مقالات

“بقلم: وفاء درباس” نصف خبزة… نصف راتب… حياة كاملة النساء الفلسطينيات في المخيمات بين الكدح والتجاهل

المسار الإخباري :في زوايا المخيمات، حيث الحلم أضيق من نافذة، والصوت أخفت من أن يُسمع،

تولد كل صباح قصة امرأة تصارع الحياة… بنصف راتب، بنصف وجبة، لكن بكامل الإصرار.

ليست امرأة واحدة.

بل نساء كثيرات.

نساء يحملن بيوتا على أكتافهن، وأطفالا في قلوبهن، وهم الغد في عيونهن

نساء يعملن بلا اعتراف، يُتعبن أجسادهن في عمل يومي لا يسمى عملا، فقط لأنه بلا أوراق، وبلا ضمان، وبلا أمان.

لأن الجميع يحتاج والمرأة تتحمّل

في المخيم، لا خيار للمرأة سوى أن تكون قوية.

لأن البيت لا ينتظر، والدواء لا يؤجل، والخبز لا يأتي بالدعاء.

تعمل في مركز أهلي، أو في مطبخ صغير، أو في حضانة، أو حتى من بيتها تخيط أو تطبخ أو تدرّس،

وتتقاضى أجورًا زهيدة — بالكاد تكفي ثمن دواء مزمن، أو جزءا من إيجار.

وغالبا ما يكون العمل بلا عقد، بلا تأمين، بلا أي اعتراف قانوني

لأن البديل ببساطة هو الجوع.

على لسان من تعبْن:

سناء (40 عامًا):

بشتغل من الصبح للمساء بمطبخ تابع لجمعية، وبالآخر بيقولولي: هاد بدل دعم، مش راتب. وإذا اشتكيت، بيقولوا: في غيرك ناطر

ربى (25 عامًا):

أنا خريجة، صار إلي سنة بدرب أطفال بمركز مجتمعي… بيقولولي تدريب، بس بالحقيقة عم أشتغل شغل كامل بدون عقد أو اعتراف

أم محمد (أرملة):

أنا معيلة لأولادي، بس ما حدا بيعترف فيي كربة أسرة، لأن ما معي ورقة وفاة رسمية لجوزي. شو بعمل؟ بشتغل أي شغلة تطلع، ولو ببلاش أحيانا.

غائبات عن القانون عن الدولة وعن العالم

المرأة الفلسطينية اللاجئة لا يحكمها قانون عمل، ولا تستفيد من أي نظام حماية اجتماعية.

هي لا تخضع لقوانين الدولة، لأن وجودها محكوم بوضع “لاجئ”.

ولا تستفيد من الأونروا، لأن الوكالة لا تعنى بتوفير حماية قانونية للعمال.

وتُستثنى من الضمان الاجتماعي لأن الدولة تعتبر المخيمات خارج نطاق مسؤوليتها الإدارية.

تعيش في فراغ قانوني قاتل، فتستغل باسم العمل التطوعي وتهمل باسم العجز المالي

ويكفي أن نعلم أن آلاف النساء في المخيمات يعملن في مطابخ، في تنظيف، في تعليم مجتمعي، وفي دور رعاية

دون عقد، ودون أدنى حماية.

شهادة قانونية:

تقول محامية متخصصة بقضايا النساء اللاجئات:

بسبب ازدواجية المرجعيات، تُترك النساء دون حماية فعلية.

لا الدولة مسؤولة بشكل مباشر، ولا الأونروا تملك صلاحيات قانونية.

والنتيجة أن النساء يعملن في الظل بلا أجر ثابت، بلا تأمين صحي، ولا أي حق واضح.

والأسوأ؟ أن كثيرات منهن لا يجرؤن على المطالبة، لأن العمل نفسه مهدد بالتوقف عند أول اعتراض

من واقع الحياة اليومية:

أكثر من 60٪ من النساء العاملات في المخيمات يعملن بشكل غير رسمي.

