتلة سيتم ضمها لاسرائيل، والفلسطينيون يمكنهم أن يحصلوا على الجنسية الاسرائيلية.

عودة الى هذه الايام. حكومة اسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو ترفض كل الاحتمالات. فهي ترفض حل الدولتين، وترفض اعطاء المواطنة والمساواة في الحقوق بعد ضم المناطق. هذه السياسة تنتهك تعهد الصهيونية الاساسي لعملية الاستثناء، التي بواسطتها اقيمت دولة اسرائيل. رفض الفلسطينيين لتقسيم البلاد في 1948 كف عن أن يكون عامل ذا صلة، بعد أن وافق الفلسطينيون على قرار التقسيم رقم 181 والقرارات التي تعترف باسرائيل في حدود حزيران 1967. وكرروا ذلك بالاعتراف المتبادل مع اسرائيل في ايلول 1993. “م.ت.ف تعترف بحق اسرائيل في الوجود بسلام وأمن، وتعترف بقرارات مجلس الامن رقم 242 ورقم 338”.

الرأي العام العالمي، الذي ينفي وجود اسرائيل حتى في حدود 1967، يدعي أنه اذا لم تنفذ اسرائيل المطلوب منها في الصفقة التاريخية، عندها يجب الموافقة على مطالبة الفلسطينيين بدولة واحدة (بروحية اقوال جونثان ايلان، نائب السفير البريطاني في الامم المتحدة، في تشرين الثاني 2017، الذي قال في خطابه في الامم المتحدة بمناسبة مرور مئة سنة على تصريح بلفور: “تعالوا نتذكر بأنه كان قسمين في التصريح، القسم الثاني لم يتم تطبيقه”).

القصد ليس تحقيق “حلم” حماس بـ “دولة شريعة من البحر وحتى النهر”، بل القصد هو الدعوى التي قدمها محمود عباس في خطابه في الامم المتحدة في 2017: “حل الدولة الواحدة هو حل محتمل، لكن ليس بالشكل الذي تسوقه حكومة اسرائيل، بل حسب مبدأ المساواة الكاملة في الحقوق. اذا تم تحطيم حل الدولتين بسبب خلق واقع الدولة الواحدة مع نظامي قوانين، ابرتهايد، هذا سيكون فشل، ولن يكون لكم أو لنا أي خيار عدا عن مواصلة النضال والمطالبة بالحقوق المتساوية لجميع سكان فلسطين التاريخية. هذا لا يعتبر تهديد، بل هو تحذير نابع من أن سياسة اسرائيل تعمل بشكل خطير على تقويض حل الدولتين”.

اللاساميون توسعوا في ذلك وقالوا بأنه اذا كانت اسرائيل تقوم بانتهاك دورها في صفقة الرزمة وتمس بحقوق الفلسطينيين الموجودين تحت احتلالها فانه يمكن ايضا انتهاك الجزء الذي يضمن عدم المس بـ “حقوق اليهود ومكانتهم السياسية في أي دولة في العالم”.

لا يمكن صد أي دعوى من خلال وصفها كلاسامية أو أنها تنبع عن الجهل، حتى لو كان عدد كبير من هذه الدعاوى هو كذلك. يتبين أنه رغم وجود من يحاولون ضعضعة النظام الدولي القائم، الذي يرتكز الى مبدأ تقرير المصير ورفض الاحتلال، مثل الرئيس الروسي فلادمير بوتين في اوكرانيا، فان المجتمع الدولي ما زال يتمسك بالنظام القائم.

اسرائيل يجب عليها التقرير، هل ستختار حل الدولتين الذي يتناسب مع القرارات الدولية منذ العام 1937 (لجنة بيل) أو أنها ستختار دولة واحدة فيها مساواة في الحقوق، حسب تعهد الحركة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الاول في بازل في 1897 وهو أن “الصهيونية تطمح الى اقامة للشعب اليهودي وطن في ارض اسرائيل، يضمنه قانون الشعوب”. أي انحراف عن هذا التعهد من قبل حكومة اسرائيل الحالية يلغي “عدالة قضيتنا” ويفتح المجال امام المجتمع الدولي لتأسيس نظام جديد في فلسطين/ ارض اسرائيل الانتدابية، بما في ذلك دولة واحدة، التي خلال فترة قصيرة ستكون فيها أكثرية عربية.

