المسار الإخباري :بعد مواجهة عسكرية محدودة بين حزب الله وإسرائيل، بادر إليها الحزب، في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إسناداً للمقاومة في قطاع غزة، وحوّلتها إسرائيل، منذ 23 أيلول/سبتمبر الفائت، إلى حرب مفتوحة على لبنان، تم التوصل، في 26 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على فترة ستين يوماً ينسحب خلالها الجيش الإسرائيلي تدريجياً من مناطق جنوب لبنان التي احتلها، ويسحب حزب الله مقاتليه إلى شمال نهر الليطاني على بعد نحو 30 كيلومتراً من الحدود، وينتشر الجيش اللبناني على طول الحدود بالتعاون مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفل)، على أن يتم تكليف لجنة دولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وعضوية فرنسا، بفحص أي انتهاكات للاتفاق.
وذكر بعض المصادر أن بنيامين نتنياهو حصل على “رسالة تطمينات” من الإدارة الأميركية تنص على أنه “سيكون في إمكان الجيش الإسرائيلي الهجوم في جنوب لبنان في حالة بروز خطر فوري”، مثل استعداد حزب الله لإطلاق صواريخ على المواقع الإسرائيلية، كما حصل على وعد من هذه الإدارة بالموافقة على صفقة بيع أسلحة جديدة لإسرائيل بقيمة 680 مليون دولار تشمل ذخائر هجومية وقنابل صغيرة (1).
وقد اعتبر العديد من المراقبين أن هذا الاتفاق مثّل نجاحاً للرئيس جو بايدن الذي “يمكنه أن يفخر بإنهاء مسيرته المتعثرة بنجاح دبلوماسي ملحوظ”، وهو ما شجعه على أن يعلن عزم إدارته “على إطلاق جهد جديد للتوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال في قطاع غزة وتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين”، علماً بأن موقع “أكسيوس” ليس لديه ثقة كبيرة في ذلك، إذ قدّر أنه “إذا اتبعنا المسار الحالي، يبدو أن الأزمة في غزة ستستمر في ظل إدارة دونالد ترامب” (2).
حصيلة قاسية للحرب الإسرائيلية على لبنان
اعترف الجيش الإسرائيلي، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، بأنه نفذ 12500 غارة ضد “مواقع” حزب الله، بينما قّتل 82 جندياً و47 مدنياً إسرائيلياً خلال ثلاثة عشر شهراً من الحرب. من جهة أخرى، ذكرت مصادر إسرائيلية أن صواريخ حزب الله، الذي استمر في إطلاقها حتى آخر يوم من الحرب، حالت دون عودة 60 ألف نسمة إلى شمال إسرائيل، وهو أحد الأهداف التي سعت إليها الحكومة الإسرائيلية عند قيامها بتوسيع نطاق الحرب، كما دمرت أكثر من 8800 مبنى، وألحقت أضراراً بأكثر من 7 آلاف مركبة وما يزيد عن 300 موقع زراعي (3).
وبينما زعم الجيش الإسرائيلي أنه “قضى على 2500 من مقاتلي حزب الله،” أشارت السلطات اللبنانية إلى استشهاد ما لا يقل عن 3961 لبنانياً ولبنانية، معظمهم من المدنيين، منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، كما أصيب نحو 16000 آخرين بجراح متفاوتة. ونزح أكثر من 1.2 مليون شخص وفقاً للحكومة اللبنانية، أو حوالي 20٪ من السكان، عن منازلهم، وتحوّلت المدارس والكنائس والمساجد إلى ملاجئ مزدحمة، كما عبر أكثر من 557,000 شخص الحدود إلى سورية، وفقاً لـ “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، كان 80 % منهم من النساء والأطفال، وذلك سيراً على الأقدام في حالات كثيرة وفي أوضاع صعبة جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على نقاط العبور بين سورية ولبنان.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن 1.3 مليون شخص، أو 23٪ من سكان لبنان، واجهوا مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي خلال أشهر الحرب. ومنذ أيلول/سبتمبر الفائت، خلفت الغارات الإسرائيلية وراءها العديد من الآثار في جنوب لبنان، إذ دُمرت، أو تضررت، المنازل والمدارس والمراكز الصحية والمباني البلدية. وفي بلدة صور اللبنانية، التي يبلغ عدد سكانها 120000 نسمة، دمرت الغارات الإسرائيلية مئات المنازل والبنى التحتية الحيوية والمواقع الأثرية، وجعلت بعض الأحياء غير صالحة للسكن.
