إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

عن “N12” 9/3/2025

تحديات هائلة تنتظر رئيس الأركان الجديد

بقلم: تامير هايمن

التحديات، التي يواجهها رئيس هيئة الأركان الـ24 للجيش الإسرائيلي، إيال زامير، هائلة. من الصعب العثور على “نقطة هادئة” من حولنا، والتحدي الذي يواجهنا، وعندما نعرض الوضع فماذا ندرج في القائمة من تحديات؟ وفي الواقع، حتى اتفاقيات السلام مع الأردن ومصر في خطر. هناك تهديدات عالمية تمتد من الصين، وتصل إلى الولايات المتحدة، حتى إن “الإرهاب الجهادي الإسلامي” الآتي من مدرسة “داعش”، يمكن أن يتخذ صورة دولة في سورية.

المشكلات والتحديات كثيرة، لكن من بين هذه التحديات الأكثر إلحاحاً، يمكن الإشارة إلى 7 منها، من ضمنها تحدّيان خارجيان (إيران و”حماس”) وخمسة تحديات داخلية. المطلوب من رئيس هيئة الأركان السير على خيط رفيع بين التحديات الخارجية وبناء شبكة أمان تحظى بثقة الجمهور الإسرائيلي، لأنه توجد تحت هذا الحبل هاوية عميقة من الجدل السياسي، وصراع على القيـم، وإعادة التفكير في الهوية الوطنية – الإسرائيلية في هذه المرحلة الحاسمة التي نواجهها.

إيال زامير، الذي أعرفه منذ أعوام عديدة، هو ضابط أخلاقي مهني، صادق وذكي. عندما كان ضابطاً في سلاح المدرعات حمل معه روحاً جديدة: روح التصميم مع الالتزام بالنظام والانضباط وأهمية البساطة. وهذه الصفات تؤهله في الوقت الحالي لمواجهة التحديات السبعة التالية:

– تحدّي سيطرة “حماس” على غزة: مَن يقرر بشأن المرحلة الثانية من صفقة المخطوفين لا يغيّر شيئاً، إذ لا تزال “حماس” تسيطر على غزة. هذا الواقع ناجم عن عدم اتخاذ القرار في الوقت الملائم بشأن عنوان مدني بديل. وإذا لم نفعل شيئاً فكأننا لم نتعلم شيئاً، وفي حال بقيت “حماس” تسيطر على غزة فإنها سترمّم قواها، وفي نهاية الأمر ستعود لتشكل تهديداً لمستوطنات الجنوب. لذلك، المطلوب حلّ ذو طابع عسكري، وآخر ذو طابع سياسي.

حلّ ذو طابع عسكري: يتمثل في احتلال قطاع غزة وفرض حكم عسكري عدة سنوات، ثم استبداله بتحرك سياسي ينتهي في المستقبل بكيان يقرّره المستوى السياسي؛ هذه المرة، بتأييد أميركي، ومن دون حرب متعددة الجبهات، ومن دون حسابات دقيقة لعدد شاحنات المساعدات التي دخلت، أو لم تدخل إلى القطاع. لكن من الناحية السياسية، ثمة شك في أن يحظى هذا الحلّ بشرعية دولية وداخلية. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا الحلّ ليس جيداً لإعادة المخطوفين، وإذا كان هدف العملية زيادة الضغط من أجل التوصل إلى صفقة، فإن الحكم العسكري لا يفيد، ويجب أن تكون “حماس” طرفاً في الصفقة، لذلك، يجب التخطيط لعملية عسكرية مختلفة الهدف.

حلّ ذو طابع سياسي: هو تطبيق نموذج الضفة الغربية في غزة، أي سلطة مدنية فلسطينية، مع مسؤولية أمنية إسرائيلية. ومثلما بقيت “حماس” موجودة في الضفة، فإنها للأسف الشديد، ستبقى موجودة في غزة، وستظل تنظيماً مقاوماً، لكن هذه المرة، ستواجه منافسة مزدوجة: ستحاربها إسرائيل عسكرياً، وستتنافس مع السلطة الفلسطينية في غزة على النفوذ المدني والسياسي والاقتصادي. في الواقع، ومن دون أن ننتبه، وافقت إسرائيل على هذا النموذج في معبر رفح، والذي يشكل سابقة.

– التحدي الإيراني: خسرت إيران ثلاثة أعمدة من أمنها القومي: لم يعُد وكلاء إيران مؤثرين في إسرائيل، ومكانتها كدولة على عتبة النووي لم تردع إسرائيل عن مهاجمتها، وجيشها لم يدافع عنها كما يجب في مواجهة القدرات الإسرائيلية. هذه الأخبار جيدة. لكن من خلال معرفتنا بالإيرانيين، هم عنيدون وأذكياء وأصحاب مبادرة، وقادرون على المفاجأة. وسيجدون طريقة لترميم وتغيير نظرية المقاومة من جديد، والتهديد الأكثر إثارةً للقلق هو تغيير نظريتهم بشأن التهديد النووي. إذا تحولت إيران إلى دولة نووية، فيجب علينا مهاجمتها قبل ذلك، وبأسرع وقت ممكن. ومن المحتمل أن يحدث ذلك خلال الأشهر الأولى من تولّي زامير منصبه. إن قرار مهاجمة المنشآت النووية، في حال حدوث خرق إيراني، معقّد التنفيذ، لكن من السهل اتخاذه. والأكثر تعقيداً هو الهجوم الاستباقي، والمعضلة المركزية هي: هل سيمنع هجوم من هذا النوع حصول إيران على القنبلة النووية؟ وإلى متى سيوقف البرنامج النووي؟ ويكمن الخطر الكبير في أن يؤدي الهجوم إلى العكس تماماً، أي أن يدفع إيران نحو القنبلة، ومن المحتمل أن يحدث ذلك بمساعدة كوريا الشمالية.

– تحدّي الثقة والتعاون بين المستويَين السياسي والعسكري: إن توتُّر العلاقات بين وزير الدفاع وبين رئيس هيئة الأركان المنتهية ولايته شكل نقطة في مسار تدهور طويل. من غير الواضح متى بدأت، لكنها أثّرت سلباً في الجيش. وكانت النتيجة أن الحكومة لا تعتمد على هيئة الأركان العامة للجيش، وتشعر بأنها بحاجة إلى جنرالات أكثر “هجوميةً”، وأن “جيل النصر” في حرب “السيوف الحديدية” مختلف عن جيل “جنرالات النظرية”.

– تحدّي قانون التجنيد: أعادت الحرب طرح مسألة المساواة في تحمُّل العبء. وسيكون من الصعب محوها. إن الحاجة العملانية، فضلاً عن الإحباط، خلقا وضعاً سريالياً، لأن أفضل شبابنا يُقتلون في الحرب، بينما يرفض آخرون الخدمة. واليوم، يُعتبر تجنيد الحريديم موضع إجماع وسط الجمهور الصهيوني في إسرائيل، لكنه يتعارض مع المصلحة السياسية.

– تحدّي استخلاص الدروس والبحث والتحقيق: إن الفشل في بداية الحرب والسلوك خلالها يتطلبان تحقيقاً حقيقياً، كما أن استخلاص الدروس والتعلم الجذري سيؤديان إلى تغيير سلوك الجيش. حتى الآن، جرت التحقيقات بصورة غير دقيقة، واستغرقت وقتاً طويلاً… فالتحدي الذي سيواجهه رئيس هيئة الأركان الجديد لن يكون سهلاً، نظراً إلى مرور الوقت، ولأنه جرى استجواب كثيرين بشكل غير مهني، الأمر الذي يجعل الوصول إلى الحقيقة صعباً.

خلال فترة ولاية رئيس هيئة الأركان الجديد، من الممكن تشكيل لجنة تحقيق رسمية.. وتشكيل مثل هذه اللجنة يُعتبر مصلحة سياسية وأخلاقية ووطنية. ومن واجب رئيس هيئة الأركان التشجيع على تشكيلها، حتى لو كان عملها غير مريح للجيش الذي يقوده.

– تحدّي بناء القوة: إن البناء السريع للقوة، الذي يعتمد على الصدمات، لا يؤدي إلى بناء جيش أفضل، بل إلى بناء جيش ضخم ومترهل ومكلف ومبذّر، ولا يخلق قدرات تشغيلية أفضل. فمن أجل بناء الجيش بصورة صحيحة، من الضروري الاتفاق على التهديد الذي يواجهه وتحديد كيفية الرد. وهنا نجد مدرستين فكريتَين: الأولى ترى في فشل 7 تشرين الأول جرس إنذار يتطلب جيشاً كبيراً وحاسماً؛ بينما ترى المدرسة الثانية أن إنجازات الجيش في الحرب (وخصوصاً ضد المحور الشيعي) تشكل فرصة لإدارة المخاطر، مع تراجُع التهديدات وتحسُّن وضعنا الأمني من الناحية العسكرية.

سيكون التحدي الأبرز في بناء القوة هو مسألة التركيبة الاجتماعية للقيادة القتالية. فالجيش ليس مؤسسة قائمة على المساواة، وإذا كان جزء من الجمهور يتحمل عبء القيادة والقتال، فهذا مؤشر إلى وجود مشكلة أعمق. وهيمنة قطاع معين قد تؤدي إلى مشكلات تتعلق بتكافؤ الفرص في الترقية والتعيينات… ويكمن الخطر في وجود مجموعات ضغط خارجية تؤثر في الجيش (من خلال دعم ترقية عناصرها وتأخير الآخرين)، مروراً بالمعايير والقيم.

– التحدي الأخلاقي والمعياري: يخوض الجيش حرباً طويلة الأمد، ويؤدي التوتر العملاني إلى ظهور مسائل إشكالية ازدادت الأدلة عليها في الآونة الأخيرة في الميدان. هناك تراجُع في الانضباط … وغيرها ممّا رأيناه في المراحل الأخيرة من القتال في شمال القطاع، والتي تدل على الإنهاك.

قد يكون هناك ما يبرر لهؤلاء تحدّي القواعد، ومن الواضح أن الفشل يتطلب تغييراً. لكن يجب أن نتذكر أن مَن يضع تعليمات فتح النار وروحية الجيش الإسرائيلي والعقيدة القتالية هي هيئة الأركان العامة… وأيّ تغيير فيها يجب أن يتم من خلال عملية منتظمة. التغيير أمر إيجابي، بشرط أن يجري بحكمة ومسؤولية، واستناداً إلى العلم والمعرفة، وليس بشكل سطحي وشعبوي.

