افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 5/8/2025
اليمين المتوارع، أنتم ادركتم خطر الانفصال عن غزة، لماذا تجاهلتم ذلك في 7 اكتوبر؟
بقلم: ألوف بن رئيس تحرير صحيفة هآرتس
صحف اليمين خصصت نهاية الاسبوع الماضي لاحياء الذكرى العشرين للانفصال عن غزة. بعد اظهار الاسف الرمزي على المستوطنات التي تم اخلاءها، جاءت الوجبة الرئيسية للسعادة الكبيرة. “نحن كنا على حق”، زأر بشكل جماعي المحللون في اليمين. “انتم وعدتم بسنغافورة، استهزأوا بانفعال من زعيم الانفصال اريئيل شارون ومؤيديه، وحصلنا على هجوم 7 اكتوبر. من عارضوا الانفصال كانوا على حق في كل كلمة تحذيرية قالوها ضد هذه الخطوة. ومؤيدو الانفصال اخطأوا في كل كلمة تشجيع قالوها في صالحه”، لخص عميت سيغل مقاله في “اسرائيل اليوم” (1/8).
من يعارضون الانفصال، حتى الذين اعتبروا الخطة كارثية من البداية، والذين تذكروا معارضتها في اللحظة الاخيرة مثل نتنياهو، كانوا على حق في التحذير من ان الارهاب لن يتوقف، وأنه سيتم اطلاق الصواريخ من غزة على عسقلان واسدود بعد الانسحاب. لقد كان معارضو الانفصال من اليسار على حق ايضا، الذين مثلهم في “هآرتس” عكيفا الدار، حيث حذروا من الطابع احادي الجانب للخطة وطالبوا بالانسحاب عن طريق الاتفاق مع السلطة الفلسطينية.
للدقة، شارون لم يعد بان تصبح غزة مثل سنغافورة. فهو كان يكره العرب واصدر تصريحات عنصرية ضدهم وتعامل معهم باستخفاف. وسوق للجمهور آمال عبثية بان اسرائيل ستخرج من القطاع وترمي المفاتيح في البحر وتنسى وجود سكانه الفلسطينيين. بعد خمس سنوات على الانتفاضة الثانية والعمليات الانتحارية في الحافلات وفقدان الجنود في غزة والازمة الاقتصادية في اسرائيل فان الجمهور المتعب اراد أن يصدقه. ولكن غزة لم تختف. حماس سيطرت عليها بعد سنتين على الانسحاب واقامت فيها حصن تحت الارض، الذي استعدت من داخله لغزو اسرائيل. مثلما وعد شارون فان اسرائيل حصلت على الدعم الدولي للحصار والعمليات الانتقامية في غزة، التي لم تتوقف حتى الآن، حتى وهي تتهم بالابادة الجماعية.
لكن التوارع الذاتي في اليمين لا يتوقف عند التحذيرات التي تحققت. اسرائيل هرئيل (“هآرتس”، 1/8) قام بمقارنة اخلاء غوش قطيف بالدمار المزدوج للهيكل. ولكنه نسي ذكر ان البابليين والرومان لم يعطوا اليهود المهزومين تعويضات مالية عن العقارات الثمينة، كما اعطي للمخلين في عملية الانفصال. حماة الهيكل الذين بقوا تم اخذهم وهم مقيدون بالسلاسل الى العبودية في روما، وليس الى فيلات في نيتسان وبيت هدار. ولكن لماذا لا نتماشى معه ونقوم بتحديث الصورة في بوابة تيتوس، من الشمعدان المقدس الى غوش قطيف. هرئيل بالغ في وصف بطولة مستوطني غزة امام حماس، في انتقاد واضح لرجال الكيبوتس اليساريين، الذين تم ذبحهم في 7 اكتوبر.
يوجد سحر في التاريخ البديل الذي فيه غوش قطيف تهزم حماس، الجيش الاسرائيلي يعمل في خدمة المستوطنين، والفلسطينيون خاضعون ومطيعون. ولكن الواقع لن يتوقف في اليوم الذي ستغلق فيه بوابة غزة. من عارضوا الانفصال عادوا الى الحكم في 2009 برئاسة نتنياهو، بدرجة كبيرة بسبب فشل حكومة اهود اولمرت، وريث شارون، في مواجهة حماس في غزة. نتنياهو وشركاءه في الحكومات التي زاد تطرفها نحو اليمين، وعدوا مرة تلو الاخرى باستئصال وتصفية وتدمير وهزيمة حماس. هم استخدموا القوة وتسببوا بقتل وتدمير كبير، لكن حماس ما زالت موجودة، تسيطر على غزة المدمرة وتحتجز عشرات المخطوفين الاسرائيليين. هنا يكمن التزوير والكذب في حماسة اليمين الذاتية، من نتنياهو وحتى محلليه. اذا كنتم لاحظتهم الخطر فلماذا لم تمنعوه من التحقق؟ عندما استعدت حماس لاحتلال وتدمير بلدات الغلاف لماذا نتنياهو تجاهل تحذيرات الحرب ورفض حتى مناقشتها؟. ولكن سيغل وهرئيل لا يذكران ذلك. فمن الاسهل عليهما وقف عجلة التاريخ في خطة الانفصال وتجاهل مسؤولية من عارضوها عن الكارثة التي تحدث الآن.
——————————————
يديعوت أحرونوت 5/8/2025
المعضلة اللبنانية
بقلم: سمدار بيري
ليس صدفة أن يخرج الان وزير العدل اللبناني عادل نصار ببيان يقول (“نحن نعرف أخيرا) من المسؤول عن الانفجار الرهيب في مرفأ بيروت”. التحقيق تواصل وامتد، البرلمان حل، الحكومة استبدلت وكذا الرئيس، واليوم هو يوم الذكرى الخامسة للانفجار الرهيب الذي أدى الى موت 220 مواطنا و 7 الاف مصاب.
وزير العدل إياه، نصار، يدعو الان حزب الله لان يستجيب لمطلب الرئيس اللبناني جوزيف عون بتسليم السلاح والذخيرة. الموضوع ليس بسيطا. رئيس وزراء لبنان نواف سلام كرس امس جلسة الحكومة لموضوع واحد فقط: كيف يفرض جمع السلاح والعتاد العسكري من الجناح الشيعي الكفاحي في لبنان. فهل يجرى تفتيش في البيوت ام الاعتماد على معلومات استخبارية؟ ما العمل في داخل قرى الجنوب التي تستخدم مخازن سلاح لحزب الله؟ ما هو العقاب الذي سيتقرر لمن يرفض تنفيذ الامر؟ وحذر سلام من أنه “اذا كان حزب الله يريد أن ينتحر فلا يأخذنا نحن وسكان لبنان معه”. وهو يقول بذلك حزب الله من جهتنا، فليذهب الى الجحيم.
قبيل الجلسة التقى رئيس وزراء لبنان مع رئيس كتلة حزب الله محمد رعد المسمى “السياسي الإرهابي”. واجرى لقاء مع رئيس البرلمان نبيه بري، شيعي عجوز وداهية. من هذه اللقاءات لم تخرج عناوين إيجابية. حزب الله لا يعتزم التنازل. حتى لو كان تلقى ضربات قاسية في غارات طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، فان زعيمه الكاريزماتي حسن نصرالله صفي وعشرات المقاتلين والنشطاء أصيبوا بشدة في هجمة البيجر. نعيم القاسم، الأمين العام الجديد تأزر بكثير من الشجاعة ليعلن بان “لا توجد خطط لتسليم السلاح” وأضاف على الفور: “نحن نواصل الدفاع عن لبنان”.
وحسب مؤشرات آولية فان كتلة حزب الله في البرلمان تخطط لمناورة: التغيب عن جلسة البرلمان اليوم وتعطيل قرار تسليم السلاح حتى لو اتخذ بأغلبية أصوات أعضاء المجلس. حزب الله يتهم الامريكيون، الرئيس عون ورئيس حكومته سلام بـ “التآمر” مع إسرائيل لتحييد المنظمة.