——————————————–

معاريف 13/9/2024

نار في هيئة الاركان

بقلم: الون بن دافيد

هذا الأسبوع، نزعت الأقنعة نهائيا، وما كان حتى الان مجرد إحساس غامض أصبح سياسة معلنة: “رئيس الوزراء لا يقاتل ضد حماس او حزب الله بل يقف وحده ضد قادة الجيش”، مثلما تكبدت عناء الايضاح والتأكيد صاحبة القرار التي الى جانبه. الجيش الإسرائيلي هو عدو رئيس الوزراء.

من اللحظة التي أطلقت فيها الإشارة للانتقال الى معركة مكشوفة، بدأت كل الابواق والمغردين بهجمة منسقة ضد أعداء إسرائيل الحقيقيين: رئيس الأركان، الناطق العسكري وقيادة الجيش. الاقوال التي خرجت عن افواههم ومن تحت أيديهم هذا الأسبوع ليست اقل من محاولة اثارة تمرد جنود الجيش ضد قادتهم، ومواطني إسرائيل ضد كبار مسؤولي جيشهم. وكل هذا حصل في وقت الحرب، الأصعب في تاريخنا.

ما العجب في أن ليس لرئيس الوزراء أي وقت لمعالجة الشمال المشتعل؟ فهو مشغول في الحرب ضد العدو الأخطر: الجيش الإسرائيلي. عبثا حاول وزير الدفاع ان يدعو يوما إثر يوم لمركز ثقل القتال من الجنوب الى الشمال. هذا لم يكن قرار او توجيه تعليمات، بل استجداء من الوزير يوآف غالنت لرئيس الوزراء أن يتذكر ان في الشمال أيضا توجد حرب وان التحدي هناك اكبر من التحدي في غزة.

مشكوك أن يجدي هذا نفعا: فرئيس الوزراء مصمم على مواصلة المطاردة الخالدة وراء “النصر المطلق” في غزة. بكفاءة جمة يبيع حجب عليلة ويسرب مقاطع وثائق مشوهة لمؤيديه. ويوجد أيضا صحافيون شاذون يشترون هذا. وكله كي يثبت بان قائمة شعب إسرائيل معلقة بمحور فيلادلفيا.

كمثال الاحبولة الضحلة “اذا خرجنا من فيلادلفيا – حماس ستهرب المخطوفين الى ايران عبر مصر”. هيا نسير بهذه الفكرة عديمة الأساس في خيال موجه: أناس حماس يخرجون مع مخطوف في نفق من رفح الى مصر (والمشكوك ان يكون موجودا)، وفي الطرف الاخر يلتقون الجيش المصري الذي يطالبهم بتسليم المخطوف لهم. ماذا سيفعل أناس حماس. يعلنون الحرب على الجيش المصري؟ ليس لاناس حماس أي قدرة على الدفاع عن انفسهم في اللحظة التي يجتازون فيها الى الأراضي المصرية والا فانهم كانوا سيفعلون هذا في الأشهر السبعة التي تردد فيها رئيس الوزراء في العمل في رفح.

بعد تسريب مقاطع من وثائق مغرضة لصحف مثل “بيلد” الألمانية و “جويش كرونيكال” البريطانية، حاول وزير الدفاع الرد بوثيقة من جهته. فقد كشف كيف ان قائد لواء خانيونس من حماس، رافع سلامة، يروي للاخوين السنوار بان لواءه ابيد. الوثيقة كتبت قبل ان يصفى سلامة في شهر تموز. منذئذ ابيد أيضا لواء رفح.