—————————————-

هآرتس 9/3/2025

هكذا ساهم «جيش الرفاه الإسرائيلي» في الفشل يوم 7 تشرين الأول

بقلم: نحاميا شترسلر

رونين بار زعيم شجاع. هو غير مستعد لوضع عنقه تحت سكين نتنياهو. في التحقيق الذي نشره “الشاباك”، هذا الأسبوع، تحمّل في الواقع المسؤولية عن الفشل الاستخباري الفظيع لـ “الشاباك”، ولكن في نقاش داخلي قال إنه لن يستقيل الى أن تتم إعادة جميع المخطوفين، والى أن يتم تشكيل لجنة تحقيق رسمية. من الجيد أنه فعل ذلك.

لم يتردد بار أيضا في توجيه إصبع الاتهام لنتنياهو، الجبان – المؤجل. وقال إن رئيس الحكومة لم يرغب في القيام بأي مبادرة ضد “حماس” وقادتها. هو فقط أراد الهدوء. في أيار 2023 قال بار لنتنياهو: “لن يكون مناص من معركة في غزة”، وأوصاه بالهجوم. رفض الجبان ذلك، وقال: “حماس مردوعة، وفي هذه الأثناء هناك ميزان رعب قوي أمامها”. لذلك، لا مناص من تشكيل لجنة تحقيق رسمية، ستحقق قبل كل شيء مع المفرط الرئيسي، نتنياهو. كيف روى أمامنا خلال سنوات قصصا خيالية تقول إن “حماس” قد ضربت وسحقت وتحطمت. هذه اللجنة ستحقق في تصوره “حماس مردوعة”، وستفحص مبادرته الغريبة بالسماح بنقل ملايين الدولارات الى المنظمة القاتلة. وستفحص حتى لماذا رفض نتنياهو اقتراح بار تصفية يحيى السنوار قبل الحرب. وفقط عندها، عندما سيتبين التفريط الاجرامي لنتنياهو ويضطر الى الاستقالة، يمكن أيضا لبار أن يستقيل. حتى ذلك الحين يجب عليه مواصلة الدفاع عنا من أحقر شخص في تاريخ الشعب اليهودي.

خلافاً لبار، ترك هرتسي هليفي، هذا الأسبوع، منصبه. خسارة. استقالته تمكن نتنياهو من الادعاء، بخداعه المتميز، أن رئيس الأركان التارك يتحمل وزر كل شيء وإلا فلماذا استقال؟ أخطأ هليفي أيضاً عندما قام بتحقيقات عميقة عن الحرب ونشرها على الجمهور. في وقت قتال الجيش لا يجب القيام بتحقيقات، بل يجب الانشغال بالقتال. في كل الحالات التحقيقات صادمة. لقد كشفت أن الجيش الإسرائيلي لم يخطر بباله أن “حماس” ستغزو بخمسة آلاف “مخرب” وستشعل الغلاف. قدّم الجيش عدة تفسيرات للفشل، لكنه لم يتحدث عن تفسير حساس وهو: في العقد الأخير تحول الجيش الإسرائيلي الى تنظيم يركز أكثر من اللازم على رفاه رجال الخدمة الدائمة، بدلاً من تكريس كل ثانية وكل ميزانية للاستعداد للحرب القادمة. أصبح الخطاب الرائد في الجيش حول الراتب وراتب التقاعد، وكأن الامر يتعلق بجهاز مدني عادي. في السنوات الأخيرة تم تخصيص وقت كبير جدا للنقاشات مع المالية حول بعثات للخارج، وملحقين عسكريين، ونقاط رياضية، وتسهيلات ضريبية وتعليم عالٍ. استثمر الجيش الإسرائيلي موارد إدارية كثيرة في النضال على تحسين راتب التقاعد. فقد اخترع “تقاعد التجسير” غير الأخلاقي، و”علاوة رئيس الأركان” غير القانونية. حتى لا يكون هنا خطأ: الانتقاد موجه لشروط من يخدمون في الخدمة الدائمة في الجبهة الداخلية، الذين يشكلون معظم الجيش، لا المقاتلين في الجبهة.

أخرج الانشغال الكبير بالرفاه قيادة الجيش من التركيز على الحرب. لقد سلبت اهتماما كبيرا جدا من نقاشات هيئة الأركان. وحيث إن هذا هو الوضع فانه من السهل عشق التصور الخاطئ الذي يقول بأن العدو ضعيف ومرتدع، حيث إنه بهذا فقط يمكن مواصلة الانشغال براتب التقاعد بدلاً من الاستعداد للحرب. في ذلك السبت الفظيع حرر الجيش الإسرائيلي حوالي ثلثي الجنود في منطقة الغلاف وأرسلهم الى إجازة! وقد أبقى فقط 671 جندياً(!) للدفاع عن حدود طولها 59 كم. لم يكن لديه اتفاق مع “حماس” بأن تهاجم في منتصف الأسبوع وليس يوم السبت. تفسير هذا الجنون هو أنه في إطار “جيش الرفاه الإسرائيلي”، أراد الجيش الإسرائيلي أن يقضي ضباطه في الخدمة الدائمة الاجتماع مع العائلة يوم السبت. ولكن عندها جاءت الكارثة.

من حسن الحظ أن الجيش استيقظ بسرعة. انطلق الجنود والضباط للقتال مضحين بأنفسهم، وأنقذوا إسرائيل. هكذا، لهذه التضحية سنبقى ممنونين الى الأبد.

——————————————

عن “عروتس شيفع” 9/3/2025

حرب غزة نتيجة فشل عميق للعقيدة السياسية والأمنية

بقلم: كوبي أليراز

الحرب الحالية، التي نشبت، ليست نتيجة أخطاء عسكرية، أو فشل استخباراتي، بل نتيجة تصوُّر فاشل عميق ترسّخ في الرأي العام الإسرائيلي منذ عشرات الأعوام، والوهم الخطِر بأن التنازلات والتصالح وضبط النفس ستؤدي إلى الهدوء والاستقرار.

إن المسؤول عن الفشل الذي أدى إلى هذا الوضع ليست حكومة معينة، أو رئيس هيئة الأركان هذا، أو ذاك، بل الفشل العميق للعقيدة السياسية والعسكرية التي تراكمت خلال عقود، وللسياسة الخاطئة التي تعتمد على أفكار ساذجة منفصلة عن الواقع الشرق الأوسطي.

هناك عدد لا ينتهي من الشعارات الكاذبة التي انتشرت وأصبحت مبادئ سياسية:

– “الشرق الأوسط الجديد”: بينما لم يقبل أعداؤنا وجودنا قط بكل ما تعنيه الكلمة.

– “السلام يُصنع مع الأعداء”: لكن العدو يريد تدميرنا، ولا يبحث عن السلام، بل عن طرق جديدة لمهاجمتنا.

– “لا يوجد حلّ عسكري”: وعلامَ حصلنا في المقابل؟ حصلنا على واقع يقوم فيه العدو بتعزيز قواه من دون كلل، من خلال معرفته أن الرد الإسرائيلي سيكون محدوداً.

بدلاً من أن نفهم الواقع مثلما هو، وقعنا أسرى الوهم بأن التنازلات ستؤدي إلى التهدئة، وفي غضون ذلك، استغل العدو ضعفنا من أجل تعزيز نفسه وبناء قوة عسكرية والتخطيط للهجوم المقبل.

منذ اتفاقات أوسلو [1993] وحتى الانفصال عن قطاع غزة [2005]، تتراجع إسرائيل، ويتعاظم “الإرهاب”. وتبين أن فكرة الانسحاب لا تؤدي إلى خفض العنف، بل إلى العكس تماماً: لم يحوّل الانفصال غزة إلى “سنغافورة الشرق الأوسط”، بل إلى عاصمة “الإرهاب” العالمي.

كل جولة قتال انتهت “بتسوية” دون حسم قوّت “حماس” وزادت ثقتها بنفسها. وكل ضبط للنفس حيال إطلاق الصواريخ وحفر الأنفاق والهجمات “الإرهابية” بعث رسالة واضحة للعدو: لن ترد إسرائيل بقوة كبيرة. لم يكن هذا كله فشلاً استخباراتياً، بل نتيجة مباشرة للسياسة التي اعتقدت أن في الإمكان “إدارة” النزاع، بدلاً من حسمه.

عندما تُشكل لجان التحقيق، ولا بد من تشكيلها قريباً، من الممنوع أن تكتفي بمحاولة العثور على مذنبين في الجيش، أو الاستخبارات. السؤال الأساسي هو كيف سمحت إسرائيل لنفسها بحدوث مثل هذا الوضع؟

يجب محاسبة الذين قادوا الدولة إلى اتفاق كاذب من خلال تسويقهم للجمهور أحلام “الأرض في مقابل السلام”، وأصروا على أنه “لا يوجد حلّ عسكري”.

لقد انتقلت هذه السياسة الخاطئة من المستوى الأكاديمي إلى المنظومة الأمنية، وإلى السياسيين، ومنهم إلى الجمهور الواسع. وهي التي خلقت واقعاً بدت فيه إسرائيل كأنها حلقة ضعيفة، وهو ما شكّل أكبر فرصة “للإرهاب”.

يجب أن تؤدي هذه الحرب ليس فقط إلى تغيير عسكري، بل أيضاً إلى ثورة في المفاهيم. لا مجال بعد اليوم لـ”إدارة النزاع”، بل فقط للحسم. ولا مجال بعد اليوم لوقف إطلاق النار مع “حماس”، بل لتدمير كامل قدراتها العسكرية. ولا يوجد بعد اليوم انسحابات من طرف واحد، بل خطوات تعزز سيطرتنا على البلاد، وتقوّي الردع. إن عودة إسرائيل إلى وضع استراتيجي آمن يتطلب تغييراً كاملاً على مستوى الوعي، وفي الميدان.

من الممنوع العودة إلى دائرة الضعف والأوهام والآمال الكاذبة. حان الوقت لكي نتوقف عن الأمل بأن الواقع سيصحح نفسه بنفسه، وللبدء بإعادة صوغه بقوة وقدرة ووضوح استراتيجي.