الرئيس عون من جهته بدا مصمما حين ظهر في “يوم الجيش اللبناني” واطلق تحذيرا حادا لحزب الله بان “هذه فرصة تاريخية”. بكلمات بسيطة: نتخلى عن خدماتكم الخطيرة. هذه صيغة بسيطة، يوضح رئيس لبنان، الذي يحظى بالاحترام من جانب الأمريكيين والتقدير المهني والشخصي من جانب ضباط إسرائيليين كبار. وحسب الصيغة التي وضعت في واشنطن، فانه ينزع سلاح حزب الله ويسلمه (ويتوقف عن القتال ضد إسرائيل) وبالمقابل تتعهد إسرائيل (والامريكيون!) بوقف كل هجماتها في لبنان، تعيد الى سيادة لبنان احتلال الخمسة التي استولى عليها جنود الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان وتحرر كل المعتقلين. حكومة بيروت تحوز منذ الان بنسخ عن الخطة لاعمار لبنان. كما يتحدثون أيضا عن فتح حدود جديدة مع لبنان.
الخطة التي تبدو واضحة جدا، مقبولة من الغالبية الساحقة من مواطني لبنان ومع ذلك صعبة على التنفيذ. حتى لو وقعت معجزة، وجاء ممثلو حزب الله اليوم للبحث في مسألة السلاح فانهم سيفعلون كل شيء كي يمنعوا تسلمه. فقد المح حزب الله بانه لن يسلم “الا كمية رمزية من السلاح”. غير أن هذه المرة الولايات المتحدة من خلف الخطوة. فاذا كان حتى السنة الماضية امر جمع السلاح بدا خياليا فان الضربة العظيمة التي اوقعتها إسرائيل على حزبه والثقة التي ينالها الرئيس عون من الأمريكيين هما بالتأكيد فرصة لتحريك الخطوة.
غير أنه لا يجب أن ننسى انه طالما لا توجد صورة وضع واضحة عن الحوار بين واشنطن وطهران، فان حزب الله سيبقى خط الهدف للايرانيين ضد إسرائيل، وفي موضوع تسليم السلاح تلقى مسؤولو حزب الله منذ الان ضوء اخضر من ايران، للعناد.
——————————————-
هآرتس 5/8/2025
تصدير السلاح من صربيا الى إسرائيل يحطم أرقاما قياسية
بقلم: آفي شراف وآخرين
في 23 حزيران الماضي اعلن رئيس صربيا الكسندر فيتسيتش عن وقف التصدير الامني من بلاده. “من الان فصاعدا نحن لن نصدر أي شيء”، قال. “لقد قمنا بوقف كل شيء، والامر يقتضي قرار خاص اذا كانت حاجة الى تصدير أي شيء”. هذا الاعلان جاء بعد اسبوعين على تفاخر الرئيس بان دولته هي الدولة الاوروبية الوحيدة التي تزود اسرائيل بالسلاح. “الان الوضع مختلف”، اجاب عندما سئل عن معنى القرار. ربما ان التوبيخ العلني له من الكرملين بسبب ارساليات السلاح لاوكرانيا ساهم ايضا في هذا القرار.
بعد مرور بضع ساعات هبطت في مطار بلغراد صديقة قديمة، وهي طائرة نقل اسرائيلية من نوع “بوينغ 747” بيضاء، في اليوم التالي اقلعت الطائرة وعادت الى قاعدة نفاتيم العسكرية. “لا توجد أي امكانية للقول لكم ما الذي هبط أو اقلع من هنا”، رد رئيس صربيا عندما سئل عن ذلك.
ربما ان الرئيس اعلن عن وقف تصدير السلاح الى اسرائيل، ولكن تقرير لـ “هآرتس” كشف انه في النصف الاول من العام 2025 صدرت صربيا لاسرائيل سلاح بمبلغ 55.5 مليون يورو (220 مليون شيكل). معلومات محدثة من سجل الضرائب والتصدير اظهرت انه في ستة اشهر تمكنت صربيا من تحطيم الرقم القياسي السابق في السنة الماضية، 48 مليون يورو. حسب بيانات الطيران المكشوفة فانه في النصف الاول من سنة 2025 هبطت في بلغراد 16 رحلة شحن اسرائيلية وحملت السلاح الذي كان الجيش الاسرائيلي بحاجة اليه. حكومة صربيا ترفض بشكل دائم اعطاء أي تفاصيل عن السلاح الذي تم ارساله الى اسرائيل.
باستثناء منتجة السلاح الرسمية يوغو امبورت – اس.بي.دي.آر، المسؤولة عن معظم التصدير الى اسرائيل، توجد اربع شركات اخرى في صربيا صدرت السلاح في هذه السنة الى اسرائيل. وحسب معلومات رسمية من وزارة التجارة في صربيا فان شركة إيديبرو وشركة روماكس باعت السلاح للصناعات الامنية، التي هي شركة فرعية في البت لانتاج الصواريخ وقذائف المدفعية. ومثلما كشف في “هآرتس”، في الفترة الاخيرة بات البت لصربيا منظومات مدفعية ومسيرات متطورة بمبلغ 335 مليون دولار. روماكس باعت السلاح ايضا لشركة “يسبرا” الاسرائيلية، التي هي المزودة الدولية الرائدة لـ “الوسائل غير القاتلة للسيطرة على التجمعات”، والغاز المسيل للدموع الذي تنتجه يتم استخدامه للقمع العنيف للمظاهرات في افريقيا. في اسرائيل “يسبرا” تبيع منتجاتها لمصلحة السجون، الشرطة والجيش الاسرائيلي.
حسب قاعدة بيانات منظمة ديمسي، التي تراقب تصدير السلاح في ارجاء العالم فان يسبرا تصدر الى 40 دولة، افريقيا، آسيا، اوروبا والقارة الامريكية، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا وكولومبيا. روماكس صعدت في هذه السنة الى العناوين في بلغراد بعد ان قالوا في المعارضة بان الشركة اشترت مدافع صوت، وهي سلاح غير قاتل يستخدم لتفريق المتظاهرات ضد الرئيس فيتسيتش وحكومته.
شركات اخرى، كونفيديكس وال.اس.اي لاند سيستم انجنيرينغ، قامت ببيع السلاح لاسرائيل، حسب وزارة التجارة في صربيا. وحسب المعلومات الرسمية فان الارساليات الاساسية كانت في كانون الثاني وأيار: 3 ارساليات بمبلغ 15 مليون يورو تم نقلها في ثلاث رحلات من بلغراد الى نيفاتيم في كانون الثاني، و3 ارساليات بمبلغ 21 مليون يورو تم ارسالها في ست طائرات الى قاعدة نفاتيم في شهر أيار.
في بيانات وزارة التجارة وسجل الجمارك والتصدير في صربيا لا يوجد تفاصيل دقيقة عن نوع السلاح. الحكومة في بلغراد رفضت عدة طلبات بشان حرية المعلومات قدمت بهذا الشأن. في “هآرتس” نشر في السابق بانه في جزء من هذه الارساليات كانت قذائف 155 ملم. في صور من ساحة التحميل في مطار بلغراد قبل دقائق من هبوط طائرة الشحن الاسرائيلية، ظهرت عربات نقل عليها قذائف مدفعية.
قبل اسبوعين سافر محققون في الشرطة الاسرائيلية الى بلغراد من اجل التحقيق مع شروليك اينهورن في قضية العلاقات بين مكتب نتنياهو وقطر وقضية تسريب الوثائق السرية لصحيفة “بيلد” الالمانية. المقرب من نتنياهو الذي كان مستشار الليكود، كان في السابق مستشار رئيس صربيا فيتسيتش. النائب العام في صربيا الذي يرافق التحقيق مع اينهورن فرض منع نشر لاجزاء من مواد التحقيق في قضية بيلد، بذريعة حماية الامن الوطني لصربيا. “هآرتس” عرفت ان الاجزاء التي يسري عليها منع النشر تتعلق بالمساعدة التي قدمها اينهورن لاسرائيل في صفقات سلاح اثناء الحرب بناء على طلب من مكتب رئيس الحكومة نتنياهو. ومثلما كشف في “هآرتس” فان اسرائيل استخدمت علاقة اينهورن مع صربيا والجبل الاسود من اجل ضمان تزويد السلاح الذي سيمكن من التغلب على نقص الذخيرة في اعقاب الحرب في غزة وفي لبنان.
——————————————-
هآرتس 5/8/2025
مطلب نزع سلاح حماس هو ذريعة لحرب أبدية
بقلم: تسفي برئيل
طلب نزع سلاح حماس وتجريد القطاع من السلاح ليس طلب مشروع فقط، بل هو طلب حيوي. ولكن هذا الطلب لا يمكن ان يبقى كشرط منفصل عن خطة شاملة للسيطرة في القطاع وانهاء الحرب. ربما ان اسرائيل ترى امام ناظريها نموذج حرب لبنان الاولى. ففي حينه في اطار اتفاق الاجلاء الذي وقعت عليه م.ت.ف والتخلي عن معظم سلاحها الثقيل، قيادتها انتقلت الى تونس ومقاتلوها تفرقوا في الدول العربية. حتى الآن نحن نتذكر آلاف الشاحنات الاسرائيلية التي شقت الطريق من لبنان الى اسرائيل وهي محملة بالسلاح والذخيرة والمواد المتفجرة التي خلفتها م.ت.ف وراءها.
لكن هذا نموذج مضلل يمكن ان يورط اسرائيل في حرب خالدة. اسرائيل عرفت في حينه العملية بـ “النصر المطلق” رغم انه حتى بعد خروج قوات م.ت.ف بقي في لبنان، الذي كان في حينه في ذروة الحرب الاهلية، الكثير من السلاح الفلسطيني، جزء منه استخدم ضد التنظيمات اللبنانية، وجزء منه ما زال يخدم التنظيمات الفلسطينية في المخيمات وجزء آخر تم استخدامه ضد اسرائيل.
بعد انتهاء الحرب الاهلية في 1989 تم تشكيل حكومة بدات في وضع اسس الدستور التي استهدفت اعطاء الحكومة الصلاحية الحصرية لحيازة السلاح. وهي الاسس التي استندت اليها، ضمن امور اخرى، قرار مجلس الامن 1559 في 2004 وقرار 1701 في 2006، اللذان يشكلان اساس طلب نزع سلاح حزب الله. هذه القرارات وحدها لم تكن كافية من اجل ان تبدأ الحكومة اللبنانية في جمع سلاح حزب الله، وكانت حاجة الى حرب اخرى وضغط امريكي كبير من اجل جعل لبنان يبدأ في الوفاء بتعهده الذي لم يتم استكماله بعد.
لكن خلافا لغزة، في لبنان توجد حكومة لها جيش، وحتى اسرائيل بمجرد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار تعتبر الحكومة اللبنانية سلطة مع عنوان مسؤول عن تنفيذ القرار. لذلك، نموذج لبنان لا يمكن ان يسري على الوضع في غزة، حيث اسرائيل تحتفل بالاعلان المشترك غير المسبوق للدول العربية، الذي تطلب فيه من حماس نزع سلاحها، وتتجاهل البنود الاخرى في الاعلان. نفس الخطة تنص على انه يجب على حماس تسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية، وليس لاسرائيل، وأن “الحكم، تطبيق القانون والامن في كل المناطق الفلسطينية هي من مسؤولية السلطة الفلسطينية وحدها، بدعم دولي مناسب”.
الطلب من حماس بنزع سلاحها رفضته بشكل مطلق، أو “فقط في اطار اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة”، وهو الشرط الذي يظهر في هذه الاثناء شرط غير منطقي. عن “نزع قدراتها الحكومية” حماس ردت عدة مرات في الاشهر الاخيرة بالقول انها مستعدة للموافقة على “الاقتراح المصري”. وهو الاقتراح الذي يشير الى ان القطاع ستتم ادارته لنصف سنة من قبل لجنة “خبراء”، ستعمل برعاية السلطة الفلسطينية وبمساعدة قوات دولية، عربية وحتى امريكية. ولكن هذا الاقتراح رفضته اسرائيل بشكل ثابت بسبب اشتراط مشاركة السلطة الفلسطينية. في نفس الوقت اسرائيل لا تعرض أي بديل لحكم حماس عدا عن الاحتلال الاسرائيلي المباشر، الذي لا مخرج منه.
النزع الطوعي لسلاح التنظيمات والمليشيات المارقة التي تدير كفاح مسلح ضد انظمة، يوجد الآن في مركز النضال السيادي في اربع دول في المنطقة على الاقل. لبنان تواجه تطبيق القرار 1701 الذي يشمل نزع سلاح حزب الله، وكل القوات المسلحة غير الحكومية، ليس فقط في جنوب الليطاني بل في كل ارجاء الدولة؛ النظام السوري الجديد يعمل على دمج المليشيات المسلحة، بما في ذلك القوات الكردية والدرزية، في جيش الدولة؛ العراق نجح بشكل محدود في نزع سلاح بعض المليشيات الشيعية، لكنه ما زال بعيد عن تسجيل انتصار كامل في هذه الساحة. في حين ان تركيا، التي منذ الثمانينيات، تدير حرب ضروس ضد التنظيم السري الكردي (بي.كي.كي)، سجلت انجاز تاريخي عندما دعا زعيمه عبد الله اوجلان قادة التنظيم الى تفكيكه ونزع سلاحه.
في الشهر الماضي مجموعة اولى تشمل 30 مقاتل كردي قامت بحرق السلاح في احتفال رمزي لاظهار استعداد التنظيم لتبني دعوة القائد. ولكن في هذه الساحة يتوقع المزيد من الصراع الى حين استكمال العملية، هذا اذا تم استكمالها اصلا. الفرق الاساسي بين اتفاقات نزع سلاح هذه التنظيمات وبين الوضع في غزة هو انه في كل دولة من هذه الدول توجد حكومة معترف بها، حتى لو كان اداءها بعيد عن ان يكون كامل أو حتى لو لم يتم انتخابها بشكل ديمقراطي، الا انها تستند الى الاعتراف الدولي ولديها جسم عسكري الذي هو الجيش الوطني. بسبب الصلاحية المعطاة لهذه الحكومات فانه يتم القاء المسؤولية المباشرة عليها، سواء على صعيد الجمهور والسياسة الداخلية أو بفضل الاعتراف بها، للعمل على نزع سلاح التنظيمات.
لكن السلطة هي وضع مرن، والصعوبة في التعامل مع نزع سلاح التنظيمات غير الحكومية يتطلب ملاءمة نماذج العمل مع الظروف السياسية في كل دولة. هكذا فانه عندما تطلب الادارة الامريكية من الرئيس السوري احمد الشرع التحرك ضد المليشيات غير الحكومية – بعضها تنظيمات ارهابية بكل معنى الكلمة – فانها تتيح له في نفس الوقت “تبييض صورتها من خلال دمجها في الجيش الوطني”.
لبنان غير مطلوب منه تفكيك حزب الله كمنظمة أو كحركة سياسية، أو ابعاد ممثليه من الحكومة والبرلمان. فحزب الله، مثل حماس، يرفض حتى مناقشة نزع سلاحه وفي نفس الوقت يقترح صيغة تقول بانه سيكون مستعد لمناقشة نزع سلاحه فقط “في اطار استراتيجية دفاعية – وطنية”. هذه الصيغة تعني، على الاقل نظريا، بان حزب الله سيكون على استعداد، في الظروف المناسبة، ان يكون جزء من منظومة الدفاع الوطنية الرسمية التي تخضع لسلطة الدولة. هذا تغير مبدئي في موقفه التقليدي الذي يقول بان الجيش اللبناني لا يمكنه الدفاع عن الدولة ولذلك فان حزب الله مجبر على ان يأخذ دوره.
تركيا، التي تحارب ضد القوات الكردية في سوريا منذ اصبحت قوة منظمة في اعقاب الحرب الاهلية في سوريا، لا تعارض بأن تكون هذه القوات جزء من الجيش السوري “الجديد”. وبالنسبة لاعضاء حزب العمل الكردي فهي طلبت وحصلت على تعهد بتفكيك الحزب، وهي ايضا مستعدة للتفاوض مع اعضاء التنظيم حول مكانتهم ومكانة الاكراد في تركيا بشكل عام، في اطار عملية المصالحة التي هي اساس الموافقة على نزع السلاح.
نموذج العراق مختلف في جوهره لان معظم المليشيات الشيعية، سواء المؤيدة لايران أو المخلصة لزعماء سياسيين ورجال ديني محليين، موحدة في جسم يسمى “الحشد الشعبي”، الذي تشكل في 2014 بتوجيه من المفتي الشيعي الاكبر في العراق آية الله علي السيستاني، من اجل مساعدة الدولة في محاربة داعش. هذا الجسم يخضع في الحقيقة لوزارة الدفاع العراقية، ويحصل على معظم التمويل من ميزانية الدولة، ولكنه ليس “جيش عراقي”، حيث اعضاء “الحشد” يحتفظون بسلاحهم وهم غير خاضعين للجيش العراقي.
في غزة اوجدت اسرائيل حالة شاذة غير مسبوقة في أي دولة من هذه الدولة. فقد قامت برعاية حماس كمنظمة تنافس السلطة الفلسطينية، وتفشل قدرتها على فرض سيادتها وسلطتها في كل ارجاء فلسطين كما تم تحديدها في اتفاق اوسلو. اسرائيل لم تشجع فقط تمويل حماس، بالاساس على يد قطر، بل هي اعتبرتها ايضا “سلطة حكومية” وعنوان مسؤول، عسكريا ومدنيا. مثلا، هي طلبت من حماس العمل ضد “التنظيمات المارقة” مثل الجهاد الاسلامي أو الجبهة الشعبية، واعترفت بـ “التصاريح” التي منحتها حماس للمواطنين من اجل الخروج والدخول الى القطاع، وصادقت على خطط الاعمار في غزة مثلما حدث بعد عملية الجرف الصامد، في الوقت الذي كان واضح فيه ان حماس هي التي ستحصل منها على المكاسب الاساسية.
برعاية اسرائيل ودعمها حماس اقامت في غزة حكم ذاتي، عسكريا ومدنيا، بشكل يسمح بمقارنة سياسة اسرائيل تجاه حماس مع سياسة ايران تجاه حزب الله. الامتداد العسكري استهدف تقويض سلطة الدولة في حالة لبنان، والسلطة الفلسطينية في حالة غزة. الآن عندما ترفض اسرائيل أي حكم فلسطيني بديل في غزة، فهي تطمح الى تدمير الامتداد الذي انشأته. في ظل غيابه هي نفسها ستضطر الى ان تحل مكان حماس وتصبح محتلة مباشرة وحصرية للقطاع. وعليها ستلقى ايضا المسؤولية عن الادارة المدنية لمليوني وربع فلسطيني.
——————————————-
إسرائيل اليوم:
دولة فلسطينية.. بالون متكلف
بقلم: آفي برئيلي
الاعتراف الدبلوماسي لا يقيم دولا قابلة للعيش. فهي تنشأ من مجتمعات مدنية تؤدي مهامها بحد ادنى على الأقل.
أما المجتمعات التي تنمي فيها بربرية مثل تلك التي لفظيعة 7 أكتوبر او تنمي “سلطة فلسطينية” بائسة، غارقة في الفساد والإرهاب – فان مجتمعات كهذه لا يمكنها أن تقيم دولة. الحركة “الوطنية” الفلسطينية اثبتت بلا شك بانها عنصر هدام من أساسه وهي ليست اهلا لاحداث مسيرة بناء أمة.
ويفهم الامر ببساطة من حقيقة أنه على مدى اكثر من 30 سنة، من 1994، فان م.ت.ف والسلطة التي اقامتها فشلتا بشكل سريع، ولم تحركا مسيرة بناء أمة جديرة باسمها. لنفترض، كافتراض مطلقي الذرائع، بان إسرائيل عرقلت لهم بناء جماعة سياسية واجتماعية – اقتصادية تؤدي مهامها. ومع ذلك، ما الذي فعلوه هم أنفسهم كي يبنوها، رغم العرقلة؟ فهل مثلا حاولت م.ت.ف والسلطة تثبيت احتكار على الاستخدام الشرعي للقوة في مجتمعهم أنفسهم؟ الجواب سلبي.
زعيمهم الهدام عرفات فعل العكس واستخدم عصابات إرهاب في حملة القتل التي تسمى “الانتفاضة الثانية”، بعد سنوات من سماح إسرائيل له بان يقيمم حكما ذاتيا وطنيا.
هل من خلال الحكم الذاتي حاولوا خلق شرعية ديمقراطية لبناء امتهم؟ فشل في هذا أيضا عباس، خليفة عرفات، والمسألة ليست شخصية – الفلسطينيون غير قادرين على أن يضعوا أساسا سياسيا ضروريا كهذا لدولة وطنية تؤدي مهامها. هم حالة متطرفة من انعدام الاهلية التامة للعرب في الهلال الخصيب لاقامة جماعات سياسية قابلة للعيش. هم اظهروا “أهلية” لخلق وحوش إرهاب من القمع او الفوضى.
هل اقامت الحركة “الوطنية” الفلسطينية فرعا اقتصاديا جديدا في البلاد، واحد للطب، منذ اغريت إسرائيل بالسماح لـ م.ت.ف بالتجربة التاريخية التي تسمى “السلطة الفلسطينية”؟ الجواب سلبي. الفلسطينيون عديمو كل استقلالية اقتصادية، ولم يفعلوا شيئا كان بوسعهم فعله كي يغيروا وضعهم. يدور الحديث عن حركة عقيمة تماما من ناحية اجتماعية – اقتصادية وثقافية، وفاسدة حتى نخاع عظامها، وليست إسرائيل مسؤولة عن هذا. كما أن محاولة “القطاع الخاص” العربي بقدر ما يوجد مثل هذا الامر، إقامة مدينة فلسطينية (“روابي”) – فشلت بشكل ذريع. هذا دليل واضح على الضعف الكارثي للمجتمع المدني العربي في البلاد.
لم يجدِ نفعا مال طائل ضخ على مدى اكثر من 30 سنة لقيادة م.ت.ف من القوى العظمى الغربية، من دول النفط، من إسرائيل، من الأمم المتحدة ومن المتبرعين. هذا المال كان اكبر بكثير من المال الذي جندته الحركة الصهيونية مضاف الى المال الخاص اليهودي الذي ضخ الى هنا في معهد “دولتنا التي على الطريق”، في الأعوام 1918 – 1947. على مدى زمن اقصر من زمن قيام السلطة الفلسطينية بنى الصهاينة في البلاد سياسة، مجتمع، اقتصاد وثقافة، أتاح لهم الصمود في 1948. التشبيه يفترض أن ينير العيون: المجموعة البشرية التي تسمى “الفلسطينيين” ليست مؤهلة لان تقيم دولة تؤدي مهامها بل انها مؤهلة اقل لهذا من الجماعات التي تسمى “سوريين” او “لبنانيين”.
ان “المشروع” الجديد للاعتراف بـ “دولة” فلسطينية وهمية، بمبادرة فرنسا والسعودية ودول ديمقراطية تسير في اعقابهما، لا يمكنه أن يغير حقيقة أن تجربة الفلسطينيين لاقامة جماعة سياسية سبق أن فشلت. لا شك ان فرنسا والسعودية تعرفان ان تصريحاتهما عليلة. اذا كان كذلك فما الذي يحركهما؟
الفرنسيون وباقي الأوروبيون يحركهم احباط في ضوء فقدان نفوذهم في الشرق الأوسط. فاحد لم يعد “يحصي” فرنسا في لبنان، مثلا. الهجمات الإسرائيلية والأمريكية في ايران قزمت نفوذ أوروبا في المنطقة وذلك في الوقت الذي فرضت عليها الولايات المتحدة اتفاقات تجارية واستثمارات مهينة، وفيما ان الكل يرى انها معلقة بحماية الولايات المتحدة من روسيا.
للسعوديين والأوروبيين دافع مشابه – تقييد القوة الجديدة لإسرائيل في المنطقة وتقليص تعلقهم في الولايات المتحدة او على الأقل لابداء استقلالية حيالها.
لكن هذه المحاولة باعثة على الشفقة ومآلها الفشل لانها تستند الى جهة لن تنجح، متعفنة وفاسدة – الحركة “الوطنية” الفلسطينية.
——————————————
هآرتس:
نتنياهو يضاعف مبلغ الرهان ولا يشرح لماذا سينجح هذا في هذه المرة
بقلم: عاموس هرئيلِ
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يضاعف مبلغ الرهان في قطاع غزة. ورغم معارضة هيئة الاركان ورغم التعب في اوساط الوحدات القتالية والتحفظ المتزايد في اوساط الجمهور الاسرائيلي اعلن نتنياهو أمس عن توسيع الحرب. في الفيلم الذي نشره اعلن رئيس الحكومة بانه مصمم على مواصلة الحرب وتصفية حماس و”تحرير الابناء المخطوفين”. امس خضعت صفحة الرسائل لتطرف آخر. نتنياهو، بواسطة شخصية رفيعة في مكتبه، اعلن بانه “لقد تم اتخاذ القرار، واسرائيل ذاهبة الى الاحتلال الكامل للقطاع. واذا لم يكن هذا مناسب لرئيس الاركان ايال زمير فليقدم استقالته”، اضاف بما ظهر كاستفزاز متعمد”.
ولكن كالعادة رئيس الحكومة لا يبلغ المواطنين كيف هو ينوي الانتصار: لماذا الضغط العسكري الذي لم يثمر خلال اشهر سيؤدي الان الى تحرير المخطوفين؟ كيف سيتم انقاذهم من الانفاق بسلام؟ ما الذي يجعله واثق من ان القاء المهمة على وحدات الجيش البري المتعبة والمستنزفة سينتهي في هذه المرة بنجاح؟ من الذي سيستبدل زمير اذا تم طرده حقا، هل الجنرال دافيد زيني أو الجنرال رومان غوفمان؟. هذه ليست وبحق افكار تبعث على الامل في اوساط الجمهور. ولكن النغمة الوحشية التي يبثها محيط نتنياهو بذريعة مضللة وهي القلق على سلامة المخطوفين، تندمج مع تسريع خطوات الانقلاب النظامي، بدءا بمحاولة عزل المستشارة القانونية للحكومة وانتهاء بالجهود التي تبذل لاجازة قانون الاعفاء من الخدمة للحريديين.
اقوال نتنياهو كاعداد لنقاشات الكابنت تم التخطيط لها، وقد تم اسماعها في ظل خلافات كبيرة في الرأي العام. عائلات المخطوفين خائفة من نية احتلال مناطق اخرى في القطاع، التي فيها يتم احتجاز المخطوفين الاحياء؛ معظم رؤساء اجهزة الاستخبارات السابقين متوحدون في الدعوة لانهاء الحرب؛ فنانون اسرائيليون يتنافسون فيما بينهم حول مسألة المطالبة بانهاء الحرب وتخفيف الكارثة الانسانية في غزة.
مقبول الادعاء بانه في اسرائيل تصعب ادارة حرب بدون اجماع، أو شبه اجماع، على الشرعية العامة – بالتأكيد بدون خاتم الاهلية المهنية من رئيس الاركان. في هذه الحالة نتنياهو يبث تصميمه على مواصلة التقدم بدون الحصول على كليهما.
اول أمس زار زمير قيادة المنطقة الجنوبية، حيث تناقش هناك مع الضباط بخصوص المصادقة على خطط عملياتية. الخيارات التي وافق عليها زمير غير قريبة مما يعد به ننتنياهو بشكل علني. رئيس الاركان ما زال يدعم صفقة الرهائن كخيار افضل، رغم ان فرصتها ضعيفة. في حالة عدم تحقيقها فانه سيوصي القيادة السياسية بتقسيم آخر للقطاع على عرضه ومحاصرة الجيوب الثلاثة التي يتركز فيها مسلحو حماس والسكان الفلسطينيون والرهائن الاسرائيليون: مدينة غزة شمالا، مخيمات اللاجئين في وسط القطاع ومنطقة المواصي جنوبا.
ولكن الجيش لم يخطط لزيادة قواته في القطاع، بل بالذات تخفيفها. ايضا بهذه الصورة فانه في القطاع تعمل الان اربع قيادات فرق بدلا من من خمسة. وبتشكيلة قوات ناقصة جدا. ازاء العبء على الجيش النظامي وعلى الاحتياط فان الجيش الاسرائيلي خطط لتقليص اكثر حجم قواته في القطاع والتركيز على محاصرة دائمة للمناطق التي لم يدخل اليها حتى الآن. هذا ليس ما اعلن عنه نتنياهو. فمن اجل هزيمة حماس، كما وعد، يجب دخول هذه المناطق والمخاطرة بمزيد من المصابين، في اوساط الجنود والمخطوفين والسكان الفلسطينيين.
رئيس الحكومة يبرر خطواته بسببين. الاول هو جمود المفاوضات حول الصفقة. الثاني هو الوحشية والنازية، حسب قوله، التي تظهرها حماس تجاه المخطوفين. ولكن هذه التطورات ليست صدفية. يجب الذكر مرة اخرى بان وقف اطلاق النار تم الاعلان عنه في كانون الثاني الماضي بوساطة امريكية، واسرائيل هي التي قامت بخرقه في بداية شهر شباط عندما رفضت اجراء المفاوضات حول الدفعة الثانية في الصفقة، كما تم الاتفاق على ذلك، في منتصف شهر آذار الجيش الاسرائيلي استأنف القتال بتوجيهات من الحكومة مع تفجير الاتفاق. في العملية الاولى، القصف من الجو الذي استهدف اشخاص كبار مجهولين في الذراع السياسي لحماس، قتل حوالي 400 مواطن فلسطيني.
بعد شهرين من ذلك تم توسيع عمليات الجيش الاسرائيلي، حيث سيطرت القوات على مناطق اخرى واسعة، ليس فقط ان آلاف الفلسطينيين، معظمهم من المدنيين، قتلوا، بل خطة الجيش الاسرائيلي للسيطرة على نقل المساعدات الانسانية بواسطة “الصندوق الامريكي” فشلت. ما وفره الصندوق لم يقم بتلبية الحد الادنى المطلوب لاطعام السكان ومئات الفلسطينيين قتلوا باطلاق نار هستيري (يبدو ان معظم هذه النيران كانت نيران الجيش الاسرائيلي)، اثناء المحاولة اليائسة للحصول على الطعام. في نفس الوقت منذ شهر آذار قتل في القطاع 47 جندي. هذه الاحداث يشاهدها الجمهور الاسرائيلي المتعب واليائس، ولكنه في معظمه لا يخرج الى الشوارع. نحن تعبنا ويبدو أننا ايضا تعودنا.
هل نتنياهو عرف مسبقا بان الامور ستتطور بهذا الشكل؟ يصعب معرفة ذلك. ولكن النتيجة النهائية للعملية المهمة هي ان فرصة التوصل الى الصفقة تضاءلت جدا. حماس تستغل غضب العالم من اسرائيل ازاء مشاهد الجوع في القطاع، وهي لا تسارع الى التوقيع على الاتفاق. وردا على ذلك قام نتنياهو كما يبدو بتغيير موقفه، والآن هو لا يسعى الى صفقة جزئية، بل بالذات الى صفقة شاملة.
عندما سمعت بعض المراسلون وهم يكررون في نهاية الاسبوع تغيير السياسة بدون السؤال ماذا يقف وراء ذلك، تذكرت حيوان في حديقة حيوانات جورج اورويل الذي يردد اربعة ارجل جيدة، اثنتان سيئة، والعكس صحيح. الحقيقة هي أن هذين الخيارين هما نفس الشيء بالنسبة لنتنياهو. عمليا، احتمالية الصفقة بدون تدخل قوي من الولايات المتحدة تبدو الآن ضعيفة. المهم هو الوقت. ويبدو ان نتنياهو يعتقد بانه في هذه المرحلة الوقت يعمل لصالحه. فكسب الوقت يخدم اغراضه. عملية جديدة ووعد جديد بالحسم ستساعده في تمرير المزيد من الاشهر، بدل المخاطرة بتنازلات في اطار الصفقة، التي ستورطه مع الجناح المسيحاني في الائتلاف. ليتني أكون مخطئا.
في هذه الاثناء الوزراء يذرفون دموع التماسيح على مصير المخطوفين. لقد مر يومين منذ نشر الفيلم في يوم السبت، الذي ظهر فيه افيتار دافيد نحيف مثل الهيكل العظمي، وهو يتوسل لانقاذ حياته في النفق. مع ذلك، لم يكن من الملح لأي واحد منهم المطالبة بعقد جلسة طارئة للحكومة أو الكابنت لمناقشة احتمالية عقد الصفقة خلال 9 آب (العبري).
المخطوفون، كما اتضح ايضا من وضع روم بارسلفسكي، لا يوجد لهم المزيد من الوقت، ولكن مصيرهم متروك لقيادة سياسية غليظة القلب. اذا كان ما زال هناك لدى أي أحد شك في ذلك فقد جاء نقاش الحكومة المستعجل حول الترتيبات الامنية لعائلة نتنياهو أمس. “دمي تم هدره”، قال نتنياهو في الجلسة. أخيرا جاءت لرئيس الحكومة والوزراء قضية تثير لديهم مشاعر حقيقية للقلق والتوتر.
——————————————-
معاريف:
لحظة تأسيسية
بقلم: نداف تمير
حظيت الصهيونية لأول مرة باعتراف دولي في 2 تشرين الثاني 1917، عندما نشرت حكومة بريطانيا تصريح بلفور وفي تأييد لحق الشعب اليهودي في وطن قومي في بلاد إسرائيل. بعد 108 سنوات من ذلك أعلن رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر بانه اذا لم توافق حكومة نتنياهو على وقف القتال في غزة والعمل على حل الدولتين، فان بريطانيا سترتبط بفرنسا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول.
لا يجب التقليل من الأهمية التاريخية للاعتراف بدولة فلسطينية الذي عمل عليه الرئيس الفرنسي ماكرون في خطوة تشارك فيها السعودية ومعظم الدول العربية. فرنسا وبريطانيا هما عضوان في مجلس الامن وفي G7، مجموعة الاقتصادات المتطورة في العالم. اعترافهما بدولة فلسطينية يمكن ان يجلب معه أيضا تغييرا أوسع، ذا معان سياسية، اقتصادية وقانونية. لكن الأهم من كل ذلك، مثلما في حالة تصريح بلفور، فان الاعتراف الدولي هو حجر الأساس لتنفيذ حق تقرير المصير للفلسطينيين الذي سينقذ إسرائيل من “مسار الذبح” الذي يقودنا الى كارثة ثنائية القومية دامية او الى دولة أبرتهايد – في الحالتين، نهاية الصهيونية.
ان الرؤيا الصهيونية للشعب اليهودي بحاجة ماسة لدولة فلسطينية ولم يعد يمكنها أن توجد لزمن طويل بدونها. مذبحة 7 أكتوبر فتحت جرحا عميقا في المجتمع الإسرائيلي. حرب غزة عظمت أيضا إحساس الضحية لدى الفلسطينيين. لكن بعد نحو سنتين من ذلك نحن نعود الى نقطة البداية: لن تكون قائمة للصهيونية بلا دولة فلسطينية لم تقبل بها الدول العربية في قرار التقسيم. لكن الان يوجد لذلك اجماع جارف في اوساطها.
حكومة نتنياهو الافشل في تاريخ حكومات إسرائيل، تسعى لان تقودنا الى واقع دولة واحدة – فروعها العنيفة في الضفة الغربية سرعوا الخطى في دحر السكان الفلسطينيين، الحرب االابدية في غزة تتواصل بلا امل وبلا هدف وتخلق مأساة إنسانية بحجوم تاريخية. نتنياهو نفسه، في محاولة لمصالحة مسيحانيي حكومته يسعى منذ الان لان يضم أجزاء من قطاع غزة في الطريق الى حكم عسكري.
امام هذا الواقع علينا أن نعانق محاولات أصدقائنا في العالم العمل على واقع آخر يقوم على أساسا الحل الوحيد القابل للتحقق في شكل دولتين للشعبين، كجزء من ائتلاف إقليمي. 48 سنة من الحكم على شعب آخر أدت بدولة إسرائيل الى نقطة الانكسار القيمي الأكبر في تاريخها. نحن نوجد في لحظة تأسيسية في تاريخ الحركة الصهيونية. اما الطريق بلا مخرج الذي تقودنا فيه حكومة سكرى القوة وتتحكم فيها المحافل الأكثر خطورة وتطرفا ينبغي طرح بديل سياسي يقوم على أساس تسوية بين كيانين سياديين بعد قيام الدولة الفلسطينية يتوصلان الى فصل تام، كونفدرالية او بكيانين سياسيين في المنطقة التي بين البحر والنهر، بلا حدود متصلبة، اذا كان هذا ما يتفق عليه.
المجتمع الإسرائيلي جريح ومصاب وبالذات الان على المعارضة أن تعرض بديلا للثأر، للمسيحانية ولحكم شعب آخر. بدلا من شجب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ينبغي تشجيعه والاستعانة به لاجل العمل معه الاسرة الدولية على واقع افضل لنا جميعا.
——————————————-
يديعوت احرونوت:
مواجهة قبل الجحيم
بقلم: ناحوم برنياع
اليوم يفترض برئيس الأركان أن يعرض على نتنياهو ثلاثة بدائل لتوسيع العملية العسكرية في قطاع غزة. البدائل التي سيطرحها الجيش تتحدث عن اعمال في هوامش المناطق المأهولة. هي لا تتحدث عن احتلال غزة – لا عن احتلال مدينة غزة ولا عن احتلال القطاع كله. وزير الدفاع كاتس، الذي اختفى في الأيام الأخيرة سيكون حاضرا.
في مدينة غزة يعيش اليوم نحو مليون نسمة، من مخيم اللاجئين الشاطيء وحتى الرمال. في المواصي وشمالها على طول الشاطيء يعيش 600 الف آخرون. 400 الف يعيشون في دير البلح ومخيمات الوسط. في كل هذه الأماكن يوجد مخطوفون احياء. في الجيش يقدرون بان احتلال هذه المناطق ينطوي على ثمن باهظ من حياة المقاتلين ومعدل عال من المصابين المدنيين. معنى قرار الاحتلال هائل: من شأنه أن يفكك الجيش الإسرائيلي ويحكم على إسرائيل بعزلة دولية لم تشهد لها مثلا. وعليه، فان محافل امنية تتعاطى بشك مع بشرى الاحتلال التي خرجت امس من مكتب رئيس الوزراء. نتنياهو لم يأخذ في أي مرة رهانا بمثل هذا الحجم الكبير.
اذا كان نتنياهو يعول على احد ما، فهو يعول على ترامب. مصادر في محيط نتنياهو تدعي بان ترامب أعطاه مباركته لتوسيع الحرب. لا اعرف اذا كانت توجد حقيقة في هذا الادعاء، لكن حتى لو كانت فيه حقيقة، يجدر بمكتب رئيس الوزراء ان يستخلص الدرس من قصة الغرام بين ترامب وبوتين. في بداية ولايته الحالية تجند ترامب لمساعدة بوتين في الحرب في أوكرانيا. عمليا دفع بوتين لان يوسع الحرب: فقد اضعف أوكرانيا واهان زلنسكي ففهم بوتين الإشارة.
وعندها، عندما رأى ان بوتين يرفض الصفقة، انقلب ترامب. والان هو يهدد بوتين بعقوبات وبهجوم نووي. بوتين سيصمد في هذا لكن إسرائيل ليست روسيا ونتنياهو – حتى وان كان ينسى أحيانا حجمه الحقيقي – ليس بوتين.
هل زيارة ويتكوف هنا استهدفت الايضاح لنتنياهو حدود حرية العمل لديه؟ ليس واضحا. ويتكوف هو رجل لطيف جدا، خبير عقارات. فقط في إدارة ترامب يمكن تكليف رجل كهذا ان يدير بالتوازي مفاوضات في ثلاث ساحات قتالية: أوكرانيا، اسرائيل – حماس، ايران. قصرت يداه.
نتنياهو عاد امس ووعد بانه سيحقق كل اهداف الحرب. بعد 22 شهرا من قتال دامٍ من الصعب التعاطي مع وعد كهذا بجدية. يخيل ان لنتنياهو يوجد في الحرب في غزة هدف واحد- مواصلة الحرب. عدلوني اذا كنت مخطئا، لكني لا أتذكر حربا إسرائيلية في الماضي كان هدفها مواصلة الحرب. أردنا أمنا، أردنا ردعا، أردنا حسما، أردنا نصرا، أردنا سلام. لم يكن رئيس وزراء واحد سعى الى حرب ابدية.
الرسائل من مكتب رئيس الوزراء أمس تؤكد المواجهة بين الجيش، وعلى رأسه رئيس الأركان ايال زمير، والمستوى السياسي. زمير كان يعرف ما ينتظره. النشر في صفحتي يوم الجمعة في ملحق السبت في “يديعوت احرونوت” عن ان قرار الكابنت احتلال غازة قد يدفع رئيس الأركان الى استنتاجات شخصية، أوضح للطرفين اين يقفان. الازمة هنا وطنية، وليس شخصية.
في الجيش لا يزالون يأملون بصفقة تعيد المخطوفين الى الديار وعلى الطريق تعيد الدولة الى بداية سواء عقل. مشكوك ان تكون حماس معنية الان بصفقة؛ مشكوك أن يكون نتنياهو معنيا بها. في هذه الاثناء لا يوجد ضوء في نهاية النفق.
——————————————-
هآرتس 5/8/2025
نتنياهو في سباق مع دموع التماسيح.. والنائبة غوتليف لعائلات المخطوفين: اسكتوا
بقلم: أسرة التحرير
نشر نتنياهو تسجيلا أعرب فيه عن صدمة عميقة من وضع المخطوفين أفيتار دافيد وروم برسلفسكي، المحتجزين لدى حماس والجهاد الإسلامي. “أنا أيضاً صدمت… هاتفت العائلات، عانقتها”، استهل نتنياهو وأضاف: “هم يجوعونهم مثلما جوع النازيون اليهود. وعندما أرى هذا أفهم تماماً ما الذي تريده حماس. هي لا تريد صفقة، بل تريد كسرنا من خلال أشرطة الفظاعة”.
نتنياهو ليس مواطناً عادياً، ولا شخصية عامة تتبوأ منصباً رمزياً، أو مؤثر شبكة ولا محللاً، بل رئيس وزراء إسرائيل. فهو من يحوز مفتاح إعادة المخطوفين؛ إن أراد يعيدهم، وإن لم يرد لا يعيدهم. وعليه، فإن صدمته من وضع المخطوفين ومن وحشية من يحتجزونهم ويجوعونهم حتى الموت لا تقاس وفقاً لشدة الكلمات التي يتبناها في توجهه إلى “مواطني إسرائيل الأعزاء” أو العناق الذي يغدقه على أهل روم وأفيتار. المقياس الوحيد الذي تقاس فيه صدمته هو استعداده لإنهاء الحرب مقابل إعادة المخطوفين في صفقة، مهما يكن الثمن الذي ستضطر حكومته لدفعه.
وتكفي المشاهدة إلى نهاية الشرط حتى نفهم أن الخطاب الحاد الذي تبناه هو كل ما يمكن للمخطوفين وعائلاتهم أن يحصلوا عليه. بالفعل، وضع المخطوفين يشبه عنده وضع اليهود الذي احتجزهم النازيون في معسكر الإبادة، لكن نتنياهو يبقى يؤخر تحرير المعسكر خشية -لا سمح الله- أن يمس ببقاء حكومته.
“لن ننكسر”، واصل نتنياهو – وكأن التفويض الذي أعطي له يمنحه سيطرة على قدرة صمود الجمهور – “أنا ممتلئ حتى بتصميم أقوى لتحرير أبنائنا المخطوفين، وتصفية حماس، وضمان ألا تشكل غزة بعد اليوم تهديداً على دولة إسرائيل”، قال. بمعنى أن وجهة إسرائيل ليس للصفقة، بل لتشديد الضغط العسكري، زعماً لأجل تحرير مخطوفين، وكأن هناك أحداً ما في إسرائيل لم يعرف بعد أن هذه أهداف متضاربة.
بدلاً من الصدمة بالكلمات، على نتنياهو أن يعمل على صفقة تخرج أفيتار وروم وكل باقي المخطوفين من اللظى الذي يعلقون فيه بعد أن اختطفوا في ورديته.
النائبة تالي غوتليف، قالت أمس في لجنة الكنيست لعائلات المخطوفين: “إذا سمعت حماس ما تقولونه، فلن تعيد المخطوفين”. وعندما سُئلت إذا كانت تقول للعائلات اسكتوا، أجابت: “نعم، اسكتوا. اسكتوا تماماً وابقوا صامتين”. غير أن من ينبغي أن يتحدث أقل ويفعل أكثر هم نتنياهو ورفاقه في حكومة 7 أكتوبر. عليهم أن ينهوا الحرب، ويعيدوا المخطوفين ويسكتوا إلى الأبد.
——————————————-
معاريف
حكومة حقيرة فتحت علينا أبواب الجحيم.. حماس تستمتع بانهيارنا والانتصار عليها وهم سخيف
بقلم: بن كسبيت
هاجم الكاتب الإسرائيلي بن كسبيت الحكومة الإسرائيلية بحدة، واصفا إياها بأنها “حكومة حقيرة فتحت أبواب الجحيم على نفسها وعلينا”.
واعتبر في مقال في صحيفة “معاريف” ، أن ما يجري فشل سياسي وعسكري متواصل في التعامل مع ملف الأسرى والواقع المتدهور في قطاع غزة.
وفي مقاله عبر كسبيت عن صدمته من تخصيص البند الأول في اجتماع الحكومة المرتقب لمناقشة التهديدات الأمنية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعائلته، في وقت تتفاقم فيه معاناة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في أنفاق غزة. وقال: “هل هذا كابوس أم خدعة؟ نحن نرى بأعيننا رهائن يتحلّلون في الأسر ولا أحد يتحرك”.
وأضاف كسبيت أن مشاهد الأسرى، مثل روم براسلافسكي وإيفاتار ديفيد، وقد تحولا إلى “هياكل عظمية”، تعكس الانهيار الأخلاقي والسياسي داخل الحكومة. وانتقد “انشغال نتنياهو بصورته الشخصية وأمنه الخاص، بدلا من اتخاذ خطوات حقيقية لإنقاذ الرهائن ووقف الكارثة الجارية في غزة”.
وأشار الكاتب إلى أن نتنياهو بات مشلولا ومذعورا، وأن حماس “تستمتع بكل لحظة” من لحظات التدهور الإسرائيلي، بعد أن نجحت في محاصرة تل أبيب داخل معادلة مميتة بين الفشل العسكري والاستنزاف الداخلي. وقال: “الخيارات أمام نتنياهو أصبحت محدودة، وكل مرة تفتح فيها أبواب الجحيم تكون أسوأ من سابقتها”.
وهاجم كسبيت بشدة الأداء الحكومي الذي وصفه بـ”الفاسد والفاشل”، مشيرا إلى أن الانتصار الكامل على حماس أصبح وهما سخيفا، وأن الواقع الميداني يظهر استنزافا متواصلا للجنود والاحتياط، بينما الاقتصاد يعاني، والرؤية السياسية غائبة.
كما تحدث عن توتر متصاعد بين الحكومة والقيادة العسكرية، قائلا إن رئيس الأركان إيال زامير يدرك تماما حجم المأزق، ويعلم أن الجيش “يطارد الوهم وسط الأنقاض”. واختتم كسبيت مقاله بعبارة لاذعة: “لقد أكلنا السمك الفاسد وطردنا من المدينة.. هذه الحكومة تحفر قبرها بيديها، وتغرق إسرائيل معها”.
