إسرائيلياتدولي

نتنياهو وسياسة اللعب بالنار في سوريا: خلق عدو مفترض وتصعيد غير محسوب مع تركيا وتكرار أخطاء الماضي

المسار الاخباري : نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا لمديرة الأبحاث في منتدى السياسة الإسرائيلية، شيرا إيفرون، والزميل الباحث في برنامج إيران بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، داني سيترينوفيتش، قالا فيه إن النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا ازداد عدوانية في الأشهر التي تلت انهيار نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.

فقد احتل الجيش الإسرائيلي المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة والتي أُنشئت بعد حرب عام 1973، ونفذ ضربات ضد البنية التحتية السورية، وأنشأ تسعة مواقع عسكرية جديدة. وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، مرارا أن جيشه سيبقى في سوريا “إلى أجل غير مسمى”.

وفي آذار/ مارس، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خطط لإنشاء مناطق نفوذ من خلال تحالفات مع الأقليات، بالإضافة إلى إنشاء منطقة منزوعة السلاح بطول 30 ميلا تمتد من الحدود الإسرائيلية إلى دمشق.

ويقول الكاتبان إن هذا يمثل تحولا جذريا عن نهج إسرائيل الحذر تجاه جارتها الشمالية. شعرت إسرائيل بقدرتها على إدارة نظام الأسد، وبدأت إجراءات الجيش الإسرائيلي بعد كانون الأول/ ديسمبر كجهد لمنع وقوع القدرات العسكرية في أيدي جهات أقل وضوحا.

ورغم اتفاق الكاتبين مع مخاوف إسرائيل من الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، بالنظر إلى ارتباطاته الجهادية السابقة، لكن إسرائيل الآن تتجاوز حدودها. وبعد السيطرة على دمشق، أظهر النظام السوري الجديد بوضوح أنه لا مصلحة له في الصراع مع إسرائيل، حتى أنه طرح إمكانية تطبيع العلاقات. ويجب الحكم على الحكومة السورية الجديدة من خلال أفعالها وليس فقط أقوالها، بحسب ما يقول الكاتبان، لكنها في المقابل تتيح لإسرائيل فرصة ذهبية محتملة لتعميق عزلة إيران، وتحويل سوريا من عدو إلى جار مسالم، وتحقيق الاستقرار في منطقتها.

ويرى الكاتبان أن المخاوف الأمنية هي التي تدفع تصرفات الحكومة الإسرائيلية تجاه سوريا، إلا أن هذا لاينفي الرغبة في إثبات قوتها أمام جيرانها، ومحاولة تجاوز فشل التكهن ومنع هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تدفعها لهذا التصرف أيضا.

لكن في حالة استسلم قادة إسرائيل لرغبة تصعيد توسعهم في سوريا، فقد يخلقون عدوا جديدا في وقت لا يوجد فيه عدو حاليا. وستفاقم إسرائيل من خلافها مع تركيا، مما يدفع البلدين نحو حافة صراع عسكري جديد لا داعي له.

وترى المجلة أن إسرائيل حاولت عندما اندلعت الحرب الأهلية السورية عام 2011، منع ترسيخ حزب الله وإيران لمواقعهما في سوريا من خلال تنفيذ ما أسمته “الحرب بين الحروب”، مع التركيز بشكل رئيسي على منع إيران من تهريب الأسلحة إلى لبنان. ولم تدعم إسرائيل رسميا أيا من الطرفين في الحرب الأهلية، مع أن قادة إسرائيل فضّلوا الأسد على خصومه، واصفين إياه في جلسات خاصة بـ”الشيطان الذي نعرفه”، وحرصوا على ألا تعرض جهود إسرائيل لمواجهة نفوذ إيران المتزايد حكمه للخطر.

والتطور الجديد في الموقف الإسرائيلي بعد تشرين الأول/أكتوبر هو الرغبة في توسيع وتعزيز المناطق العازلة. ففي آذار/ مارس 2025، قال وزير الدفاع كاتس بأن العمليات البرية المتوسعة للجيش الإسرائيلي في غزة تهدف، جزئيا، إلى “الاستيلاء على أراض واسعة” تضاف بشكل دائم إلى “المناطق الأمنية لدولة إسرائيل”.