غالنت، الذي لا يزال اديبا، حاول أن يوضح للجمهور بان أساس الإنجاز العسكري في غزة بات في أيدينا ويمكن البدء بالعمل لاعادة سكان الشمال. لكن طالما كان رئيس الوزراء يصر على حرب ابدية في غزة واثنتان من فرق الحسم لدى الجيش الإسرائيلي تستثمران في القطاع – فان الجيش الإسرائيلي ليس جاهزا للبدء بخطوة هجومية واسعة في الشمال. عندما ستسمعون أن الفرقة 162 خرجت من غزة وبدأت التدريبات على الحالة الشمالي – فسيكون هذا مؤشر على أن أحدا ما تذكر بان في الشمال أيضا توجد لنا مشكلة.

“مياه تغلي في المناطق”

المعركة في الشمال ستأتي لكن ليس في الموعد الذي نختاره نحن، بل ننجر اليه في غير صالحنا. في كل يوم يوجد تصعيد زاحف في حرب الاستنزاف هناك: نحن نعمق مديات الهجوم، وحزب الله أيضا يوسع منطقة الامن التي ثبتها في شمال الدولة. هذا الأسبوع دخلت بشكل كامل روش بينا ونهاريا في مدى الحرب، وهذا سيواصل النزول جنوبا، الى أن يحصل شيء ما سيء لا يمكن احتواءه.

في مفترق الـ T الذي كنا فيه، بين صفقة مخطوفين وحرب إقليمية – اتخذت إسرائيل الانعطافة نحو الحرب. ليس الفيلم الصادم من نفق الموت لستة المخطوفين، ومشكوك جدا أيضا اذا كانت الكلمات الدقيقة للحاخام الحنان دنينو قد اخترقت سور انغلاق حس من انشغل في الأشهر الأخيرة بصيانة بركة الفيللا خاصته في قيساريا. لكن الان، بينما نحن في الطريق الى الحرب في الشمال وربما أيضا مع ايران، انفتح تفرع آخر يمكنه أن يغير الصورة. منطقة يهودا والسامرة تقترب من نقطة الغليان. رؤساء جهاز الامن عرضوا على الكابنت سلسلة 15 خطوة يمكنها ان تبرد بشيء ما المياه التي تغلي في المناطق وبينها: إعادة دخول العمال الفلسطينيين الى إسرائيل، تحويل أموال الضرائب الى السلطة الفلسطينية، تعزيز السلطة وتثبيت الوضع الراهن في الحرم بقرار حكومي.

لعله غني عن الإشارة الى أن توصياتهم وقعت على آذان صماء. فممثلو الإرهاب اليهودي في الحكومة يتمنون اشتعالا في المناطق. لكن قادة الجهاز اوضحوا أيضا المعاني: اشتعال في المناطق سيجتذب فورا معظم القوات البرية للجيش الإسرائيلي اليها وينزع منها القدرة على بذل جهود هجومية في غزة او الشمال. وهو سيتطلب من الجيش تخفيف قواته في غزة وفي الشمال وكشفنا اكثر على التهديد من هناك.

——————————————–

هآرتس 13/9/2024

الأكثر تحدياً بسبب الحرب.. ميزانية “التسيب” للعام 2025: ماذا عن “تجنيد الحريديم”؟

بقلم: أسرة التحرير

ميزانية الدولة للعام 2025 ستكون الأكثر تحدياً منذ عقدين، بسبب احتياجات الأمن الجسيمة وكلفة تمويل الديون التي أخذتها الحكومة كي تمول كلفة الحرب.

لمنع أزمة مالية، الحكومة مطالبة بإيجاد مصادر لتمويل نفقات الأمن، وتسديد الديون وكلفة ترميم بلدات الشمال والجنوب بمبلغ نحو 30 مليار شيكل، وهذا شريط ألا تتسع الحرب في الشمال وألا يتبع حكم عسكري في غزة. إذا ما حصل هذان الأمران، فالمطلوب تقليصات وارتفاعات شاهقة في الضرائب، تحمل الاقتصاد إلى أزمة مالية ودولية خطيرة.