وقال رئيس البلدية حسن دبوق لوكالة “فرانس برس” إن “أكثر من خمسين مبنى مؤلفة من ثلاثة إلى اثني عشر طابقاً دمرت بالكامل جراء الضربات”، كما لحقت أضرار بعشرات المباني الأخرى بنسبة تصل إلى 60%، وأكد أنه “لم تعد هناك كهرباء في الأحياء الأكثر تضرراً من الغارات الإسرائيلية”. وكانت غارة إسرائيلية قد استهدفت، في 18 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، شركة المياه، مما أدى إلى تدمير المبنى ومقتل اثنين من موظفيها، وإلى حرمان 30 ألف مشترك من المياه في المدينة وضواحيها (4).
بيد أن الدمار الهائل كان من نصيب الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، التي دُمرت مئات المباني فيها مما حوّلها إلى مدينة أشباح، كما استهدفت الغارات الإسرائيلية العديد من المباني في قلب العاصمة اللبنانية، فضلاً عن منطقة بعلبك، ومناطق واسعة في البقاع. وأمام الخطر الحقيقي الذي واجهه التراث الثقافي اللبناني، قام 300 متخصص في المجال الثقافي بدعوة منظمة “اليونسكو”، في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، إلى العمل على حماية المواقع التاريخية مثل بعلبك، وفي اليوم التالي، وضعت المنظمة 34 موقعاً ثقافياً لبنانياً تحت الحماية المعززة، وفقاً للبروتوكول الثاني لسنة 1999 لاتفاقية لاهاي لسنة 1954، والذي يهدف إلى حماية التراث في حالة نشوب نزاع مسلح (5).
ومنذ تشرين الأول/أكتوبر الفائت، استهدفت الغارات الإسرائيلية فروع مؤسسة “القرض الحسن” القريبة من حزب الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي صور وبعلبك، الأمر الذي أدى إلى تجميد عمل مؤسسة القروض الصغيرة هذه، التي كانت بمثابة شبكة أمان اجتماعي للعديد من العائلات في أوقات الأزمات المالية (6).
الحرب التكنولوجية الإسرائيلية وآثارها النفسية المرعبة
“أشعر بالارتعاش كلما سمعت صوتاً عالياً، حتى لو لم يكن صوت انفجار”، هذا ما قالته ريما، 25 عاماً، وهي لاجئة فلسطينية تعيش في مخيم شاتيلا القريب من الضاحية الجنوبية لبيروت، وأضافت: “لا أنام ليلاً حتى السابعة صباحاً، عندما تتوقف الانفجارات”، وادّعت “أنها تشعر دائماً بالخطر بسبب الطائرات بدون طيار، وتصاب بنوبات ذعر بصورة منتظمة”.
وتعلّق الدكتورة ألين الحسيني، المحللة النفسية في بيروت، على ذلك بقولها: “إن الحرب أصبحت تكنولوجية للغاية، فنحن نرى أدنى الانفجارات على الشبكات الاجتماعية، وصور الدمار منتشرة في كل مكان، وهذا يزيد المعاناة والفوضى الداخلية، ويعيد فتح كل الجراح الموروثة من الحروب السابقة”، ملاحظة أن الطائرات بدون طيار “تعطي شعوراً بالمراقبة والاضطهاد وتوقع الخطر، ومع الانفجارات، لم يعد الناس ينامون ويعانون من الأرق… وحتى أولئك الذين يعيشون في المناطق المنكوبة يعيشون في خوف من الموت”، وهو ما يدفع الخبراء إلى القول “إن إسرائيل تخوض أيضاً حرباً نفسية باستخدام تقنياتها المتقدمة”.
