افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 26/9/2025
الاعتدال الفلسطيني هو العدو اللدود لنتنياهو وشركائه في الجريمة التاريخية
بقلم: كارولينا ليندسمان
يصعب التفكير بتعبير اكثر وضوحا عن موقف إسرائيل المضطرب تجاه محمود عباس من طلبها الذي تمت الموافقة عليه لمنع دخوله الى الولايات المتحدة من اجل منعه من المشاركة في مؤتمر حل الدولتين في الأمم المتحدة. لذلك، اجبر عباس على التحدث عبر الفيديو.
سياسة إسرائيل الخارجية هي نكتة متدنية المستوى. السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، داني دنون، نزل امس عن السكة واقترح في الراديو “جباية ثمن من فرنسا” – فرنسا؟ ردا على دورها في عملية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ما الذي يفكر فيه عندما يقول “ثمن”، الله أعلم. الغباء هو في النهاية لا حدود له.
مؤخرا بدأنا في شن حرب ضد الصين، عندما اتهمها رئيس الحكومة علنا بانها تدير حملة ضدنا هي وقطر. وبيننا وبين انفسنا، أي دولة أخرى كان سيخطر ببالها تصفية الأشخاص الذين تجري معهم مفاوضات لاطلاق سراح مخطوفيها، بالذات على أراضي دولة الوساطة؟ اذا كان هذا ممكن فان كل شيء ممكن. ارسال الموساد لتدمير برج ايفل؟ تزوير نتائج فحص حمل زوجة ماكرون؟ دائما العقل اليهودي احب التفكير خارج الصندوق.
بدون أي ذرة خجل فان دنون يريد أيضا معاقبة السلطة الفلسطينية لانها – اسمعوا جيدا – “قفزت عن المفاوضات مع إسرائيل”. كيف يمكن ان سفير الدولة التي رئيس حكومتها يقوم باهانة محمود عباس منذ عشرين سنة، رفض باستهزاء اليد الممدودة للسلام فقط لانه كان في هذه اليد غصن زيتون وليس حزام ناسف كما يحب نتنياهو شركاءه؛ دولة اخترعت مفهوم “الإرهاب الدبلوماسي”، أي انهيار التمييز بين الإرهاب والدبلوماسية؛ كيف لا يخجل من اتهامها بالرفض السياسي؟ ما المدهش في ذلك؟ كيف يعقل ان يشعر بالعار شعب يحرف معنى شعب الله المختار ليرسخ اعتقاد ان الله يؤيد كل أفعال هذا الشعب؟ شيك أخلاقي مفتوح من الله. كيف سيثور خجل من فقدوه؟.
هل كلف أي احد نفسه عناء الاستماع الى خطاب عباس؟ هل قام أي احد حتى ولو بلفتة صغيرة بعد الخطاب الذي شمل كل ما ترغب فيه إسرائيل، والأكثر من ذلك هو طلب تحوله الى اليهودية والتبرع للمستوطنات؟ خمنوا بأنفسكم. الاعتدال الفلسطيني هو العدو اللدود لنتنياهو وشركائه في الجريمة التاريخية.
لصالح كل من لا يهمهم: في خطابه عرض عباس التزامه بدولة فلسطينية تعيش بسلام وبجيرة جيدة الى جانب إسرائيل. هو دعا الى تحرير المخطوفين، وأكد على ان حماس لا يمكن ان تكون جزء من الحكومة وأنه يجب عليها نزع سلاحها، وقد أدان الأفعال التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر، وبعد ذلك عرض إصلاحات تشمل تغيير مناهج التعليم وعدم الدفع لعائلات السجناء والشهداء، وكرر الاعتراف بإسرائيل ورفض محاولة الخلط بين التضامن مع فلسطين واللاسامية، وفي النهاية تمنى لليهود سنة طيبة.
لماذا ورقة تسقط عن شجرة في الامازون تثير ضجة في إسرائيل اكثر من خطاب محمود عباس، الذي يلبي كل “طلبات إسرائيل” كشرط مسبق للمفاوضات. بالضبط بسبب ذلك. اذا لم تهتف “الله اكبر” قبل الانفجار فهو لن يحدث. اذا لم تقم بقيادة سيارة تويوتا بيضاء وتقوم برش كل ما يتحرك، نحن في ورطة سياسية، من فضلكم، لا تتدخلوا. بعد ذلك يشرحون لنا ويقولون بان العرب لا يفهمون الا لغة القوة. العرب؟ يبدو اننا نعيد ضبط النظر من نفس النقطة التي نعيد فيها ضبط الخجل والعار.
——————————————
معاريف 26/9/2025
لن تقوم هنا دولة فلسطينية قريبا لكن الصفعة العالمية هي إشارة تحذير مقلقة
بقلم: ألون بن دافيد
وكأننا نستعد للايام الرهيبة، تلقينا في هذا العيد صفعة أليمة من 153 دولة اكثر من الإهانة التي تنطوي عليها هي إشارة تحذير مقلقة للمستقبل، ترسلنا لاجراء حساب للنفس. يتبين أن بنيامين “مصاف آخر” نتنياهو، الذي أثبت حتى الان انه ليس “سيد أمن” و “سيد اقتصاد” بل وبعيد عن أن يكون بطلا في الدعاية والسياسة كما ادعى أن يكون. فقد نجح هذا الأسبوع بالفعل في أن يحطم رقما قياسيا عالميا في القفز من اعلى سمو الى اسفل عمق.
من كان حتى وقت غير بعيد يمكنه أن يحلم باستقبال ملكي في القصر في الرياض، اضطر الان لان يطير الى نيويورك في مسار ملتوٍ يتجاوز دولا محظور عليه الطيران فيها (تركيا)، ويتفادى دولا اذا ما هبط فيها فقد يعتقل. مسار الطيران المهين هذا يعكس بمرارة تحطم مكانتنا: كدولة، كاسرائيليين وكيهود العالم.
نتنياهو يرى عمق الحفرة التي يجرنا اليها. فهو لم يعد يحاول الوعد بالازدهار والنمو، و “خطاب اسبرطة” كان مخططا له وليس زلة لسان بالصدفة. عشية العيد، في لقاء مع هيئة الأركان كشف النقاب عن خططه البشعة للسنة الجديدة: “في السنة القادمة يتعين علينا ان نبيد المحور الإيراني”، قال للجنرالات.
يتبين ان اعلاناته عن النصر العظيم على حزب الله وعلى ايران كانت مبكرة جدا. يمكن التخمين بان نتنياهو يخطط لنا هذه السنة استئنافا للقتال في عدة جبهات. ليس واضحا ماذا تتضمن “إبادة المحور الإيراني”: هل دخول متجدد الى لبنان؟ استمرار تبادل الضربات مع ايران ام ربما فتح جبهة جديدة في العراق؟
لكن ما هو واضح اقل هو أي جيش هو يقصد أن يدير الحرب متعددة الجبهات، تلك التي يوشك على ان يقوم بها. فجيشنا آخذ في التآكل: بالاشخاص، بالطاقة والأكثر حرجا بالذخيرة وبقطع الغيار. اذا كانت إسرائيل تعتزم استئناف القتال في عدة جبهات، فلماذا يطلق الجيش الإسرائيلي ذخيرته بلا تمييز في غزة؟ احتياطات الجيش تتآكل امام حظر السلاح الأوروبي الذي يمنع عنا محركات دبابات، قطع غيار حرجة للمركبات وللطائرات وبالطبع الذخائر. عن مخزونات منظومات الدفاع لا يمكن التفصيل، لكن يمكن ان ننظر الى كمية صواريخ الاعتراض التي اطلقناها في السنة الماضية ضد صواريخ إيرانية وحوثية كي نفهم الوضع.