إذا لم يقنع الحكومة قرار محكمة العدل العليا الذي قضى بعدم إعفاء الشباب الحريدي من الخدمة العسكرية، فإن احتياجات الأمن وكلفة الحرب تستوجبان تصميماً لتجنيدهم. فقد الجيش في الحرب آلاف الجنود بين قتلى وجرحى في الوقت الذي ارتفعت فيه المهام الأمنية واحتدم العبء على السكان الذين يخدمون في الجيش إلى أبعاد لم نشهدها حتى في حرب يوم الغفران. لإثقال العبء على جنود الاحتياط، ثمة عبء اقتصادي واجتماعي ثقيل، والطريق الوحيد لتقليصه هو تجنيد الحريديم؛ فكلفة جندي إلزامي ثُمن كلفة جندي احتياط عادي.

إن محاولة نتنياهو العمل على قانون للتملص من الخدمة في هذه الظروف بمثابة بصقة في وجه من يخدمون، وستتسبب بضرر اقتصادي جسيم. يدور الحديث عن قرار لا ينسجم مع الاحتياجات الاقتصادية والأمنية. إن التملص من الخدمة هو استمرار إبادة قيمة إسرائيل. فمحاولة نتنياهو اليائسة لحماية ائتلافه في ظل إثقال العبء على دافعي الضرائب وخادمي الاحتياط وجنود الإلزامي يجب أن توقفها المحافل المتعقلة في الائتلاف بقدر ما توجد محافل كهذه.

إن ثمن قانون التملص من الخدمة سيكون جسيماً وهداماً للاقتصاد وللمجتمع ولأمن الدولة. سبق لنتنياهو أن غامر بأمن واقتصاد إسرائيل حين لم يستجب للتحذيرات من الضرر للردع بسبب الانقلاب النظامي الذي عمل عليه بتكليف من الوزير يريف لفين. وهو يواصل المغامرة بدعمه لفين ومحاولة الدفع قدماً بإعفاء الحريديم. ملزمون بوقفه.

——————————————–

معاريف 13/9/2024

“لو أراد السنوار الهرب بالمخطوفين عبر فيلادلفيا لفعل”.. ماذا عن الشمال والضفة يا نتنياهو؟

بقلم: أسرة التحرير

نزعت الأقنعة نهائياً هذا الأسبوع، وما كان مجرد إحساس غامض أصبح سياسة معلنة: “رئيس الوزراء لا يقاتل ضد حماس أو حزب الله، بل يقف وحده ضد قادة الجيش”، هذا ما أوضحته وأكدته صاحبة القرار التي إلى جانبه. الجيش الإسرائيلي هو عدو رئيس الوزراء.

من اللحظة التي أطلقت فيها الإشارة للانتقال إلى معركة مكشوفة، بدأت كل الأبواق والمغردين بهجمة منسقة ضد أعداء إسرائيل الحقيقيين: رئيس الأركان، الناطق العسكري وقيادة الجيش. الأقوال التي خرجت من أفواههم ومن تحت أيديهم هذا الأسبوع ليست أقل من محاولة إثارة تمرد جنود الجيش ضد قادتهم، ومواطني إسرائيل ضد كبار مسؤولي جيشهم. وكل هذا حصل في وقت الحرب، الأصعب في تاريخنا.

ما العجب في أن رئيس الوزراء لا يملك وقتاً لمعالجة الشمال المشتعل؟ فهو مشغول في حربه ضد العدو الأخطر: الجيش الإسرائيلي. عبثاً حاول وزير الدفاع أن يكرر قوله بنقل القتال من الجنوب إلى الشمال. هذا لم يكن قراراً أو توجيهاً لتعليمات، بل استجداء من الوزير غالنت لرئيس الوزراء بأن يتذكر أن في الشمال حرباً، وأن التحدي هناك أكبر من التحدي في غزة.

