أهم الاخبارعربي

قلق أميركي-إسرائيلي من صفقة مصرية صينية قد تغيّر قواعد اللعبة في المنطقة

المسار  : شهدت العلاقات المصرية الصينية في الآونة الأخيرة تطورًا ملحوظًا على المستويين العسكري والاقتصادي، حيث وقّع الجانبان اتفاقيات شاملة وعززا تعاونهما من خلال إجراء مناورات عسكرية نادرة. ويأتي هذا التقارب في وقت يتصاعد فيه القلق لدى الولايات المتحدة وإسرائيل من تنامي القدرات العسكرية المصرية، ومن تزايد الحضور الصيني في المنطقة، لا سيّما في ظل تذبذب العلاقات بين القاهرة وواشنطن في المجال العسكري.

وفي سابقة من نوعها، حلّقت طائرات مقاتلة مصرية إلى جانب نظيراتها الصينية في أول مناورات جوية مشتركة أُطلق عليها اسم “نسور الحضارة 2025”. وعلى الأرض، زار رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ القاهرة، حيث وقع اتفاقيات شملت مجالات الاقتصاد والبيئة والصحة، بما يعكس توجهًا نحو شراكة استراتيجية تمتد من الجو إلى الأرض.

وأثارت وتيرة التعاون الدفاعي المتسارعة بين مصر والصين بدورها قلقًا متزايدًا في الأوساط الإسرائيلية، إذ حذّرت وسائل إعلام ومراكز بحثية من أن مصر قد تدخل مرحلة متقدمة من التسلّح بالتكنولوجيا الصينية، بما يشمل الدفاع الجوي، والتشويش الإلكتروني، وحتى المقاتلات الشبحية. كما أن تزايد المشتريات العسكرية المصرية من الصين وروسيا، يثير حفيظة تل أبيب وواشنطن، ويهدد مستقبل المساعدات العسكرية الأمريكية التي تبلغ 1.3 مليار دولار سنويًا، ويمنح الصين موطئ قدم أكبر داخل مصر، بحسب ما أورده مركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية الإسرائيلي.

مع ذلك، تشدد القاهرة على أن شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لا تزال قائمة، وأن التعاون مع الصين يأتي ضمن سياسة “تنويع مصادر السلاح” التي تبنّتها منذ عام 2013، لتجنّب الاعتماد الكامل على أي طرف خارجي واحد. وتحتل الصين حاليًا المرتبة العاشرة بين المستثمرين في مصر، بحجم تبادل تجاري بلغ 17 مليار دولار، وخطة طموحة لرفع الاستثمارات إلى 16 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة.

وأثارت تقارير عن احتمال حصول مصر على مقاتلة J-35 الشبحية الصينية حالة من القلق لدى الولايات المتحدة وإسرائيل، في ظل ما تحمله هذه الخطوة من دلالات استراتيجية عميقة على موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط المضطربة. فعلى مدار عقود، اعتمدت القاهرة بشكل كبير على المساعدات العسكرية الأميركية، غير أن توجهها مؤخرًا لتنويع مصادر تسليحها، والانفتاح على الصين وموردين آخرين، يعكس تحولًا جذريًا في سياستها الدفاعية.

ويأتي هذا التحول في وقت تشهد فيه العلاقات بين القاهرة وواشنطن توترًا متصاعدًا بسبب تباين أولوياتهما الإقليمية. فالمقاتلة J-35 الصينية، التي تُعد من الجيل الخامس، تحمل خصائص شبحية متطورة وقدرات هجومية عالية، ما يجعلها قادرة على إحداث فارق حقيقي في موازين القوة الجوية في المنطقة. الأمر الذي يطرح تساؤلات محورية، ما الذي يثير القلق لدى واشنطن وتل أبيب؟ وكيف يعكس هذا التحول التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية المصرية؟

ما يُقلق الطرفين هو أن مصر بدأت تشق طريقها نحو استقلالية أكبر في قرارها العسكري، ما يُضعف من مركزية التحالفات التقليدية التي لطالما أرست دعائم الأمن الإقليمي. ولتفسير أبعاد هذه الصفقة المحتملة، لا بد من التوقف عند دوافع القاهرة، وقدرات المقاتلة J-35، والارتدادات الجيوسياسية المترتبة على هذه الخطوة.