——————————————

هآرتس 9/3/2025

تسريب كبير يكشف حملة السلاح في اسرائيل

بقلم: عومر بن يعقوب

معلومات حساسة تشمل هوية وعناوين آلاف الإسرائيليين الذين يحملون السلاح متاحة في الشبكة. هذا ما يتبين من تحقيق أجرته “هآرتس”. هذه القاعدة للبيانات تعرض للخطر المواطنين الذين تم كشفهم، حيث أن جهات جنائية أو قومية متطرفة معنية بالسلاح يمكنها ايجادهم. في بداية شهر شباط الماضي سرب القراصنة الإيرانيون عشرات آلاف الوثائق التي مصدرها في الشرطة ووزارة الامن الوطني وشركات حراسة، وتشمل أيضا معلومات شخصية كثيرة عن رجال حراسة مسلحين وعن غرف السلاح في مؤسسات عامة وغيرها. بعد نشر موضوع التسريب نفت الشرطة بشكل كامل أن المعلومات تسربت من حواسيبها. “بعد فحص عميق قمنا به لم يكن لأي جهة خارجية أي قدرة على الوصول الى قاعدة بيانات الشرطة، ولا يوجد أي مؤشر على حدوث اختراقة أو تسرب من أجهزة الشرطة”.

رغم أنه حتى الآن من غير الواضح كيف ومن أين تسربت المعلومات الحساسة، إلا أن فحصها يظهر أن الامر يتعلق بـ 100 ألف ملف مصدرها، ضمن أمور أخرى، قسم الحماية والترخيص في الشرطة وقسم ترخيص السلاح في وزارة الامن الوطني وشركات حماية مختلفة. قسم الترخيص يقف في مركز تحقيق “لاهف 433” الذي تم فتحه في اعقاب كشف “هآرتس” لتوزيع رخص السلاح بدون صلاحيات. عاملون في مكتب وزير الامن الوطني السابق ايتمار بن غفير وفي قسم الترخيص تم التحقيق معهم في اطار هذه القضية.

بناء على طلب قدمته “هآرتس”، فحصت شركة أمريكية باسم “داتا بريتش” المعلومات التي تسربت. الشركة لها خبرة في تشخيص التسريبات ومساعدة المتضررين في شطب تفاصيلهم من الشبكة. “كل من لديه سلاح في البيت هو الآن في خطر اعلى”، قالوا في الشركة. “حسب التقدير هناك معلومات تشخيصية عن 10 آلاف إسرائيلي”.

الملفات التي تم تسريبها هي ملفات محدثة جدا، من السنتين الأخيرتين، وتشمل مئات الوثائق من العام 2025. في الوثائق التي تتناول الحصول على السلاح أو تجديد ترخيص السلاح يمكن العثور على تفاصيل شخصية لصاحب السلاح، عنوانه، صورته، خلفيته العسكرية والصحية، نوع السلاح، رقم الرصاص الموجود لديه ومكان وجود السلاح في بيته.

من بين الوثائق أيضا هناك بطاقات هوية شرطي لمن يرتدون الزي العسكري والذين يحملون السلاح، ووثائق تقدير وتوصية لرجال الامن الذين تسرحوا. في الملفات التي تسربت توجد أيضا معلومات شخصية كثيرة بخصوص رجال حراسة مسلحين، تدربهم ورخص سلاحهم ووثائق داخلية كثيرة لشركات حراسة وحماية، المصادقة على تنفيذ دورات للرماية من قبل جهات مختلفة مرخصة. 

“هآرتس” توجهت الى عشرة إسرائيليين تم الكشف عنهم في قاعدة البيانات التي تسربت، وقد أكدوا على أن التفاصيل الموجودة هي صحيحة، وأنهم قاموا باستصدار تجديد لرخصة السلاح في السنتين الأخيرتين. “أنا مصدوم لأنهم لم يتحدثوا معي. هذا ببساطة خطير. هذا يعني أن تضع اشخاص مثلي كهدف”، قال أ.، الذي قام في السنة الماضية بتجديد الرخصة. معلوماته الشخصية الكاملة، بما في ذلك العنوان ورقم الهاتف، مكشوفة في التسريب. “كنت أتوقع أن تقوم الشرطة أو السايبر في إسرائيل بفعل كل ما في استطاعتهم لشطب ذلك من الشبكة. هذا خطير وبحق”.

فيض من التسريبات

مجموعة القراصنة ادعت في البداية أنها اخترقت منظومات وزارة الامن الوطني، ونشرت عدد من صور الشاشة لرخص السلاح وهددت بأنها ستنشر 4 تريبايت من المعلومات. في شباط الماضي نشرت كمية صغيرة، 40 غيغا بايت من الملفات. أيضا في السابق حاولوا في “هندلة” تضخيم هذا الإنجاز. 

“هندلة” التي تعتبر ذراع للمخابرات الإيرانية تبحث على الاغلب عن إنجازات معنوية، خلافا للقراصنة الذين يركزون على الاختراق لجمع المعلومات، “هندلة” خبيرة في الاختراق لغرض التسريب والتأثير. منذ بداية الحرب في غزة هي ومجموعات مشابهة تسرب معلومات كثيرة تمت سرقتها من شركات خاصة ومن وزارات حكومية وجهات أمنية، ووثائق وصور خاصة لشخصيات أمنية رفيعة. في السنة الماضي نشرت في الشبكة معلومات كثيرة تم الحصول عليها من اختراق وزارة العدل ووزارة الدفاع والامن الوطني وما شابه. ومثلما نشر في “هآرتس” فان مجموعة قراصنة أخرى أنشأت موقع محدد لنشر تسريبات من قواعد بيانات حساسة في إسرائيل، حيث نشرت هناك آلاف الوثائق. 

الحادثة الحالية، تسريب معلومات عن أصحاب السلاح، هي خطيرة من حيث حجمها مثل اقتحام وزارة العدل”، قال المحققون في “داتا بريتش”. بعد الاقتحام في نيسان حاولوا في وزارة العدل وفي منظومة السايبر تقزيم الحدث وقالوا “الامر يتعلق بوثائق من سنوات سابقة”، وأنه “يبدو أنه لم يكن اقتحام لمنظومات وزارة العدل”. ولكن تحقيق “هآرتس” اظهر أن المعلومات التي تسربت، شملت ضمن أمور أخرى، معلومات شخصية عن جهات رفيعة، مراسلات حساسة، وثائق داخلية سرية للوزارة، محاضر جلسات عقدت في غرف مغلقة وحتى الآن يمنع نشرها. 

يبدو أن إسرائيل تحاول، مثلما في حالات سابقة، شطب المعلومات التي تسربت من الشبكة. قنوات “هندلة” في التلغرام، هناك ينشرون روابط لتنزيل التسريبات، ازيلت مؤخرا. ولكن الحديث يدور عن معركة خاسرة. القراصنة يفتحون على الفور قنوات جديدة، ويستخدمون المواقع المخزنة في دول لا تتعاون مع طلبات إسرائيل القانونية، ويستندون الى تكنولوجيا منتشرة لا يمكن شطبها من الشبكة. مؤخرا بدأ القراصنة في نشر المعلومات المسروقة أيضا في حافظات رقمية. وهي مواقع محصنة لا يمكن شطبها، تستخدم كنوع من ويكيليكس للتسريبات. في هذه المواقع نشرت خلال سنين قواعد بيانات ضخمة، فيها وثائق بنما، التي مولت عدد من التحقيقات الدولية وكشفت مئات حالات الفساد في ارجاء العالم. قاعدة بيانات أصحاب السلاح في إسرائيل نشرت مؤخرا في حافظة كهذه، يمكن الوصول اليها بسهولة، وهي تظهر أيضا في البحث في “غوغل”. في الفترة القريبة القادمة سيتم نشر قاعدة البيانات في موقع تسريبات آخر.

إسرائيل تشهد موجة غير مسبوقة من هجمات السايبر منذ اندلاع الحرب في غزة. تقرير تلخيصي للعام 2024 لمنظومة السايبر الوطني كشف ارتفاع دراماتيكي أيضا في عدد حالات التسريب والهجمات المرتبطة بعمليات التأثير. “في هذه السنة تمت مشاهدة 900 عملية نشر في الشبكة مثل التلغرام بخصوص هجمات على الاقتصاد الإسرائيلي، و500 ملف تسريب معلومات مرتبطة بإسرائيل نشرت في الشبكة وفي “داركنت”. المنشورات هي محاولة للعدو من أجل التأثير على الرأي العام في إسرائيل”.

تسريب المعلومات هو على الاغلب المرحلة العلنية النهائية للاختراق الذي بدأ في السابق وتم اغلاقه أو استنفاده. وحتى أنه يصعب وربما من غير المحتمل العثور على مصدر التسريب. وحسب خبراء السايبر فان الحديث يدور بشكل عام عن اختراق تحقق في اعقاب محاولة فاشلة – عندما يقوم موظف في منظمة تم اختراقها بطريقة ذكية بالنقر على رابط خبيث تم ارساله اليه في البريد الالكتروني. 

حسب منظومة السايبر فان المحاولة الفاشلة هي وسيلة هجوم مفضلة للقراصنة الإيرانيين في محاولة لجمع أكبر قدر من المعلومات عن إسرائيل. رغم التهديد إلا أنهم في إسرائيل يجدون صعوبة في وقف هذه الظاهرة، وفي مناورة واسعة أجريت مؤخرا ضغط حوالي 200 ألف جندي على رابط مزور تم ارساله للجيش الإسرائيلي.

——————————————-

يديعوت احرونوت 9/3/2025

7 أسئلة يا أصحاب القرار

بقلم: لواء متقاعد غيورا آيلند

تقف إسرائيل في مفترق يتعين عليها فيه أن تختار واحدة من بين ثلاث إمكانيات. الامكانية الأولى هي صفقة مخطوفين كاملة هنا والان، فيما أن المعنى هو الموافقة سواء على انهاء الحرب أم على اخراج قوات الجيش الإسرائيلي من كل القطاع. الامكانية الثانية هي استئناف الحرب. قبل اتخاذ هذا القرار يجدر باصحاب القرار السياسيين والعسكريين ان يعطوا لانفسهم سبعة أجوبة: 

أولا، ما الذي يمكن تحقيقه الان لم نحققه في الـ 15 شهرا من القتال. ما هو “السلاح السري” الذي لم يكن متوفرا من قبل. 

ثانيا، كم من الوقت سيتطلب تحقيق هدف الحرب المتجددة. 

ثالثا، كيف سيؤثر استئناف الحرب على مصير المخطوفين. 

رابعا، هل الاثمان المتوقعة تبرر العمل. يدور الحديث ليس فقط عن مصابين بل وأيضا عن زيادة العبء على منظومة الاحتياط التي تجثم تحت عبء ثقيل منذ الان. 

خامسا، كيف سيؤثر افراز قوات كبيرة الى غزة على جبهات أخرى واساسا على الضفة، لكن ليس فقط. اليمن هي الأخرى ستستأنف على ما يبدو إطلاق الصواريخ. 