مشكوك أن يجدي هذا نفعاً: فرئيس الوزراء مصمم على مواصلة المطاردة الخالدة وراء “النصر المطلق” في غزة. بكفاءة جمة، يبيع حججاً عليلة ويسرب مقاطع وثائق مشوهة لمؤيديه. وثمة صحافيون شاذون يشترون هذا. وكله كي يثبت بأن قائمة شعب إسرائيل معلقة بمحور فيلادلفيا.

كمثال للأحبولة الضحلة: “إذا خرجنا من فيلادلفيا – ستهرب حماس المخطوفين إلى إيران عبر مصر”. هيا نسير بهذه الفكرة عديمة الأساس في خيال موجه: حمساويون يخرجون مع مخطوف في نفق من رفح إلى مصر (والمشكوك أن يكون موجوداً)، وفي الطرف الآخر يلتقون الجيش المصري الذي يطالبهم بتسليم المخطوف. ماذا سيفعل الحمساويون؟ يعلنون الحرب على الجيش المصري؟ لا قدرة لهم على الدفاع عن أنفسهم في اللحظة التي يجتازون فيها إلى الأراضي المصرية، وإلا لفعلوا هذا في الأشهر السبعة التي تردد فيها رئيس الوزراء في العمل في رفح.

بعد تسريب مقاطع من وثائق مغرضة لصحف مثل “بيلد” الألمانية و”جويش كرونيكال” البريطانية، حاول وزير الدفاع الرد بوثيقة من جهته. فقد كشف كيف يروي قائد لواء خان يونس في حماس، رافع سلامة، للأخوين السنوار بأن لواءه أبيد. كتبت الوثيقة قبل تصفية سلامة في تموز. منذئذ أبيد لواء رفح أيضاً.

غالانت، الذي لا يزال أديباً، حاول أن يوضح للجمهور بأن الإنجاز العسكري في غزة بات في أيدينا، ويمكن البدء بالعمل لإعادة سكان الشمال. لكن ما دام رئيس الوزراء مصراً على حرب أبدية في غزة، واثنتان من فرق الحسم لدى الجيش الإسرائيلي تستثمران في القطاع – فإن الجيش الإسرائيلي ليس جاهزاً للبدء بخطوة هجومية واسعة في الشمال. عندما تسمعون أن الفرقة 162 خرجت من غزة، وبدأت التدريبات على الحالة الشمالية، فسيكون هذا مؤشراً على أن أحداً ما تذكر بأن الشمال واقع في مشكلة.

“مياه تغلي في المناطق”

معركة الشمال قادمة لا محالة، لكن ليس في الموعد الذي نختاره نحن، بل ننجر إليه في غير صالحنا. ثمة تصعيد زاحف في حرب الاستنزاف هناك يومياً: نعمق مديات الهجوم، في حين يوسع حزب الله أيضاً منطقة الأمن التي ثبتها في شمال الدولة. دخلت هذا الأسبوع “روش بينا” ونهاريا في مدى الحرب، وقد يصل جنوباً، إلى أن يحصل شيء ما سيئ لا يمكن احتواؤه.

في مفترق الـ T الذي كنا فيه، بين صفقة مخطوفين وحرب إقليمية – اتخذت إسرائيل انعطافة نحو الحرب. ليس الفيلم الصادم من نفق موت المخطوفين الستة، ومشكوك جداً أيضاً إذا كانت الكلمات الدقيقة للحاخام الحنان دنينو قد اخترقت سور من انشغل بصيانة بركة الفيلّا خاصته في قيساريا في الأشهر الأخيرة. لكن الآن، بينما نحن في الطريق إلى الحرب في الشمال وربما مع إيران، انفتح تفرع آخر قد يغير الصورة. تقترب منطقة “يهودا والسامرة” [الضفة الغربية] من نقطة الغليان. وعرض رؤساء جهاز الأمن على الكابنيت سلسلة 15 خطوة، قد تبرد المياه التي تغلي في “المناطق” [الضفة الغربية] وبينها: إعادة دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، وتحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، وتعزيز السلطة، وتثبيت الوضع الراهن في الحرم بقرار حكومي.

