أهم الاخبارانتهاكات الاحتلال

التجويع جزء من خطّة تهجير الغزيّين: هل سيستمرّ العالم بالتنديد فقط؟

وضع الحرب الآن هو أن المدني والطفل الفلسطيني الذي لا يُقتل بنيران إسرائيل، يموت جوعًا أو يُقتل لدى محاولته الحصول على طعام. وإذا لم يكن موته لهذا السبب أو ذاك، فإنه سيموت بمرض أو وباء منتشر في القطاع...

المسار : لم يعد الفلسطينيون في قطاع غزّة يُقتلون جرّاء إطلاق الجيش الإسرائيلي النار عليهم من الجو والبحر والبر فقط، وإنما أصبحوا يموتون جوعًا وعطشًا، أو أثناء محاولتهم الحصول على الطعام لمنع تفاقم سوء التغذية الذي يعانون منه.

في حرب الإبادة هذه، من لا يُقتل بنيران إسرائيلية في غزّة، سيموت بسبب الجوع، وخاصة الأطفال، ومن ينجُ من المجاعة قد يموت بسبب مرض أو وباء. غزّة بلا طعام، بلا ماء، بلا دواء. وبلا مأوى بعد تدمير الغالبية العظمى من المباني فيها.

إسرائيل تمنع دخول مواد الإغاثة، أي الطعام والدواء، إلى غزّة. وتفيد معطيات منظمة الصحة العالمية بأنّ 95% من العائلات تواجه نقصًا حادًا في المياه، وأنّ 90% من مناطق القطاع تخضع لأوامر إسرائيلية بالإخلاء أو ضمن مناطق أعلن عنها الجيش الإسرائيلي أنّها عسكرية. والمستشفيات تقلّصت قدراتها التشغيلية أو أنّها تعطلت بالكامل.

المجاعة تستهدف أيضًا موظفي منظمات الإغاثة الدولية، التي أفاد قسم منها بأنّ موظفيها “يتضوّرون جوعًا”. وذلك إلى جانب استهداف الجيش الإسرائيلي بنيرانه لهؤلاء الموظفين، الذين قُتل عشرات كثيرة منهم.

حسب المعطيات، مات أكثر من 100 في غزّة بتأثير مباشر للجوع، بينهم 80 طفلًا. وقُتل بنيران الجيش الإسرائيلي أكثر من 800 مواطن غزي أثناء محاولاتهم الحصول على الطعام. وأفاد ضباط وجنود إسرائيليون، في تقرير نشرته صحيفة “هآرتس”، بأنّ الجيش يصدر أوامر بإطلاق النار على غزيين يقتربون من مراكز توزيع الطعام، وأكّد الجنود أنّ الغزيين لم يشكّلوا خطرًا على أحد.

توجد في قطاع غزّة حاليًا أربعة مراكز لتوزيع الطعام تابعة لـ”مؤسسة غزّة الإنسانية”، التي أقامها ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي ويحرسها جنود أميركيون مسرّحون، بينما كان في الماضي حوالي 400 مركز لتوزيع الطعام تابعة لوكالات الأمم المتحدة ولم تعد موجودة.

وتدّعي إسرائيل أنّ الغزيين “ينهبون” شاحنات محمّلة بالمواد الغذائية لدى دخولها إلى القطاع، رغم أنّ هذا “النهب” هو من أطهر الظواهر الإنسانية في حالة المجاعة في ظل حرب الإبادة. لكن إسرائيل تنفي وجود مجاعة في غزّة.

ويزعم الجيش الإسرائيلي أنّ حماس تُزوّر صور أطفال جائعين في اليمن، وأنّهم ليسوا في غزّة. ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصادر في الجيش الإسرائيلي قولها إنّه “توجد أمراض في غزّة، ولدى الأطفال أيضًا، لكن لا علاقة لها بسوء التغذية”.

ربما يكون نفي المجرم الاتهامات ضدّه أمرًا مفهومًا، لكن إسرائيل تنفي أيضًا الاتهامات لها بارتكاب جرائم القتل الجماعي والتجويع من جانب دول حليفة لها.

فقد أصدرت 28 دولة، بينها بريطانيا وفرنسا وكندا واليابان وأستراليا وعدد من الدول الأوروبية، بيانًا مشتركًا، هذا الأسبوع، طالبت فيه إسرائيل بإنهاء الحرب على غزّة فورًا. وشدّد البيان على أنّ “معاناة المدنيين في غزّة بلغت مستويات جديدة من العمق”، وندّد بـ”التقطير المتواصل للمساعدات والقتل غير الإنساني للمدنيين، بمن فيهم الأطفال، أثناء محاولتهم تلبية احتياجاتهم الأساسية من الماء والغذاء”. ووصف البيان مقتل أكثر من 800 فلسطيني أثناء محاولاتهم الحصول على المساعدات بأنّه “مروّع”.

وفي سياق نفي جرائمها، اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنّ البيان المشترك “معزول عن الواقع ويبعث برسالة خاطئة إلى حماس. فهي التي بدأت الحرب وتُطيلها”.

ووصف السفير الأميركي، مايك هاكبي، البيان المشترك بأنّه “مثير للاشمئزاز. 25 دولة تمارس ضغطًا على إسرائيل بدلًا من وحوش حماس. وغزّة تعاني لسبب واحد، وهو أنّ حماس ترفض أي مقترح. واتهام إسرائيل ليس عقلانيًا. وإسرائيل ترفض بيان الـ25 دولة الذي يدعو إلى إنهاء حرب غزّة”.