سادسا، كيف ستؤثر الخطوة على العلاقات مع الدول العربية، التي ترى أنها تحاول إيجاد حل طويل المدى لغزة.

سابعا، كيف ستؤثر الخطوة على اقتصاد إسرائيل.  مثلا، شركات طيران اجنبية استأنفت الطيران الى إسرائيل، واستئناف الحرب من شأنه أن يعيد الدولاب الى الوراء.

عندنا نعنى بموضوع على هذا القدر من الأهمية من الواجب اجراء تمييز حاد بين أجوبة موضوعية على هذه الأسئلة وبين القرار الذاتي بشأن جدوى الخطوة. إضافة الى ذلك فان عملية اتخاذ القرار تستوجب حوارا مفتوحا بين المستوى السياسي وقادة الجيش. محظور الموافقة على اجراء مراتبي بموجبه المستوى السياسي يقرر “ما هي” (اهداف الحرب) فيما يتوجب على المستوى العسكري ان يقرر “كيف” تحقيق الأهداف. الكثير من الإخفاقات الكبرى في التاريخ نبعت من انعدام التوافق بين تحديد الأهداف وبين أمرين آخرين. الوسائل التي تتيح تحقيقها والاثمان المرتقبة حتى لو تحققت الأهداف في نهاية الامر.

الامكانية الثالثة هي الموافقة وتمديد المرحلة الأولى بشهرين. المعنى هو تحرير نحو عشرة مخطوفين مقابل تحرير سجناء، استمرار وجود وقف النار واستئناف التموين لغزة. 

ميزة هذه الامكانية هي الامتناع عن الحاجة لاتخاذ قرار حقيقي الان. هذه الامكانية مناسبة جدا لنهج نتنياهو الذي هو “مؤجل لا يكل ولا يمل” وتسمح له أيضا بان يبقي على ائتلافه الى ما بعد إقرار الميزانية. الثمن واضح، أولئك الـ 14 مخطوفا الاحياء الذين لن تشملهم هذه المرحلة من شأنهم أن يموتوا بعذاب كنتيجة لذاك التأجيل. 

لو كنت الجهة التي تقرر لاخترت الامكانية الأولى. اذا ما استكملت صفقة مخطوفين ستفتح بعدها إمكانيات عديدة لهزيمة حكم حماس في غزة، وليس بالذات بوسائل عسكرية فقط. حماس سيصعب عليها ان تحكم في غزة بلا اعمار وبلا تلقي أموال من الخارج. في هذين الموضوعين سيكون لإسرائيل تأثير حاسم. اكثر من هذا، يمكن لإسرائيل أن تستجيب للخطة المصرية وبشرطين: الأول، تجريد كامل للقطاع والثاني نقل كل المسؤولية لمصر ولدول عربية في ظل فك ارتباط تام عن إسرائيل بما في ذلك توريد الكهرباء والماء، وهدم نهائي للمعابر بين غزة وإسرائيل. لكن قبل كل شيء يجب إعادة كل المخطوفين.

——————————————-

هآرتس 9/3/2025

الصراع بين النظام الجديد في سوريا والموالين للاسد يؤدي الى اضطهاد العلويين

بقلم: تسفي برئيل

 “منذ أمس فقدت سبعة أصدقاء. عمتي قتلت اليوم قرب مدينة جبلة (78 سنة). من فضلكم، احمونا من الكارثة، نحن نتوسل للمساعدة”، هذا ما كتبه أمس للصحيفة مواطن سوري يائس، الذي في شهر كانون الثاني أبلغ الصحيفة عن عدد من اعمال التنكيل والقتل والمس من قبل رجال النظام الجديد في سوريا، الذين يعتبرون “جهاديين”. وقد ارفق بالرسالة عدة أفلام فيديو فظيعة، في أحد الافلام ظهر مسلحون مع لحية وهم يطلقون النار من مسافة بضعة امتار على مواطن سوريا، في البداية على قدميه وبعد ذلك على صدره ورأسه. في فيلم آخر ظهر مسلحون وهم يطاردون مدنيون هاربون ويطلقون النار عليهم من مسافة صفر ويقتلونهم واحدا تلو الآخر. في فيلم آخر ظهر مسلح يرتدي الزي العسكري وهو يطلق النار على صدر مواطن يجلس تحت شجرة برتقال ويتوسل اليه، وبعد ذلك يتأكد من القتل بالاطلاق على رأسه.

حسب اقوال مرسل الأفلام فانه “لا يمكن وصف عنف الجهاديين الذين يركزون الهجمات على المواطنين العلويين. هم يطلقون النار عليهم في الشوارع وبشكل عشوائي، ويقتحمون البيوت ويطلقون النار على العائلات. بعضهم يشفقون على النساء والأطفال وبعضهم لا”. وهو يشرح بأن “الجهاديين” الذين يعملون من قبل النظام هم رجال مليشيات يأتون من ادلب، حمص ودير الزور، وبعضهم من الشيشان، مصر، المغرب وتونس”. وحسب قوله فانهم “جميعهم تربوا على كراهية العلويين ويعتبرونهم شيطان اكثر خطرا من اليهود والمسيحيين، الذين تصفيتهم ستطهر العالم الإسلامي من الكفار”

رسائل الواتس اب التي أرسلها للصحيفة ناشط آخر في سوريا يبدأها بالدعوة “اس.أو.اس إسرائيل”. هنا تحدث إبادة جماعية، ذبح في كل مكان، جثث في كل زاوية. هم يطلقون النار علينا بالقذائف والمدافع. في الشبكات الاجتماعية يتم وصف حالات فيها قتلت عائلات كاملة تشمل نساء وأطفال. حسب تقرير المركز السوري لحقوق الانسان الذي مقره في لندن، فانه منذ يوم الخميس قتل في سوريا 340 شخص، والتقدير هو أن العدد الحقيقي أكبر بكثير، ويمكن أن يصل الى ألف شخص.

يصعب التأكد من هذه الأرقام بسبب عدم قدرة منظمات ووسائل اعلام مستقلة على الوصول الى أماكن المواجهات التي تحدث في عدة مدن وبلدات، بالأساس في منطقة الشاطيء الغربي في سوريا، حيث هناك يتركز معظم السكان العلويون.

الاحداث الأخيرة بدأت في يوم الخميس الماضي عندما اصطدمت دورية لجيش سوريا الحر، الذي يعمل تحت قيادة وزارة الدفاع السورية، التي أقامها رئيس الدولة المؤقت احمد الشرع، بكمين لقوات المتمردين، بقايا الجيش السوري التابع لنظام الأسد. في الكمين على الطريق الرئيسي بين اللاذقية ومدينة جبلة ومدينة بانياس قتل 16 شخص من قوات الامن. في نفس الوقت تمت مهاجمة الكلية البحرية وقوات سلاح البحرية التي توجد قرب مدينة جبلة. وحسب مصادر سورية تراسلت مع “هآرتس” فان هجوم المتمردين على قوات الامن هو جزء من معركة مخطط لها ومنسقة تهدف الى ضعضعة النظام الجديد واحداث فوضى بصورة لا تسمح للشرع بإدارة الدولة. الهدف هو إعادة احتلال مناطق ومدن كما فعل المتمردون الذين عملوا ضد نظام الأسد في حينه، مع استغلال عدم السيطرة للنظام المركزي على كل ارجاء الدولة، بالأساس المحافظات الكردية في الشمال والدروز في الجنوب.

المصادر تشير الى أن هجمات الانفصاليين، “بقايا الجيش السوري”، بدأت بعد فترة قصيرة من اعلان غياث دالا، وهو ضابط كبير سابق في جيش الأسد، عن تشكيل المجلس العسكري لتحرير سوريا، وهو نوع من الاطار العسكري الذ ي يحاول القيام بـ “ثورة مضادة” واسقاط نظام الشرع. دالا كان من كبار الفرقة الرابعة التي كانت بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع، الذي يعتبر رجل الاتصال والتنسيق بين الفرقة وقوة القدس الإيرانية. حسب تقارير سورية فان دالا يجند الآن للمجلس العسكري مئات، وربما آلاف، المتطوعين بواسطة الشبكات الاجتماعية، ويبدو أنه يحصل على التمويل من ايران وحزب الله.

رد حاسم

هنا يتطور المخزون الأكثر خطورة الذي يجب على الشرع مواجهته في الفترة القريبة القادمة، وهو التحدي الذي اذا لم يتم الرد عليه كما يجب، يمكن أن يخلق في سوريا عملية تشبه العملية في العراق بعد اسقاط صدام حسين، عندما شكلت قوات عسكرية انفصالية من بقايا الجيش، التي انضمت للقاعدة وقوات سنية أخرى، قامت باشعال الحرب الاهلية الدموية التي في ذروتها مهدت الطريق امام سيطرة داعش على أجزاء في العراق.

المواجهة مع الانفصاليين السوريين ربما تهدد اكثر من المواجهات مع اقليات الاكراد والدروز، التي هي مستعدة للتعاون مع نظام الشرع مقابل حكم ذاتي، ثقافي واداري وسياسي، حسب النموذج الذي نشأ في العراق، لكنهم حتى الآن لا يشكلون أي تهديد عسكري ضده. يبدو أن الشرع يجد صعوبة في السيطرة على جميع المليشيات التي تعمل في ارجاء سوريا، من بينها مليشيات كانت شريكته في الانقلاب الذي أدى الى اسقاط نظام الأسد في نهاية العام 2024.

خلال نسيج هذه التوترات الطائفية والتهديدات فان أبناء الطائفة العلوية مسجونين، التي احتل أبناؤها قمة السلطة العسكرية، السياسية والاقتصادية، لنظام الأسد. ولكن عدد كبير من أبناء الطائفة (10 في المئة من سكان سوريا) لا يتمتعون بملذات الحكم، والكثيرين منهم عانوا تحت نظام الأسد مثل أبناء طوائف أخرى. رغم ذلك، كل الطائفة تتلقى الآن النار وتعتبر مجموعة سكانية معادية وخائنة وتشكل خطر على النظام الجديد. المشكلة هي أن السلوك الذي تعوزه التجربة للنظام الجديد الذي يعمل بدون خطة سياسية وإدارية منظمة، يساعد على تبلور الجبهة الانفصالية ضده. آلاف الموظفين والمهنيين الذين عملوا تحت نظام الأسد تمت اقالتهم من وظائفهم. في عملية أدت الى الاضرار بشكل كبير وحتى شل الخدمات المدنية. هكذا كان الامر عند اقالة اكثر من 360 ممرض وممرضة في مستشفى في اللاذقية وشل خدمات الطوارئ. الموظفون الذين بقوا في وظائفهم لا يحصلون على رواتب، وهم يعتبرون هدف مريح لحملة تجنيد قوات الانفصاليين. القيادة العليا وعدد من  قيادات الجيش التي تم تعيينها من قبل الشرع لا توجد لها تجربة أو تأهيل لشغل هذه المهمات الثقيلة، وبالاساس عملية إعادة الاعمار التي تحتاج الى تجنيد مليارات الدولارات.