لكن توصياتهم وقعت على آذان صماء؛ فممثلو الإرهاب اليهودي في الحكومة يتمنون اشتعالاً في “المناطق”. لكن قادة الجهاز أوضحوا المعاني: الاشتعال في “المناطق” سيجتذب إليها معظم القوات البرية للجيش الإسرائيلي وينزع منها قدرة بذل جهود هجومية في غزة أو الشمال. وسيتطلب من الجيش تخفيف قواته في غزة والشمال، وكشفنا أكثر على التهديد من هناك.

——————————————–

يديعوت احرونوت 13/9/2024

محور فيلادلفيا اصبح منذ سيطرة الجيش طريقا سريعا يعج بالحركة

بقلم: ناحوم برنياع

مقاتلون نزلوا الى النفق حيث قتل ستة المخطوفين يروون انه في داخل الفضاء الضيق، بعمق 20 متر، سمعوا جيدا دبيب حركة الدبابات من فوقهم. الحي هو تل السلطان، غربي مدينة رفح. عندما انسحبت إسرائيل من سيناء في إطار اتفاق السلام مع مصر، الفلسطينيون في مخيم اللاجئين كندا، في أرض اعيدت الى مصر، اخلوا/نقلوا/جمعوا في تل السلطان، في داخل القطاع. التحول التالي وقع بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو: إسرائيل خرجت؛ والسلطة الفلسطينية دخلت. العبور الحر للعمال الى إسرائيل اغلق.

زرت هناك في الفترة إياها، لاتعرف عن كثب، في الميدان، على ما يجري في المثلث الإسرائيلي – المصري – الفلسطيني. الرجال سمعوا العبرية وتجمعوا حولي. لكل واحد منهم كانت قصة: انا عملت في كراج في بيتح تكفا. انا عملت في مطعم في تل أبيب؛ سجلني؛ انا في بئر السبع؛ هذا هاتف رب عملي؛ هذا هو اسم؛ قل له انه اذا رتب أمري فاني ساعود الى العمل غدا.

الشائعة انتشرت في الحي. عشرات رافقوني الى كل مكان. مرافقي، رجل جهاز الامن الفلسطيني، شعر بالضغط: “ليس آمنا هنا”، قال لي بهمس. “انهي ونرحل”. السلطة وأجهزتها لم تشعر في أي مرة بامان في مخيمات اللاجئين، لا في غزة ولا في الضفة.

في السنوات التي انقضت منذئذ، تل السلطان نما الى الأعلى. بنيت عمارات من ثلاثة وأربعة طوابق. مررت بالحي قبل بضعة أسابيع حين سافرت مع قوة من الجيش الإسرائيلي على طول محور فيلادلفيا؛ معظم البيوت دمرت أو تضررت بشدة. على وجه الأرض لا يرى المرء الا الكلاب. اذا ما تبقى أناس، منا أو منهم، فهم محاصرون في الانفاق.

مشكوك أن نعرف في أي مرة كيف شعرت كرمل جات، هرش غولدبرع – بولين، عيدان يروشالمي، اوري دنينو، الموغ ساروسي واليكس لوفانوف حين سمعوا في داخل النفق دبيب حركة دبابات الجيش الإسرائيلي؛ مشكوك ان نعرف كيف شعر القتلة حين سمعوا الدبيب، قريبا قريبا، ما الذي تسبب للقتلة بان يقتلوا، هل فزع لحظي ام مشكلة عملياتية ام نية مبيتة.

