مقالات

كتب محمد الصفدي: انفصامية الوجدان ما بين الوجع الوطني والقومي

شبكة المسار الاخباري….

لطالما كانت سوريا ركيزة اساسيه في التضامن مع الوجع الخارجي القومي للامه الا وهو فلسطين . سوريا قيادة وحكومة وشعبا بلا استثناء تضامنت مع مظلومية فلسطين واحتضنتها ودعمتها اكثر من اي طرف عربي اخر .

لكن الشعب السوري كان موجوعا بمظلوميته الداخليه الوطنيه اسوة بكل الشعوب العربيه الواقعه تحت سطوة الانظمه الشموليه المركزيه الفاسده . قيادة سوريا استغلت كغيرها قضية فلسطين كيافطة جذابه لتبييض صفحتها وقدمت لها اكثر من بقية الانظمه بل ودفعت بلا شك ثمن موقفها من خلال الحصار والاستهداف الصهيوامريكي. الربيع العربي كان خطة معده لنشر “الفوضى الخلاقه” على اساس استغلال المظلوميات والتناقضات والشروخ الداخليه واعادة تركيب الانظمه العربيه لبناء شرق اوسط جديد . هذا الربيع استهدف بالاساس بالاساس دول الطوق من اجل بناء حزام امن حول اسرائيل وتطبيع وجودها الهجين والمستهجن .

الربيع العربي الذي يمتطي صهوة المظلوميه والوجع الداخلي والمدفوع بتيارات مضاده خاصة من الاخوان المسلمين وغيرهم ومن الشرائح المضطهده والموجه خارجيا فكك مصر وتونس واليمن والعراق وسوريا ولاحقا السودان واصابت فلسطين منه “طرطوشة انشطاريه “.

في سوريا الدوله المحوريه تكثفت الخطة الربيعيه وتم تضخيم العامل الديني الطائفي وتضخيم “الثوره ” واستغلال الاعراق وتم التحشيد بشكل هائل بمشاركة اقليميه عالميه واسعه نظرا لمركزية سوريا في الوطن العربي وبجوار اسرائيل وخطوط التجاره والنفط والغاز .

في جولة الربيع الاولى تعثرت الخطه الغربيه العرببه بسبب تدخل روسيا وايران ومحور المقاومه في مواجهة حشود المرتزقه الجهاديه والتسليح والتمويل العربي الغربي ضد الحكومه السوريه ووصل الامر في ٢٠١٦ الى نقطة توازن وفك اشتباك ومنع ااتصعيد وبقيت الدوله جالسة على برميل بارود . وفي ذات الوقت فرضت امريكا قانون قيصر الخانق ضد سوريا وقامت تركيا وامريكا باستغلال ثروات سوريا المختنقه وسلحوا المعارضين على اختلاف مشاربهم وبالرغم من تصارعهم على الغنائم واختلاف تبعياتهم وولاءاتهم الخارجيه .

طوفان الاقصى اشعل فتيل الصراع في غزه قبل عام ونيف لاعتراض طريق صفقة القرن ولحقته مقاومة لبنان المتضامنه ومن ثم تضامن كل من اليمن والعراق . هذا الوضع الحرج الوجودي المخيف دفع المحور الصهيوني الامريكي الغربي للتسريع في خططه الاستكماليه لتركيع المنطقه كليا واستغلال انشغال روسيا باوكرانيا . اسرائيل تحركت بامر من محور امريكا وضربت في كل مكان وبلا قيود وضوابط اخلاقيه او قانونيه مما يدلل على الشيك المفتوح الذي اعطي لها للتحرك . الغرب كله ايد مجازرها وسلحها ورفض مجرد وقف اطلاق النار وسكت عن التجويع رغم الادعاء برفضه له .

بعد البطش الاجرامي بغزه انتقلت تل ابيب للبطش بلبنان بدعم وتسليح امركي نوعي واضح . الغرب كله كان يقصف غزه ولبنان وليس اسرائيل وحدها وربما بمشاركة عربيه اماراتيه وربما مغربيه خفيه لتعزيز حلف الدم والامن العربي الغربي الابراهيمي .

تفعيل خطة الاجهاز على سوريا فور الانتهاء من وقف اطلاق النار الملغوم في لبنان لم يكن اعتباطيا مثلما لم يكن الانتقال من غزه للشمال اعتباطيا .