وفي هذا الصدد، يرى جاد الديلاتي، الباحث في مجال حقوق الإنسان، أن الحرب النفسية الإسرائيلية بدأت في 18 و19 أيلول/سبتمبر الفائت، لدى تفجير أجهزة الاتصالات، ذلك إن إسرائيل “أرادت أن تجعلنا نفهم أنها متفوقة تكنولوجياً بألف مرة؛ ومنذ ذلك الحين، استمرت الضربات الجوية على البلد، حيث تتبعت الطائرات بدون طيار والصواريخ أهدافها إلى أبعد مناطق البلاد، حتى في المناطق النائية”، وأصبح في إمكان إسرائيل “اختيار أي مبنى، وهدمه، وقتل كل من بداخله، والمضي قدماً وكأن شيئاً لم يحدث؛ إنه مصوّر على الهواء مباشرة، ونعتمد على تغريدات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، عدونا، لنعرف هل سنبقى أحياء أم نموت، رغم أنها غالباً ما تكون مضللة” (7).
ومع أن أليساندرو أكورسي، المحلل الأول لتكنولوجيا الحرب في “مجموعة الأزمات الدولية”، ليس متأكداً من أن إسرائيل استخدمت برنامج الذكاء الاصطناعي، الذي سمح لها “بتحديد وقصف أكثر من 35 ألف هدف في قطاع غزة”، إلا أنه يقدّر بأن الجيش الإسرائيلي استخدم في حربه على لبنان قنابل “يتراوح وزنها ما بين 450 و 900 كيلوغرام، وهي قنابل توقفت دول عديدة، مثل الولايات المتحدة، عن استخدامها للحد من الضحايا المدنيين”، بينما قبلت إسرائيل بأن يسقط جراء إلقاء هذه القنابل “ما بين 40 إلى 50 أو حتى إلى 100 من المدنيين بحسب أهمية الهدف”، وأحدث بعض الانفجارات القوية التي نجمت عنها ما يشبه الزلزال (8).
الآثار الاقتصادية الخطيرة للحرب
يعاني الاقتصاد اللبناني من 13 شهراً من الحرب ومن خمس سنوات من الأزمة المالية التي تعصف بلبنان. وقدّر تقرير جديد صادر عن البنك الدولي تكلفة الحرب بـ 8.5 مليار دولار أميركي على لبنان، وأشار في “التقييم المؤقت للأضرار والخسائر في لبنان”، الذي نشره في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، إلى أن 100,000 منزل قد دُمر أو تضرر، وإلى أن ما يقرب من 170,000 شخص فقدوا أعمالهم. وكان الناتج المحلي الإجمالي قد انخفض من 54 مليار دولار أميركي في سنة 2018 إلى 20 مليار دولار في سنة 2023، ومن المتوقع أن ينخفض بنسبة 15% أخرى هذا العام. ويجمع الخبراء على أن الحرب عجلت بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، إذ تُقدّر الفاتورة العامة للأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للبلاد بـ3.4 مليار دولار، إذ تضرر العديد من الطرقات، ومن مرافق إمدادات مياه الشرب، بينما قدّرت الحكومة اللبنانية الخسائر التي لحقت بشبكات توزيع الكهرباء وحدها بـ 400 مليون دولار. ومن بين القطاعات التي تضررت كثيراً قطاع السياحة، الذي عادة ما يمثل 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وقطاع الزراعة، إذ تضرر أكثر من 1900 هكتار من الأراضي في محافظة جنوب لبنان والنبطية المجاورة أو أصبحت بوراً بسبب القصف، وهلكت 65,000 شجرة زيتون جراء القصف الإسرائيلي، ما تسبب في ارتفاع سعر زيت الزيتون بأكثر من 50%، كما تضرر قطاع البيع بالتجزئة بشدة، إذ يوضح الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أنه “في أوقات الحرب، تقتصر المشتريات على ما هو ضروري”، مضيفاً “أن 50 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم تعاني اليوم من الحرب واضطرت إلى تسريح موظفيها” (9).