حراس فرحان القاضي، المخطوف الناجي، تركوا النفق الذي احتجز فيه بهدف العودة. ولهذا ابقوه على قيد الحياة. عندما صعدوا الى فوق، اصطدموا بمقاتلي الجيش الإسرائيلي، قتلوا مقاتل الناحل عميت فريدمان وقتلوا في طريقهم الى الشمال، الى المواصي.

ميري ريغف، التي سارعت الى نشر الموقع العام للنفق الذي انتشل منه القاضي، ارتكبت مخالفة رقابة – خلل انضباطي حين يدور الحديث عن رقيبة رئيسة سابقة – لكنها بريئة من كل مسؤولية عن مقتل الستة. المخربون في النفق لم يتابعوا منشورات وزيرة المواصلات. في الوضع الناشيء في رفح بعد تصفية سلسلة قيادة المنظمات، كل خلية، كل مخرب يعملون بشكل مستقل في الميدان. كل لروحه.

المسافة في السفر على الأرض بين النفق الذي احتجز فيه القاضي والنفق الذي احتجز فيه الستة هي 700 متر – حي كامل. المسافة في خط هوائي اقل بكثير. مهما يكن من أمر، لا يبدو أنه توجد صلة بين الحدثين. لكن محور فيلادلفيا اصبح منذ سيطرة الجيش الإسرائيلي طريقا سريعا يعج بالحركة، على مدى كل طوله. الكثير من النشاط، على الأرض وفي الجو؛ الكثير من الضجيح؛ الكثير من الضغط على الاخيار وعلى الأشرار في الانفاق. سحابة انعدام يقين ترافق كل خطوة للجيش الإسرائيلي في غزة. قتل المخطوفين عمدا او التسبب بالقتل بالخطأ قد يحصل مرة أخرى، باحتمال عالٍ. المأساة التالية تنتظر خلف الزاوية.

في هذه الاثناء يتمزق المجتمع الإسرائيلي بين الروايات: الناطق العسكري العميد دانييل هجاري صور فيما، بالعبرية وبالانجليزية، يجسد الظروف التي احتجز فيها المقتولون حتى موتهم. الجيش بادر، على أمل ان يعطي القتال الإسرائيلي شرعية امام الغضب في الغرب على مقتل الطالبة، المواطنة الامريكية، في مظاهرة في الضفة، امام الغضب على قتل غير المشاركين في غزة امام التحقيقات في لاهاي.

العائلات وافقت، من اجل المخطوفين الاحياء. للسبب ذاته ثار ضد الفيلم مغردو الحكم، من غوتليف حتى ريكلين. الفيلم مدوخ، اشتكوا بمرارة، يضر بالمعنويات، الناطق العسكري يعمل في خدمة حماس. مطلوب ان يقال لهم، انه ليس الفيلم بل الواقع، لكن لا يوجد سبيل لايصال الواقع لمن يهرب منه. في النهاية هم سيعينون في الحكومة وزيرا للتدويخ الوطني. لماذا لا؟ الخطوة جربت في دول معينة واجتازن بنجاح. اوريت ستروك؟ شلومو كرعي؟ ميري ريغف؟ يانون مجيل؟ امام مرشحين كهؤلاء الدوخان سيتبدد من تلقاء ذاته.

 من تحت نسبة الحسم

الحملة في الضفة، التي حظيت باسم “مخيمات صيفية” انتهت هذا الأسبوع. احد لم يعلن عن انتهائها: القوات خرجت بصمت؛ في موعد ما آخر ستعود الى كل هذه الأماكن، بعد أسبوع، شهر او سنة او في اطار قتال متواصل، ضروري، محدود، ضد شبكات الإرهاب. قبل سنتين ونصف جرت في الضفة حملة تطهير مشابهة، تسمى “محطم أمواج”. في حينه أيضا اعلنوا عن بدايتها وامتنعوا عن الإعلان عن نهايتها. توقعات السياسيين ورجال الاعلام لغزة 2، لسور واق 2 خابت. خير أن خابت: في هذه الاثناء، الضفة ليست غزة.