لماذا تُجوّع إسرائيل الغزيين حتى الموت؟

تدّعي إسرائيل أنّ حربها على غزّة هدفها الضغط على حماس كي توافق على صفقة تبادل أسرى وهدنة، لكنها تقول في الوقت نفسه إنّ حماس لا تأبه بمعاناة الغزيين، الأمر الذي يؤكد أنّ حرب إسرائيل هي ضد المدنيين الغزيين الذين يُقتلون بنيران إسرائيل ويموتون جوعًا أو لدى محاولتهم الحصول على الطعام.

هذا يعني أنّ إسرائيل تشنّ الحرب ضد الشعب الفلسطيني في القطاع بالأساس، وقد أدرك العالم أنّ هذه هي حقيقة هذه الحرب، ولذلك يصفها بأنّها حرب إبادة. ووضع الحرب الآن هو أنّ المدني والطفل الفلسطيني الذي لا يُقتل بنيران إسرائيل، يموت جوعًا أو يُقتل لدى محاولته الحصول على طعام. وإذا لم يكن موته لهذا السبب أو ذاك، فإنّه سيموت بمرض أو وباء منتشر في القطاع. فالوضع البيئي في غزّة هو الأسوأ في العالم على الأرجح.

يكذب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عندما يدّعي أنّ هدفي الحرب هما القضاء على حماس وإعادة الأسرى الإسرائيليين. فالواقع الميداني يشير إلى أنّ الجيش الإسرائيلي لا يحارب حماس في معظم عملياته العسكرية في القطاع، وعندما يشتبك معها يُقتل جنود له أيضًا، إلى جانب استشهاد مقاتلين فلسطينيين. لكن الأمر الواضح مثل سطوع الشمس هو أنّ الذين يُقتلون بأعداد رهيبة في غزّة هم المدنيون.

عندما التقى نتنياهو مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في شباط/فبراير الماضي، فاجأه الأخير بخطة ترانسفير، التي وصفها بنقل سكان غزّة إلى دول أخرى، وتحويل غزّة إلى مشروع تجاري ومنتجع سياحي وبناء ريفييرا.

في حينه، فرح نتنياهو بهذه الخطة وتمسّك بها، وكذلك حكومته التي أعلنت عن إقامة “مديرية الهجرة”. ولا يزال وزراء نتنياهو يتحدثون حتى اليوم عن إفراغ القطاع من الغزيين وإقامة مستوطنات. لكن في هذه الأثناء، تراجع ترامب، أو لم يعُد مهتمًا، بخطة الترانسفير التي طرحها.

ربما نتنياهو هو أكثر العارفين بتقلّبات ترامب، أو بمراوغاته وخدعه السياسية. فقبل توقيع “اتفاقيات أبراهام”، عبّر ترامب عن تأييده لمخطط ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها لإسرائيل، ودفع بذلك دول الخليج المشاركة في هذه الاتفاقيات إلى اشتراط عدم تنفيذ الضم كي توافق على التطبيع، وبعد ذلك تراجع ترامب عن الضم.

يبدو أنّ نتنياهو وحكومته كانوا يتوقعون تراجع ترامب عن خطة الترانسفير. لذلك بدأت إسرائيل تنفّذ سياسة تجويع الغزيين بشكل أوسع مما كانت عليه سابقًا، وخاصة منذ بداية آذار/مارس الماضي، عندما أوقفت كليًا دخول المواد الغذائية إلى القطاع، ثم سمحت بدخول عشرات قليلة من الشاحنات، في الوقت الذي يحتاج فيه القطاع يوميًا إلى أكثر من 600 شاحنة محمّلة بمواد الإغاثة، من غذاء ودواء وغذاء أطفال وما إلى ذلك.

المجاعة في غزّة هي جزء من خطة الترانسفير الإسرائيلية ضد الغزيين. وهي مدعومة باستمرار عملياتها العسكرية وقتل الغزيين والتدمير الشامل لمدن القطاع، مثل خان يونس ورفح، التي مُحيت عن بكرة أبيها وبناياتها سُوّيت بالأرض.

وفيما تتواصل حاليًا مفاوضات متعثّرة بين إسرائيل وحماس في قطر، أوعز نتنياهو للجيش الإسرائيلي بتجميع مئات آلاف الغزيين في معسكر ترانسفير، وصفه بأنّه “مدينة إنسانية” على أنقاض مدينة رفح، تمهيدًا لتهجيرهم من القطاع. وإذا فُتحت الأبواب أمام الغزيين ووافق قسم منهم على المغادرة، فلا يمكن لأي أحد أن يلومهم، لأنّ قطاع غزّة لم يعُد مكانًا يصلح للعيش فيه بعد كل هذه الجرائم الإسرائيلية.

العالم يندّد بجرائم إسرائيل ويتضامن مع غزّة، لكنه لا يُجبر إسرائيل على وقف حرب الإبادة. ولذلك لا قيمة للتنديد والتضامن. واعتاد الإسرائيليون على القول إنّ العالم وقف جانبًا أثناء المحرقة التي ارتكبها النازيون، فهل سيستمر العالم بالوقوف جانبًا في المحرقة الحالية؟