شهدت العلاقات المصرية الصينية تصاعدًا لافتًا في السنوات الأخيرة، تُوج بتوقيع اتفاقية دفاعية شاملة في بكين عام 2024، تُشكل أساسًا لتعاون موسع في مجالات الأمن والتكنولوجيا. وشكّلت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لبكين عام 2014 نقطة تحول محورية في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين.

منذ ذلك الحين، تعززت الشراكة بين الجانبين، خاصة مع انخراط مصر بفاعلية في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، مما أتاح فرصًا للتكامل الاقتصادي والعسكري. وتنسجم صفقة J-35 المحتملة مع هذه الرؤية، إذ تسعى القاهرة إلى توطين تكنولوجيا الدفاع المتقدم والتقليل من التبعية للموردين الغربيين، في ظل استعداد بكين لمشاركة خبراتها في مجالات مثل الطائرات المسيّرة والذكاء الاصطناعي.

وتنظر الصين إلى مصر باعتبارها بوابة مستقرة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يمنح القاهرة أدوات لتعزيز دورها القيادي في الإقليم. ومن هنا، لا تُعد المقاتلة مجرد صفقة سلاح، بل رسالة سياسية واضحة مفادها أن مصر تمضي نحو قدر أكبر من الاستقلال الاستراتيجي.

في واشنطن وتل أبيب، يثير احتمال حصول مصر على J-35 مخاوف حقيقية تتجاوز الطابع العسكري إلى الأبعاد الجيوسياسية. فوفق تقارير أميركية، هناك قلق من أن إدخال تكنولوجيا الشبح الصينية إلى المنطقة قد يقوّض تفوق إسرائيل الجوي، خاصة مع امتلاكها مقاتلات F-35 الأميركية المتقدمة.

ويكمن الخطر، من وجهة نظر إسرائيل، في أن مقاتلات J-35 قد تُستخدم لتعقيد حساباتها الاستراتيجية، حتى في ظل استمرار اتفاقية السلام مع القاهرة. وتزيد من حدة هذا القلق قدرات المقاتلة الصينية على التخفي والتشويش، فضلًا عن مداها القتالي الكبير.

أما في واشنطن، فإن المخاوف تتركز على فقدان النفوذ على أحد أهم حلفائها الإقليميين، خصوصًا وأن مصر لا تزال تتلقى نحو 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية سنويًا. وترى القاهرة أن واشنطن تواصل ترجيح كفة إسرائيل في معادلات المنطقة على حساب الشراكة مع الحلفاء العرب، وهو ما دفعها للبحث عن شركاء جدد، مثل الصين وروسيا.

تُظهر مقاتلة شنيانغ J-35 (FC-31) الصينية تصميمًا متقدمًا يعكس تركيزًا واضحًا على تقنيات التخفي وتقليل البصمة الرادارية. فقد صُممت الأسطح المتحركة للطائرة بطريقة محاذية للحواف لتقليل الانعكاسات الرادارية، كما جرى إخفاء شفرات المحرك داخل مآخذ الهواء المنحنية (S-ducts) تقع خلف نتوءات مآخذ الهواء الأسرع من الصوت بدون محول (DSI)، وهو ما يخفي الأجزاء العاكسة للرادار ويعزز خاصية الشبحية.

الهيكل الخارجي للطائرة، بما في ذلك مخازن الأسلحة الداخلية وأبواب الحجرات والهوائيات المدمجة، تم تجهيزه بحواف مسننة وطلاء بمواد ماصة لموجات الرادار، سواء بشكل مدمج في البنية الأساسية أو كمادة طلاء سطحية. النماذج الأولى للطائرة كانت تحتوي على فوهات محرك دائرية، لكن تم استبدالها لاحقًا بفوهات مسننة من أجل تقليل البصمتين الرادارية والحرارية. ووفقًا لشركة AVIC الصينية، فإن FC-31 تتمتع بقدرة على التملص من الرادارات العاملة ضمن نطاقي L-band وKu-band، وتُصنف كمنخفضة البصمة أمام العديد من أنظمة الاستشعار متعددة الأطياف.