اتفاق وقف إطلاق النار في المنظار الإسرائيلي
قدم بنيامين نتنياهو ثلاثة أسباب للموافقة على وقف إطلاق النار، وقال: “سيُمكنّنا هذا الاتفاق من التركيز على إيران وبرنامجها النووي الذي يهدد وجود إسرائيل، وتجديد مخزوننا من الأسلحة وإحداث شرخ بين حزب الله وحماس”، ووعد خلال خطابه، الذي أعلن فيه وقف إطلاق النار، بالانخراط بقوة على “الجبهات السبع” الممتدة من اليمن إلى سورية ومن غزة إلى إيران، عبر الضفة الغربية ولبنان والعراق، ملمحاً إلى “استمرار، بل وتكثيف الحرب على نطاق إقليمي”. وقال رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية إنه مستعد لفعل “كل شيء” لمنع إيران من امتلاك أسلحة ذرية، وذلك في مقابلة بثتها القناة 14 للتلفزيون الإسرائيلي مساء الخميس في 28 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، وأضاف: “سأفعل كل ما في وسعي، وسأستغل كل الموارد التي يمكن استغلالها لمنعها من أن تصبح قوة نووية، كما هدد بشن “حرب مكثفة” في حال انتهاك التهدئة مع جانب حزب الله.
وقد أثار اتفاق وقف إطلاق النار ردود فعل متناقضة في إسرائيل، إذ قال دبلوماسي إسرائيلي: “لو رفضنا هذا الاتفاق الذي طرحه الأميركيون، لكنا خاطرنا بأن يدعو مجلس الأمن الدولي إلى وقف إطلاق النار بشروط كانت ستكون أصعب بكثير بالنسبة لنا، والأسوأ من ذلك، من دون أي ضمانة بأن الولايات المتحدة ستفرض حق النقض (الفيتو) عليه”، بينما ندد إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي، بهذا الاتفاق ووصفه بأنه “خطأ تاريخي سيمنعنا من القضاء على حزب الله”، بينما عبّر معظم رؤساء البلديات وغيرهم من الممثلين المنتخبين في شمال إسرائيل عن غضبهم، إذ أعلن رئيس بلدية مستوطنة حتسور هجليليت، الواقعة على الحدود مع لبنان، أن الاتفاق هو “استسلام للإرهابيين” (10).
هدنة هشة في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة
ما أن أُعلن عن وقف إطلاق النار، حتى سارع عشرات الآلاف من السكان النازحين إلى العودة إلى بلداتهم وقراهم المدمرة في جنوب وشرق لبنان وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، وكان بعضهم يرفع أعلام حزب الله وصور زعيمه الراحل السيد حسن نصر الله من نوافذ سياراته.
وبينما بدأ الجيش اللبناني في تعزيز انتشاره في قطاع جنوب نهر الليطاني، بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، راحت تتكرر الانتهاكات الإسرائيلية لبنود الاتفاق، إذ أبلغت السلطات اللبنانية عن “حوادث متفرقة لهجمات بقذائف الهاون وإطلاق نار إسرائيلية” أدت إلى إصابة شخصين مدنيين كانا يحاولان العودة إلى جنوب لبنان. أما نشرة “مختارات من الصحف العبرية”، الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فقد أفادت بأن الطائرات الإسرائيلية قصفت مبنى قرب بلدة البيسارية في قضاء صيدا في الجنوب اللبناني، في أول غارة تنفّذها في اليوم الثاني من بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، كما تلقى سكان بلدات قضاءي مرجعيون وحاصبيا اتصالات من الجيش الإسرائيلي، يطلب فيها من الموجودين في منطقة جنوب الليطاني البقاء في داخلها وعدم مغادرتها من الخامسة من مساء الخميس في 28 تشرين الثاني/نوفمبر وحتى السابعة من صباح اليوم التالي، وحذّر سكان 10 قرى في الجنوب اللبناني من العودة إلى منازلهم، ثم حث، يوم السبت، سكان قرى أُخرى على عدم العودة إليها، وأعلن أن سلاح الجو شن غارات على بنى تحتية عسكرية بالقرب من المعابر الحدودية بين سورية ولبنان (11).