لا ضمان اجتماعي، ولا تقاعد، ولا إجازات أمومة.

الأجور زهيدة، تصرف كدعم رمزي وغالبا غير منتظمة.

لا توجد رقابة قانونية على ممارسات بعض المؤسسات داخل المخيمات.

تم تسجيل عشرات الشكاوى الشفهية عن طرد نساء فقط لأنهن طالبن بحقوقهن.

وماذا عن النقابات والاتحادات؟

في قلب هذا الفراغ، تغيب النقابات والاتحادات النسائية،

أو تحضر بخجل لا يرتقي لحجم الوجع.

النساء العاملات لا يجدن جهة تدافع عنهن،

ولا صوتا ينادي بحقوقهن إن فصلن أو استغللن.

فلا النقابات تعترف بهن كعاملات رسميات

ولا الاتحادات تملك أدوات الحماية.

ويطرح هنا سؤال لا بد منه:

أليس من دور للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في حماية هؤلاء النساء؟

أليس من الواجب أن تبنى رؤية جديدة تشمل العاملات في المخيمات،

وأن تبتكر أدوات نقابية تناسب واقع العمل غير الرسمي، والنساء في مناطق اللجوء؟

فيتضاعف الغبن:

غياب الحماية… وغياب من يطالب بها.

لماذا النساء أكثر من غيرهن في هذا الوجع؟

لأنهن لا يعملن فقط لكسب المال

بل ليبقين البيت حيا.

يعلمن أبناءهن، يخدمن آباءهن، يطبخن، ينظفن،

ثم يخرجن للعمل في بيئة تسرق تعبهن بصمت،

وتخبرهن في النهاية: ما في ميزانية!

في المخيم، المرأة تعمل مرتين ولا تحسب مرة.

ما الذي يمكن تغييره؟

لسنا بحاجة لوعود فارغة، أو شعارات مؤتمرات.

بل نحتاج إلى:

الاعتراف القانوني بالمرأة الفلسطينية العاملة كفاعل اقتصادي حقيقي.

وضع حد أدنى عادل للأجور، حتى ضمن المشاريع الممولة.

إلزام الجمعيات والمؤسسات بعقود مكتوبة لحماية النساء العاملات.

إدماج النساء في برامج الضمان الصحي والاجتماعي، حتى ضمن نموذج خاص للمخيمات.

توفير حماية قانونية واستشارات مجانية للنساء اللاجئات.

مراجعة شراكة الدولة مع الأونروا لضمان عدم تضييع المسؤولية.

تفعيل دور الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين لحماية العاملات اللاجئات، وإنشاء آليات ملائمة تضمن حقوقهن وتعطيهن مساحة آمنة للمطالبة بها.

بصوت امرأة فلسطينية:

أنا امرأة فلسطينية،

لم تكتب أسمي في القوائم، ولم تسجل حكايتي في ملفات الدعم،

لكنني كنت دوما في قلب الحكاية.

حملت المخيم على ظهري، وخبزت الحياة بنصف طحين،

وسهرت الليالي أداوي وجعا لا يهدأ، ووجوها تنتظر.

لم أملك ورقة تثبت وجودي

لكنني كنت موجودة في كل زاوية، في كل وجبة أعددتها، في كل طفل لبّى نداء المدرسة.

عملت دون أجر عادل، دون ضمان، دون قانون يحميني،

لا لأنني ضعيفة، بل لأن أحدا لم يختر أن يراني.

أنا لست ظلا في حياة أحد

أنا عمود البيت، وحرارة الفرن، وصوت الدعاء في عتمة الليل.

لا أريد شكرا، ولا نظرات عطف،

أريد أن ينزل هذا التعب عن كتفي

أن يقال لي يوما:

أنتِ موجودة وحقك محفوظ.

فأنصفوني ليس كامتياز،

بل كحد أدنى من الكرامة.