الشرع تعهد بتشكيل حكومة جديدة في بداية الشهر الحالي، وحتى الآن لا يبدو أنه ينوي الوفاء بتنفيذ وعده، أو البدء في صياغة دستور جديد يعرض خطة وطنية متفق عليها. لقاءات “الحوار الوطني” تم عقدها في 24 – 25 شباط الماضي، وشارك فيها 600 ممثل كان يجب أن يصدروا خطة عمل لبناء سوريا جديدة، ووضع الأساس للدستور ووضع مباديء النظام الجديد. هذه الحوارات انتهت بإعلان نوايا عام وضبابي. ليس كل الطوائف والقطاعات شاركت في هذه اللقاءات التي ادارها طاقم غير تمثيلي تم انتخابه من خلال مساعدي الشرع. اعلان الشرع في اللقاء الذي قرر فيه بأنه “من غير المناسب جلب نظام من الخارج لا يناسب المجتمع السوري”، تم تفسيره كاشارة على أنه لا ينوي إقامة الدولة على أسس ليبرالية تعتمد على حقوق الانسان والسوق الحرة وحرية التعبير. عمليا، هو ذكر باقوال بشار الأسد الذي أوضح بأنه “ستكون في سوريا ديمقراطية تناسبها”. 

منتقدو الحوار الوطني يقولون إن حقيقة أن اللقاءات استمرت ليومين فقط (بدلا من أن تكون منصة متواصلة لنقاشات عامة) وأن بعض المشاركين حصلوا على دعوة للمشاركة فيها عشية اللقاء، تدل على أن نية الشرع كانت صورية للشراكة الوطنية لارضاء دول الغرب التي ستأتي لمساعدة سوريا. كل ذلك يؤدي الآن الى خيبة أمل من الوعد الكبير بـ “سوريا الجديدة” الذي جاء عند الإطاحة بنظام الأسد.

سؤال اذا كان الشرع حقا مسلم راديكالي ويغطي نيته الأيديولوجية بالبدلة العصرية والتصريحات البراغماتية، اصبح الآن الأقل حسما. الامر الملح اكثر هو سؤال هل سيكون قادر على السيطرة على سوريا وكبح ظهور قوات انفصالية التي يمكن أن تتطور الى حرب أهلية جديدة. وخلال ذلك تهدئة خوف العلويين وتجنيد الموارد والأموال لاعادة اعمار الدولة، وتوفير بسرعة الاحتياجات الأساسية لكل مواطني الدولة. ضرورة تقديم رد عملي على كل هذه التحديات، رد يرتبط بالمساعدات التي سيحصل عليها النظام من الدول الغربية، يمكن أن يحدد ماذا ستكون التوجهات الأيديولوجية للنظام.

——————————————-

إسرائيل اليوم 9/3/2025

محظور علينا الخروج الى مغامرة في سوريا

بقلم: ايال زيسر

في قطاع غزة يسود وقف نار، وفي ظله رممت حماس قوتها وعادت لتحكم بيد عليا القطاع وسكانه. 

أما في لبنان وان كان الجيش الإسرائيلي يبقي على تواجد على طول خط الحدود، تواجد رمزي تبدو صورته جميلة في وسائل الاعلام، لكن عمليا عاد تنظيم حزب الله ليبرمم قدراته وقوته، بحكم اتفاق الهدنة الذي وقعنا عليه قبل ثلاثة اشهر. 

لكن لمن يسأل الى أن تتجه اليوم طاقة دولة إسرائيل، يعطى الجواب – ليس كي تضمن تصفية حماس في غزة او كي تهزم حزب الله، لا وكلا. الطاقة تتجه الى الدفع قدما بمغامرة في سوريا- مغامرة سخيفة، عديمة المنطق السياسي والعسكري، ستلحق فقط الضرر بنا في المستقبل.

في بداية كانون الأول حسم أمر في دمشق حين انهار نظام بشار الأسد، شيطاننا المعروف والمحبب. فقد حرص الأسد على الحفاظ على الهدوء على طول الحدود، لكنه سمح لإيران ان تتموضع في بلاده وساعدها على أن تجعل حزب الله تهديدا هاما علينا. 

مكانه استولى عليه احمد الشرع، الذي عرفناه كأبي محمد الجولاني، زعيم “جبهة تحرير الشام”، جسم تعود جذوره الى القاعدة والى داعش.

منذئذ لا يمر يوم دون أن يبعث الشرع لنا برسائل تهدئة. بل وحتى مصالحة. متحدثون بلسانه تنبأوا بإمكانية إقامة سلام معنا، فيما انه هو نفسه يعود ليشرح بان سوريا هي دولة مدمرة وبالتالي فان وجهتها ليست للحرب وكل ما يطلبه هو علاقات جيرة طيبة مع الدول المحيطة بها. العدو بل وحتى الشيطان بالنسبة للشرع هو ايران وحزب الله اللذين لن يغفر لهما في سوريا دورهما في ذبح مئات الاف السوريين في خدمة الأسد. 

هل يمكن الثقة بالشرع وتصديق كلامه؟ ليس مؤكدا على الاطلاق. ينبغي التعامل معه وفقا لقاعدة “احترمه وشك فيه”، متابعة افعاله وليس فقط تصريحاته، وعدم السماح بتثبيت كيان إرهاب في شمالنا، اذا ما اختار الشرع بالفعل طريق المواجهة، الامر الذي لا يبدو معقولا في هذه اللحظة. في نفس الوقت، ليس لإسرائيل أي مصلحة لجعل نفسها عدوا لسوريا الجديدة طالما كانت هذه لا تبث عداء وعدوانا تجاهنا.

غير أنه في الأشهر الثلاثة الأخيرة ارتكبت إسرائيل كل خطأ ممكن في سوريا. أولا، احتلال اراضٍ في داخل سوريا دون أي حاجة امنية، بل بمجرد أنه ممكن ولان صورة الامر تبدو جميلة. ثانيا، اعلان فارغ من المضمون عن إقامة منطقة مجردة من السلاح من جنوبي دمشق، الامر الذي هو على أي حال غير عملي. وأخيرا، الإعلان باننا سنأتي لنجدة الدروز الذين لا يريدون نجدتنا على الاطلاق. 

الدروز في سوريا مثل إخوانهم في لبنان وفي إسرائيل، يرون انفسهم جزءا لا يتجزأ من الدولة التي يعيشون فيها. اليوم هم يكافحون في سبيل مكانتهم في سوريا حيال الشرع ورجال الذين لاحقوهم بل وقتلوا منهم في الماضي. ولكن الدروز رأوا ولا يزالون يرون انفسهم كسوريين، وغني عن البيان انه لا يطرأ على بالهم أن يطلبوا مساعدة مباشرة من إسرائيل. فبعد كل شيء، هم يعرفون بشكل افضل منا بان عندنا السياسة تتغير مثل مؤشر اتجاه الريح، لكن مستقبلهم هو أن يبقوا في المجال السوري، وهم لا يريدون ان يوصم هذا المستقبل بوصمة التعاون معنا.

وهكذا نجحت إسرائيل في ان تفرض نفسها كمسألة مركزية على جدول الاعمال السوري بعد ان اعتبرنا كثيرون من السوريين حتى كعنصر إيجابي وعاطف، وبالتأكيد في ضوء الضربات التي اوقعناها على حزب الله. اما الان فيعود الجميع لان يروا فيها، في سوريا وفي أوساط أصدقائنا في الخليج أزعر كل رغبته هو استعراض القوة، التوسع والاستيلاء على أراض ليست له.

بايدينا أنفسنا نحن ندفع سوريا الى أذرع تركيا، ومن لا يريد الشرع سيتلقى اردوغان.

عن إسرائيل ندافع من أراضي إسرائيل. لو كنا فعلنا هذا في 7 أكتوبر، ما كانت لتقع الكارثة. عن إسرائيل ندافع بتشخيص القدرات العسكرية للعدو وابادتها. لو كنا فعلنا هذا قبل الأوان في لبنان، لوفرنا على أنفسنا مشاكل كثيرة. 

عن إسرائيل لا ندافع بتصريحات عليلة وبخطوات علاقات عامة – لا تخدم أمننا القومي بل فقط تمس به.

——————————————-

هآرتس 9/3/2025 

مخاطر استئناف الحرب

بقلم: عاموس هرئيلِ

العاصفة حول انهاء خدمة العميد دانييل هجاري في الجيش الإسرائيلي ابعدت جانبا عن الجمهور موضوع آخر، له تداعيات هامة، وهو خطة رئيس الأركان الجديد ايال زمير، القيام بهجوم واسع ضد حماس في قطاع غزة – زمير يسرع الآن الاستعداد للخطة الطموحة وهو على قناعة بأنها ستؤدي الآن الى نتائج حاسمة أكثر اذا تم اعطاءه الضوء الأخضر. ولكن أكثر مما يتعلق الامر بالحكومة فانه يتعلق بتطورات أخرى. التقدم في المفاوضات حول تطبيق صفقة المخطوفين وموقف الرئيس الأمريكي ترامب.

في يوم الخميس، اليوم الأول في ولايته، خرج زمير كما هو مطلوب لاجراء زيارة في قيادة المنطقة الجنوبية وفرقة غزة، بصورة تقليدية بدرجة معينة، مع من يتشاورون في مكتب رئيس الأركان، مع روح المتوفى ايتان بار؟ رئيس الأركان تم توثيقه وهو “يرسل القوات الى تمرين فجائي فيه هجوم لحماس. وكأن آخر الضباط في فرقة غزة لم يعرف مسبقا أنه يتوقع أن يكون ارسال كهذا للقوات. 