وفي لبنان، وعلى الرغم من توقيع وقف إطلاق النار مع حزب الله في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وعلى الرغم من حقيقة أن حكومة جديدة أقل ولاء لحزب الله استولت على بيروت في شباط/ فبراير، إلا أن الجيش الإسرائيلي يحتفظ بخمس نقاط إستراتيجية بالقرب من الحدود.

ويعتقد الكاتبان أن سقوط الأسد فاجأ إسرائيل، وكان عليها تطوير إستراتيجية جديدة نحو سوريا. وعلى الفور، تحركت إسرائيل لتدمير قواعد سلاح الجو السوري والطائرات ومستودعات الصواريخ، وعززت دفاعاتها الحدودية واستولت على المنطقة العازلة التي فرضتها الأمم المتحدة بمساحة 145 ميلا مربعا. وأقام الجيش الإسرائيلي مواقع جديدة داخل سوريا، وعبّد طرق الوصول إليها، وحفر الخنادق، ونشر مئات الجنود هناك.

ومع ذلك، وبالنظر إلى أن النظام السوري الجديد لا يشكل تهديدا وشيكا لإسرائيل، فإن هذا النهج أقل جدوى إستراتيجيا بكثير مما هو عليه في لبنان. فقد ظلت الحدود الإسرائيلية السورية هادئة طوال حرب غزة، ولم يضطر الإسرائيليون الذين يعيشون على امتدادها إلى المغادرة. وقد تخلت حكومة الشرع عن الخطاب الرسمي السوري المناهض لإسرائيل منذ فترة طويلة. كما تعهد الشرع بالالتزام باتفاقية فك الارتباط، وأعلن في كانون الأول/ ديسمبر: “لا نريد أي صراع، سواء مع إسرائيل أو أي جهة أخرى”، مضيفا أنه لن “يسمح باستخدام سوريا كمنصة انطلاق لهجمات”.

لكن إسرائيل تعاملت مع حكومة الشرع باعتبارها عدوا. ففي أواخر كانون الأول/ ديسمبر، غزا الجيش الإسرائيلي منطقتين أخريين على الأقل في سوريا خارج المنطقة العازلة، وزاد من وتيرة ونطاق ضرباته في عمق الأراضي السورية، على الرغم من أن وتيرتها قد انخفضت خلال الأسبوعين الماضيين.

وتبرر إسرائيل إجراءاتها أو بعضها بأنها تهدف لحماية الأقليات، وخاصة الدروز، الذين يعتبرون حلفاء محتملين. ومع ذلك، ينظر العديد من أفراد المجتمع الدرزي السوري بعين الريبة إلى مزاعم إسرائيل بأنها حليفتهم. ففي منتصف آذار/ مارس، اندلعت احتجاجات في مدينة السويداء السورية ذات الأغلبية الدرزية، اتهم خلالها زعماء الدروز إسرائيل بتقويض وحدة الأراضي السورية. كما أن محاولة إسرائيل إقامة شراكات مع الأقليات المسلمة غير السنية تتعارض مع رغبة معظم السوريين المنهكين من الحرب في دولة موحدة ومستقرة.

كما يعد إصرار نتنياهو على أن تكون المناطق جنوب دمشق بأكملها “منزوعة السلاح” هدفا يصعب على الشرع قبوله، إذ يعني ذلك على الأرجح التخلي عن السيطرة على هذه المنطقة.

في المقابل، دأبت إسرائيل على تقويض سلطة الشرع من خلال الضغط على الولايات المتحدة للحفاظ على عقوباتها على سوريا والتنسيق الوثيق مع موسكو لمساعدة روسيا في الاحتفاظ بقواعدها العسكرية. ويثير انفتاح إسرائيل على روسيا الريبة، بالنظر إلى أن التدخل الروسي في سوريا لإنقاذ الأسد قبل عقد من الزمان، ساعد في ترسيخ النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط.

تُشكل عدم ثقة إسرائيل بحكومة الشرع مفارقة أخرى. فقد اتهم القادة الإسرائيليون فريق الشرع بإخفاء حقيقته. ففي آذار/ مارس، ادعى وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أن فريق الشرع “كان جهاديا ويظل جهاديا، حتى لو ارتدى بعض قادته بزات رسمية”.

لكن إسرائيل تعوّل على موقف الشرع المناهض لإيران لمنعها من إعادة ترسيخ نفوذها الإقليمي. ورغم أن تقويض سلطة الشرع قد يعزز قبضة إسرائيل على منطقتها العازلة على المدى القصير، إلا أن مصلحة إسرائيل على المدى الطويل تكمن في استقرار سوريا.