مقاومة غزه ولبنان واليمن والعراق سجلوا حضورا واسطورة كفاحيه ولكن ميزان القوى ليس في مصلحتهم على الاطلاق خاصة في ظل صمت الانظمه والشعوب العربيه قاطبة باستثناء اليمنيين المعتصمين في الساحات . ايران هي الدوله الوحيده التي دعمت المقاومه بوضوح ولكنها تبقى دوله محاصره مستهدفه ولا يمكنها ان تدخل الحرب مباشرة وترتكب نفس خطا صدام الذي دخل في بطن الحوت بنفسه فالتهمه . ولا يمكنها ان تحارب عن حزب الله او عن حماس او عن الجيش السوري او ان تفتح حربا مباشره . هي ردت على الهجمات ضدها للحفاظ على توازن معين للرعب ولكن من دون الوقوع في بطن الحوت الذي يتاهب لافتراسها .

الغرب فعل خطة سوريا برياده تركيه هذه المره (وليس قطريه) وتبين وياللمفاجاه ان الجيش السوري قد فقد الرغبه والجاهزيه للقتال ولذلك لم يقاوم في حلب . نموذج حلب شجع تركيا وامريكا على دفع المعارضين الداعشيين للاستمرار جنوبا وانهارت حجارة الدومينو سريعا دون قتال تقريبا. لم يكن بامكان روسيا او ايران القتال بدلا عن اصحاب المصلحه السوريين انفسهم . في هذه المرحله تبلور قرار خروج الاسد وتسليم السلطه سريعا ودون قتال .

وهكذا سقط رمز اضطهاد السوريين منذ عقود والمسبب لوجعهم الداخلي ولكن وياللمفارقه على يد رموز لا يقلون شراسة وبطشا وطغيانا وذوي ولاءات خارجيه واضحه لا لبس فيها مهما تسترت وتزركشت .

انشغال السوريين بالتغيير وخوفهم منه ومشاعرهم المختلطه خرجت كالطوفان تكيفا او تفجرا او نشوة الى حين ….وقام الاعلام الغربي بتوجيهها بمنهجية واضحه نحو الشيطنه والتضخيم لجرائم النظام الراحل من اجل التغطيه على مقتلة غزه المستمره وهجمات اسرائيل وتركيا على المقدرات السوريه والجيش السوري ومن اجل تلميع صورة دعاة الثوره الموصومين الملطخين ، وابرازهم وكانهم ممثلين حقيقين اصيلين اطهار الاكف عن الشعب السوري. هدف الغرب معروف من وراء ذلك ويشاطرهم( كل لاسبابه )، في هذه الحمله التجميليه التيارات الاسلاميه الاخونجيه وحزب التحرير وتركيا والخلجان على راسهم قطر كبيرة المتآمرين على سوريا.

الان بعد سقوط دمشق الذي يصفق له البعض ويبكيه الاخرون …اصبحت سوريا مستباحة تماما وفي مهب الريح والطريق مشرع نحو الاحتلالات والقضم والتقسيم والطائفيه والعرقيه والدويلات والاقتتال وتصفية الحسابات الخ الخ.

اهم انجاز سلبي في هذا التغيير هو ان سوريا الدوله العربيه القوميه العلمانيه الممانعه قد انتهت على الاقل لعقدين قادمين ، واصبحت جزءا من المنظومه الصهيو الامريكيه وسنعود مرة اخرى لصفقة القرن ، وخارطة طريق تصفية المسأله الفلسطينيه التي تقض مضجع الوجدان العربي والدولي .

كل الحديث عن الثوره والتحرير والحريات والديمقراطيه والمساواه القادمه في سوريا التي ترقص وتبكي فرحا وحزنا وخوفا ونشوة تحت علم الانتداب ،ضحك على ذقون السوريين وتجميل للنفق المظلم الذي دخلوه بقيادة الجولاني الداعشي المعصرن . الهدف المركزي هو تمرير مشروع تفكيك سوريا تحت يافطة “التحرير والثوره الملتحيه ” .

على محور المقاومه ان يعيد حساباته وخططه وان يقر بالخساره النوعيه ، وان ينتقل من الهجوم للدفاع حفاظا على نفسه ومن اجل اعادة التقييم وبناء طاقاته وقدراته بإنتظار حصول تغيرات اقليميه دوليه كاسره للتوازنات وتغير مهب الرياح لمصلحة الشعوب .الفصل الحالي من المقاومه انتهى لمصلحة الحلف الرجعي الصهيو امريكي رغم الانجازات والتضحيات العظام ومن الآن ستدخل المنطقه في العصر الصهيو امريكي .

ما بين مظلومية ووجع الشعب السوري الحقيقي وبين مظلومية ووجع فلسطين المديد ضاعت البوصله وانفصم الوجدان العربي الموجوع ما بين الوجع الداخلي الوطني والوجع الخارجي القومي ، وولج العدو والطامع الاجنبي من هذا الشرخ فكان ما كان .