ولكن الأكثر أهمية من التمرين هو ما حدث وراء الكواليس. فرئيس الأركان ناقش بالتفصيل الخطط الآخذة في التبلور. في هذا الأسبوع سيدخل تعيينه الاول الى حيز التنفيذ، وهو تعيين الجنرال ينيف عاسور في منصب قائد المنطقة الجنوبية بدلا من فنكلمان الذي قدم استقالته. زمير قال للمستوى السياسي بأنه يحتاج الى بضعة أسابيع للاستعداد من اجل أن تكون خطته الجديدة كاملة. هذه الخطة تنطوي على تفعيل عدة فرق على الأقل في القطاع، وإعادة تجنيد عشرات آلاف رجال الاحتياط. الهدف هو هجوم عنيف جدا، واسع، يبدو على طول القطاع، يستهدف البنى التحتية العسكرية لحماس الموجودة والمتجددة. أيضا في هذه المرة الحديث يدور عن دفع السكان الى مناطق إيواء، لكن في هذه المرة إسرائيل تنوي إدارة بنفسها ارساليات المساعدات الإنسانية.

من الجهة الأخرى هناك شهادات متراكمة على إعادة تنظيم حماس لنفسها واشارات متزايدة على سيطرتها المدنية والعسكرية. هذه تبرز في حضور واضح لمن يحملون السلاح من الذراع العسكري في الشوارع من خلال استغلال وقف اطلاق النار الذي دخل الى حيز التنفيذ في منتصف كانون الثاني. حماس أيضا تقوم بوضع عبوات مفخخة كبيرة في المباني والشوارع في ارجاء القطاع. وخبراء المتفجرات لديها يفككون المواد المتفجرة من القنابل التي لم تنفجر والتي القاها سلاح الجو في اثناء الحرب. 

كالعادة تم تسريب يوم أمس تهديدات من إسرائيل الى “وول ستريت جورنال”، الصحيفة الامريكية، تقرير بأن الجيش الإسرائيلي يقوم باعداد خطة تشمل عملية برية جديدة في القطاع. في هذا التقرير اقتبس وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي قال إن “لخطوات القادمة يمكن أن تشمل قطع الكهرباء والمياه مثلما تم مناقشة ذلك في جلسة للحكومة قبل أسبوع. بعد ذلك يتوقع أن تكون عمليات قصف من الجو واخلاء للسكان من شمال القطاع واقتحام آخر للأراضي الفلسطينية.

هذه العملية تطرح عدة علامات استفهام، من بينها الخطر المؤكد على حياة الجنود والمخطوفين. يجب التحذير أيضا من خطر أن تقوم خطة التطهير العرقي برفع رأسها القبيح. عندما يوفر ترامب الدعم لإسرائيل والسلاح الثقيل والجرافات ويشير الى غضبه من الفلسطينيين، يزداد خطر أن تفسر الحكومة والجيش ذلك كتصريح للعمل بدون أي كوابح للقانون الدولي. هناك أسئلة أخرى: كم عدد رجال الاحتياط الذين سيتجندون للعملية الجديدة التي يمكن أن تعرض حياة المخطوفين للخطر؟ ماذا ستفعل حالة طواريء أخرى وتجنيد عام بالاقتصاد الإسرائيلي؟ كم عدد القوات التي ستبقى للاستخدام في القطاعات الأخرى؟ في الخلفية يقف تهديد إسرائيل المتزايد بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. هل الجيش الإسرائيلي قادر على القتال في عدة ساحات متحدية جدا في نفس الوقت؟.

ربما أنه مثلما في موضوع ايران، ترامب يستخدم تهديد إسرائيل العسكري كأداة ضغط لتحقيق إنجازات افضل في المفاوضات. عندها هذا هو التقدير الذكي: سنرى في غزة تهديد، وربما عملية عسكرية قصيرة، وبعد ذلك استعداد حماس لتقديم تنازلات عندما يكون السيف مسلط مرة أخرى على عنقها. ولكن هذه ليست أوقات معقولة. ترامب يغير رأيه كل يومين، ونتنياهو توجد له مصلحة في الحفاظ على الحرب كوسيلة لبقاء الائتلاف على قيد الحياة، حتى لو نجح في تمرير الميزانية في الكنيست في نهاية الشهر كما يأمل.

قمة حياته المهنية

بيان المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي عن استقالة هاجري اثار ردود الانفعالية، من اليمين واليسار. البيبيون فرحوا من إزاحة ضابط خطير من الطريق. في اليسار وفي أوساط معظم المراسلين كان هناك غضب وحزن حول تعامل رئيس الأركان الجديد مع المتحدث، وهو من الأشخاص القلائل المتميزين في الحرب. هوس اليمين بهاجري هو دليل آخر على الجنون المطلق الذي يسيطر على معسكر نتنياهو منذ بداية الحرب. هذا الهوس المرضي يستند الى عدة ملاحظات هامشية له في فترة عاصفة وبسبب حقيقة أنه عمل في السابق كرئيس مكتب وبعد ذلك كمساعد لرئيس الأركان بني غانتس ورئيس الأركان غادي ايزنكوت. الآن غير مطلوب اكثر من ذلك لتشويه شخص.

في كانون الأول الماضي هدد المقرب من نتنياهو، يعقوب بردوغو، في بث في الإذاعة، بأنه اذا قرر وزير الدفاع يسرائيل كاتس ترقية هاجري الى رتبة جنرال فان ذلك سيكون التعيين الأخير له في ولايته. لذلك، عندما نشر البيان حول هاجري بعد يومين على تسلم زمير لمنصبه فانه من الطبيعي الربط بين النقاط. عمليا، القصة معقدة اكثر قليلا، رغم أن زمير لم يخرج عن اطواره بالضبط كي يبقي هاجري في الخدمة العسكرية.

الآن الى الحقائق نفسها: ثلاثة متحدثون من بين الخمسة متحدثين بلسان الجيش الأخيرين تمت ترقيتهم الى رتبة جنرال، وكلما تطور المتحدث في المسار الوظيفي، وبالتأكيد القتالي، فان فرصته لمواصلة حياته المهنية العسكرية في نهاية فترة المتحدث تعتبر أكبر. وظيفة المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي تعتبر وظيفة ثقة، لذلك على الاغلب من العادة أن يتم تغيير المتحدث في فترة قصيرة من تغيير رئيس الأركان، حتى لو كان الامر يتعلق بأشهر وليس بأيام. رونين منليس بقي ثمانية اشهر تحت قيادة افيف كوخافي كرئيس للاركان رغم أن العلاقة بينهما كانت متوترة جدا. في حالة هجاري، إزاء تميزه في منصبه في الحرب، وحقيقة أن أبناء جيله (49 سنة) والاصغر منه، ابن طاقمه في الكوماندو البحري دان غولدفوس، والعميد ايتسيك كوهين، تمت ترقيتهما الى رتبة جنرال، لذلك فانه من المنطقي أن يأمل الترقية.

ولكن زمير اعتقد غير ذلك وقال لهاجري بأنه ينوي تعيينه في منصب آخر كعميد، الوظيفة الثالثة بهذه الرتبة، رغم أنه لم يذكر وظيفة معينة. بعد ذلك أضاف بأنه سيفحص ترقيته الى رتبة جنرال. أنا نفسي، قال له، شغلت ثلاثة مناصب برتبة عميد (حتى لو أن زمير حصل على رتبة الجنرال في سن 46). الامر الذي اثار هاجري كما يبدو هو كلمة تجميد، التي ذكرت في هذا السياق. أن تذهب الى فترة انتظار لسنتين بدون وعد ملموس برتبة وتحت هجوم دائما للابواق، ظهر له كمسار غير ناجح، ولذلك طلب الاستقالة. 

حتى الآن هذه عملية مؤلمة، لكنها ليست بالضرورة مسممة. في السابق كانت صدامات كهذه في الجيش الإسرائيلي، وربما أن هاجري أيضا قد بكر قليلا في بداية النقاش حول أفق خدمته. المشكلة الأساسية هي الدور السلبي الذي تشغله هنا القناة البيبية، من تهديد بردوغو وحتى تسريب “هاجري انتهى”، التي صدرت في يوم الخميس. ليس هكذا يتم التعامل مع ضابط متميز. زمير ارتكب خطأ مقلق بالصورة التي عالج فيها الحدث المتفجر الأول في ولايته. أيضا هو في الأصل متهم في نظر جمهور كبير، على خلفية تعيينه من قبل نتنياهو، والآن هو يفقد في نظره الكثير من الثقة.

بخصوص هاجري نفسه هو لا يحتاج الى علامات مني على أدائه كمتحدث، الذي كان استمرار مباشر لمسيرة مهنية مؤثرة كمحارب وقائد في الاسطول 13. ليسأل نفسه كل قاريء من صب فيه الأمن النسبي ومن صدقه في ظل الانطباع الفظيع لمذبحة 7 أكتوبر. من كان الوحيد الذي تجرأ بعد شهرين ونصف على الوقوف أمام الأمة في ليلة الجمعة الفظيعة تلك التي فيها قتل الجيش الإسرائيلي بالخطأ ثلاثة مخطوفين بعد نجاحهم في الهرب بصورة عجيبة من أيدي حماس؟ من اهتم بالحفاظ على قناة اتصال مع عائلات المخطوفين حتى في الأيام القاسية جدا، واهتم بالحضور وتقديم الاحاطات وحتى الاعتذار عندما حدثت أخطاء في التعامل معها؟ من غير الغريب أن عائلات المخطوفين تأثرت من استقالته. 

الجزء المعروف أقل في ولاية هجاري يتعلق بعمله من وراء الكواليس للدفع قدما بتحرير جنود الجيش الإسرائيلي المخطوفين، لا سيما المراقبات الخمسة. عندما تجمد آخرون في الحكومة وفي جهاز الامن هو الذي اهتم باستغلال فيلم تم ضبطه في الحرب لدى حماس من اجل إعادة المخطوفات. في الفيلم ظهرت مشاهد فظيعة في موقع ناحل عوز العسكري حيث كانت ليري الباغ وصديقاتها وهن مقيدات ويرتجفن من الخوف وفي الخلف جثث صديقاتهن اللواتي قتلن ورجال حماس يتعاملون معهن وكأنهن ابقار مخصصة للذبح. هذه كانت علامة حاسمة على الحياة للعائلات، ولكن مرت اشهر الى أن تم نشر الفيلم. حيث أنه عرف كيف يحوله الى حملة إعلامية وضعت ألم المراقبات على رأس الاجندة الإعلامية، الامر الذي اغضب سموتريتش وامثاله.