التآكل الأكثر ايلاما هو بالطبع للأشخاص. فقد بدأنا منذ الان ندفع اثمانا أليمة على العملية عديمة الجدوى في غزة، رغم جهد قادة الجيش للتقدم بحذر. هذا الثمن سيرتفع كلما عمقت القوات اعمالها في داخل المدينة. وحتى الأشخاص ليسوا مقدرا لا يبلى، ولا سيما حين لا تكون واضحة الغاية لتضحيتهم.
كل يوم قتال في غزة هو يوم خسارة لإسرائيل، بالاشخاص وبتآكل ما تبقى لنا من شرعية. “النصر المطلق” آخذ في الابتعاد عنا، وفي هذه الاثناء منحنا الفلسطينيين نصرهم السياسي الأكبر. يمكن ادعاء الضحية والشكوى من ان العالم لاسامي (ومعظمه هكذا بالفعل)، ويمكن أيضا الفهم بان سلوكنا الفاشل هو الذي صب للفلسطينيين طبقهم الذهبي. دولة برأيها ودون التشاور مع أحد بدأت مسيرة انسحاب طوعي من اسرة الشعوب الديمقراطية يقودها عمليا متطرفون مسيحانيون، قيادتها فاسدة وفوق رأس قسم كبير من وزرائها تحوم سحابة جنائية، لا يمكنها أن تتفاجأ في أن تكون نهايتها أن يلفظها العالم من داخله.
المعنى العملي من الإعلان صفري – لن تقوم هنا دولة فلسطينية في السنوات القريبة القادمة. لكن معناه الرمزي هائل. هذا ليس بعد بطاقة حمراء لإسرائيل، لكنه بطاقة صفراء لامعة تحذر من أن استمرار السياسة الحالية او تصعيدها بخطوات من طرف واحد ستستصدر الحمراء أيضا. في هذه الاثناء يجدر بنا أن نقرأ أيضا الاحرف الصغيرة التي أسفل الإعلان المدوي: الشروط للاعتراف بدولة فلسطينية هي تحرير المخطوفين وابعاد حماس من غزة – الشرطين اللذين يمكن لإسرائيل ان توقع عليهما.
——————————————
هآرتس 26/9/2025
عبث في قطاع غزة
بقلم: اسحق بريك
منذ فترة طويلة والمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي يظهر في وسائل الاعلام ويقول (بالأساس عندما توجد لدينا إصابات) ان الجيش الإسرائيلي دمر القدرة العسكرية لحماس وكتائبها والويتها، وان المشكلة الوحيدة التي بقيت هي عمليات حرب العصابات التي تقوم فيها هذه المنظمة: مقاتلوها في الانفاق يخرجون منها لزرع العبوات واطلاق النار من بنادق قنص واستخدام قذائف مضادة للدروع، وبعد ذلك يعودون الى الانفاق لانهم يخافون من مواجهة جنود الجيش الاسرائيلي وجها لوجه.
لا يوجد ما هو اكثر سخافة من ذلك. هذا ببساطة ذر للرماد في عيون الجمهور الذي هدفه الحصول على الشرعية لمواصلة الحرب وخلق صورة إيجابية للجيش الإسرائيلي. في السنتين الأخيرتين، منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم، الجيش الإسرائيلي لم يحارب جيش في غزة، بل منظمة تستخدم حرب العصابات، لانه لا يوجد لحماس جيش ولم يكن لها جيش. كتائبها والويتها، التي يقول عنها المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بأنها دمرت، ومعها دمرت القوة العسكرية لحماس، هي وهم لا توجد فيه أي ذرة حقيقة. هذه “الكتائب” و”الالوية” هي بالاجمال منشآت يجلس فيها قادة حماس في الوضع الروتيني ومنها اداروا النشاطات الجارية. ولكن في اللحظة التي يتعرضون فيها للخطر من جانب إسرائيل فان كل القيادة العليا تدخل الى الانفاق وتدير جنودها بطريقة حرب العصابات.
في الواقع القادة الكبار في حماس قتلوا، لكن جميعهم لهم بدائل، وموتهم لم يؤثر على نشاطات حماس كتنظيم عصابات. أيضا منشآت حماس التي دمرها الجيش الإسرائيلي التي جلس فيها قادتها، تم اخلاءها قبل مهاجمتها من قبل الجيش الإسرائيلي. هكذا فان الجيش يدمر منشآت فارغة. كل الأطر القيادية والمقاتلة في حماس تعمل كعصابات تحت الأرض، وفي سنتي الحرب الجيش الإسرائيلي لم ينجح في ان يضعف بشكل كبير قتالهم ضده. حماس الى عادت الى حجمها الذي كان قبل الحرب.
معظم انفاق حماس بقيت سليمة، وتسمح لرجالها بالحركة بشكل حر على طول وعرض القطاع. إضافة الى ذلك مخازن حماس الموجودة تحت الأرض مليئة بالغذاء والوقود وهي يمكنها مواصلة القتال لفترة طويلة قادمة.
بسبب ذلك فانه فقط مؤخرا قتل جنود تحركوا في محور فيلادلفيا في رفح بعد ان صعدت سيارتهم فوق عبوة ناسفة وانفجرت؛ أربعة جنود قتلوا على الفور وأصيب بعضهم إصابة بليغة. هذا حدث في منطقة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي منذ أربعة اشهر فوق الأرض. وهذا أيضا السبب في ان القوة سافرت في سيارة غير مصفحة. وهنا تبين ان حماس تواصل العمل من تحت الأرض في كل ارجاء القطاع: رفح، خانيونس، مدينة غزة، جباليا وكل المناطق الأخرى. من المضحك سماع قادة في الجيش الإسرائيلي يقولون ان حماس تخاف من ان تقاتل جنود الجيش الإسرائيلي وجها لوجه. في حرب العصابات لا توجد أي مصلحة في القتال وجها لوجه مع جيش منظم، بل لدغه في كل مكان ممكن. هذه التصريحات تدل على الجهل السائد في أوساط قادة وجنود الجيش الإسرائيلي بخصوص طبيعة حرب العصابات.
لكن المشاكل الأساسية للجيش الإسرائيلي هي:
الأولى هي النقص الكبير في المقاتلين. هذا في اعقاب تقليص شديد في جيش البر في العشرين سنة الأخيرة، وكذلك بسبب عشرات آلاف المصابين في أوساط قواتنا في السنتين الأخيرتين، الذين لا يوجد لهم بدائل.
الثانية هي ان الجيش الإسرائيلي لم يستعد لاحتمالية حرب في غزة بسبب تصور خاطيء يقول بان حماس غير معنية بالقتال، بل هي تريد الحفاظ على الهدوء وتطوير القطاع من اجل السكان. لذلك، لم يطوروا في الجيش الإسرائيلي وسائل خاصة لتدمير مئات الكيلومترات من الانفاق التي بنتها حماس بالاموال القطرية بواسطة إسرائيل. أيضا لم يتم تشكيل قوة مهنية لتدمير الانفاق، التي كان يجب ان تكون اكبر بعشرات الاضعاف مما هو الآن للجيش الإسرائيلي.
لهذه الأسباب ولاسباب أخرى كثيرة لم نتقدم بشكل جيد نحو هزيمة حماس وتحرير المخطوفين عن طريق الضغط العسكري. واذا واصل الجيش الإسرائيلي في هذه الظروف احتلال مدينة غزة فانه ينتظرنا المزيد من المصابين ووضعنا سيسوء اكثر. هناك خطر حقيقي وهو ان التآكل الكبير في الجيش الإسرائيلي، في القوة البشرية المقاتلة وصلاحية الوسائل القتالية، سيسرع عملية التفكك الى درجة عدم القدرة على إعطاء رد بالحد الأدنى على طول حدود إسرائيل في الضفة الغربية، وبالتاكيد في قطاع غزة. الآن ما زال يمكن التوصل الى اتفاق مع حماس، ولكن كلما مر الوقت فان حماس والدول العربية المعادية لإسرائيل بدأت تلاحظ ضعف الجيش الإسرائيلي في غزة، ربما بعد فترة معينة هم لن يرغبوا في التوصل الى اتفاق معنا، من خلال الاعتقاد بان الجيش الإسرائيلي يتوقع ان يفقد قدرته وان الزمن يعمل لصالحهم.
