
المسار …
عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
في الرابع من حزيران/يونيو من كل عام، تحيي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يوم الشهيد، تخليدًا لأرواح قادتها ومناضليها الذين صنعوا المجد وعبّدوا بدمائهم درب الحرية، ولجميع شهداء شعبنا الفلسطيني. غير أن يوم الشهيد هذا العام يأتي على وقع مجازر لا تتوقف، وسط حرب إبادة جماعية مستمرة منذ أكثر من 600 يوم، حصدت أرواح أكثر من 54 ألف شهيد، وخلّفت أكثر من 123 ألف جريح، وأدت إلى تدمير ما يزيد على 80% من منازل قطاع غزة بين هدم كلي وجزئي، في عدوان ممنهج يستهدف الإنسان الفلسطيني في وجوده وحياته وكرامته.
هذه الحرب، التي تجمع بين التجويع والتعطيش والاقتلاع والتهجير والتقتيل الجماعي، ليست سوى حلقة جديدة في مشروع الاحتلال القائم على الإبادة والتهجير، بغطاء أميركي ودولي فاضح، وصمت مريب من “المجتمع الدولي”، الذي لم يعد مكفوفًا فقط، بل متواطئًا وشريكًا في الجريمة.
في قلب هذا الجرح النازف، يعود يوم الشهيد ليضيء بوهجه نار الذاكرة الوطنية، ويعيد إلى الأذهان وجوهًا لا تغيب من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية والشهداء القادة والمقاتلين، الذين نذروا أنفسهم لفلسطين، وساروا على درب النضال حتى الشهادة، دون أن تنكسر إرادتهم أو تلين عزيمتهم.
إنها ليست مجرد أسماء، بل محطات نضال متواصلة تُجسّد فكر الجبهة الديمقراطية ونهجها التحرري التقدمي، حيث اجتمعت البندقية بالوعي، والمقاومة بالفعل السياسي الثوري، والتمسك بالحقوق الوطنية بلا مساومة. فمنهم من سطر بطولات الكفاح المسلح، ومنهم من خاض معركة الأسر كالمعلم عمر القاسم، ومنهم من كان راسمًا للبرنامج الوطني المرحلي والموقف الوحدوي، ودافعوا عن وحدة الهدف ووحدة الميدان حتى الرمق الأخير.
واليوم، في ظل صمت عربي ودولي، واتساع رقعة التطبيع والانقسام، يتحوّل يوم الشهيد من مجرد وقفة رمزية إلى صرخة سياسية وأخلاقية بوجه الجريمة المستمرة، وعهد نضالي متجدد مع من سبقونا على درب الشهادة.
الوفاء للشهداء لا يكون فقط بترداد أسمائهم، بل بالتشبث بمبادئهم: الوحدة، المقاومة، العدالة، وحق تقرير المصير. فدماء خالد نزال، الذي اغتاله الموساد خارج الوطن، ووصايا عمر القاسم، التي تطرق جدران الخزان منذ عقود، تظل حية فينا، تلزمنا بأن “لا نسقط الراية”، ولا نحيد عن المشروع الوطني التحرري.
وإننا، إذ نُحيي يوم الشهيد في زمن المجازر الجماعية، نؤكد أن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ستبقى على العهد، أمينةً لدماء شهدائها، متمسكة بالمشروع الوطني الديمقراطي التحرري الجامع، المقاوم للاحتلال والتجزئة والهيمنة، والقائم على وحدة الشعب والحقوق والدولة والعودة.
في هذا اليوم المجيد، نُجدد العهد لرفاقنا الشهداء بأن نواصل الطريق، حتى تحقيق أهداف شعبنا في العودة والحرية والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، على ترابها الوطني، وعودة اللاجئين وفق القرار الأممي 194، وتحرير الأسرى، وبناء مجتمع وطني ديمقراطي حر.
فالموت لا يُغيّب الشهداء… بل يُخلدهم في ذاكرة الوطن كأعمدة للحرية لا تسقط، وجذوة نضال لا تنطفئ، مهما اشتد ظلام العدوان.