هذه العملية وغيرها من العمليات التي لم تنشر ساعدت في تجنيد الرأي العام في البلاد وفي الخارج لقضية المراقبات. من غير الغريب أنهن وعائلاتهن مدينون بالشكر لهاجري. ليس فقط وسام رئيس الأركان للاسطول الذي كان يترأسه بسبب عمليات الرسو المجهول في شواطيء العدو، هذه قمة حياته المهنية العسكرية الطويلة، التي فقط بسببها هو يستحق خمسة أماكن في الجنة.

——————————————-

إسرائيل اليوم 9/3/2025

يبدو أن استئناف القتال في غزة أصبح هدفا بحدث ذاته

بقلم: العميد تسفيكا حايموفيتش

شكل الأسبوع الماضي نهاية مرحلة هامة في الحرب. هذا الأسبوع، الذي نسجل فيه 17 شهرا للحرب، هو أيضا الأسبوع الذي استكملت وعرضت فيه تحقيقات الجيش وتحقيق الشباك. رئيس اركان الحرب، هرتسي هليفي، نفذ مسؤوليته، وبعد اقل بكثير من سنتين في المنصب (نصف ولاية عادية لرئيس الأركان) نقل الصولجان الى ايال زمير. كان هذا أيضا أسبوعا بعد نهاية المرحلة الأولى في منحى تحرير المخطوفين، فيما ان كل واحد من الطرفين يتمترس في موقعه.

وربما جملة واحدة فقط لرئيس الأركان الوافد في احتفال نقل القيادة عبرت بالضبط عن الوضع الذي نوجد فيه: “انتصرنا على حماس. لكنها لم تهزم بعد”. هذه جملة تعبر عن الحرج الذي يتملكنا منذ 7 أكتوبر 2023 – اهداف حرب مع جملة كلمات مثل “تقويض حماس عسكريا وابادة حماس سلطويا – مدنيا”، أو تصريحات رئيس الوزراء، وزير الدفاع ورئيسي اركان تقول: “سنواصل الحرب حتى هزيمة حماس”. هذه مفاهيم لم نستوضحها ابدا، واكثر من ذلك – مفاهيم لا نعرف كيف نترجمها عملياتيا الى عمل قابل للقياس في الميدان، وكأننا لم نتعلم شيئا في الـ 17 شهرا من الحرب ضد منظمة إرهاب. 

في أسبوع انتهت فيه أيضا المرحلة الأولى من منحى تحرير المخطوفين، بدأت تدق ثلاث ساعات في اتجاهات متعارضة وغير منسقة. الأولى هي “الساعة السياسية”: بالنسبة للحكومة، 30 اذار هو غاية لبقائها وضمان ولايتها، إذ انه اذا لم تجاز ميزانية الدولة – سيؤدي الامر الى سقوطها والى انتخابات. الامر الأخير الذي يحتاجه رئيس الوزراء هو “اغضاب” الشريك سموتريتش (الذي يعارض انهاء الحرب ويعارض الانسحاب من محور فيلادلفيا) بقرارات قاسية. 

“ساعة استئناف الحرب” عادت لتدق

من الجهة الأخرى، فان “ساعة المخطوفين” لا تتوقف. في كل يوم بعد عودة العائدين من الأسابيع الأخيرة، ننكشف على شهادات قاسية عن شروط الاسر، عن التعذيب، عن التجويع وعن خطر الحياة في انفاق حماس. بالنسبة لـ 24 مخطوفا احياء (هكذا حسب التقدير الاستخبارات الإسرائيلية) فان الانتظار للساعة السياسية ونهاية شهر اذار قد يشكل حكما بالموت على بعضهم. 

فوق كل شيء تدق “ساعة استئناف الحرب”. فالتصريحات والتهديدات عن استئناف الحرب في ذروتها، باساليب وبضغط عسكري لم يشهدها قطاع غزة حتى الان آخذة في التعاظم. يجدر بنا ان نتذكر بان الضغط العسكري شكل حتى الان خطرا على المخطوفين بل وادى الى قتل بعضهم. سمعنا من العائدين بان معاملتهم – التي هي صادمة على أي حال – تأثرت بخطوات إسرائيل.  

بعامة، يبدو ان استئناف الحرب في غزة اصبح غاية بحد ذاته. اذا ما وصلنا الى وضع لا تكون فيه حماس في قطاع غزة (يبدو كوضع افتراضي فقط) – فمن سيحل محلها ويدير القطاع؟ وهل بالتهديدات باستئناف الحرب التي “لم يشهد لها مثيل حتى الان” توجد عناصر عسكرية لم نستخدمها باستثناء مزيد من القوات؟ 

لا توجد حلول سحرية ولا توجد ارانب جديدة في الكم: بتر القطاع، تحريك السكان جنوبا، هجمات متداخلة، امتناع عن هجمات في الأماكن التي يوجد تقدير بوجود مخطوفين فيها. والكثير من النار واعمدة الدخان. كل هذا سيترافق وتصريحات ومقابلات صحفية بموجبها “فتحت بوابات الجحيم”، و “هذا ضغط لم يشهد له مثيل حتى الان”. 

ثلاث ساعات، تدور كل واحدة في زمنها وباتجاهها، وكل واحدة تشير الى ساعة أخرى – وكأننا نعيش في كون منفصل ومنقسم.

——————————————-

يديعوت احرونوت 9/3/2025

أمريكا ترامب لا تريد حروب استنزاف ثمينة وتريد انهاءها باي شكل

بقلم: بن درور يميني

التحالف ضد الإرهاب أدار حربا ضروس، طويلة ووحشية ضد طالبان. قطر، الدويلة الصغيرة والغنية استضافت في تلك الأيام المضرجة بالدماء زعماء طالبان. يتبين أنه منذ ذلك الحين لعبت قطر دورا مزدوجا. هذه مهنتها. كما أنها هي الممول الأساس للتطرف الإسلامي. وقد قوطعت من الكثير من الدول العربية بسبب دقها لطبول الجهاد، لكنها توسطت أيضا بين الولايات المتحدة وطالبان. المحادثات، التي على مدى زمن طويل كانت سرية، اقتربت من لحظة الذروة. كان يفترض بهذا ان يحصل في شهر أيلول 2019، في قمة زعماء طالبان، أفغانستان والإدارة الامريكية – في كامب ديفيد. بيد واحدة قطع طالبانيون الايدي وجلدوا النساء. وباليد الثانية مدوها لمندوبي الولايات المتحدة، بوساطة قطر. 

القمة لم تنعقد. لان زعماء طالبان ما كان يمكنهم أن يضبطوا أنفسهم. فقد واصلوا ارتكاب اعمال الإرهاب. وعلى هذا أيضا اعتاد الامريكيون. غير أنه قبل وقت قصير من القمة قتل 11 افغاني في كابول في عملية إرهابية أخرى. وعلى هذا أيضا كان يمكن التجلد. المشكلة كانت أن جنديا أمريكيا واحدا أيضا قتل في تلك العملية. فالغيت القمة. وكتب في حينه في شبكة “فوكس” “للكثير من الأمريكيين صعب الاستيعاب بان طالبان الذين منحوا ملجأ لاسامة بن لادن سيحظون باستقبال محترم من الرئيس الأمريكي”. 

لكن لا تقلقوا. القمة التي الغيت لم تكن الا محطة. فقد اعادت قطر الطرفين الى المحادثات. لم يكن باراك أوباما في حينه رئيسا للولايات المتحدة ولا حتى جو بايدن. كان هذا دونالد ترامب. المحادثات مع طالبان تعرضت لنقد شديد. فالتوقيع على اتفق يلزم طالبان بالتوقف عن الإرهاب وعن دعم القاعدة، وعدم المس بالحكم القائم بل وحماية حقوق الانسان، كان اتفاقا عابثا. لكن الاتفاق وقع. والإرهاب استمر. ترامب خسر في انتخابات 2020. إدارة بايدن نفذت الاتفاق، رغم أن الخروقات استمرت. والتتمة معروفة. الامريكيون، وكل أولئك الذين تعاونوا معهم، اضطروا لتنفيذ هروب فزع. 

نحن لسنا هناك. تماما لا. إسرائيل ليست أفغانستان وحماس ليست طالبان. لكن ترامب بقي ترامب. هنا وهناك نحاول أن نفهم منطقه. فقبل لحظة فقط وجه صفعة لاوروبا بعامة ولاوكرانيا بخاصة. وفجأة، يفكر بعقوبات قاسية وحادة ضد روسيا، فيما أنه حتى اللحظة السابقة كان يخيل انه حليف بوتين. فما الذي، بحق الجحيم، يحصل هنا؟

رغم ما يبدو كتذبذب وارتجال، فان القاسم المشترك هو وقف حروب زائدة. فقد خرج من أفغانستان بانه كان واضحا بان سنوات أخرى من الغرق في الوحل لن تحسن الوضع. قبعد 18 سنة من الحرب لم تنجح القوة العظمى الهائلة في أن تهزم طالبان. هكذا أيضا مع حرب روسيا في أوكرانيا. هذه حرب استنزاف. فقد أنفقت الولايات المتحدة عليها حتى الان، بشكل مباشر، 120 مليار دولار ولا توجد نهاية في الأفق. وبالتالي فان ترامب يحطم القواعد، حتى بخطوات تبدو غريبة بنظرة أولى. لكن يوجد منطق. هو يريد نهاية للحروب التي ليس لها موعد انتهاء مع انجاز ما في نهايتها. 

من الزاوية الإسرائيلية، نحن نتمتع بلحظات رحمة. ارساليات السلاح استؤنفت. تصريحات الدعم لإسرائيل تسمح لنتنياهو بمجال عمل، ليس واضحا اذا كان هو نفسه يعرف ماذا يفعل بها. لكن فضلا عما يبدو كتذبذب من ترامب، هنا أيضا يتبين القاسم المشترك إياه. هو تحدث مع طالبان، فلماذا لا يتحدث مع حماس. هو يمنح يدا حرة لإسرائيل. لكن لاجل تحقيق الهدف. والهدف هو لا لمزيد من حرب الاستنزاف الذي يكلف الولايات المتحدة مليارات. الهدف هو نهاية الحرب. فكرة الترحيل هي الأخرى، التي لن تتحقق ابدا هو نوع من التهديد للصدمة. هكذا أيضا التهديد بفتح بوابات الجحيم. كيف؟ عقوبات؟ قصف؟ هذا ذو صلة تجاه ايران. وليس تجاه حماس. هكذا بحيث أن السوط المميز لترامب هو إسرائيل، التي تهدد، بتشجيع من ترامب، باستئناف القتال. غير أن هذا ليس بسيطا. إسرائيل هي ديمقراطية. وليست آلة حرب. بدون تحرير المخطوفين توجد اغلبية في الجمهور تعارض استئناف القتال. وكنتيجة لذلك، فان نسب الامتثال للدعوات الأخرى للاحتياط تنخفض وتقلق منذ الان. 