كما تعمل إسرائيل على منع تركيا من ترسيخ نفوذها في سوريا. وقد أحبطت إسرائيل الجهود التركية لإعادة بناء قدرات الجيش السوري بقصف القواعد الجوية التي سعت أنقرة للسيطرة عليها. وقد تعامل الخطاب الرسمي الإسرائيلي بشكل متزايد مع تركيا كعدو. فعلى سبيل المثال، أشار تقرير صادر عن لجنة حكومية معنية بشأن ميزانية الدفاع في كانون الثاني/ يناير 2025 إلى “التهديد التركي”، زاعما أن تركيا تأمل في جعل الجيش السوري “وكيلا لها كجزء من حلم تركيا بإعادة التاج العثماني إلى مجده السابق”. وهذا بدوره من شأنه أن “يعمق خطر المواجهة التركية- الإسرائيلية المباشرة”.

في أواخر شهر آذار/ مارس، غرد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، قائلا إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “معاد للسامية” ويشكل “تهديدا للمنطقة”.

ويعلق الكاتبان أن قادة إسرائيل على ما يبدو يريدون استبدال التهديد الإيراني المتراجع بتهديد تركي جديد مزعوم.

ويشير الكاتبان إلى البعد الداخلي في سياسة نتنياهو تجاه سوريا، فهو تريد إثبات أن إسرائيل تصول وتجول في سوريا بدون أي مقاومة. وهو ما يظهر في وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع ذلك، فنهج إسرائيل في سوريا قد يقود بالفعل عن نتائج عكسية. ففي الثاني من شباط/ فبراير، صرّح وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة لصحيفة “واشنطن بوست” بأن توغلات الجيش الإسرائيلي كانت “انتهاكا للشعب السوري”. ولعدة أشهر، امتنع الشرع عن انتقاد سلوك إسرائيل التصعيدي، وهو ما كان يمكن للقادة الإسرائيليين اعتباره علامة أمل. ولكن في آذار/ مارس، بدأ الشرع نفسه في التعبير عن غضبه، واصفا تقدم إسرائيل بأنه “توسع عدائي”.

في أواخر آذار/ مارس وأوائل نيسان/ أبريل، تعرضت قوات الجيش الإسرائيلي في سوريا لإطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين. وإذا واصلت إسرائيل موقفها العدواني، فقد يسمح الشرع أو حتى يدعم هجمات هذه الجماعات المسلحة على الجيش الإسرائيلي. وقد يزيد الاستياء من الجيش الإسرائيلي من احتمالية اندلاع تمرد، مما قد يجر الجيش إلى الدخول بعمق أكبر في الأراضي السورية.

وإذا ظلت الحكومة السورية الجديدة معتدلة واستطاعت ترسيخ سلطتها، فسيكون الجانب الإيجابي لإسرائيل هائلا. سيكون لها جار مستقر غير تابع لإيران، يمتلك جيشا فعالا قادرا على القيام بعمله لمواجهة تهديدات الجماعات المتطرفة. إسرائيل ليست متفرجة سلبية على مسار السياسة السورية.

كما يجب على إسرائيل أيضا تغيير نهجها تجاه تركيا. ففي اجتماع مع نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر، أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأردوغان، ودعا البلدين إلى إصلاح علاقتهما. في 9 نيسان/ أبريل، بدأت جولة من المحادثات بين إسرائيل وتركيا، بوساطة أذربيجان. وينبغي على إسرائيل استخدام هذه المناقشات ليس فقط لإنشاء آلية لفض النزاع، ولكن أيضا لتهدئة التوترات تماما.

يشبه نهج إسرائيل الحالي جهودها لإنشاء منطقة أمنية في جنوب لبنان في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، والتي أسفرت عن حرب استنزاف عمقت الاستياء اللبناني وسهّلت على حزب الله السيطرة على البلاد بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي عام 2000.

ويجب على إسرائيل ألا تكرر هذا الخطأ. وينبغي على الحكومة الإسرائيلية العمل بشكل أوثق مع شركائها الإقليميين والدوليين لمنع سوريا من الوقوع مجددا في الفلك الإيراني، بالإضافة إلى تعطيل وإزالة بقايا الأسلحة البيولوجية والكيميائية المتبقية من عهد الأسد، بحسب رأي الكاتبين دائما.