النسخة المطورة J-35، التي تُعد النسخة البحرية من FC-31، ترث التصميم الشبحي مع سطح أملس ومعالجات دقيقة لتقليل الانبعاثات الرادارية. وتُزوَّد الطائرة بعدسة لونيبرغ العاكسة للرادار، وهي أداة تُستخدم عمدًا لإظهار الطائرة على شاشات الرادار أثناء المهام غير القتالية أو التدريبات. وتأتي هذه العدسة بنسختين، الأولى قابلة للسحب في الطراز J-35A، والثانية مثبتة بشكل دائم في النسخة J-35، مما يسمح بتعطيل خصائص التخفي عند الحاجة وإخفائها في سيناريوهات القتال الفعلي، للحفاظ على أقصى درجات الشبحية.

على صعيد الحمولة، زُوّدت FC-31 بحجرة داخلية للأسلحة تقع على الخط المركزي للطائرة، بأبعاد مشابهة لتلك الموجودة في مقاتلة J-20 الصينية، وتحتوي على ست نقاط تعليق داخلية. كما يمكن للطائرة أن تحمل ست نقاط تعليق خارجية على الأجنحة. النموذج الأولي منها يستطيع حمل حمولة إجمالية تصل إلى 8,000 كغم، مقسمة إلى 2,000 كغم داخليًا و6,000 كغم خارجيًا. ويبلغ نصف القطر القتالي للطائرة حوالي 1,200 كيلومتر، مع وزن إقلاع أقصى يقدر بـ25,000 كغم، في حين ارتفع هذا الوزن إلى 28,000 كغم في النموذج الثاني الذي شهد تعديلات هيكلية إضافية.

في ما يخص التسليح، يمكن للطائرة أن تحمل داخل حجرة الأسلحة ستة صواريخ جو-جو مثل PL-10 وPL-15 وPL-21. كما يمكن تزويدها بقنابل دقيقة صغيرة القطر، أو قنابل خارقة للتحصينات من فئة 500 كغم، أو صواريخ هجوم أرضي أسرع من الصوت، أو صواريخ مضادة للإشعاع وللسفن، حسب طبيعة المهمة. أما خارجيًا، فبإمكان الطائرة حمل تشكيلات متنوعة من الذخائر تشمل صواريخ جو-جو، قنابل ثقيلة أو خفيفة، وصواريخ أرضية، مما يتيح للمشغل مرونة كبيرة في تهيئة التسليح المناسب للمهام المختلفة. وتشير بعض التحليلات إلى احتمال وجود مدفع آلي مدمج فوق فتحة سحب الهواء اليسرى، رغم غياب تأكيد رسمي حول هذه النقطة.

تم تزويد مقاتلتي FC-31 وJ-35 برادار متطور نشط ممسوح إلكترونيًا (AESA)، مدعوم بمنظومة استشعار متعددة الفتحات (Distributed Aperture System – DAS)، تعمل كنظام إنذار مبكر بصري، بالإضافة إلى نظام البحث والتتبع بالأشعة تحت الحمراء (IRST).

الرادار المستخدم في النموذج الأولي لطائرة FC-31 هو KLJ-7A من معهد نانجينغ لأبحاث تكنولوجيا الإلكترونيات (NRIET)، ويُقال إن أداءه يُقارب أداء الرادار الأميركي AN/APG-81 المستخدم على مقاتلات الجيل الخامس F-35. كما تحتوي الطائرة أسفل المقدمة على برج استهداف بصري كهربائي (EOTS)، يُستخدم في تتبع الأهداف وتوجيه الذخائر بدقة.

داخل قمرة القيادة، تعتمد المقاتلة على عصا تحكم جانبية (sidestick controller)، مع شاشة عرض أمامية تقليدية (HUD)، بالإضافة إلى شاشة كبيرة متعددة المهام تعمل باللمس، بقياس 20 × 8 إنش (510 × 200 ملم). كما يحصل الطيار على خوذة عرض وتوجيه متكاملة (HMD/S) شبيهة بنظام Striker الذي تصنعه شركة BAE Systems البريطانية.

ويتم التحكم بالطائرة عبر نظام طيران رقمي بالكامل، مزود بثلاث وحدات تكرار لضمان الأمان والاعتمادية، إضافة إلى ناقلي بيانات مزدوجين (Twin Data Bus). وتُصمم FC-31 وJ-35 لتكونا عقدة محورية ضمن شبكة متكاملة من الأنظمة القتالية، تلعب دورًا أساسيًا في ما يُعرف بسلسلة القتل العسكرية (Kill Chain) للجيش الصيني، من خلال التكامل مع منصات أخرى في ميدان المعركة.