شيء لم ينتهِ. ايران أيضا في الخلفية. هي في أزمة اقتصادية، في اعقاب العقوبات المتجددة لترامب أيضا. وهي تواصل النبش. هكذا أيضا الاخوان المسلمون، التي قوتهم كثيرة في الأردن وفي مصر، واخوانهم الجهاديون سيطروا على سوريا وبالتالي في هذه اللحظة نحن في نافذة فرص، قبل أن يلقي ترامب علينا مفاجأة أخرى. وفي هذه النافذة الخطوة الأولى هي تحرير المخطوفين، حتى بثمن باهظ. هذا لن يضعف إسرائيل، بل العكس. هذا فقط سيعزز إسرائيل قبيل الخطوة التالي لاستئناف القتال لغرض تقويض حكم حماس.

——————————————-

هآرتس 9/3/2025

هاجاري تحدث كثيرا عن جرائم الجيش الإسرائيلي، الآن هو رمز الإنسانية في إسرائيل

بقلم: جدعون ليفي

لقد سقط تاج رأسنا، دانييل هجاري تمت ازاحته من منصبه، الشبكات امتلأت بالنحيب والرثاء على ذهاب صاحب الغرة الجميلة. آية كوريم كتبت عنه قصيدة اشتياق. حتى نجم رئيس الأركان الجديد ايال زمير، الذي لمع للحظة خفت بسرعة في نظر نصف الشعب، فقط لأنه أخذ منه هاجري.  الجميع تحدثوا عن نزاهته، استقامته وظهوره. كيف قام بحمايتنا في الحرب، وكيف كان دائما موجود للتعزية والتشجيع. بعد أسبوع على تعيين رئيس الشباك في منصب منقذ الديمقراطية، جاء دور المتحدث بلسان الجيش ليعين في منصب المخلص الوطني. هكذا هو الامر في معسكر اليسار الصهيوني المتنور. 

هكذا فان الشخص المعزول لعب الدور بشكل جيد. دوره كان أن يكذب، يطمس، يخفي، يخدع، ينفي، يتنصل، إخفاء عن عيوننا وعيون العالم الجرائم. امير النزاهة والاستقامة، هاجري، تميز في وظيفته. لقد قام بالطمس والخداع والكذب بدون أن يرف له جفن، وظهر نزيها وانسانيا جدا. حتى أنه ذات مرة اختنقت حنجرته، هو شخص حساس جدا. 

لذلك نحن أحببناه. فبفضل هاجري ليس فقط لم نعرف أي شيء، بل لم نسمع أي شيء ولم نشاهد أي شيء. بفضل هاجري وامثاله ما زال هناك إسرائيليون على قناعة بأن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. ومن غير الغريب أن اقالته اثارت موجة كبيرة للاعتراف بالجميل. أيضا حقيقة أن هاجري لم يرق لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أثرت بالتأكيد عندما بدأ يكبر وأصبح الأم القومية. منذ كؤوس المياه لنحمان شاي لم يكن لدينا أم كهذه في الحرب. هل هذا بالذات الذي قاموا باقالته؟ هاجري الذي أراحنا جدا في الوقت الذي فيه كل العالم قام بادانتنا وعزلنا.

يمكن التأثر من شخصية هجاري، من تهذيبه وظهوره – لكن بينه وبين النزاهة والاستقامة توجد فجوة كبيرة من الظلام. هجاري لم يقل في أي يوم الحقيقة حول ما يفعله الجيش الإسرائيلي في غزة، بالضبط مثلما لم يقل الحقيقة عن الذين قتلوا الصحافية شيرين أبو عاقلة في جنين. هذه كانت وظيفته، وهذا كان دور كل متحدث بلسان الجيش الإسرائيلي – التغطية على جرائم الجيش. 

منذ عشرات السنين وأنا اطلب ردود من المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي عن الأخطاء اليومية للاحتلال. ولم احصل في أي يوم على رد حقيقي واحد. الردود العامة تتراوح بين “تم فتح تحقيق”، الذي مشكوك فيه اذا تم فتحه ولن ينتهي الى الأبد، ومرورا بـ “الحادثة معروفة لنا” وانتهاء بـ “يعرض الحياة للخطر” (ولد يمسك حجر أو فتاة على نافذة بيتها). عن الألم وعن الخطأ، عن الاعتراف بالذنب وتحمل المسؤولية أو القليل جدا من الندم، لم يسمع المتحدث بلسان الجيش لاسرائيلي طوال حياته. هجاري كان المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي في السنوات الأكثر ظلامية للجيش، والآن هو رمز النزاهة. هجاري تحدث عن الإبادة الجماعية، والآن هو رمز الإنسانية في إسرائيل. من كان يصدق ذلك؟. 

إن الحزن والنحيب على اقالة هجاري تبلغنا عن الذين ينتحبون أكثر بكثير مما تبلغنا عن هجاري نفسه. لأنه في نهاية المطاف لم يكن يجب علينا توقع أي شيء منه، في وظيفة التي جوهرها الخداع والدعاية. من يتأثر من هجاري يقول في الحقيقة: اكذبوا علينا مرة أخرى، بقدر استطاعتكم. أعطونا المزيد من هذا الخداع اللطيف للجيش الأخلاقي، قولوا لنا المزيد عن كم نحن جميلون وكم هو جميل جيشنا، ومن الأفضل أن يأتي ذلك على لسان ضابط بليغ. هكذا بالضبط كان هجاري، كم كان معزيا أن نسمع منه بأنه لا توجد مشكلة في تدمير برج سكني في قطاع غزة لأنه في احدى الشقق فيه كان يعيش نائب المسؤول المالي في حماس. وكم هو جيد أن نعرف من فمه بأن جنودنا لم يقتلوا في أي يوم أطفال أو نساء، وأن العالم فقط يقوم بالافتراء علينا.

الرغبة في الظهور بمظهر جيد والشعور بالرضى عن انفسنا وعن جيشنا، هي رغبة شديدة الى درجة أن إسرائيلي وسيم مثل هجاري قادر لوحده على اشباع رغبتنا. هو ليس ايتمار بن غفير أو عوفر فنتر، هو ارض إسرائيل الجميلة، البلاد التي استقبلتنا بالترحاب، البلاد الأخلاقية والقيمية والتي اخفت عنا بلطف كل جرائمها منذ اقامتها. الآن تخيلوا، تم طرده.

——————————————-

هآرتس 9/3/2025

“لم يقتلوا الرضيع بأمر بل تربوا على ذلك”.. قالها فجمدوا عمله: هذه قوانيننا!

بقلم: أسرة التحرير

استسلمت جامعة بن غوريون استسلاماً معيباً لضغوط سياسية حين قررت تجميد المحاضر د. سبستيان بن – دانيال في أعقاب ما كتبه في الشبكات الاجتماعية منتقداً سياسة إسرائيل. ومعنى التجميد هو مس ملموس بحرية التعبير، الشقيق التوأم للحرية الأكاديمية. انثناء رؤساء الجامعة نقطة حضيض جديدة في هجمة الحكومة على كل مركز تفكير مستقل ونقدي. إذا كان رؤساء الأكاديميا يعملون كرقابة تطوعية، فمن يحتاج إلى “قوانين الإسكات” بعد اليوم؟

د. بن – دانيال محاضر لعلوم الحاسوب في كلية العلوم الطبيعية في جامعة بن غوريون. إلى جانب عمله الأكاديمي، هو نشط في الشبكات الاجتماعية. أحياناً ينشر في وسائل الإعلام، بما فيها “هآرتس”. في هذا الإطار، يوجه نقداً حاداً لسياسة إسرائيل وأعمالها في غزة والضفة الغربية، وذلك تحت اسم “جون براون”. في الأسبوعين الأخيرين، بات يقف في مركز هجمة منظمة لنشطاء اليمين، من داخل الجامعة وخارجها، عقب أقوال كتبها معقباً على قتل فلسطينيين أبرياء في “المناطق” [الضفة الغربية]. في “بوست” أشرك فيه تقريراً من “هآرتس” عني بقتل امرأة حامل بإطلاق النار عليها عقب التخفيف في تعليمات فتح النار، كتب يقول: “جنود الجيش الإسرائيلي يقتلون رضيعاً ليس بسبب أوامر عسكرية، بل لأنهم تربوا على أن يكونوا قتلة رضع”. غير أن قتل المدنيين الفلسطينيين تجاهله الجمهور الإسرائيلي، وكل من تجرأ على صدعه يصبح عدواً للشعب.

على طريقة منظمة الوشاة “إن شئتم”، منذ الأزل، بادرت هذه إلى عريضة لإقالة د. بن – دانيال وقع عليها أكثر من ألف طالب. في البداية، وقفت الجامعة في الثغرة، وشجبت المنشورات لكنها أشارت إلى أنها “لم تتم في إطار العمل الأكاديمي”. لكن بعد أن شدد نشطاء اليمين الضغط والحملة، استسلم رؤساء المؤسسة وجمدوا بن – دانيال “حتى استيضاح الشكاوى”، بذريعة لا أساس لها من الصحة؛ بأن المحاضر خرق الرمز الأخلاقي ومس بـ “كرامة الطلاب” وبـ “إحساسهم بالأمن”.

محاولة الجامعة الدفاع عن قرارها محاولة محرجة، ودليل آخر على وباء الانبطاح. منشورات د. بن – دانيال محمية بحرية التعبير ولا ترتبط بعمله الأكاديمي. فضلاً عن ذلك، فإن الإعراب عن الرأي، مهما كان حاداً لا يمكنه اعتباره “مساً بمشاعر” الجمهور أو مبرراً لفرض العقوبات. لا يمكن الشك في أن رؤساء المؤسسة يعرفون هذا: قبل بضعة أشهر، هم وجماعات أخرى، حذروا من “قانون الإسكات” الذي يستهدف به الائتلاف على حد قولهم “تصنيف الأكاديمية كجسم غير موال للدولة، وملاحقة العلماء، والباحثين والمحاضرين بهدف إسكاتهم”.

جامعة بن غوريون تخون واجبها للدفاع عن حرية التعبير. على رئيس الجامعة، البروفيسور دانيال حايموفتس، والعميد البروفيسور حاييم هايمس، أن يعيدا د. بن – دانيال إلى العمل الكامل.

—————–انتهت النشرة—————–