من ما زال حتى الآن لا يدرك وضعنا يجب عليه معرفة ان هذه الحكومة تقودنا الى كارثة فظيعة. فقط وقف القتال واتفاق على تحرير المخطوفين وإعادة تاهيل الجيش والدولة وعلاقاتنا مع العالم، يمكنها منع ذلك.
——————————————-
هآرتس 26/9/2025
الصراع على اليوم التالي في قطاع غزة ومكانة السعودية
بقلم: تسفي برئيل
في مشهد متميز من التفاؤل وصف ستيف ويتكوف خطة ترامب الجديدة بانها مقدمة واقعية للحل. لقد قال للمراسلين بان الخطة التي عرضت في يوم الثلاثاء على زعماء عرب ومسلمين، الذين التقوا مع الرئيس الأمريكي “اخذت في الحسبان مخاوف إسرائيل ومخاوف كل جيرانها في المنطقة”. وأضاف: “نحن متفائلون، واكثر من ذلك نحن على ثقة بانه في الأيام القريبة القادمة سنستطيع ان نبشر باننا توصلنا الى نوع من الاختراقة”.
ويتكوف هو شخص لطيف، وقد أسر قلوب الإسرائيليين بعلاقته الودية ودعمه لعائلات المخطوفين. ولكن في النهاية تبين ان تفاؤله كان سابق لاوانه او انه مبالغ فيه. في أساس الخطة، كما نشرت في البداية في موقع اكسيوس كان هناك، ضمن أمور أخرى، وقف دائم لاطلاق النار في غزة، انسحاب الجيش الإسرائيلي بالتدريج من القطاع، تزويد واسع للمساعدات الإنسانية، إعادة جميع المخطوفين وبالاساس خطة لادارة القطاع في “اليوم التالي”. هذا سيتم بواسطة قوة فلسطينية، التي لن تكون حماس شريكة فيها، وستتعاون مع قوات دولية وعربية. الجسم الإداري سيحظى بتمويل عربي ودولي، الذي سيخصص لاعادة اعمار القطاع بالتعاون مع السلطة الفلسطينية.
الزعماء العرب عبروا بأدب عن رضاهم من “اللقاء المثمر”، لكنهم ربطوا دعمهم للخطة بعدة بنود أخرى ستوسع نطاقها الى ما يتجاوز قطاع غزة. حسب مصادر عربية فان هذه الشروط تشمل منع ضم أجزاء من الضفة لإسرائيل، منع احتلال مناطق في القطاع من قبل إسرائيل والحفاظ على الوضع الراهن في الحرم. غزة بالنسبة لهم لم تعد مجرد قضية إنسانية او حرب محلية، التي جبت حياة عشرات آلاف الفلسطينيين، بل هي المفتاح لحل القضية الفلسطينية. ولكن من غير المؤكد ان خطة ترامب يمكن ان توفر ذلك.
في كل ما يتعلق بخطط انهاء الحرب وصفقات إعادة المخطوفين فان السنة الماضية كانت مثمرة بشكل خاص – لكن تطبيقها هو قصة أخرى. 21 بند تشملها خطة ترامب، اقل بكثير من الـ 91 صفحة التي ضمت خطة مصر من شهر شباط، ويبدو انها هي أيضا اقل فخامة من خطة الريفييرا في غزة، التي وضعها الرئيس ترامب في نفس الشهر، وهي الخطة التي سعت الى نقل السيطرة على غزة للولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب، والقت بظلها المخيف على كل الشرق الأوسط.
ربما ان ترامب تعلم شيء او اثنين في الأشهر السبعة التي مرت منذ خروجه الى العالم بمشهده الساحر، لا سيما اثناء زيارته التي شملت كل دول الخليج في شهر أيار. زعماء هذه الدول، وعلى رأسهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس دولة الامارات محمد بن زايد – حتى الآن هي الدولة الوحيدة التي وافقت على المشاركة في قوة عربية دولية مع شروط وتحفظات – أوضحت للضيف بان أي تعاون عربي في القطاع يحتاج على الأقل الى رعاية السلطة الفلسطينية التي هي الممثل الوحيد المعترف به للشعب الفلسطيني.
العناق الدافيء والتملق الكبير – حتى بادرة حسن النية السياسية التي لا باس بها، اعتراف ترامب بالرئيس السوري الجديد احمد الشرع وإلغاء معظم العقوبات المفروضة على سوريا – لم تخفف من الموقف الحازم للسعودية، التي هي نفسها اجتازت انقلاب في مقاربتها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، من موقف طالب فقط بتحسين ظروف عيش الفلسطينيين في المناطق وتصريحات هوائية بشان حقهم في دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع إسرائيل، انتقلت السعودية لقيادة وتجنيد المجتمع الدولي من اجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ليس عبثا ان ابن سلمان، الذي لم يقم بزيارة الولايات المتحدة منذ 2018، امتنع أيضا في هذه السنة عن المشاركة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
ابن سلمان قال انه يجب ان يكون للاموال الطائلة التي هي اكثر من تريليون دولار والتي تعهد باستثمارها في الولايات المتحدة في فترة ولاية ترامب، مقابل سياسي محترم. ولي العهد لم يرغب في ان يجد نفسه في صف واحد مع زعماء عرب ومسلمين آخرين في جلسة مؤدبة مع الرئيس ترامب، الذي سيطلب منه ان يخلط مبادرته في داخل ما سيكون حسب تقديره خطة أمريكية – إسرائيلية. حسب رأي ابن سلمان فان السعودية التي وقفت من وراء المبادرة العربية في 2002 هي مستوى آخر. من ناحيتها الاعتراف الدولي الساحق بدولة فلسطين هو عملية سياسية مهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني، لكن الان هذا تصريح فقط، وثماره الفعلية لم تبدأ بعد في الظهور.
السعودية في المقابل، التي هي في شراكة وثيقة مع فرنسا والتي بنت خلال فترة قصيرة نسبيا هذا الاعتراف، حققت راس المال السياسي، الامر الذي يضعها مثلما في 2002 كقوة تقود الشرق الأوسط وتستطيع ان تؤسس ليس فقط تحالف عربي، بل أيضا تحالف دولي. بمكانته هذه فان ابن سلمان يقف كمنافس للرئيس ترامب نفسه حول تحديد النموذج السياسي، وبالتالي العسكري، الذي سيوجه تشكيل السياسة في الشرق الأوسط.
لكن “انتصار” ابن سلمان غير كامل وغير مؤكد. فالسعودية لم تقنع ترامب بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والرئيس الأمريكي ما زال يتمسك بموقف يشبه تقريبا موقف نتنياهو، الذي يقول بان السلطة لا يمكن ان تكون جزء من الحل في غزة. حتى تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة لم ينجح ابن سلمان في “ترتيبها” لمحمود عباس، أو في فتح جسر اللنبي، أو ضمان سلامة الوضع الراهن في الحرم – امام مشاغبات الوزير ايتمار بن غفير الخطيرة. في الواقع أدوات ضغط السعودية على ترامب – الأموال الطائلة التي وعدته بها – أظهرت قوتها في سوريا، لكن حتى الآن تجد صعوبة كبيرة في مواجهة التحالف الأمريكي – الإسرائيلي الذي يرفض انهاء الحرب في غزة عن طريق حل كل القضية الفلسطينية.
المنافسة بين هاتين الاستراتيجيتين اللتان فيهما سيتم اختبار قوة السعودي، هي التي ستحدد مصير خطة ترامب الجديدة أو مصير أي خطة أخرى لانهاء الحرب. مثلا، المبدأ المتفق عليه بين جميع الأطراف، الذي يتم تضمينه في كل الخطط والذي بحسبه حماس لن تكون شريكة في إدارة غزة، سيقتضي تحديد كيف سيتم ابعاد هذه المنظمة من القطاع.
إسرائيل تعلن بان هدفها الاسمى هو تصفية حماس. احتلال مدينة غزة ومخيمات الوسط والتصادم الممنهج والقتل الجماعي ونقل السكان واحتلال المناطق، كل ذلك استهدف ضمان ان تتحول غزة الى منطقة قتل التي فيها، على الأقل على الورق، ستبقى فقط قوتان مسلحتان، الجيش الإسرائيلي ونشطاء حماس. حسب هذه الرؤية فان كل ثمن – حياة المخطوفين والجنود، عقوبات ومعاقبات دولية، تصفية احتمالية التطبيع مع السعودية وهز اقتصاد الدولة، بالأحرى، استمرار قتل آلاف الفلسطينيين – هو ضرر هامشي فقط. خطة العمل للحكومة لا تعترف بمفهوم “اليوم التالي”، او باليوم التالي الذي تم عرضه في الخطة المصرية أو الخطة الامريكية، وبالتاكيد ليس الخطة السعودية التي تربط غزة بالضفة الغربية. عمليا، حسب الخط الإسرائيلي فانه يجب عدم تحديد مفهوم “تصفية حماس” وعدم تحديد جدول زمني لانهاء الحرب.
طموح نتنياهو هو الحفاظ على غزة كساحة محددة، منفصلة عن الضفة وعن كل القضية الفلسطينية. أي حديث او تخطيط “لليوم التالي” هو بالنسبة له عبوة ناسفة جانبية يجب ابطالها لانها مناقضة لجوهر خطته وتدحض ادعاء ان استمرار الحرب هو ما يقتضيه الواقع. مباديء خطة ترامب تحاول التسوية بين استراتيجية “التصفية المطلقة” لنتنياهو وبين الموقف الذي تدفعه قدما السعودية؛ بين المقاربة التي تقول بان “حماس لا يمكن ان تبقى في القطاع” وبين المقاربة التي تقول “حماس لا يمكن ان تكون شريكة في إدارة القطاع”.
لكن حسب رؤية نتنياهو فان الحديث لا يدور عن تسوية، بل عن تصادم تكتوني. حيث انه في اللحظة التي سيتم فيها الاتفاق على ان حماس (فقط) لا يمكنها المشاركة في إدارة القطاع، فانه سيتم شق منزلق حاد وسريع الى “اليوم التالي”، الذي فيه جهة ما، ليست إسرائيل، سيطلب منها الموافقة على إدارة القطاع. من غير المهم اذا كانت الإدارة وإعادة الاعمار ستتم حسب الخطة المصرية أو الامريكية أو السعودية، المعنى من ناحية لنتنياهو ليس فقط احياء مكانة السلطة الفلسطينية كجسم حكومي شامل، بل بالأساس هزيمة في نضاله الذي استمر عشرات السنين لتدمير شرعية التمثيل الفلسطيني، الذي هو الأساس لاقامة الدولة الفلسطينية، ليس فقط على المستوى الإعلاني، بل على مستوى الواقع الفعلي.
“التهديد” الأخطر هو انه في اللحظة التي سيتبنى فيها ترامب الخطة العربية، فانه فعليا يتعهد بالاعتراف بكون السلطة الفلسطينية مصدر الصلاحيات لكل النشاطات المدنية والسياسية التي ستتطور في غزة. حسب علمنا فانه حتى الآن من نشر خطة ترامب فان الرئيس نفسه لم يحدد متى يبدأ “اليوم التالي” وما هي شروط وقف اطلاق النار، والى أي درجة ما زال يؤمن بقدرة إسرائيل على تدمير حماس. بدون تحديد هذه الأسس فان خطة ترامب تبدو الان كخليط من فصول، كل واحد منها ماخوذ من كتب مختلفة، نتنياهو والسعودية والمجتمع الدولي، في هذه الاثناء بدون الولايات المتحدة.
ربما انه بعد اللقاء بين ترامب ونتنياهو سنعرف اين هي وجهة الرئيس الأمريكي وما هو وزن كل لاعب من اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين يحاولون التاثير على قراراته. فقط مرة أخرى يجدر التذكر بان الامر يتعلق بترامب الذي بدل موقفه فيما يتعلق بفلادمير بوتين، وسحق فلودمير زيلنسكي وبعد ذلك قام بتبنيه بحفاوة. وانقض على الدول الأوروبية وبعد ذلك توصل معها الى اتفاقات. وهاجم بوحشية الحوثيين وفي النهاية وقع معهم على اتفاق لوقف اطلاق النار. وقام باجراء مفاوضات مع ايران وبعد ذلك قام بقصفها. في الواقع ربما انه سيعرض على نتنياهو مناورة مدهشة في الألعاب البهلوانية السياسية، ولكن ما سيبقى من ذلك عند الهبوط على الفرشة ما زال مبكرا معرفته. أيضا ابن سلمان سيتعين عليه الانتظار بصبر.
———————————————
يديعوت احرونوت 26/9/2025
حالم الدولة الفلسطينية
بقلم: سيما كدمون
لا حاجة لان يحل المرء بين جوانب عقل نتنياهو كي يخمن ما سيقوله اليوم، الجمعة، في خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. فبعد الانجراف الذي وقع في بداية الأسبوع باعتراف دولي بدولة فلسطينية، “انجاز” سياسي آخر لنتنياهو حين سيعنى مركز ثقل خطاب في هذا الموضوع، في ظل الاتهامات بالجائزة التي أعطيت لحماس.
غني عن القول انه بعد فترة طويلة كادت فيها فكرة الدولة الفلسطينية تهجر نجح نتنياهو بكفاءته بان يعيدها الى رأس جدول الاعمال. لئن كان احد ما يدين له الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته، فهو نتنياهو. بنيامين نتنياهو، حالم الدولة الفلسطينية المستقلة. ان إمكانية إقامة دولة كهذه ستكون الايران الجديدة لخطابه، رغم أنه لا توجد حالة لا يظهر فيها العدو، ذاك الذي بنى نتنياهو حوله حياته المهنية في احدى المعارك من على منصة الأمم المتحدة كمن يقود محور الشر في ظل التشديد على أن ينسب لنفسه الحظوة على قراره مهاجمته مضاف الى ذلك المدائح واللعق بمساهمة الرئيس ترامب بنجاح الحملة. نتنياهو سيتحدث، وكثيرا، عن ازدواجية معايير الأمم المتحدة. فهذا هو نهجه: ان يقف على المنصة بخلفيتها الخضراء والبشعة والحديث عن السياسة ذات المعايير المزدوجة ضد دولة إسرائيل، فيما يموضع نفسه كدرعها البشري.
أن يتحدث هو ما يعرفه. انجليزيته تترك دوما انطباعا قويا على سامعيه. المكانة السياسية المتدنية التي وصلت اليها إسرائيل، درك اسفل له نشهد له مثيل، لن يذكر هناك. وحدها النجاحات والإنجازات امام عالم مزدوج الاخلاق ولا سام. السؤال هو كم سيؤثر هذا على دول العالم (التي معظم ممثليها، مثلما هو الحال دوما، سيكونوا غادروا المدينة)، أولئك الذين يتابعون ما يجري في في غزة، الصور التي لا تراها إسرائيل ولا تريد أن تراها.
لان الخطاب سيكون قبل لقائه مع الرئيس الأمريكي فيمكن التخمين بان نتنياهو لن يطلق إعلانات عن سيادة إسرائيلية، بل سينتظر الى أن يفهم من ترامب ما هو مجال مناورته. كما أنه عن التسوية الأمنية مع سوريا، يبدو أن نتنياهو لن يتحدث الا بكلمات عامة تستهدف أساسا آذان مواطني إسرائيل، الذين ينظرون بعيون تعبة الى اتساع وتعاظم العزلة الدولية التي فرضت عليهم. نتنياهو لن يفوت فرصة ذكر مثل هذا الترتيب: ها هو العالم المتنور وان كان يعزلنا، يقاطعنا، يدير لنا ظهر المجن، لكن انظروا توجد لنا سوريا الشرع الذي كان منذ زمن غير بعيد الجولاني، الرجل الذي بدأ طريقه في منظمة القاعدة، اصبح جهادي وزعيم إسلامي سني، على سريره تسجل ضحايا مذبحة الحلويين ومذبحة الدروز. فلماذا نشكو – رأيتم أي استقبال محترم كان بانتظار هذا القاتل في الأمم المتحدة، حين وصل كنجم غناء شعبي في بدلة، فيما يتدفق زعماء العالم بجموعهم كي يصافحوه.
الاتصالات مع سوريا ستتواصل تماما حتى لقاء نتنياهو مع ترامب، الذي كما علمنا الأسبوع الماضي – يعمل على اتفاق وقف نار في غزة. وحسب ما نشر، فان تفاصيل التسوية تأتي تحت عنوان قرارات الكابنت وتتضمن شطب حكم حماس ونزع سلاحها، انسحاب تدريجي لإسرائيل من القطاع، دخول دول عربية معتدلة للسيطرة في غزة واعمارها وتحرير المخطوفين. ليس واضحا ماذا سيكون عليه موقف إسرائيل من الانسحاب من كل أراضي قطاع غزة وماذا سيكون مصير صخرة وجودنا، محور فيلادلفيا والحزام الفاصل. ترامب لا يسارع للدخول الى التفاصيل، ربما لانه يسارع حقا للخروج منها. لن نسقط من الكرسي اذا اكتشفنا انه في لقائهما القريب بدلا من أن يؤثر ترامب على نتنياهو، سيكون نتنياهو هو من سيؤثر على ترامب. ما ليس واضحا حتى الان من التفاصيل التي نشرت عن التسوية، هو مدى مشاركة السلطة الفلسطينية التي يوجد لها حسب المنشورات “مكان ما” في اليوم التالي.
بعد نحو سنتين من مذبحة 7 أكتوبر يمكن القول ان الأهداف تحققت بكاملها. باستثناء ان هذه ليست اهدافنا. ففي هاتين السنتين نجح نتنياهو في تحقيق الرؤيا. باستثناء أن هذه ليس رؤيانا بل رؤيا السنوار.
حين انطلق على الدرب في ذات السبت نحو بلدات الغلاف كانت للسنوار بضع مهام. الأولى قتل اكبر عدد ممكن من اليهود. يخيل أنه اوفى بهذه المهمة فوق المتوقع. ففي الهجمة قتل نحو 1195 مواطنا إسرائيليا واجنبيا بينهم رضع، أطفال، نساء وشيوخ. اختطف المخربون 251 شخصا، معظمهم مدنيون. هكذا بحيث انه اذا كانت المهمة الثانية للسنوار هي هز امن مواطني إسرائيل فقد نجح فيها بكاملها. اليوم أيضا، بعد الحملات الفاخرة في لبنان وايران يمكن القول أن الامن الشخصي لمواطني إسرائيل اهتز تماما ومعه صدعت أيضا للافكار التأسيسية التي تربينا عليها، والتي بموجبها مهما حصل فان الجيش الإسرائيلي سيدافع عنا وإسرائيل ستنقذ الإسرائيليين من كل مكان في العالم يحتاجون فيها اليها.
في هذه الاثناء تبين أن فكرة الدفاع انهارت حين دخل المخربون الى البلدات وفعلوا فيها على مدى ساعات طويلة كما يشاءون وفكرة الإنقاذ كانت اكثر نجاحا حين كان الام يتعلق بمواطنة إسرائيلية – أمريكية اعتقلت في موسكو في الطريق من الهند الى إسرائيل فيما كانت في حقيبها بضعة غرامات من القنب. عندها وصل أبناء عائلة نتنياهو الى موسكو في طائرة كي يعيدوها الى البلاد. في انفاق حماس يذوي منذ سنتين نحو 20 مخطوفا احياء ولا يزال لم يقم احد بفعل كاف وبالتأكيد ليس ما هو ممكن، كي ينقذهم.
حتى الهدف الثالث أيضا حققه السنوار، في جر كل المنطقة الى حرب استنزاف ضد اسرائيل. فما الذي تجتازه إسرائيل اذا لم تكن حربا كهذه؟ حتى مدينة الاستجمام ايلات أصبحت ساحة قتال.
السنوار أراد عزلة اقتصادية لإسرائيل؟ حصل عليها. اعداد اكبر مما نقدر من الشركات التجارية، الزراعية، الاكاديمية، التكنولوجيا العليا تسهد مقاطعات واقصاءات.
السنوار أراد عزلة دولية؟ حصل عليها مضاعفة. فمن كان يصدق انه بعد الحرب الأكثر عدالة التي كانت هنا تصل إسرائيل الى درك سياسي تصورت فيه 153 دولة للاعتراف بدولة فلسطين.
غني عن القول ان هناك حاجة لكفاءة خاصة، توجد اغلب الظن لدى نتنياهو، ليقلب الجرة على فيها، ويقلب رؤياه لتحقيق رؤيا الفلسطينيين. ان يكون رئيس حكومة يمين مليء – مليء، من جانبه، بسببه، بفضله، ستقوم الدولة الفلسطينية المستقلة.
——————————————
هآرتس 26/9/2025
الولايات المتحدة تريد طوني بلير لادارة غزة في المرحلة الأولى بدون السلطة
بقلم: ليزا روزوفسكي
البيت الأبيض لديه مبادرة بحسبها رئيس حكومة بريطانيا السابق، طوني بلير، سيقف على رأس منظومة مؤقتة لادارة قطاع غزة بدون تدخل السلطة الفلسطينية في المرحلة الأولى – هذا ما قاله لـ “هآرتس” مصدر سياسي إسرائيلي. حسب احد المنشورات من الأسبوع الماضي في “تايمز إسرائيل” فان مصدر عربي تحدث مع الصحيفة واكد على تفاصيل هذه الخطة، التي تشمل تعيين سلطة دولية تشرف على إعادة اعمار القطاع وادارته لعدة سنوات. وكتب في المنشور أيضا انه في هذا الوقت يتم وضع في غزة قوة دولية، للحفاظ على حدود القطاع ومنع حماس من إعادة بناء نفسها. نفس المصدر أوضح ان الخطة، التي حسب قوله “آخذة في التبلور”، تحظى بدعم كامل من ترامب، وأيضا في إسرائيل لا يرفضونها.
حسب اقوال المصدر العربي فان التفويض لممارسة نشاطها ستحصل عليه هذه السلطة الدولية من مجلس الامن، ومن شانها ان تعمل بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وبعد ذلك تنقل اليها السلطة. مع ذلك، المصدر العربي قال ان خطة بلير ضبابية جدا فيما يتعلق بنقل السلطة لايدي السلطة الفلسطينية، ولم يحدد فيها جدول زمني. وأضاف بان هناك خوف من ان يستغل نتنياهو هذه الضبابية من اجل تعويق اشراك السلطة في الحكم في غزة.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، يعارضان سيطرة السلطة الفلسطينية في غزة. وحسب المصدر الإسرائيلي فان هناك “حساسية” حول نقل السلطة اليها. “السلطة هي امر معقد، هذا يمكن ان يكون بصورة معينة، لكني لا أرى ان السلطة الفلسطينية ستتحمل مسؤولية معينة بصورة رسمية”، قال. المصدر اكد أيضا على ان هناك تفاصيل دقيقة تتكشف بشان استمرار وجود حماس في القطاع، لكن إسرائيل لا تستبعد “مشاركة قوة دولية مع بلير”.
في نفس الوقت، حسب مصدر رسمي في البيت الأبيض، فانه في اللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعماء دول عربية وإسلامية أول امس، عرض المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف خطة لليوم التالي في غزة. حسب اقوال المصدر فان الخطة تشمل اجراء حوار بين إسرائيل والفلسطينيين وإعادة جميع المخطوفين والوعد بالامتناع عن هجمات أخرى في قطر. في اللقاء الذي عقد اثناء انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك شارك، ضمن آخرين، امير قطر تميم بن حمد آل ثاني ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان والملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، والرئيس الاندونيسي فاربوؤوا سوفيانتو والرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
“الرئيس تحدث مع الزعماء العرب عن اليوم التالي وعن تدخلهم وهم خرجوا مع شعور إيجابي. أنا لا اعرف اذا كان قد عرض عليهم أوراق ومر على النقاط، لكنه قال انه يحتاج الى شراكتهم في المرحلة القادمة”، قال المصدر. مصادر عربية تحدثت مع “هآرتس” في الأشهر الأخيرة لم تعط إجابات قاطعة على سؤال هل دول مثل مصر ودولة الامارات أو الأردن ستكون مستعدة لارسال جنودها الى القطاع اذا انسحبت إسرائيل منه. حسب عدة مصادر ومنشورات فان مصر تدرب الان بضعة آلاف من الجنود الفلسطينيين من الضفة كي يستطيعوا ان ياخذوا على عاتقهم السيطرة الأمنية في غزة عندما يحين الوقت، لكن مشكوك فيه ان توافق مصر على ارسال قواتها الى القطاع من اجل محاربة حماس أو تقييدها.
حسب المصدر السياسي “أيضا الدول العربية تتحدث عن اخراج حماس. والسؤال هو ماذا يعني هذا بالفعل. أيضا نحن نسال ترامب: هل ستلقي حماس سلاحها؟ هل ستخرج من غزة؟”. وأضاف بان استعداد دول عربية وإسلامية لارسال قوات تهدئة أو إحلال السلام في غزة لن يساعد اذا بقيت حماس هي التي تسيطر على المواقع الرئيسية وانه “ستكون لها سيطرة افضل من أي قوة سيتم ارسالها”.
من اقوال المصدر يتضح ان هذه الأسئلة يتوقع ان تطرح في اللقاء بين نتنياهو وترامب في واشنطن في يوم الاثنين القادم، الذي اعتبره “لقاء هام”. نتنياهو هبط مساء امس في نيويورك وسيلتقي مع رئيس الارجنتين خافيير نيلي ومع رئيس برغواي سانتياغو بنيا بلسيوس، ومع رئيس صربيا الكسندر فيتشيش. لقاءات أخرى ما زالت في طور التنسيق.
قبل ذهابه الى نيويورك نشر نتنياهو بيان اكد فيه على ان هناك مفاوضات تجري مع سوريا، لكن انتهاءها مقرون بـ “ضمان مصالح إسرائيل التي تشمل، ضمن أمور أخرى، نزع السلاح في جنوب غرب سوريا والحفاظ على سلامة وأمن الدروز في سوريا”. حسب المصدر الذي تحدث مع “هآرتس” فانه غير معروف الان أي اختراقة في هذه الاتصالات. المصدر اكد على ان احد بنود الاتفاق هو انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. “هل ينسحبون ومتى وكيف، هذا يخضع للمفاوضات”، اكد المصدر وأضاف بان توقعات الطائفة الدرزية في إسرائيل “عالية جدا”.
مصادر درزية تحدثت مع “هآرتس” في الفترة الأخيرة قالت ان كثيرين في أوساط الأقلية الدرزية في السويداء يتوقعون بالفعل حكم ذاتي برعاية إسرائيل. حسب اقوال المصدر الإسرائيلي فان الاتفاق الاخذ في التبلور مع سوريا من شانه ان يتضمن تغييرات داخلية في النظام في كل ما يتعلق بالدروز، وإقامة ممر انساني. حتى الان من غير الواضح هل سيربط هذا الممر بالفعل بين إسرائيل ومحافظة السويداء ومن سيشرف عليه ويسيطر عليه.
——————————————
يديعوت احرونوت 26/9/2025
ترامب: لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية
بقلم: دانييل ادلسون وايتمار ايخنر
صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس (الخميس) بأنه لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية. وقال ردًا على أسئلة الصحافيين في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض: “لن يحدث ذلك، لن أسمح به”، مؤكدًا أنه ناقش هذه القضية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقبل دقائق، قال الرئيس إن المحادثة مع رئيس الوزراء حول الحرب في غزة “كانت جيدة”، وإن “صفقة الرهائن قد تتم قريبًا”. وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود إن الرئيس الأمريكي “يدرك جيدًا مخاطر الضم في الضفة الغربية”. وأضاف أن “الدول العربية والإسلامية أوضحت للرئيس بوضوح تام خطر الضم، مهما كان نوعه، في الضفة الغربية، وما يشكله من خطر – ليس فقط على إمكانية تحقيق السلام في غزة، بل على كل سلام مستدام”.
تأتي تصريحات ابن فرحان على خلفية اجتماع عقده الرئيس يوم الثلاثاء مع قادة الدول العربية والإسلامية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وصرح مصدر مطلع على تفاصيل الاجتماع لصحيفة هآرتس أن ترامب أكد للقادة الذين التقى بهم أنه لن يسمح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بضم الضفة الغربية. وذكرت مصادر لموقع بوليتيكو الإخباري الأمريكي أن ترامب عبّر عن موقف حازم من هذه المسألة، واعدًا بعدم السماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية. ويوم الأربعاء، صرّح مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بأنه قدم خلال الاجتماع الذي عقده الرئيس يوم الثلاثاء خطة من 21 نقطة “للسلام في الشرق الأوسط”. وأضاف حينها: “نأمل، بل نحن مقتنعون، بأننا سنتمكن من الإعلان عن تحقيق تقدم في غزة خلال الأيام المقبلة”.
حضر الاجتماع الذي عُقد يوم الثلاثاء أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كما حضر ويتكوف الاجتماع. قبل بدء المناقشة، اكتفى ترامب بقول للصحفيين إنه سيكون “مهمًا للغاية”، وبعد ذلك لوّح هو وقادة آخرون، بمن فيهم الرئيس الإندونيسي، مشيرين إلى أن الاجتماع كان إيجابيًا. ووفقًا لتقرير على قناة “الجزيرة”، قال أردوغان إن الاجتماع كان “مثمرًا للغاية”. في وقت سابق من هذا الأسبوع، اعترفت عدة دول بدولة فلسطينية، بما في ذلك كندا وبريطانيا وأستراليا. ودعا عدد من الوزراء إلى “اتخاذ إجراءات مضادة فورية” ردًا على ذلك. وقال وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير إنه يجب على إسرائيل اتخاذ “إجراءات فورية لفرض السيادة على يهودا والسامرة وسحق السلطة الإرهابية الفلسطينية تمامًا”. انضم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى دعوة بن غفير عبر شبكة إكس: “الرد الوحيد على هذه الخطوة المعادية لإسرائيل هو السيادة على وطن الشعب اليهودي في يهودا والسامرة، وإزالة فكرة الدولة الفلسطينية السخيفة من جدول الأعمال إلى الأبد”. وانضم إليه وزير الثقافة والرياضة ميكي زوهار، قائلاً: “الرد الوحيد على هذا الإعلان السخيف هو تطبيق السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة وغور الأردن”.
في أعقاب توقع اعتراف واسع بالدولة الفلسطينية، درست إسرائيل في الأسابيع الأخيرة التداعيات المحتملة لضمّ محدود في الضفة الغربية، يشمل غور الأردن. وصرح مصدر مطلع لصحيفة هآرتس أن محيط نتنياهو يُقدّر استحالة إعلان الضم نظرًا لتهديد الإمارات العربية المتحدة بأن مثل هذه الخطوة ستُقوّض اتفاقيات إبراهيم. ومع ذلك، ووفقًا للمصدر، يدرس محيط نتنياهو خطوات مثل نقل المنطقة (ب) إلى نفس وضع المنطقة (ج)، أي وضع المسؤولية العسكرية والمدنية الإسرائيلية بدلًا من المسؤولية المدنية الفلسطينية.
——————————————
اسرائيل اليوم 26/9/2025
صحيفة عبرية: من يضمن تنفيذ إسرائيل لـ”خطة الـ12 بنداً” حتى وإن حررت حماس “المخطوفين”؟
بقلم: أرئيل كهانا
أكد مسؤول إسرائيلي كبير بان “هناك محادثات مكثفة حول اتفاق لإنهاء الحرب. ومع ذلك، لم تُحسم الأمور بعد مع الأمريكيين، والحوار جارٍ معهم لضمان مصالح إسرائيل”. سيكون اللقاء بين رئيس الوزراء والرئيس يوم الاثنين حاسمًا لضمان مصالح إسرائيل.
وفي غضون ذلك، في واشنطن، الكلام شيء والفعل شيء آخر. لنبدأ بالأقوال. أهم تصريح صدر في الأيام الأخيرة كان على لسان الرئيس الأمريكي. أنا إلى جانب إسرائيل. قال ترامب: “لقد كنت إلى جانب إسرائيل طوال حياتي”. كان هذا رده على خطاب الرئيس الفرنسي ماكرون اللاذع، حول دعمه لإسرائيل، وبالتالي، بمنطقٍ مُستحيل، مُكافئًا الإرهاب ومعترفًا أحاديًا بدولة فلسطينية. اتضح أن الفرنسيين لن يُفوّتوا فرصةً لتفويت النقطة الأساسية – بدءًا من قضية دريفوس، مرورًا بنظام فيشي خلال المحرقة، وتخلي فرنسا عن إسرائيل عام 1967، ووصولًا إلى بناء المفاعل النووي العراقي، يُمكن اعتبار الخيانات الفرنسية متغيرًا ثابتًا.
الرد في انتظار ترامب
لا يزال رئيس الوزراء، على الصعيد الكلامي، يرد اليوم في خطابه بالأمم المتحدة على اعتراف فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا ودول أخرى بـ”الدولة الفلسطينية”. من المتوقع أن يتضمن الخطاب عناصر “إبداعية”، ويُقدّر أن نتنياهو سيُقدّم أفضل عرضٍ في المدينة. ففي النهاية، يُشعل نتنياهو المنصات الدبلوماسية في نيويورك منذ 40 عامًا.
ولكن ماذا؟ من غير المتوقع أن يعلن نتنياهو في المبنى الزجاجي رد إسرائيل العملي على اصطفاف الدول الغربية المتجدد على الجانب الخاطئ من التاريخ. فالدول نفسها، المهددة من الخارج من روسيا والمهددة من الداخل من قبل الإسلام العنيف، تضحي باليهود مرة أخرى من أجل مصالحها قصيرة الأجل. والنخب نفسها التي دعت قبل 90 عامًا إلى استرضاء هتلر، متجاهلةً قوانين نورمبرغ، تتوق الآن إلى استرضاء خلفاء شريكه، الحاج أمين الحسيني. يخطط رئيس الوزراء لاتخاذ إجراءات عملية، لكنه لن يفعل ذلك قبل لقائه ترامب يوم الاثنين. فالتنسيق مع الولايات المتحدة هو جوهر سياسته. وهناك عنصر أساسي آخر، يؤكد عليه رون ديرمر كثيرًا، وهو أن إسرائيل لا يمكن أن تكون الجهة التي تنشر الخطط السياسية، فبمجرد وصف أي مبادرة بأنها “إسرائيلية” تُرفض في الشارع العربي. لذلك، فإن الأمريكيين هم من سيقدمون الخطة، التي تتضمن 21 نقطة. وسيُطلب من نتنياهو الموافقة النهائية في اجتماعه مع ترامب. وإذا فعل ذلك، فسيكون ذلك بأكيد على انه حان الوقت لطرح خطة حقيقية لإنهاء الحرب. المتفائل بهذه الخطوة هو المبعوث الأمريكي، ستيف ويتكوف، الذي قال في نيويورك قبل أيام: “نأمل، بل نحن على يقين، من أننا سنتمكن خلال الأيام المقبلة من الإعلان عن اختراق ما”.
نزع حماس
مع ذلك، يبدو أننا بحاجة إلى توخي مزيد من الحذر. أولًا، من المشكوك فيه أن توافق حماس. فترامب يطالب بالإفراج عن جميع الرهائن، بينما ترفض المنظمة الإجرامية ذلك. ثانيًا، حتى لو نجحت الدول العربية في إجبار ما تبقى من حماس على إعادة المخطوفين، فليس من المؤكد أن إسرائيل ستتمكن من قبول جميع عناصر المبادرة.
على سبيل المثال، من الضروري ضمان إبعاد الحركة عن السلطة. يقول مصدر سياسي في هذا السياق إن تسمية “حكومة عربية بديلة في غزة” لا تكفي. يجب التأكد من أن عملية نزع حماس تجري عمليًا في القطاع – أي أن تتوقف الكراهية تجاه إسرائيل. من سيشرف على ذلك بالضبط وكيف؟ ففي كل من الضفة الغربية وغزة، تراكمت لدينا خبرة مريرة مع الحكومات العربية المحلية، التي تعمل باستقلالية ويُفترض أن تهتم بشؤونها. سيتعين على نتنياهو التعمق في أدق التفاصيل لمعرفة ما إذا كانت الخطة مقبولة لدى إسرائيل. في نهاية المطاف، من المستحيل أن تستمر حماس، بعد عامين من المجزرة، في إدارة شؤون القطاع.
في هذا السياق، اقترح الرئيس الإندونيسي برابو سوبيانتو نشر 20 ألفًا من قواته الأمنية “لأغراض السلام”، في إشارة واضحة إلى غزة. ولكن هل سيضمن الإندونيسيون عدم وجود تحريض في مدارس جباليا، أو عدم إعادة بناء الأنفاق في خان يونس؟ لا تزال التفاصيل المهمة في هذا السياق غامضة.
ما تُظهره تطورات الأيام الأخيرة أيضًا هو ما سقط من جدول الأعمال. عاد الرئيس السوري أحمد الشرع إلى دمشق بعد زيارته لنيويورك. بمعنى آخر، لن يلتقي نتنياهو في البيت الأبيض الأسبوع المقبل. ورغم أن التوصل إلى اتفاق أمني بين الطرفين لا يزال ممكنًا، إلا أن القمة تأجلت على ما يبدو.
هذا وحتى لو نجحت الدول العربية في إجبار ما تبقى من حماس على إعادة المخطوفين، فليس من المؤكد أن إسرائيل ستتمكن من ابتلاع جميع مكونات “خطة الـ 21 نقطة”.
——————————————
هآرتس 26/9/2025
“اتركوا أسطول الصمود”.. ماذا بقي في غزة لتخفوه عن العالم سوى انحطاط دولتكم؟
بقلم: أسرة التحرير
عشرات المراكب تشق طريقها منذ بضعة أسابيع بمياه البحر المتوسط نحو شواطئ غزة. هذا “أسطول الصمود”، جهد يبذله المئات من النشطاء الدوليين بكسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، لكن للفت انتباه العالم إلى الأزمة الإنسانية، الجوع والموت الجماعي تحت الحملة العسكرية الإسرائيلية في القطاع.
لقد جاء الأسطول الجماهيري رداً على السيطرة على أسطول سابق حاول كسر الحصار في حزيران الماضي. في حينه، اعتُقل المشاركون بمن فيهم ناشطة المناخ غريتا تورنبرغ، من قبل سلاح البحرية، وطردوا من البلاد.
منذ أن انطلق أسطول الصمود إلى طريقه تعرض للاعتداء بمناسبتين مختلفتين من مُسيرات أو حوامات غريبة. في الحدث الأول في تونس، ألقي نوع من قنبلة إنارة ألحقت ضرراً بأحد القوارب، وألقيت أول أمس نحو عشر قنابل صوت على القوارب بهدف المس بها. لم تتحمل أي دولة المسؤولية عن هذه الأحداث، لكن الجميع يفترضون بما هو معقول افتراضه، بأن إسرائيل تقف خلف الهجمات في محاولة للتشويش على وصول السفن إلى قطاع غزة.
في أعقاب الهجمات، أعلنت في اليومين الأخيرين حكومتا إسبانيا وإيطاليا بأنهما ستبعثان بسفن من سلاح البحرية لحماية مراكب الأسطول. معقول أن تترك السفن العسكرية أسطول الصمود قبل دخول المياه الإقليمية لقطاع غزة، ولن تصل الأمور إلى مواجهة عسكرية مع سلاح البحرية الإسرائيلية، لكن الحديث يدور عن تدهور مقلق آخر في مكانة إسرائيل الدولية، وأساساً عن دليل آخر لتصدي إسرائيل الفاشل للأحداث حين تبعث دول قريبة سفناً حربية لحماية مواطنيها من الجيش الإسرائيلي.
إن سلوك دولة إسرائيل العدواني حول الأسطول يعزز الاشتباه بأنها تخفي أمراً في غزة، وينضم هذا السلوك إلى منع صحافيين أجانب من الدخول إلى القطاع وقتل الصحافيين الفلسطينيين. فلئن كانت إسرائيل بالفعل تخوض حرباً شرعية في غزة، مثلما تدعي الحكومة والجيش؛ ولئن لم يكن هناك تجويع ولا جوع، ولئن كان الجيش الإسرائيلي يعمل بالفعل وفقاً للقانون الدولي، ويحمي السكان المدنيين ويضمن سلامتهم… فلماذا إذن الإصرار على منع الأسطول من الدخول، بل والمخاطرة بهذا الغرض بمس إضافي بصورة ومكانة إسرائيل الدولية؟
أناس الأسطول لا يحملون معهم سلاحاً، ووصولهم إلى شواطئ غزة لن يساعد في شيء في قدرة حماس القتالية. إن أي منع عنيف للسفن، وأي اعتقال للنشطاء وطردهم، لن يضيف إلا مادة أخرى إلى لائحة الاتهام التي يصيغها العالم ضد إسرائيل. على الحكومة أن تسمح بوصول الأسطول إلى غزة، وذلك كخطوة أولى في محاولة لتثبت للعالم بأن إسرائيل لا ترى في الأطفال والمدنيين الجوعى في غزة عدواً لها.
——————————————
عن “N12” 26/9/2025
انقسام إسرائيل الذي يمنع إنهاء الحرب
بقلم: إيتان بن إلياهو
في 17 تشرين الأول 1953، نشر دافيد بن غوريون وثيقةً تُصَوِّرُ الأمن الإسرائيلي، وقد غطّت كل الجوانب ذات الصلة، وهي ترتكز إلى عدم التناظر الكمي بيننا وبين أعدائنا. ومع مرور الأعوام، وبسبب نمو سكان إسرائيل، وأساساً بفضل إنجازاتها التكنولوجية، لم يُغلَق الفارق تماماً، لكننا كبحنا اتساعه. في أي حال، كان المبدأ الذي قاد بن غوريون أنه بعد كل حرب سيستعيد العدو عافيته، ومن المتوقَع أن نواجه دورة جديدة من القتال. لذلك، يجب أن تنتهي كل دورة قتال ويد إسرائيل هي العليا، أو بكلمات بن غوريون؛ بالـحسم. وهذا الحسم يعني أن الطرف الآخَر غير قادر، أو على الأقل غير راغب، في مواصلة القتال. وإن نهايةً من هذا النوع تُعرَّف أيضاً في فكر الجنرال البروسي فون كلاوزفيتز، الذي عاش في القرن التاسع عشر، كـ”حسم”.
منذ نحو عامين، تُطرح التساؤلات بشأن ما إذا كنا قد وصلنا إلى نقطة نهاية الحرب، وقد أصبح هذا السؤال محور نقاش وجودي حاد في المجتمع الإسرائيلي، وانتشر أيضاً بين الجاليات اليهودية حول العالم. وفي كل حروب إسرائيل حتى الآن، لم يرفع أي طرف العَلَمَ الأبيض. ومع مرور الوقت في القتال، بدأ الأطراف، بمساعدة القوى الكبرى أحياناً، وأحياناً أُخرى تحت ضغطها، بإجراء اتصالات أدت إلى اتفاقيات حتى مع العِلْمِ بأن الحرب يمكن أن تتجدد في المستقبل. والنقطة الأساسية هي أنه على الرغم من عدم وجود استسلام، فإن هناك رغبة تتشكّل، أو على الأقل اتفاقاً متبادَلاً، لإيقاف القتال عندما تكون اليد العليا لإسرائيل، ومجموع هذه الحالات يمنح إسرائيل ردعاً تراكمياً يؤدي في النهاية إلى اتفاق سلام. هذه المقاربة الخاصة ببن غوريون أثبتت صحتها، ودليلها بدْءُ توقيع اتفاقيات سلام بين إسرائيل وجيرانها.
لكن بن غوريون، وكذلك زئيف جابوتنسكي، لم يخطر في بالهما أن “الإرهاب” الفلسطيني سينمو إلى هذا الحد؛ فعلى الرغم من أنه لا يشكِّل كياناً سياسياً، فإن تأثيره في الميدان أصبح معادلاً لدولة عدوة.
لا شك في أن حرب “السيوف الحديدية” هي من أكثر الحروب المبرَرة التي عرفناها، وفي أن إسرائيل اليوم هي الطرف الذي يملك اليد العليا. فلماذا، إذاً، تستمر الحرب، ولماذا يسبب النقاش بشأن نهايتها أزمة وجودية في المجتمع الإسرائيلي؟ وفقاً لتصوُر أمني، فإنه لا يوجد أي مبرر لمواصلة القتال، ولا سبب أمني يمنع التوصل إلى اتفاق يعيد الأسرى المختطَفين. ولا يوجد أي بند يناقَش في المفاوضات، كعدد المختطَفين الذين سيعادون وسرعة إرجاعهم، أو قائمة الأَسْرَى الفلسطينيين الذين سيفرَج عنهم، يبرر استمرار الحرب.
على الرغم من أن “حماس” ضَعُفَتْ وأعلنت بصراحة عدم رغبتها في الاستمرار في القتال، فإن الحرب والمفاوضات الجانبية غير المجدية مستمرة بوحشية منذ ما يقارب العامين.
وبالتالي، ومع توفُر كل الشروط اللازمة لإنهاء الحرب، كما تصرفنا في لبنان وإيران، لماذا لا يحدث هذا في غزة؟ السبب هو أن الشعب منقسم بين أولئك الذين يؤمنون بأن غزة جزء من “أرض إسرائيل”، وأنه يجب العودة إليها وطرْد سكانها والاستيطان فيها، وبين أولئك الذين يرون بحق أن هذه السياسة يمكن أن تؤدي إلى كارثة، وأنه يجب الخروج من قطاع غزة وإبقاؤه خارج حدود إسرائيل. أمَّا كل حُجَّةٍ أُخرى يستخدمها أحدهم، فهي تضليل مقصود.
—————–انتهت النشرة—————–