ولدى كتابة هذه الأسطر، أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام بمقتل شخصين وإصابة اثنين آخرين في غارة نفذتها طائرة مسيرة إسرائيلية استهدفت بلدة في محافظة النبطية.
وقد اعترفت شبكة “سي بي إس نيوز” بأن “اندلاع أعمال العنف هذه، تعكس الطبيعة المحفوفة بالمخاطر لوقف إطلاق النار”، بينما عبّرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن تشاؤمها إزاء مستقبل هذا الاتفاق، مفترضة أن حزب الله “سيبذل كل ما في وسعه لتجديد صفوفه بالمقاتلين والقادة على الأرض، وإعادة تخزين مستودعات أسلحته وذخائره، ثم يعود في نهاية المطاف إلى جنوب لبنان لاستعادة توازن الردع ضد إسرائيل” (12).
وفي مقابلة مع قناة “ت ر ت” الفرنسية، قال خليل الحلو، العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، إنه “متشائم بشأن نطاق وقف إطلاق النار هذا، ويأمل ألا يستأنف القتال في غضون سنوات قليلة”، وأضاف: “مع ذلك، هذا أمر جيد لأن النازحين سيتمكنون من العودة إلى ديارهم، وسيتوقف الدمار”. أما حسني عبيدي، مدير “مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي” في جنيف، فقد لاحظ “أن وقف إطلاق النار هذا فيه نقاط ضعف، حتى لو رعته فرنسا والولايات المتحدة”، مقدّراً أن الجيش اللبناني “لا يملك القدرة على ملء الفراغ الأمني في جنوب البلاد؛ ولذلك، فإن مشاركة فرنسا، التي يجب أن تراقب تطبيق الاتفاق، أمر مهم”، ومستبعداً إمكانية تكرار وقف إطلاق النار اللبناني في قطاع غزة، ذلك “إن الاتفاق بشأن لبنان هو بداية عملية دبلوماسية، وهذا أمر مؤكد، لكن إسرائيل لا تريد وقف إطلاق النار في غزة” (13).
خـاتـمـة:
رحبت حركة “حماس” باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، ونقلت وكالة “فرانس برس” عن مصدر في الحركة قوله إن الحركة أبلغت “الوسطاء أنها “جاهزة لاتفاق وقف إطلاق النار وصفقة جادة لتبادل الأسرى، إذا التزم الاحتلال، لكن الاحتلال يعطل ويتهرب من الوصول لاتفاق ويواصل حرب الإبادة”. وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، قد أعلن، في سياق رفضه الاتفاق مع لبنان، “أن لدى إسرائيل فرصة تاريخية لإعادة احتلال قطاع غزة وتشجيع الهجرة الطوعية لأعداء إسرائيل” منه، وهو ما جعل صحيفة “لوتان” السويسرية، تقدّر “أن يكون بنيامين نتنياهو قدم وعوداً بشأن غزة إلى أكثر الأطراف تطرفاً في حكومته من أجل تخفيف غضبهم من الهدنة في لبنان”، وبالتالي، فإن الهدنة في لبنان “قد تزيد من تفاقم مصير سكان غزة، الذين تشكل أراضيهم مرة أخرى آخر جبهة رئيسية لإسرائيل” (14).
فهل تدرك القوى الفلسطينية كافة خطورة ما ينتظر الشعب الفلسطيني المنكوب في قطاع غزة، وتسارع إلى الاتفاق على خطة تحرك مشتركة، تجمع المبدئية والمرونة في آن معاً، بغية وقف الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وإحباط خطر قيام الحكومة الإسرائيلية الأكثر عداءً للفلسطينيين باحتلال القطاع أو أجزاء واسعة منه، وتشجيع مشاريع عودة الاستيطان إليه وتهجير سكانه؟
* باحث ومؤرخ – مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت.