الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس  2/9/2025

اضمحلال القوة، السلطة وفساد القلب – ثلاث صور للشر الاسرائيلي

بقلم: يوعانا جونين 

1- في الصورة التي نشرها “حاخامات من اجل حقوق الانسان” يظهر جندي يعتمر خوذة، ودرع واقي ونظارات شمسية فسفورية، وقناع لجمجمة تغطي وجهه. هويته محيت، وانسانيته انتزعت، وهو اخذ على عاتقه صورة الموت. الصورة تم تصويرها في الاسبوع الماضي في منطقة الخضر في الضفة الغربية، حيث وصل الى هناك النشطاء من اجل مساعدة سكان القرية في قطف العنب. مهمة الجندي المستعار: مساعدة المستوطنين في ابعاد النشطاء. هذه ارض خاصة، ويوجد للمزارعين تصريح، ولكن جيش الموت خبير في اختراع خدع والاعيب، والتي استهدفت تنغيص حياة الفلسطينيين ومصادرة اراضيهم.

الجندي يلبس وجه هيكل عظمي من اجل اثارة الرعب لدى المواطنين الخاضعين لامرته. هذا ليس فقط نزوة خاصة، هذا رمز. القناع الحقيقي يمزق القناع من على روتين الاحتلال: هدف الجيش ليس الحفاظ على النظام بل ان يزرع الدمار، ويحول الامر اليومي الى امر مهدد – بواسطة تنكيل ممنهج، وحواجز خانقة، واقتحامات ليلية، ودعم المشاغبين اليهود. ازاء هذه الصورة المزعجة يصعب الّا نتذكر الفيزيائي روبرت اوبنهايمر، والذي عند رؤيته اول انفجار نووي اقتبس من كتاب “البهاجافد جيتا” (وهو احد الكتب المقدسة الهندوسية المعروفة – المترجم): “الان انا الموت، مدمر العوالم”. الجندي المجهول تحول الى تجسيد لقوة التدمير، والى سفير شبحي لمجتمع كامل تخلى عن انسانيته.

2- بعد عدة ايام من ذلك نشر فيلم فيه تم توثيق والد الوزيرة عيديت سلمان وهو يهزأ بامرأة مسنة تعاني من ارتجافات في جسدها. المراة تقف بالقرب من بيت سلمان تحمل يافطة تدعو لوقف كل شيء من اجل المخطوفين. الوالد – يحمل كيس لسوبر ماركت “يوحاني نوف” مع نظرة جامدة – وهو يتشاجر مع مجموعة من المتظاهرين. “الا تخجل من بنتك؟” سألته المتظاهرة؟ بهدوء ردا عليها، والد سلمان يقلدها باستهزاء، ويهز جسده بطريقة غريبة من اجل اهانتها. مواطنة مسنة تحتج وهي متألمة، وتحاول التظاهر من اجل من فرطت بهم الحكومة، والتي ترتجف بسبب سنها او وضعها الصحي (وفي الواقع هل يمكن اصلا الانشغال بمثل هذه الفظائع بدون ان يرتجف القلب واليدين؟).

هذه المتعة السادية التي يحصل عليها الاب من استهزائه بامرأة ضعيفة هو جزء من نموذج ثابت لمؤيدي الحكومة، والذين حولوا متظاهرين مسنين الى هدف مفضل للاهانة. هذه ثقافة سياسية تقدس القوة وتستهين بالشفقة – وهو سمة بارزة للحركات الفاشية. ومثل الجندي صاحب وجه الجمجمة، ايضا والد سلمان يستمتع ويبتهج من شعور القوة الزائفة الذي يمنحها له عجز من يقفون امامه. كلاهما يمحوان ذاتهما – احدهما بالتنكر والاخر بالتقليد – من اجل محو انسانية الاخر.

3- في يوم الخميس نشر حانوخ داوم صورة استهدفت الاستهزاء بالدلائل والشهادات على وجود جوع في غزة. صورة ذكاء صناعي مزيفة بصورة متعمدة، والتي فيها تظهر امرأة فلسطينية مع اربعة اطفال، وزوج من القطط لهما رأس واحد وفي الخلفية يوجد ديناصور. “الجوع في غزة يواصل كونه قاسيا” كتب داوم “شخصيا انا اشفق بالاساس على الدجاجة الغريبة الموجودة في الخلف”. ومثلما كتب دكتور اساف دافيد: “الجوع والموت في غزة هما ليس دعاية. الاعتماد على صور مزيفة هنا وهناك من اجل السخرية من الجوع والموت هو ما يعتبر دعاية”.

داوم يستخدم الصور المفبركة والتي تنشر من حين لاخر في الشبكة العنكبوتية، من اجل انكار الجوع والقتل في غزة – والاسوأ من ذلك انه يعرف ان الجوع والموت حقيقية وهذا ما يفرحه. عشرات الاف الاسرائيليين اعطوا اعجابات ضاحكة للصورة. الشر ليس فقط في الهامش – هذه ثقافة كاملة للانكار، والتي اعتادت ان تستخرج تسلية من معاناة فظيعة.

اضمحلال القوة، اضمحلال السلطة وفساد القلب. هذه 3 صور للمجتمع الاسرائيلي الحالي، والذي حول الوحشية الى ايديولوجيا وغرق في هاوية مظلمة.

——————————————

هآرتس 2/9/2025 

قلق زمير على المخطوفين يتناقض بشكل صارخ مع الاغتراب الذي يظهرونه الوزراء

بقلم: يوسي فارتر 

السخرية ليست سمة تميز اعضاء الكابنت السياسي الامني. هنالك صفات اخرى تتبادر الى الذهن في سياقه مثل الطاعة والتراخي وقلة الحيلة. ولكن ليلة امس وعندما اختارت المراقبة اوريت ستروك ان تقتبس لرئيس الاركان ايال زمير آية من موعظة الاسبوع “الرجل الخائف ورقيق القلب يعود الى بيته ولا ينصهر قلب اخيه كقلبه” انتحرت السخرية. هذه الآية التي سعت من خلالها الى ضرب زمير والتي تحرم مشاركة من قد يثير الريبة في قلوب اصدقائه، تمت تلاوتها في مكان مغلق وسري في اعماق الارض. هناك فر ابطال الامة، وكانت ستروك من بينهم، خوفا من انتقام الحوثيين بعد اغتيال اعضاء الحكومة في صنعاء.

اللدغة الخبيثة لستروك استهدفت احراج ليس فقط رئيس الاركان والذي لسوء حظه حضر هذه الجلسة الساخرة. هي موجهة لكل ضابط، كبيرا كان ام صغيرا، ولكل جندي ومجندة يعرضون حياتهم للخطر في انقاض غزة، والذين يتجرأون على الاعتقاد والتفكير مثل زمير: ان انقاذ حياة المخطوفين يسبق في اهميته عملية عسكرية اخرى متغطرسة وعديمة الجدوى. الرسالة الضمنية في اقوال وزيرة الاستيطان هي نفس الرسالة التي عبرت عنها ستروك وزملاءها في هذا المعسكر – مثل الوزير سموتريتش وايتمار بن غفير وعميحاي الياهو وغيرهم – بصورة صريحة اكثر من مرة: يمكن وحتى يجب التنازل عن العشرين مخطوفا الاحياء الموجودين في الانفاق وعن الـ 28 جثة من اجل تحقيق الهدف (الكاذب والذي ليس له اساس) وهو “تدمير حماس”. لن يعتقد خلافا عنهم، حتى وان كان هو جنرال حربي لامع، فإنه شخص جبان يزرع المخاوف والوهن في مرؤوسيه. ان قلق زمير على حياة الاشخاص، ثلاثة منهم جنود، من جنوده، يتناقض تماما مع الاغتراب الذي يظهرونه تجاه مصير اولئك الذين يموتون في الانفاق.

الكابنت لم يكن ليشغل نفسه مطلقا في قضية المخطوفين التي تخلى عنها نتنياهو منذ زمن، لولا ان زمير اصر على طرح خطة الصفقة الموضوعة على الطاولة منذ حوالي 3 اسابيع. حماس مستعدة لاطلاق سراح 10 مخطوفين احياء والافراج عن 18 جثة، بدون ان تربط ذلك بانهاء الحرب. هذه فعليا صفقة احلام والتي بادر اليها نتنياهو ودفع نحوها وكان مسرورا لتلقي الانتقادات، ولكن بعد ذلك حدث شيئ ما. “ترامب قال”، هكذا بشر رئيس الحكومة وزراءه. لقد مل الرئيس الامريكي المتقلب والصبياني من الصفقات على مراحل. صفقات “السلاميات” على حد تعبير نتنياهو. هو يطالب الان “بانهاء الامر سريعا”. وعندما يريد الرئيس، فإن نتنياهو ينقلب. مثل قطعة الستيك.

ما الذي يتخيله ترامب، وماذا يعني “سريعا”؟ هذا فقط هو الذي يعرفه. ولكن سريعا هذا لن يحدث، القتال في غزة سيكون قاسيا ومريرا، وطويلا، ودمويا.  “فخا مميتا” مثلما حذر زمير. الجنود سيقتلون، المخطوفين سيقتلون بنيران الجيش الاسرائيلي، او سيقتلون عمدا بأيدي حماس. عندما يعتقد آسروهم ان الجيش يقترب، فإنهم سيعدمون المخطوفين الذين وضعهم لا يسمح لهم بالهرب معهم مثلما حدث في الماضي. معظم الجمهور والذي بحواسه الصحيحة يفهم ذلك يغضب بسبب هذه المأساة المعروفة مسبقا. ولكن نتنياهو ومعظم اعضاء الكابنت يضعون فقط اشرطة على جاكيتاتهم.

متشجعا من النجاح والانجازات الهائلة للجيش الاسرائيلي والموساد في عملية “شعب كالاسد” في ايران، وكذلك ايضا من اغتيال وزراء حكومة الحوثيين، فإن نتنياهو يسرع مندفعا نحو المعركة الدموية في غزة. هل تمكن من قراءة التقرير العسكري الصادم والمحبط الذي نشر من قبل مركز التعليم العملياتي التابع للقوات البرية؟ هذا التقرير يفصل بنزاهة تستحق التقدير الاخفاقات الفادحة لعملية “عربات جدعون”؛ بالفعل ستكون “التكملة” اكثر نجاحا؟ العربات هي نفسها وجيش الدفاع الاسرائيلي هو نفسه – الجيش الذي يبدع في القتال على بعد 2000 كيلومتر من هنا، وفي الوقت نفسه يصبح متيبسا وينزف الدماء على بعد بضع كيلومترات جنوبي عسقلان.

ما سيكون هو ما قاله دودي امسالم في الجلسة: “فيتنام الاسرائيلية”. ايضا وزير الخارجية جدعون ساعر حذر من التداعيات السياسية. وماذا ان قام بالتحذير. السياسة الخارجية لاسرائيل والتي نتنياهو وظله المرتجف رون ديرمر يقودانها، تعتمد على الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة وعلى رئيسه، وتتحدى وتستفز باقي العالم. هذا سلوك اجرامي. والذي هو بالمجمل صورة مطابقة لدول مثل كوريا الشمالية وايران، واللتان تعتمدان على روسيا والصين. في ظل هذه الحكومة، اسرائيل هي اقرب من اي وقت مضى لمكانة دولة مجذومة، مقاطعة ومعزولة، مع حليف واحد ووحيد، والذي هو ايضا من شأنه ان يظهر انه قصبة مكسورة عندما لا تسير الامور على ما يرام مثلما حدث في سماء ايران.

——————————————

هآرتس 2/9/2025 

تعيين كاتس سيدمر الجيش الاسرائيلي

بقلم: نمرود شيفر 

ناقوس الخطر دق الاسبوع الماضي. لقد اطلق طاقم دبابة النار على مستشفى في خانيونس مما اسفر عن مقتل مدنيين وصحفيين وقد وصف الحادث  بأنه “حادث مؤسف”. طاقم الدبابة اطلق النار بناءً على “تفويض قديم” اعطي في اليوم السابق. لقد اطلقت اربع قذائف على المستشفى بناءً على تفويض قديم وهذا ليس بالامر الهين.

لقد قيل الكثير وسيقال الكثير عن الضرر الدعائي الكبير لهذا الاطلاق، ولكن بالنسبة لي – كشخص كان طوال 37 عاما جزء من الجيش الاسرائيلي ومن عموده الفقري – يقلقني اكثر من الضرر الاعلامي السؤال كيف وصل الجيش الى وضع فيه ينفذ اطلاق نار كهذا بدون سلسلة مصادقات مشددة. كيف بحق الجحيم، وصلنا الى وضع فيه القادة في الميدان يسمحون لانفسهم ببساطة هدم حائط لمستشفى، بدون ان يتعرض امنهم لخطر ملموس وفوري، ولا ترتجف ايديهم.

المسؤولية لا تقع فقط على عاتق القادة وجنود الجيش الاسرائيلي. السمكة تفسد من الرأس، والرأس هو ليس رئيس الاركان الذي يواجه ايضا ظروفا غير محتملة. الرأس هو وزير الدفاع. عندما قام نتنياهو بتعيين كاتس عديم المؤهلات، فإنه ارسل رسالة واضحة وقاطعة لكل المنظومة: المهنية، القيمية، التجربة الامنية، السلطة التقديرية – كل هذه ليس لها اهمية. كل شيء سياسي، فقط سياسي. والوزير كاتس لم يخيب ظنه، احدى خطواته الاولى كانت الغاء الاعتقال الاداري لليهود واطلاق يد اكثر المستوطنين تطرفا لتنفيذ اعمال شغب واعتداءات ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. بعد ذلك تطاول على رئيس الاركان حينئذ، هيرتسي هليفي، وعلى المتحدث باسم الجيس الاسرائيلي، دانييل هاجري.

منذ ذلك الحين لم يتوقف كاتس عن اطلاق تصريحات تهديد علنية على غزة بفتح “ابواب جهنم” عليها وكأنها لم تصبح جحيما كبيرا مليئا بالجوع والدمار. هو يتدخل في التعيينات، دون اي خلفية او معرفة بالمرشحين، ولا يدعم رئيس الاركان عندما يجري رئيس الوزراء مقابلة مع جنرال في الجيش الاسرائيلي مرشحا لمنصب رئيس جهاز الشباك من وراء ظهره، او عندما يوجه اليه الوزراء اهانات في اجتماعات مجلس الوزراء. هو يشغل منصبه منذ ما يقارب العام ولم يتخذ اي اجراء ايجابي حتى الان. عمل حزبي، تصريحات متعجرفة، وانعدام للاحترافية – ومرة اخرى، السياسة فوق كل اعتبار. كل هذا، فقط هذا، هو ما يقدمه كاتس لاهم منظومة في اسرائيل.

اما بالنسبة للمنظومة نفسها، الجيش الاسرائيلي، فهي موجودة في احدى اللحظات الصعبة لها في التاريخ. الجيش يحارب منذ ما يقارب السنتين داخل بيئة مدنية معقدة، وفي الوقت الذي فيه المختطفين الاسرائيليين مخبئين من قبل مخربين حقيرين. جنودنا منهكون وتعرضوا لصدمة. وهنالك جنود فقدوا اخوتهم الذين حاربوا الى جانبهم، محتاجون الان اكثر من اي شيء اخر لقيادة مهنية قوية ومؤهلة. القدرة على الحفاظ على تعليمات فتح النار، وعلى طهارة السلاح، وعلى الانضباط العسكري، والذي هو مهم للاداء المهني، وعلى تصدي صحيح لمسائل عملياتية في محيط مكتظ – هي تحدٍ كبير. وعندما ينظرون الى الاعلى ما الذي يرونه؟ يرون ان قائدهم هو ناشط سياسي طموح ومتملق. فهل من المستغرب الا ترتعد ايديهم قبل ان يطلقون اربع قذائف على المستشفى.

صورة الجيش الاسرائيلي مثلما عرفناها حتى حرب السيوف الحديدية، يتم تحديها على يد حرب لا تنتهي في فضاء مدني مكتظ، وعن طريق اختراق قوات مسيحانية متطرفة الى سلسلة قيادته، والتي تتحدى الانضباط العملياتي وتتحدى قيم مثل طهارة السلاح؛ ويتم تحدي هذه ايضا من قبل الفهم الذي يتغلغل داخل الجيش الاسرائيلي بأنه من عام وهذه الحرب تخدم فقط الاهداف السياسية لرئيس الحكومة والاهداف المسيحانية للجناح اليميني المتطرف فيها.

هذه التحديات هي اكبر بعدة ارقام على الوزير كاتس، والتفكير انه في وقت حاسم جدا يخضع الجيش لامرة هذا الشخص العاجز، يجب ان تقلق راحتنا جميعا. اذا لم نستبدل القيادة الفاشلة هذه في اقرب وقت فسوف لن يتبقى لنا جيش لنحارب من اجله.

——————————————-

يديعوت أحرونوت: 

أوروبا غاضبة.. الولايات المتحدة محقة

بقلم: بن درور يميني 

دول الاتحاد الأوروبي، التي انعقد وزراء خارجيتها في نهاية الأسبوع في كوبنهاغن، غاضبة على الولايات المتحدة. فقد نشرت الإدارة الامريكية بيانا رسميا عن الغاء التاشيرات لثمانين من كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية، بمن فيهم أبو مازن. لن تتمكنوا من الوصول الى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، قضى وزير الخارجية، ماركو روبيو، الا اذا استوفيتم سلسلة من الشروط المسبقة: شجب ثابت للارهاب، وقف التحريض على الإرهاب في مناهج التعليم، وقف المحاولات لتجاوز المفاوضات من خلال حملات دولية – بما في ذلك التوجهات الى المحكمة الدولية في لاهاي، وقف الجهود لاعتراف احادي الجانب بدولة فلسطينية. اول امس اطلقت وزارة الخارجة بلاغا للكونغرس عن عقوبات ضد رؤساء السلطة واناس م.ت.ف، بموجب القانون الأمريكي، بما في ذلك على خلفية استمرار الدفعات للإرهابيين ولابناء عائلاتهم.

كل واحد من الشروط التي طرحتها الولايات المتحدة على الفلسطينيين منصوص عليه في اتفاقات خرقتها السلطة الفلسطينية. وليس فقط الولايات المتحدة. الاتحاد الأوروبي نفسه، المرة تلو الأخرى، اتخذ قرارات ضد تعليم التحريض في مناهج التعليم، والمرة تلو الأخرى خرق قراراته هو نفسه. المرة الأخيرة كانت قبل اقل من ثلاثة اشهر، في 6 أيار، عندما اتخذ البرلمان الأوروبي قرارا بوقف التمويل للسلطة طالما كانت مناهج التعليم تشجع الإرهاب. قبل سنتين من ذلك، في 10 أيار 2023، اتخذ البرلمان قرارا مشابها. لم تمر ثلاثة أيام حتى قرر من كان وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، الاستهتار بالقرار ومواصلة التمويل منعا لافلاس السلطة.

المطالب الأخرى أيضا، مثل معارضة تجاوز المفاوضات من خلال حملات دولية وحظر على التوجه الى لاهاي، منصوص عليها في اتفاقات أوسلو. أوروبا تتكبد عناء شجب إسرائيل بالنسبة للبناء في المناطق، وهذا حقها، رغم انه لا يوجد حظر على البناء في اتفاقات أوسلو. لكن أوروبا إياها، بشكل ثابت ومنهاجي، تعطي الفلسطينيين الاذن بخرق الاتفاقات التي لا تزال سارية المفعول. فما معنى التوقيع على اتفاقات حين توضح أوروبا مسبقا بان خرقها سيجدي السلطة فقط. كيف بحق الجحيم يظن احد ما انه يمكن الوصول الى دعم فلسطيني للسلام حين تمول أوروبا التحريض والتعليم على دعم الإرهاب؟.

هذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها الإدارة الامريكية طريقا مشابها من حيث طرح شروط مسبقة لغرض الوصول الى الجمعية العمومية للأمم المتحدة. فمنذ منتصف السبعينيات صاغ هنري كيسنجر شروط الحوار بين م.ت.ف والإدارة الامريكية، وتضمنت هذه شجبا صريحا ولا لبس فيه للارهاب، الاعتراف بقراري 242 و338، وكذلك اعتراف صريح بإسرائيل. ومع حلول نهاية الثمانينيات فقط، بعد ان نفيت قيادة م.ت.ف الى تونس، وبداية الانتفاضة الأولى، طلبت م.ت.ف الشروع في حوار مع الإدارة الامريكية.

في تشرين الثاني 1988 كان يخيل أن م.ت.ف استوفت الشروط. فقد اعترف المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، الذي يذكر أساسا بسبب اعلان الاستقلال الذي اتخذ هناك، اعترف لأول مرة بقرارات الأمم المتحدة 181، 242 و338. الاتجاه كان إيجابيا، لكن القرارات التي اتخذت هناك لم ترضي الولايات المتحدة. من كان في حينه وزير خارجية النمسا، ستان اندرسون، تجند لمهمة الوساطة واقنع عرفات باطلاق التصريح الذي شجب فيه الإرهاب.

وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتس، بالضبط مثلما في هذه الأيام، رفض منح عرفات تأشيرة كي يلقي خطابا في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. ردا على ذلك، في 13 كانون الأول، عقدت الجمعية جلسة خاصة في جنيف كي تسمح لعرفات بالقاء الخطاب. شولتس اصر على ان يعلن عرفات بالضبط الصيغة الحادة التي املتها الإدارة. بعد يوم من اتصالات أخرى، بواسطة اندرسون، عقد عرفات مؤتمرا صحفيا اعلن فيه بصوته بان الحل هو دولتين للشعبين، بما في ذلك “دولة يهودية” هي إسرائيل. في اليوم ذاته، في 15 كانون الأول 1988 اعلن شولتس بان الرئيس الأمريكي قرر فتح حوار مع م.ت.ف.

الحوار فتح، غير انه سرعان ما عاد عرفات الى عادته، أيد صدام حسين وتوقف الحوار. بعد اكثر من عقدين، في العام 2009، قرر مؤتمر فتح الذي كان أبو مازن على راسه، التحفظ العلني والرسمي من اعلان عرفات. فقد قرر المؤتمر “المعارضة التامة، التي لا رجعة عنها، للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، حماية لحقوق اللاجئين وحقوق أبناء شعبنا في الجانب الاخر من الخط الأخضر”.

ان الضغط الأمريكي في تلك الأيام خلق عرضا عابثا من الاعتدال الفلسطيني. في ساحة اختبار، المرة تلو الأخرى، عادوا الى الرفض. يوجد أسباب كثيرة جدا لفشل كل مبادرة السلام في عشرات السنين الأخيرة. آخرها هي الرفض الفلسطيني للاعتراف بحل الدولتين للشعبين الذي نبع من تطوير الخيال عن “حق العودة”، التحريض في مناهج التعليم والإصرار على تمويل الإرهاب. لاوروبا كان دور سلبي. لان دول أوروبا والاتحاد الأوروبي عودت الفلسطينيين على انه مسموح لهم خرق الاتفاقات، مسموح لهم تمويل القتلة، مسموح لهم مواصلة التعليم على التحريض – وفي المقابل سيحصلون اذا على تمويل سخي واعتراف بدولة فلسطينية أيضا. ليس واضحا اذا كان نهج الإدارة الحالية سيؤدي الى السلام. لكنه واضح تماما بان نزعة المصالحة والانبطاح الأوروبية – تبعد احتمال السلام.

——————————————

معاريف 2/9/2025 

لاسامية سياسية

بقلم: زلمان شوفال

اللاسامية هي جزء من واقع حياتنا منذ رفضنا قبول الدين المسيحي وبعد ذلك الإسلام. وربما حتى قبل ذلك. الصهيونية لم تحل مشكلة اللاسامية مثلما أمل هرتسل، لكنها ضمنت بوجود الشعب اليهودي في وطنه التاريخي وفي العالم. في اعقاب المحرقة والفي سنة من الاضطهاد، معظم العالم رأى في إقامة دولة إسرائيل وفي انتصارها على اعدائها دليلا قاطعا على انتصار روح الانسان على الشر.

لكن مع مرور السنين تحولت إسرائيل والشعب اليهودي كله بطريقة اورويلية واضحة من منتصري الاستعمار الى رمزه – وفي نفس الوقت الى موضوع مركزي في السياسة الدولية والداخلية. المقاطعات على إسرائيل في بضع دول غربية هي جزء من هذا، والاتهامات الكاذبة بالابادة الجماعية أو بالتجويع المقصود تستخدم بتشجيع الموجة الدعائية ضد إسرائيل واليهود بعامة. اللاسامية تلعب في هذا دورا مركزيا، ضمن أمور أخرى، كنتيجة لوجود متزايد للمسلمين في دور أوروبا.

اللاسامية ليست ظاهرة جديدة حتى في الولايات المتحدة، لكن بعد المحرقة والحرب العالمية الثانية، أصبحت ظاهرا مقبولة على الأقل. ليس بعد اليوم. حسب معطيات، سواء من مصادر يهودية أو من معاهد بحوث عامة، يوجد في السنوات الأخيرة، حتى قبل الحرب في غزة، ارتفاع كبير في معدلات اللاسامية في أجزاء مختلفة من المجتمع الأمريكي. يحتمل ان يكون النجاح البارز لليهود بالذات في مجالات العمل الاقتصادي، الثقافي والعلمي، هو الذي أدى الى الحسد لهم، ساهم في ذلك، سواء في اليمين أو في اليسار.

مع ذلك، دولة إسرائيل وانجازاتها، بما في ذلك في ميدان المعركة، شكلت سندا هاما ومصدر فخر ليهود الولايات المتحدة، وانعكس الامر أيضا في التاييد العام لإسرائيل لدى الجمهور الأمريكي. وعلى أي حال، فان الموقف من إسرائيل اخذ في التغير كجزء لا يتجزأ من الشرخ الاجتماعي والاقتصادي في الولايات المتحدة حين تطور حيال القيم التقليدية ميل لسياسة الهويات، ميل وجد ارضا خصبة في اللاسامية التقليدية لليسار المتطرف، فيما تعرض إسرائيل كجهة استعمارية ومكافحتها للعدوان العربي تشبه بقمع السود في الولايات المتحدة. يهود الولايات المتحدة يعرضون كمذنبين مركزيين في كل الخطايا والتشويهات في المجتمع الأمريكي. وبحقيقة ان اليهود بالذات وقفوا على رأس الكفاح في سبيل مساواة حقوق السود يفضلون تجاهلها.

هذا الشرخ في المجتمع الأمريكي أدى الى انتصار ترامب في الانتخابات، فيما تصنف إسرائيل من قبل اليسار والاعلام كداعمة لمعسكره. ثمة من يدعون، وبخاصة في إسرائيل، بان هذه الحقيقة تنبع من طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية – رغم ان هذا الادعاء مريح لمن ليسوا من مؤيديها، الحقيقة هي ان مجرد وجود دولة إسرائيل يغيظ اليسار التقدمي.

ان مصير ومستقبل إسرائيل ويهود الولايات المتحدة متداخلان الواحد بالاخر، ولا ينبغي في هذا الشأن ان نتجاهل التحولات في السياسة والمجتمع الأمريكي. من الحزب الديمقراطي الليبرالي والمتسامح، البشوش لليهود، الذي كان على مدى أجيال البيت الطبيعي لمعظم يهود الولايات المتحدة، لم يبق أساسا الا الاسم. اذا ما فاز في الانتخابات التالية مرشحوه، وهذا يمكن ان يحصل بعد اقل من سنتين في الانتخابات للكونغرس، فستكون لذلك تداعيات بعيدة الأثر على سياسة الخارجية والامن الامريكية أيضا، بما في ذلك علاقاتها مع إسرائيل. في هذا السياق تتكاثر علامات التحذير: رغم التاييد العام لإسرائيل في أوساط الجمهور الأمريكي، في أوساط مؤيدي الحزب الديمقراطي، انخفض التاييد بنسب كبيرة، وفي المقابل، يتضح ارتفاع لتاييد الفلسطينيين. الصدمة من مذبحة 7 أكتوبر اخلت مكانها لردود الفعل السلبية، الحقيقية أو المزعومة، على الحرب في غزة، وحتى السياسيين اليهود ينجرون وراءها.

بخاصة مقلق الميل المتزايد لمنع السلاح ووسائل القتال عن إسرائيل، الذي يحول الصيغة التقليدية “يجب السماح لإسرائيل بالدفاع عن نفسها” الى صيغة عليلة. الصراع الداخلي في هذا الشأن لم يحسم بعد والاعلان بشان الغاء المساعدات الأمنية تاجل حاليا، لكنه لم يشطب من جدول الاعمال. كما ان مشروع القرار في قيادة الحزب الديمقراطي في صالح الاعتراف بدولة فلسطينية تاجل حاليا، لكن مثلما قال احد أعضاء مجلس النواب من كاليفورنيا: “العلاقة مع إسرائيل ستكون الموضوع المقرر في الحزب الديمقراطي في انتخابات المنتصف ومع حلول 2028”.

——————————————

هآرتس 2/9/2025 

وماذا لو انتصر ببساطة؟

بقلم: ألوف بن 

الانتخابات القادمة للكنيست تقترب، وفي المعسكر الليبرالي يتزايد الخوف من المناورات التي سيقوم بها نتنياهو من اجل تغيير نتائجها. المخاطر عديدة: ان يلغي الانتخابات مطلقا، او يؤجلها “لما بعد الحرب”، وان يستخدم بلطجية وكاميرات في مراكز الانتخاب، وان يحرض ماكينة السم على خصومه، وفوق كل هذا ان يرقض قبول النتائج في حالة خسارته، مثلما تتنبأ الاستطلاعات. وحينئذ بدلا من ان يعترف بالخسارة وينسحب، سوف يلتصق بالقوة بكرسيه بمساعدة شرطة بن غفير وجهاز شباك زيني.

كل هذه التهديدات مخيفة، ومحظور تجاهلها او الاستهانة بها، ومن المهم النضال كي لا تتجسد. ولكن ثمة خطر اخر، والذي تحقق في بعض المرات وهو ان نتنياهو سيتنافس في الانتخابات ويفوز. الديمقراطية الرسمية في الواقع ستنجو، ولكن رئيس الحكومة سيحصل على شرعية لاستكمال انقلابه، تصفية المؤسسات الليبرالية وتحويل اسرائيل الى ديكتاتورية دينية. بالضبط مثلما ان عودة دونالد ترامب منحته تفويضا لانقلاب متعدد الابعاد في امريكا.

الاستطلاعات في الواقع تتنبأ بسقوط الإئتلاف الحالي، وتعبر عن خيبة امل من زعامة نتنياهو وعن غضب على مسؤوليته عن فشل 7 اكتوبر والتخلي عن المخطوفين. ومع ذلك يوجد له نقطتي افضلية، واللتان من شأنهما ان تقودا الى فوزه في الانتخابات رغم ضعفه في الرأي العام.

قبل كل شيء وفوق كل شيء، ائتلاف نتنياهو يعتمد على ايديولوجية راسخة متفق عليها بحماسة بين المشاركين فيها: الكاهانية. الشعارات العنصرية “العرب للخارج”، و “اذا لم يكن هنالك عرب فلن يكون هنالك عمليات” و “كهانا على حق” انتقلت من جدران الشوارع الى مقر الحكومة. نتنياهو يشن حرب تدمير وطرد في غزة، طرد ومصادرة اراضي وضم في الضفة واهمال للمجتمع العربي في اسرائيل، وسيذهب للانتخابات بوعد لتسريع الترانسفير “في كل ارجاء ارض اسرائيل”. في الكتلة المضادة لا يوجد تماسك كهذا: يوجد فيها رجال يمينيين واضحين، والذين لا يعارضون الحرب والترانسفير (نفتالي بينيت، افيغدور ليبرمان، اييلت شكيد)، و شخصيات ليس لها عمود فقري وانتهازيين (بني غانتس، يوسي كوهين)، ومؤيدي “الدولتين، وفقط ليس الان” (يئير لبيد، غادي ايزنكوت، يئير غولان) واحزاب عربية والتي يخاف الاخرون من اي تعاون معها. نتنياهو لن يجد صعوبة في تفكيك هذه المجموعة، مثلما فعل المرة تلو الاخرى في الـ 16 سنة الاخيرة.

ثانيا، في اسرائيل من المقبول ان جدول اعمال امني سياسي سيخدم الليكود، وجدول اعمال اقتصادي اجتماعي سيساعد خصومه. في هذه اللحظة الامن يسيطر على الكنيست، وليس المشاكل الداخلية. نتنياهو نجح في التقليل من شأن محاكمته الجنائية وانهاك “حراس العتبة”. الاقتصاد يظهر اداءات مذهلة – الدولار في الحضيض، البطالة متدنية، والتهديدات بالمقاطعة لا تمنع الاسرائيليين من الاستجمام في الخارج. تحذيرات الاقتصاديين بأن هذا وهم خطير، وانه بعد لحظة سوف ننهار تحت نفقات الحرب والعزلة الدولية لم تتحقق حتى الان. ربما ان الاجيال القادمة سوف تنأى تحت الديون الوطنية، والعقوبات الاوروبية وبطالة الحريديم، ولكن ما يهم نتنياهو هو السنة القادمة وليس القرن القادم.

في ظل هذه الظروف نتنياهو يضع تحديا كبيرا لمن سيتنافس امامه. هذه المرة الخطر واضح، وفوري وملموس ومحظور ان نأمل حظا جيدا، ونصدق الاستطلاعات وننام، او ان نغرق في صراعات قوة وغرور والتي ستسقط الكتلة كما حدث في الانتخابات الاخيرة. من اجل انقاذ الديمقراطية يحتاج معارضو البيبية الى رؤية موحدة وقيادة موثوقة وحملة مقاتلة هجومية نضرب نقاط ضعف نتنياهو – عبادة الشخصية، ورعاية الفساد، وغسل الادمغة والاستسلام لليهود الحريديم. وعليهم التحرك بسرعة والّا فإن نتنياهو سيفاجئهم باعلان الانتخابات وسيفوز بالرئاسة مجددا.

——————————————

معاريف 2/9/2025

ساحة الغام

بقلم: آنا بيرسكي 

بعد جلسة الكابنت السياسي – الأمني الأخيرة لم يبق مكان للشك. ست ساعات من المداولات، سلسلة طويلة من التصريحات – التي سرب بعضها واقتبست – وفي نهايتها استنتاج واحد، يكاد يكون موحدا: لا صفقة جزئية. لا الآن، لا في الظروف الحالية. لا توجد، انسوها. نتنياهو قال هذا بصوته، باقي الوزراء كرروه بعده بهز الرأس. بن غفير حاول الدفع الى تصويت – رئيس الوزراء حسم: لا حاجة. الصفقة شطبت من جدول الاعمال، القتال هو العمل الوحيد.

المنطق الذي يقود نتنياهو واضح: الزمن يلعب ضد إسرائيل. في الماضي غير البعيد كان لا يزال ممكنا ان نسمح لانفسنا بـ “صفقة انتقالية” – وقف نار مؤقت، تحرير جزء من المخطوفين وعودة الى ميدان القتال بعد بضعة اشهر مع اسناد من ترامب. هذه المرة في القدس يفهمون بانه لم يعد هناك ترف كهذا. معنى الصفقة الجزئية: شهران من الهدوء في غزة، إعادة بناء قوات حماس، وسيكون من الصعب على إسرائيل، حتى متعذر، استئناف الحرب. ساعة الرمل تدق والرمل آخذ في النفاد.

لكن الحسم الذي يختاره نتنياهو – مناورة واسعة لاحتلال غزة – مليء بعلامات استفهام ثقيلة. هل عربات جدعون 2، حملة برية في عمق المدينة، ستحقق ما لم يتحقق حتى الآن؟ هل ستنجح في أن تحمل حماس على الاستسلام، التفكك، الاختفاء؟ أحد لا يمكنه ان يضمن هذا، ولا حتى رئيس الأركان زمير.

في هذه اللحظة، حسب التقديرات، لا يوجد مؤشر على ان حماس تفكر بجدية بقبول شروط انهاء الحرب التي طرحتها إسرائيل. في داخل قيادة حماس لا يوجد “معسكر استسلام”، لا يوجد من يدفع نحو انهاء القصة وفقا لصورة النهاية التي يرسمها بنيامين نتنياهو. ثمن الحملة، في هذه الاثناء، موضوع على الطاولة: اخلاء اكثر من نصف مليون نسمة فلسطينيين ومعارك شوارع ضارية، مع الخسائر المتوقعة.

اكثر من معقول الافتراض بان في العالم ستكون حملة دولية هائلة، مع صيغ جديدة ومتطرفة لحملة “التجويع”. هذه المرة ستكون “اماتة، ترحيل وابادة جماعية”. حتى لو نجح نتنياهو في ان يخلق لنفسه مجال عمل، احد لا يضمن ان يحصل على ما يكفي من الوقت لانهاء المهمة. وحتى لو انهيت المناورة، وحتى لو احتلت غزة – من يضمن ان تترجم اهداف الحرب الى النصر المطلق الذي يعد به نتنياهو الأمة منذ سنتين؟.

وهنا تدخل الى المعادلة الساعة السياسية أيضا. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقد الصبر على الحرب في غزة، ومشكوك فيه أن يمنح اهتماما لحملة “عربات جدعون 3”. في إسرائيل الانتخابات تقترب. اذا لم يسقط الحريديم الحكومة بسبب قانون الاعفاء من التجنيد، فان صناديق الاقتراع ستفتح بين آذار – تموز 2026. معنى الامر: ليس لنتنياهو وقت سياسي لحملة أخرى، فصل آخر، في هذه الحرب الطويلة. احتلال غزة، اذا ما وعندما ينفذ، سيتم في كل حال في موعد قريب من فتح حملة الانتخابات التالية.

في السياسة مثلما في السياسة. لا يوجد فراغ. اذا خرج بن غفير وسموتريتش مؤقتا من المعادلة (لا صفقة = لا تهديدات انسحاب)، فان التهديد الحقيقي على استقرار الحكومة يأتي في هذه اللحظة بالذات من الحريديم. قانون الاعفاء من التجنيد هو المادة المتفجرة الوحيدة التي بقيت تحت كرسي نتنياهو. اذا فشل في إيجاد صيغة ترضيهم، دون تمزيق الجمهور والائتلاف، فان العبوة التي ستنفجر أولا لن تكون عبوة غزة، بل عبوة أماكن اقرب بكثير من ديوان رئيس الوزراء.

ولا يزال يجب القول: حتى تهديد الانتخابات نفسه فقد من وزنه. في الماضي، حين كانت تكون الانتخابات تبدو بعيدة في الأفق، كان فيها ما يخيف رئيس الوزراء ويجبره على اتخاذ قرارات في صالح المهددين. أما اليوم، عشية سنة الانتخابات، فيما تكون صناديق الاقتراع على أي حال خلف الزاوية – فان قيمة الانتخابات تنخفض. الفرق بين “الصمود لسنة أخرى” وبين “لبضعة اشهر أخرى” يتشوش.

لكن نتنياهو، رجل قرون المذبح، غير مستعد لان يتخلى عن يوم واحد. من ناحيته، كل يوم إضافي في الحكم اغلى من الذهب، وكل دقيقة يمكنها ان تكون تلك التي تنقذه – أو تحسم مصيره.

——————————————

يديعوت احرونوت 2/9/2025 

تحذير زمير

بقلم: يوسي يهوشع 

السطر الأخير في مداولات الكابنت التي أجريت مساء أول أمس: رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يقود نحو عملية واسعة في مدينة غزة، وقد تخلى عن صفقة المخطوفين التي وضعت على الطاولة – مقترح بموجبه تحرير نصف المخطوفين الاحياء ونصف الموتى.

كل قادة جهاز الامن ايدوا الصفقة – من رئيس الأركان، عبر رئيس الموساد، القائم باعمال رئيس الشباك ورئيس هيئة الامن القومي تساحي هنغبي. المعنى واضح: نتنياهو تنازل عن واحد من اهداف الحرب – إعادة كل المخطوفين. في عملية عسكرية واسعة لن يكون ممكنا انقاذهم. بل العكس: خطر اصابتهم كبير، مثلما حذر رئيس الأركان. من شان إسرائيل ان تفقد السيطرة الاستخبارية، حماس ستفقد هي أيضا السيطرة وربما حتى تمس بالمخطوفين، وفي ظل قتال قوي كهذا فان هذا من شانه ان يحصل.

حذر زمير بان للعملية العسكرية ثمن باهظ: إصابات عديدة في أوساط جنود الجيش، قتال في منطقة مكتظة بمئات آلاف المدنيين الذين يستخدمهم المخربون كدرع بشري، مصاعب في اخلاء السكان ومسائل تتعلق بالسيطرة العسكرية والمدنية في غزة في اليوم التالي. كل هذه القرارات شرعية للمستوى السياسي المنتخب، حتى وان كانت تتعارض وموقف كل قادة جهاز الامن، لكن الحديث يدور عن قرارات دراماتيكية. رئيس الوزراء ملزم بان يقف امام الامة، امام عائلات المخطوفين، امام أهالي المقاتلين النظاميين وعائلات رجال الاحتياط، ليشرح لماذا غير رأيه مقابل موقفه قبل شهر حين أيد صفقة جزئية وعودة الى القتال.

شدد رئيس الأركان امام الوزراء على انه ينبغي السماع لكل معاني العملية قبل الانطلاق اليها. “أنا غير مستعد لان أوقف الحرب قبل حسم أمر حماس”، قال. على حد قوله، فان صفقة المخطوفين التي توجد على جدول الاعمال نالت تاييدا واسعا – لكن الجيش لا يمكنه ان يتعهد بوضع المخطوفين في اثناء العملية العسكرية المخطط لها والتي ستعمل فيها عدة فرق. “كلنا نريد تقويض حكم حماس، لكن من هو الحكم البديل؟ معنى قراركم هو تكليف الجيش الإسرائيلي بحكم عسكري”، أضاف زمير وذكر أيضا بالماضي: “لقد سبق ان كنا في غزة قبل سنة ونصف مع ثلاث فرق، فلماذا امرتم الجيش بالخروج من هناك؟”.

كما انه أشار امام أصحاب القرار بانه لا يوجد اختصارات للطريق في المعركة الحالية، وكل قرار يجب ان يفحص بعمق. بين المسائل المركزية التي طرحها: شرعية دولية، تاثير على وضع المخطوفين، اغلاق بوابات غزة والتحكم بحركة السكان، ومسالة المسؤولية عن مواطني القطاع في اليوم التالي. في هذه الجلسة استخدمت الوزيرة اوريت ستروك تعبيرا حادا تجاه رئيس الأركان: “الرجل الخائف ورقيق القلب”، بالذات في الأسبوع الذي صفى فيه الجيش الإسرائيلي حكومة حماس في اليمن وأبو عبيدة، نفذ عملية خاصة في سوريا وهاجم حزب الله في لبنان.

أما زمير فأجاب: “جئت لمهمتي حياتي، منع نووي في ايران وابادة حماس. كل صباح أقر هجمات في كل مكان. لا أحد رقيق القلب. اذا كنتم تريدون انضباطا اعمى فهاتوا بواحد آخر”.

في الكابنت أيضا تنكشف صدوع: الوزيران جدعون ساعر وغيلا غملئيل أيدا مقترح الصفقة الجزئية لتحرير المخطوفين الذي يتضمن تحرير عشرة أحياء و18 ضحية الى جانب وقف نار طويل ومباحثات أخرى. شدد ساعر على الحاجة لاعتبارات سياسية، بما في ذلك الاعتراف بدولة فلسطينية مع انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة. في المقابل، طرح الوزيران دودي امسالم وياريف لفين أسئلة قاسية في المداولات.

اليوم يفترض ان يتجند عشرات آلاف رجال الاحتياط – معظمهم بعد استدعاء ثالث، رابع بل وخامس – ليتركوا مرة أخرى عائلاتهم وأماكن عملهم. معدل الامتثال الحقيقي سيكون اختبارا لثقة الجمهور بالمهمة. وبالاجمال سيتجند نحو 60 ألف حتى ذروة القتال. من المهم الانتباه هل المعطيات المنشورة تعرض نسبا من اجمالي الكتيبة أو من بين أولئك الذين اعلنوا عن امتثالهم، لكنهم لن يأتوا فعليا.

أما حماس في المقابل فتبث ضغطا ورغبة في العودة الى الصفقة، في ضوء نجاحات الجيش الإسرائيلي الأخيرة وعلى رأسها تصفية أبو عبيدة – الرمز المركزي في المنظمة. يحتمل أن يشكل تجديد الاحتياط رافعة لتوسيع الصفقة، لكن يوجد خطران: مصاعب التجنيد المتجدد لرجال الاحتياط في المستقبل والعبء على المستوى السياسي في مواجهة طلب ترامب انهاء القتال بسرعة.

في اثناء المداولات في الكابنت التي استمرت نحو ست ساعات، طالب الوزير بن غفير اجراء تصويت ضد الصفقة الجزئية. فأجاب نتنياهو ان “الصفقة الجزئية ليست على جدول الاعمال” وأن لا حاجة للتصويت. يحتمل انه لا زال يبحث عن صفقة محسنة.

——————————————

إسرائيل اليوم 2/9/2025

احتلال غزة.. الخيار الأقل تكلفة لإسرائيل

بقلم: نداف هعتسني

كم سيكلفنا الاحتفاظ بقطاع غزة؟ هل فعلاً يفوق الثمن الاقتصادي قدراتنا، من دون الحديث عن حجم القوات، وسيؤدي إلى إفلاس الدولة واستنزاف قواها؟ أم إن الأمر ليس سوى ذريعة ماكرة يجري اللجوء إليها عندما تنفذ الحجج المنطقية؟

وفي ظل ازدياد الأغلبية التي تدرك أنه من دون الحسم مع حركة “حماس” والسيطرة الإسرائيلية الكاملة على القطاع، فإننا في أفضل الأحوال، سنعود إلى ما قبل 7 تشرين الأول. فهل صحيح أن إقامة حُكم عسكري في غزة سيكلف عشرات المليارات سنوياً، وأن الاقتصاد الإسرائيلي لن يتمكن من تحمّل ذلك؟ التجربة التاريخية تثبت العكس تماماً.

لقد اكتسبنا خبرتنا على مدى 27 عاماً، من حزيران 1967، حتى أيار 1994، ومن حرب “الأيام الستة”، وحتى تسليم القطاع لقوات عرفات، في إطار اتفاقات أوسلو. طوال تلك الأعوام، لم تخسر إسرائيل جرّاء السيطرة على الضفة وغزة، ومن المؤكد أنها لم تُفلس، بل ربحت، بحسب الفلسطينيين وجِهات من اليسار. تأتي ميزانية الحكم العسكري في الضفة وغزة من جباية الضرائب والرسوم والمكوس المتعددة، فضلاً عن الجمارك وضريبة القيمة المضافة والضرائب على السلع الداخلة – من السيارات والوقود، وحتى المواد الغذائية.

لقد غيّرت اتفاقات أوسلو المنظومة الإدارية والاقتصادية لسيطرة إسرائيل على الضفة الغربية، خصوصاً عبر ما يسمى “اتفاق باريس”. وبموجبه، باتت كل الضرائب والرسوم والجمارك التي تجبيها إسرائيل من سكان الضفة وغزة مباشرةً، أو بشكل غير مباشر، تُحوَّل إلى خزائن السلطة الفلسطينية، إلّا إن الأرقام لا تُنشر بشكل منظّم، لكن الحديث يدور حول أكثر من 12 مليار شيكل سنوياً، يُخصّص نحو مليار منها للمقاتلين المعتقلين وعائلاتهم. وفي موازاة ذلك، ومنذ سيطرة “حماس” على غزة، تنقل السلطة مبالغ ضخمة لتمويل أجهزة الحكم في القطاع.

أمّا السلطة الفلسطينية نفسها فتجبي، استناداً إلى “اتفاق باريس”، إيرادات أُخرى كانت إسرائيل تجبيها سابقاً، مثل ضريبة الدخل والضرائب البلدية وضرائب الأملاك والرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة على البضائع المستوردة بشكل مباشر. وتُعرَّف الأموال التي تحوَّل من إسرائيل إلى رام الله باسم “أموال المقاصة”، وتشكل نحو 65% من ميزانية السلطة، والتي يُتهم كثيرون ممن يديرونها بالفساد.

الحكم العسكري: ربح صافٍ

في السنوات التي عمل خلالها الحكم العسكري الإسرائيلي، ربحت إسرائيل فوائض مالية سنوية كانت تُحوّل إلى خزينة الدولة. من النشاط الاقتصادي الناتج من التفاعل مع فلسطينيي الضفة وغزة، سواء عبر البضائع، أو الخدمات التي باعتها الشركات الإسرائيلية في تلك المناطق. إلّا إن وصول السلطة الفلسطينية (1994-1995) قلّص هذه الأرباح، بينما قلّصتها سيطرة “حماس” على غزة أكثر. لذا، ستعيد عودة الحكم الإسرائيلي إلى غزة تلك السوق إلى إسرائيل، لتُغني الاقتصاد.

ومن المهم الإشارة أيضاً إلى العلاقة الوثيقة بين صعود “الإرهاب” – نتيجة اتفاقات أوسلو ودخول عرفات – وبين الارتفاع الكبير في نفقات الأمن وتراجُع العلاقة الاقتصادية بأراضي السلطة. وبالتالي، فإن استعادة السيطرة الإسرائيلية الكاملة على القطاع ستُعزز الأمن، وتخفّف نسبة “الإرهاب” بدرجة كبيرة، وتُعمّق الروابط الاقتصادية. وهكذا، حتى من دون القضاء على السلطة الفلسطينية نفسها، ستذهب إيرادات النشاط الاقتصادي لسكان غزة إلى الإدارة العسكرية الإسرائيلية، بدلاً من العدو في رام الله.

بشأن إعادة إعمار القطاع: لا شك في أن البناء وإعادة الإعمار سيكلّفان مبالغ خيالية، لكننا آخر مَن يجب أن يتحمل ذلك. وفي موازاة السيطرة العسكرية على الأرض سيكون من الضروري تنظيم مخيمات خيام وتوزيع مساعدات إنسانية، لكن الأهم مواصلة مشروع تشجيع الهجرة الجماعية، عبر إقناع دول أُخرى باستيعاب الغزيين. أمّا مَن يريد المساهمة في إعادة بناء المنازل المدمرة في القطاع، فسيكون مُرحّباً به – لكن فقط تحت سيطرتنا، وليس على نفقتنا. وبالتالي، فإن التنبؤات السوداء بالثمن الاقتصادي للاحتفاظ بغزة، هي من دون أساس – وتتناقض مع الوقائع والتجربة التاريخية.

حجم القوات: كذبة التكلفة العسكرية

إن أصحاب سيناريوهات التكاليف الباهظة وأنبياء الهلاك لا يتوقفون عند الشق الاقتصادي فقط، بل يخلطون بينه وبين التكاليف المتوقعة للإنفاق العسكري الهائل نتيجة السيطرة على غزة، إلى جانب حجم القوات المطلوب لذلك.

لكن هذه الخدعة منهجية، لأنهم يخلطون بين تكلفة إدارة حياة السكان المدنيين في غزة وبين تكلفة تمويل نفقات الأمن التي ستتكبدها إسرائيل في مثل هذه الظروف. لكن من السهل دحض التوقعات السوداء بشأن التكاليف العسكرية. فالتجربة الوطنية، وخصوصاً تجربة 7 تشرين الأول، أظهرت أنه كلما كنا أقوى كلفنا الأمر أقل.

من أجل فهم التضليل، يجب العودة إلى منتصف الثمانينيات ومعرفة حجم القوات في الضفة وغزة قبيل ما عُرف بـ”صفقة جبريل” التي نُفّذت في أيار 1985. آنذاك، كانت الضفة تُدار من خلال لواء إقليمي واحد فقط، وتدير غزة قوة مشابهة. وكانت تسيطر على كل مدينة فلسطينية في الضفة وغزة قوة صغيرة جداً – سيارة جيب عسكرية واحدة من حرس الحدود في طولكرم، وأُخرى في خان يونس. وكان حجم الأسلحة لدى الخصوم محدوداً للغاية.

لكن “صفقة جبريل” شكّلت نقطة تحوّل في دينامية الانتحار الإسرائيلي، التي تفاقمت كثيراً بمرور الوقت، من “أوسلو” إلى فك الارتباط، ومن صفقة شاليت إلى حقائب المال لـ”حماس”. كانت هذه النقطة الأولى التي رضخت فيها الدولة لابتزاز “الإرهاب”، وأطلقت سراح 1150 أسيراً. هؤلاء أصبحوا قادة “الانتفاضة الأولى”، التي ما كانت لتندلع لولا تلك الصفقة.

وكأن هذا لم يكن كافياً، ففي السنوات التي سبقت الانتفاضة الأولى، عملتُ مراسلاً لصحيفة “حداشوت” في الأراضي المحتلة، ووثّقت خفايا الحماقة الإسرائيلية، وكيف كانت إسرائيل تسمح بحُرية شبه كاملة لنشاط عناصر “إرهابية” كانت تديرها، آنذاك، منظمة التحرير من تونس، بزعامة ياسر عرفات، مثل الصحف والاتحادات الطلابية والنقابات العمالية المزعومة، وهو ما شكّل بنية تحتية للتحريض على “الإرهاب” وتنظيمه. وفي المقابل، مارست إسرائيل عقوبات جماعية حمقاء ضد أحداث بسيطة، مثل رشق الحجارة، أو عمليات محدودة، ما دفع مزيداً من الناس إلى أحضان المحرّضين من تونس. هكذا اندلعت الانتفاضة الأولى، وتضاعفت القوات المطلوبة، لكن التمرد قُمِع لاحقاً، وانخفض حجم الوجود العسكري مجدداً.

لقد جرى القضاء على “الإرهاب”، لكنه عاد لينمو ويصل إلى مستويات مرعبة بفضل اتفاقات أوسلو. وبعد توقيع إعلان المبادئ في واشنطن في أيلول 1993، ودخول السلطة الفلسطينية إلى الضفة في العام 1994-1995، وخصوصاً بعد “فك الارتباط” عن غزة في سنة 2005، ارتفع الإنفاق الأمني بصورة كبيرة، وجلبت لنا رؤى السلام “الإرهاب” والرعب ونفقات مالية خيالية.

اليوم، الخيار الوحيد ليس الاستسلام لـ”حماس”، بل احتلال غزة وفرض حكم عسكري، ما سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض تدريجي في مستوى “الإرهاب” وتقليص حجم القوات المطلوبة في غزة والضفة معاً، وسيوفّر نفقات الدفاع واعتراض الصواريخ (القبة الحديدية)، وسيوجّه رسالة رادعة إلى إيران وأتباعها، وسيؤدي إلى توفير المال في نهاية المطاف.

في المحصّلة النهائية، سيكلفنا احتلال غزة أقل كثيراً من أي خيار آخر.

——————————————

عن “N12” 2/9/2025

نـتـنـيـاهـو يـسـوق إسـرائـيـل، بـعـيـون مـفـتـوحـة، نـحـو «فـخ غـزة»

بقلم: إسرائيل زيف

العمليات الاستثنائية، التي نفّذها الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، بما في ذلك غارة الكوماندوز على سورية والهجوم الناجح على اليمن، تدل مرة أُخرى على الفجوة الهائلة بين مسؤولية الجيش وقدراته. 

لقد تغيّر الجيش منذ السابع من تشرين الأول، ويمكن الوثوق بعيونه الساهرة وأذرعه التي تطارد كل تهديد، في مقابل مستوى سياسي، أو بالأحرى الحكومة القائمة، التي تتصرف بحالة من الانعدام الكامل للقدرة السياسية، دون أي أهداف، ودون استراتيجية، ودون أي سياسة خارجية. 

هذه الحكومة تختبئ منذ عامين خلف مبادرات الجيش التي تنسبها إلى نفسها، دون أن تتخذ قراراً سياسياً واحداً.

السؤال في هذه اللحظة الحرجة التي تعيشها إسرائيل هو: هل تستطيع هذه الحكومة، التي تمثل خلاصة كل نقاط ضعفها وتعتمد بشكل كامل على أجندات أعضائها المتطرفين، اتخاذ قرار آخر غير جرّ الجيش، مرة أُخرى، ودون مبرر، إلى كتل الخرسانة المفخخة في غزة؟ 

من الواضح للجميع أن هذا المسار بات عديم الجدوى، ويتناقض مع كل أهداف الحرب. 

الجواب صعب الهضم: هذه الحكومة عالقة تماماً في الوحل الذي أوقعت نفسها فيه، وأفلست عملية اتخاذها القرار بشكل كامل، وهي غير قادرة على تحديد ما تريده، أو حتى شرحه. لذلك، لن يصدر عنها أي قرار عقلاني.

ضعف نتنياهو يجب أن يرعب كل مواطن

في الحقيقة، هذا الوضع ليس جديداً، فجميع القرارات السياسية التي اتُّخذت خلال الحرب فُرضت فقط من الولايات المتحدة، والاتفاق الذي وُقّع مع لبنان جاء من واشنطن، كذلك التوجيه بشأن الاتفاق مع سورية أيضاً، وحتى القرارات العسكرية المهمة، مثل العملية في إيران، والتي بدأت بمبادرة من الجيش، تمت المصادقة عليها سياسياً من ترامب، وجميع اتفاقيات الأسرى فرضتها الولايات المتحدة أيضاً. إن رئيس حكومة إسرائيل لم يتّخذ قراراً واحداً من دون إملاء أميركي، ويبدو أنه غير قادر على اتخاذ أي قرار.

انطلاقاً من رغبته في الإرضاء، وعد نتنياهو ترامب، بعد العملية في إيران، بإنجاز لافت في غزة. 

لكن ترامب غير المطّلع على التفاصيل، يتوقع عملية مثيرة تقضي على “حماس”، على غرار ما جرى في إيران، على الرغم من أن نتنياهو يعرف جيداً أن شيئاً كهذا لن يتحقق.

في هذه الأثناء، هذا يمنحه بعض الوقت وتأجيل القرارات، فكلّ تأجيل مفيد بالنسبة إليه، إذ من دون ترامب لا توجد لنتنياهو حكومة، والنتيجة هي أن إسرائيل تُساق بعيون مفتوحة مباشرة نحو الفخ في غزة، بينما الشعور العام أشبه بـ”الميل الأخير” من السير نحو الكرسي الكهربائي – نحو عملية غير ضرورية تتناقض مع أهداف الحرب، وستزيد وضع المخطوفين سوءاً، وستكلفنا ثمناً باهظاً من حياة الجنود، وتدفن إسرائيل سياسياً، وهي أساساً في وضع خطِر.

إن الضعف الداخلي الكبير لنتنياهو يجب أن يُرعب كل مواطن، وخصوصاً أننا في حالة حرب. 

يبدو كأننا ركاب في حافلة مندفعة نحو الهاوية، يقودها سائق مشلول، لا يملك القدرة على استخدام المكابح، ولا على تحريك المقود يميناً، أو يساراً، وكل ما يمكنه فعله هو زيادة السرعة في المنحدر. 

ليس لدى نتنياهو أي قدرة على المناورة، أو اتخاذ القرار، بل هو خاضع بالكامل لتطرُّف سموتريتش الذي يدفعه نحو ضم غزة عسكرياً. 

ومن الجانب الآخر، هناك الحريديم الذين لا يهمهم بتاتاً ثمن انهيار الدولة، ولا يهتمون سوى بما يتعلق بالميزانيات وقانون الإعفاء من الخدمة العسكرية. 

أمّا بقية المشاركين في الحكومة، فإنهم مجرد دمى بلا قيمة.

العنصر المركزي هو أن هذه الحكومة لا ترى ثمن الحرب؛ فعلى الرغم من أن سموتريتش، الذي يمثل جمهور مقاتلين شجعان يشعر بالنفور بسبب دعمه إعفاء الحريديم، فإن الثمن السياسي لا يعنيه؛ لأنه حجز مكانه مع بن غفير، استعداداً للانتخابات، والثمن الباهظ للحرب يدفعه جمهور واسع من المكلّفين بالخدمة، وهو لا يعني الحكومة إطلاقاً. 

إنه جمهور يخدم بدافع من الوطنية والتفاني والقانون، ويؤمن بأسسها الصهيونية والليبرالية.

هذا الجمهور كان يعتقد، حتى الآن، أن الحرب موجهة حقاً نحو أهدافها. لكن الآن، كما في قصة “ثياب الملك”، سقطت كل الأغطية، وأصبح واضحاً للجميع أن رئيس الحكومة يرفض إعادة الأسرى، ويتجه نحو عملية عسكرية خطِرة وغير ضرورية.

امتحان رئيس الأركان

إن القاسم المشترك الذي وحّد كل المقاتلين يواجه امتحاناً مصيرياً. فالاحتلال غير الضروري لغزة، الذي لا يدخل ضمن أهداف الحرب، ويتعارض مع تحرير الأسرى الذي كان يجب القيام به، الآن، من الواضح أنه لن يحقق أي حسم هناك. هذا المسار السياسي، الذي تم فرضه بالقوة، واحتلال غزة الوشيك يُضعفان ويفككان الإجماع الذي جرى سابقاً، ويشكلان خطراً كبيراً على وحدة الجيش ودافعه إلى القتال.

يواجه رئيس الأركان مشكلة معقدة، فهو لا يستطيع التخلي عن هدف الحرب المتمثل في إعادة الأسرى، ويشكل الأساس والروح المعنوية لدافع القتال، على الرغم من أنه حالياً يمثل نفسه أكثر من تمثيله إرادة الحكومة؛ من جهة أُخرى، ليس لديه أي تعريف لِما تريده الحكومة سوى كسب الوقت. 

هو يعلم أنه لا يوجد أي نصر مطلق في غزة، ومع ذلك، فُرض عليه العمل هناك لمجرد العمل. 

إنه البالغ المسؤول الذي عليه الحفاظ على جنوده لكي لا يفقد ثقة عائلات المقاتلين. يبدو أن الحرب في غزة ستكون كأي حرب استنزاف عسكرية، وسيتطلب الأمر تفسيرات كثيرة من الآن فصاعداً، لكنها لن تشرح بالضرورة الواقع كما هو.

المفارقة هي أنه لا يوجد أي تطابُق في التوقعات بشأن ما سيجري في غزة بين مختلف الأطراف. 

يريد سموتريتش حرباً أبدية، ويتوقع ترامب أسبوعين، أو ثلاثة، ويتحدث ويتكوف عن ثلاثة أشهر، ويتحدث رئيس الأركان عمّا بين أشهر وعام؛ ولا يقول نتنياهو شيئاً سوى الإشارة إلى أن زامير هو المذنب في الفشل المتوقع.

إن الثمن السياسي المترتب على قرار الحكومة الأضعف في تاريخنا، بشأن الانزلاق نحو أزقة غزة، باهظ للغاية. فحتى الآن، تتآكل وتُمحى كل إنجازات الجيش العظيمة، بعد كارثة تشرين الأول، في ظل غياب أي إنجاز سياسي، حتى أن الإنجاز الكبير ضد إيران، الذي صفق لنا العالم عليه، بات في طيّ النسيان أمام استمرار الحرب غير الضرورية في غزة. 

لقد وصل تآكل قيمة إسرائيل إلى مستوى من الضرر الهائل الذي لا يعرف إذا ما كان في الإمكان إصلاحه أصلاً.

خطوة بخطوة: رؤية السنوار بشأن إسرائيل تتحقق

إن حرب التجويع “ولا حبة قمح”، التي تُتهم بها إسرائيل، دفعت كل دول العالم التي كانت تدعمنا إلى الاصطفاف بشكل كامل ضد إسرائيل. 

في الأسبوع الماضي، نُشر استطلاع لمعهد غالوب في الولايات المتحدة، يفيد بأن الدعم لإسرائيل، الذي كان في سنة 2022 وبعد السابع من تشرين الأول 2023 أكثر من 60%، انقلب إلى 60% ضد إسرائيل. 

والأرقام بين الشباب أسوأ كثيراً. نحن أمام ضرر تاريخي، ومساس خطِر بالأمن القومي الإسرائيلي، سيؤثر سلباً في موقف حليفتنا الكبرى تجاهنا، التي تعتمد عليها إسرائيل، وستعتمد عليها أكثر في ظل الوضع الخطِر المتشكل ضدنا في أوروبا.

هذا العار يتحمله نتنياهو الذي يتهرب الآن من إبرام صفقة الأسرى، ولا يستطيع حتى الرد على جواب “حماس” قبل أسبوعين، ويزيل بوضوح رواية الاتهام عن “حماس”، باعتبارها العائق أمام الصفقات حتى اليوم. 

الحقيقة الواضحة هي أن نتنياهو هو مَن أفشلَ جميع الصفقات طوال الطريق، وحاول إخفاء ذلك على مدى عام ونصف العام.

من المؤلم أن نرى كيف أن تنظيم “حماس” “الإرهابي” تلقى الضربة القاسية منّا وهُزم في الحرب، وقُضيَ على معظم قادته وأغلبية عناصره، ودُمرت بناه التحتية، والذي ألحقَ بشعبه معاناة هائلة، وكان يمكن أن يختفي منذ زمن لو أن إسرائيل اتخذت خطوة سياسية واحدة، ينجح الآن بفضل ضعف الحكومة وأخطائها الفادحة في قلب الطاولة، والخروج من هزيمته ليحقق انتصارات سياسية كبيرة. 

في الواقع، خطوة بعد خطوة، تتحقق رؤية السنوار، فالحرب المبررة لإسرائيل تتحول إلى غير شرعية، وصورة إسرائيل في الرأي العام العالمي تنهار، ودعم الدول الصديقة ينتقل من إسرائيل إليه، وهو ينجح في رفع إعلان العالم إقامة دولة فلسطينية إلى منصة الأمم المتحدة، هذا الشهر. 

السنوار، من أعماق قبره، يقف أمام نصر كبير على إسرائيل، فقط بفضل ضعفها، وعدم مسؤوليتها، وحماقة أسوأ حكومة في تاريخنا.

ويبقى السؤال: متى سيدرك ترامب أنه يُخدع، ويضع حداً لنتنياهو؟

—————–انتهت النشرة—————–

Share This Article