——————————————-
هآرتس
دولة فاسدة بكل المعاني
بقلم: يهوديت كراف
في صباح أيام كثيرة (كثيرة جداً) عندما أشاهد الأخبار أو أتصفح الشبكات الاجتماعية، أجد نفسي أتمتم: “الحرب هي السلام، الحرية هي العبودية والجهل هو قوة”.
هذه الشعارات الثلاثة لـ “وزارة الحقيقة” في كتاب جورج أورويل (1984)، توقفت عن أن تكون إشارة تحذير ضوئية أدبية، وأصبحت انعكاساً مقلقاً لواقع حياتنا.
إسرائيل 2025 تشبه بدرجة كبيرة الدولة الفاسدة لأورويل: نظام يتلاعب بالواقع، يلغي التاريخ، يملي حقيقة جديدة في كل يوم.
حكومة الحقيقة ليس لها عندنا اسم رسمي. فهي تتحدث من خلال “جهات مخولة” أو “جهات رفيعة”، فرق الدعاية، المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، حسابات وهمية في تويتر، “محللون مستقلون”، وأي طريقة محتملة للتلاعب بالوقائع في العصر الرقمي.
هكذا كان الأمر أيضاً في نشر “الوثائق السرية” في صحيفة “بيلد” الألمانية، التي كما يبدو كشفت بروتوكول حماس الداخلي.
عملياً، هذا كان تسريباً متعمداً من مكتب رئيس الحكومة، بالضبط عندما ازداد الانتقاد لإخفاقات الحكومة في مسألة المخطوفين.
في لحظة الوثيقة أصبحت حقيقة متفقاً عليها في كل الاستوديوهات، دون طرح حتى ولو سؤالاً واحداً.
هكذا يعمل التلاعب الحديث. لا توجد حاجة للتزوير، يكفي التحيز السردي.
أحياناً، بمساعدة الرئيس الأميركي وعلى الأغلب بدعم جميع قنوات وسائل الإعلام، حتى يتم كشف الكذب فإن الضرر (أو الربح) يكون قد حدث. الوعي تم تشكيله. هكذا يتم استنساخ الرواية الرسمية مرة تلو الأخرى: حماس هي المذنبة وهي التي تتحمل كل فشل بشأن المفاوضات حول المخطوفين.
رغم أنه عملياً إسرائيل هي التي خرقت الاتفاق الذي أدى إلى تحرير بعضهم. الجوع في غزة هو وهمي، فرية لاسامية وتلاعب كاذب من قبل حماس.
تعمل وزارة السلام بمنشورات حكومية تقول إن السلام يأتي من خلال النصر المطلق، وهذا سيتحقق عن طريق تسوية غزة، والتجويع والقتل اليومي لطالبي الطعام.
في موازاة ذلك فإن الحكومة تدفع قدماً بالسلام عن طريق تفعيل الجيش والشرطة والمستوطنين، والعنف الإجرامي منفلت العقال للمستوطنين ضد السكان في الضفة الغربية وضد ممتلكاتهم وأمنهم ومصدر رزقهم، وأحياناً ضد حياتهم أيضاً.
هكذا فإن “الإنساني” هو مس بالأمن واستسلام للإرهاب، وكأنه يؤخر النصر والسلام المأمول.
الفوضى الأخلاقية هي الاستراتيجية الأمنية الجديدة، والأسئلة الأخلاقية (إذا تم سؤالها) موجهة لقسم الدعاية والعلاقات العامة.
مقالات قليلة، تصف الواقع كما هو، تعتبر تعاوناً مع العدو. والدعوة لوقف الحرب من قبل عائلات المخطوفين، المتظاهرين والمدنيين، يتم التشهير بها واعتبارها خيانة.
أيضاً وسائل الإعلام في إسرائيل متعاونة في ذلك: الأعمال الفظيعة بصعوبة تتم مشاهدتها، من خلال الرقابة أو “القلق على شعور المشاهدين”.
السلام، كما يتبين، يقتضي الإسكات.
شرطة العقل لم تعد تعمل في الأقبية بل في الاستوديوهات، القنوات الإعلامية، غرف التحقيق وقاعات المحاكم.
كل من يفكر بشكل مختلف – مراسلون، أكاديميون، منتجون، متظاهرون – يتم اختباره بسبب مواقفه.
حالة المراسل إسرائيل بري هي دليل مثير للقشعريرة على ذلك.
في أعقاب التغريدة التي عبر فيها عن موقف قاسٍ ولكنه مشروع، مختلف عليه ولكن يندرج تحت حرية التعبير، تم اعتقال المراسل والتحقيق معه تحت التحذير بتهمة “التحريض على الإرهاب”.
لقد تم استدعاؤه للتحقيق معه بذريعة “نشاطات صحافية”، وهي مناورة وأسلوب سبق وتمت إدانته بشدة من قبل نقابة الصحافيين.
المجتمع رد بلامبالاة وتسليم أعمى.
هكذا تتصرف شرطة العقل الحديثة، التي تعمل على الردع الأيديولوجي بغطاء أمن الدولة.
هذا فقط مثال من بين أمثلة كثيرة. محاضرون طلب منهم تقديم تفسيرات للمواقف التي عبروا عنها.
في الكنيست يتم الدفع قدماً الآن بقانون يمنع من ينتقدون الحكومة من الحصول على جائزة إسرائيل.
بعد 7 أكتوبر تم نقل السلطة التقديرية التي أعطيت للمدعي العام في مجال التحقيق والاعتقال بتهمة التحريض، وهي سلطة تقديرية تهدف إلى حماية حرية التعبير، إلى الشرطة، ما مكنها من حرية التصرف في عشرات التحقيقات والاعتقالات التعسفية وتوجيه لوائح اتهام ضد المواطنين العرب الذين عبروا عن ألمهم على قتل الناس في غزة.
هكذا يتم تعطيل الشراكة المدنية وتترسخ فكرة أن أي شخص يفكر بشكل مختلف يتوقع أن يعاقب. هذا هو وقت الرقابة الشخصية.
الأكثر خطورة من كل ذلك هو غسل الأدمغة. حقائق يتم نشرها بوتيرة سريعة، دون صلة أو مسؤولية أو تعديل.
وزراء يقومون بإلقاء خطابات حول الأخلاق اليهودية أمام خطة “معسكرات تجميع” وطرد.
انتقادات من الخارج يتم إسكاتها على الفور على اعتبار أنها فرية لاسامية.
الانتقاد الداخلي هو دعم للإرهاب، الجنود يحصلون على التقدير بسبب تصريحات انتقام، متظاهرون من أجل إنهاء الحرب يتم اعتقالهم، لافتات عليها صور أطفال تم قتلهم تتم مصادرتها من قبل الشرطة، الحدود بين الانتقاد والاحتجاج الشرعي وبين الإخلال بالنظام العام والمس بالديمقراطية آخذة في التلاشي بفضل شرطة العقل.
الجمهور آخذ في التكيف. هو يعتاد على اللغة الجديدة وأصبح يوافق على روح العصر، ويرفض التساؤل.
هذا هو النصر الحقيقي للدولة الفاسدة والشريرة: ليس عندما تفرض الحكومة، بل عندما يصبح المواطن نفسه على قناعة. وعندما السلطة يجب ألا تقوم بكم الأفواه، لأن حرية التفكير أصبحت في الخارج.
أنا أكتب بألم من خلال الشعور بالضياع. هذا لم يعد اختلافاً سياسياً، بل هو نضال على روح الدولة، وعلى إمكانية أن تكون ديمقراطية ليبرالية وأخلاقية، وليس تقليداً بائساً لأدب من القرن الماضي.
الوقت ما زال غير متأخر، لكن النافذة آخذة في الانغلاق.
الصراخ والانتقاد والتحذير يجب إسماعها الآن بشكل كبير، قبل أن يسمح الأخ الأكبر بالتفكير، وقبل تحولنا نحن أنفسنا إلى قصة فاسدة.
—————–انتهت النشرة—————–