لكن ثمة من يتآمر لان يجعل الضفة غزة. في بداية الأسبوع تحدثت مع نيتسان ميخائيلي، إسرائيلي يعمل في السنوات العشرة الأخيرة من اجل جماعات الرعاة في شمال شرق الضفة. أنا اعرف المنطقة النائية هذه جيدا، من الخدمة في الاحتياط. في الشتاء باردة وخضراء؛ في الصيف حارة وجرداء. في مركزها حمام المليح، ينابيع ساخنة أجيال من الجنود استحمت فيها.

وصف على مسمعي حجم الضائقة: الإدارة المدنية تمنع القطعان من الوصول الى مصادر المياه، تطردهم، تهدم بيوتهم. بقدر فهمي، قلت له، قواعد اللعب تغيرت. الظواهر التي تشكو منها ليست شذوذا عن القاعدة – هي القاعدة الان. كل شكوى عن تمييز، عن ظلم، تستقبل في الحكومة كثناء، كانجاز. الحرب هي السترة الواقية. فهي تسمح للحكومة بان تحدث تغييرات ذات مغزى في مواضيع ليس لها أي صلة بغزة. استئناف الانقلاب النظامي لروتمان وليفين هو مثال واحد. ضم الضفة لسموتريتش وطائفته المسيحانية هو مثال ثانٍ؛ ويوجد المزيد.

عندما منح نتنياهو من خلال يريف لفين، سموتريتش في الاتفاق الائتلافي السيطرة على الإدارة المدنية في الضفة، افترضت بان ما أعطاه له هو عمليا السيطرة على السكان اليهود. فهو سيضخ لهم المال وسيبيض المستوطنات. لم أفهم معنى التغيير: لقد أعطيت لسموتريتش أيضا السيطرة على العرب. ماذا سيحصل بعد ذلك؟ الطرد هو إمكانية واحدة؛ حرب إقليمية إمكانية أخرى. يدور الحديث عن طائفة مسيحانية.

الحكومة الحالية هي حكومة اصبع في العين: هذا هو القاسم المشترك لمكوناتها؛ هذه غاية وجودها، قلت له. 7 أكتوبر لم يدفعها الى الاعتدال، بل العكس: أعطاها حماية واحساس بالالحاح. المسيرة ستتوقف فقط مع تغيير الحكم او بتدخل فظ من جهات اجنبية. يؤسفني، يا نيتسان: اصدقاؤك في حمام المليح سيتعين عليهم أن ينتظروا.

يوم الاثنين نشرت “يديعوت احرونوت” مقالا سجلت فيه إنجازات سموتريتش في مسيرة الكهانية للضفة الغربية. في الغداة امتثلت مجموعة من شبان الحزب في مكتبه ومنحوه في طقوس احتفالية مكانة درعا وفيه الصفحة الأولى من الصحيفة. اما سموتريتش فوعد بان يعلق الهدية في مكتبه.

انت تعرف ما هي المفارقة، قال ليس رجل مركزي في جهاز الامن. المفارقة هي ان المتضررين الأوائل مما يفعله سموتريتش هم ناخبوه، اليهود في الضفة. وبالفعل، رغم الجهود الكبرى للجيش، الشباك والسلطة الفلسطينية الإرهاب في الضفة يرفع الرأس.

انا أرى المفارقة في مكان آخر: رغم نجاح سموتريتش في الدفع قدما بمشروع الاستيطان وبهدم ما تبقى من السلطة الفلسطينية، هو وحزبه يهبطان دون نسبة الحسم. بن غفير يرتفع كالبالون، مع منتخبين من نوع آخر؛ سموتريتش مشطوب. يوجد هنا احتمال لبشرى طيبة: لا يمكن استبعاد إمكانية ان اغلبية الإسرائيليين الذين يعرفون أنفسهم كصهاينة متدينين ينفرون من التطرف، الشرانية والانقسامية للطائفة السموتريتشية. يمينه ليس يمينهم.

——————انتهت النشرة-