مقالات

بقلم إسماعيل الريماوي/لماذا لم تُعلن السلطة الفلسطينية قطاع غزة منطقة منكوبة إنسانيًا؟

المسار الإخباري :في ظل الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، التي تُعد واحدة من أسوأ الأزمات في العصر الحديث، يبرز سؤال ملحّ: لماذا لم تُقدم السلطة الفلسطينية على إعلان غزة “منطقة منكوبة إنسانيًا”، رغم انطباق معظم المعايير الدولية لهذا التوصيف على ما يعانيه القطاع من دمار شامل ونزوح واسع ومجاعة تهدد مئات الآلاف من المدنيين، خصوصًا الأطفال؟

بحسب القوانين الدولية، يُعلن عن منطقة “منكوبة” عندما تتعرض لكارثة تفوق قدرة الجهات المحلية على الاستجابة لها، مما يستدعي تدخلاً دوليًا واسعًا. وفي حالة غزة، يُؤكد الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 17 عامًا، والدمار الهائل الناتج عن الحرب الشاملة منذ أكتوبر 2023، إلى جانب شلل النظام الصحي ونزوح أكثر من 1.7 مليون شخص، أن غزة تستوفي جميع شروط هذا التعريف.

ولكن رغم ذلك، لم تُقدم السلطة الفلسطينية على اتخاذ هذه الخطوة، مما يثير تساؤلات حول التردد الرسمي، خاصة مع تصاعد الدعوات من منظمات حقوقية وإنسانية تطالب السلطة بتحمل مسؤولياتها بعيدًا عن الحسابات السياسية والخلافات الفصائلية.

التردد السياسي وثمنه الإنساني

في مثل هذه اللحظات الحرجة، يجب أن تتجاوز المسؤولية الوطنية الاعتبارات الحزبية، وأن تلامس صميم المعاناة الإنسانية التي تهدد شعبًا بأسره. ولكن السلطة، كما يبدو، تخشى الاصطدام بالإرادة الأمريكية والإسرائيلية، مفضلة البقاء في دائرة التصريحات الرمادية والمواقف الباردة، رغم دفع المدنيين ثمنًا باهظًا من أرواحهم.

السلطة تتجنب إعلان غزة “منطقة منكوبة” خوفًا من تحميل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة، كما أنها ترفض مواجهة دولية قد تُجبرها على اتخاذ مواقف جريئة. بدلاً من ذلك، تستمر السلطة في تبني خطاب يحمّل المقاومة في غزة جزءًا من المسؤولية، رغم تصريحات إسرائيلية تُظهر بوضوح أن الهدف هو التهجير الجماعي وليس القضاء على المقاومة فحسب.

إهمال الضفة الغربية

المعاناة لا تقتصر على قطاع غزة وحده. ففي الضفة الغربية، تتعرض مدن مثل جنين وطولكرم لاعتداءات متكررة وعمليات قتل يومية، دون رد فعل من السلطة الفلسطينية. هذا التواطؤ الضمني دفع العديد من الأهالي والتجار إلى إعلان الإضراب تعبيرًا عن غضبهم من التقاعس الرسمي.

الشعب وحده يدفع الثمن

ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو اختبار لمدى التزام الأطراف الفلسطينية بمسؤولياتها تجاه الشعب. إعلان غزة منطقة منكوبة ليس فقط خطوة إدارية، بل هو إعلان سياسي وأخلاقي، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته.

ولكن يبدو أن أولويات السلطة تتجه نحو التحركات الدبلوماسية الشكلية والاجتماعات الفارغة، في وقت تُدك فيه غزة، ويُقتل الأطفال جوعًا وقصفًا، بينما تُترك الضفة في مهب التصعيد.

خاتمة: هل لا تزال للسلطة شرعية تمثيل شعبها؟

في ضوء هذا التقاعس، يتساءل العديد من الفلسطينيين والعرب عن جدوى استمرار السلطة في شكلها الحالي، وهل لا تزال تمتلك شرعية تمثيل شعبها في ظل عجزها عن اتخاذ أبسط الإجراءات السياسية والإنسانية تجاه كارثة بهذا الحجم؟ إن السكوت عن إعلان غزة منكوبة ليس فقط تجاهلًا قانونيًا، بل تواطؤ سياسي يُعمق عزلة السلطة ويُضعف ما تبقى من رصيدها الشعبي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار الإخباري